عرض مشاركة واحدة
قديم 27-12-2014, 03:53 PM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
العلوية ام موسى الاعرجي
 
الصورة الرمزية العلوية ام موسى الاعرجي

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
العلوية ام موسى الاعرجي غير متواجد حالياً

المنتدى : احباب الحسين للمنبر الحر (الرأي والرأي الآخر)
اهتمام الإسلام بالعلاقات الاجتماعية

لقد أولى الإسلام العلاقات الاجتماعية أهمية خاصة, وجعل لها مواقع متقدمة في تعاليمه الرسالية, وحَمَّلَ جميع معتنقيه مسؤولية بنائها على أسس إيمانية وأخلاقية، ووصف العاجز عن بنائها، أو هادمها بأنَّه من أعجز الناس، ورد عن أمير المؤمنين (ع): (أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان, وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم)
ونفى الخير عن كل شخص لا يألف الناس، ولا تألفه القلوب، أي يكون نافراً من المجتمع منفراً له، ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين, ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)
وعن أبي عبد الله (ع) قال: (قال أمير المؤمنين (ع): المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)
والروايات التي تحث على اكتساب الأخوان, والتآلف الاجتماعي أكثر من أن تحصى, وهذا دليل على اهتمام الإسلام في بناء العلائق الاجتماعية بين الناس.
إنَّنا لو تتبعنا مفردات الأخلاق الإسلامية، والتي اعتبرها الإسلام أثقل شيء في الميزان يوم القيامة، نجدها جميعاً ذات أبعاد اجتماعية مختلفة، ولها آثار مهمة في توثيق الروابط بين المؤمنين أنفسهم, أو بينهم وبين غيرهم، فالتوادد، والمداراة, وخفض الجناح, والتآلف, والتآخي, والتواضع، والحلم, والعفو، والصفح, وكظم الغيظ, وحسن الظن, والعفة, والشكر, والرفق, والصدق، والكرم، والعدل, والتراحم, والتعاطف, والحياء, كل هذه المفردات والتي صبغها الإسلام بصبغة أخلاقية لها أبعاد وآثار عظيمة في تمتين العلائق الاجتماعية مع الناس بصورة عامة، ومع المؤمنين بصورة خاصة.
كذلك هناك مفردات عملية أخرى لها مردودات اجتماعية مهمة أكَّد عليها الإسلام، كما في: بر الوالدين, صلة الأرحام, إكرام الضيف, قضاء حاجات المؤمنين, حسن البشر، السلام, رد التحية بأحسن منها, الهدية, أداء الأمانة, حسن الجوار, المخاطبة بأحب الأسماء أو الألقاب... الخ
كل تلك المفردات اعتبرها الإسلام من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الأفعال، وهي مفردات يتعامل بها المؤمن مع الناس, وقد حث القرآنُ والسنةُ الشريفةُ المؤمنين عليها، وأمرهم بالتخلق بها، ومعاملة الناس على أساسها؛ لأنَّها تجسد أخلاق الإسلام، ومبادئه بشكل عملي, ولها تأثير كبير على النفس الإنسانية حيث إنَّها تفتح الطريق إلى القلوب، وتوثق الروابط بين الناس, واهتمام الإسلام بها دليل على اهتمامه بالعلاقات الاجتماعية؛ ليكون المؤمنون قوة جذب للآخرين، ينشدون إليهم، ويستأنسون بهم، وليكونوا دعاة إلى الله بسيرتهم قبل ألسنتهم.
وهذا أفضل أسلوب للتأثير في الناس، وهدايتهم إلى سبيل النجاة, وقد ثبت بالتجربة أن الناس يتأثرون سلباً أو إيجاباً بالمواقف السلوكية أكثر مما يتأثرون بعرض المبادئ المجردة, ومن هنا ينبغي للعامل في التغيير الاجتماعي أن يعرض مبادئه من خلال المواقف الرسالية, أي أن يكون الموقف معبراً عن المبدأ السليم، وأدق تعبير لهذه الحقيقة ما قاله أمير المؤمنين (ع): (إنَّ الوعظ الذي لا يمجه سمع, ولا يعدله نفع ما سكت عنه لسان القول, ونطق به لسان الفعل)
ومن ناحية أخرى نجد أنَّ الإسلام نهى عن ذمائم الأخلاق, وسوء الأفعال؛ لأنَّها تعطي صورة معكوسة عن مبادئه السليمة من خلال سلوك المتصف بها، فنهى عن التكبر, والحسد, والغيبة، والنميمة, والعجب, والبذاءة, والفخر, والمماراة, والقسوة, والمكر, والخديعة, والكذب, والهجران، وتتبع العورات, والشماتة, والسباب, وسوء الظن, وقطيعة الرحم، كل هذه المفردات نهى الإسلام عنها، وحذر منها بقوة, وأوعد عليها سوء المآل، ووخامة العاقبة؛ لأنَّها تؤدي إلى التمزق الاجتماعي، وتُحدث تنافراً بين النفوس, وهذا دليل آخر على حرص الإسلام على سلامة العلاقات الاجتماعية، وعلى بنائها على أسس إنسانية وأخلاقية.
ومن ناحية ثالثة فإنَّ الإسلام عمل على تذويب جميع الفوارق الاجتماعية، ونبذ التعصب القومي أو الإقليمي, أو أي نوع يبعد الإنسان عن أخيه الإنسان، فوضع قانون الأخوة الإيمانية والإنسانية, وأرسى دعائم التضامن, والتكافل الاجتماعي، يقول السيد الشهيد الصدر: (فالأساس الأول للضمان الاجتماعي: هو التكافل العام, والتكافل العام هو المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفاية كفالة بعضهم لبعض، ويجعل من هذه الكفالة فريضة على المسلم في حدود ظروفه وإمكاناته يجب عليه أن يؤديها على أي حال كما يؤدي سائر فرائضه)
وبذلك حمل مسؤولية الإصلاح الاجتماعي على الجميع، فعن ابن عمر يقول: (سمعت رسول الله (ص) يقول: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيدة ومسؤول عن رعيته)، قال: (وحسبت أن قد قال: والرجل راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)
كما إنَّه وضع لكلِّ علاقةٍ اجتماعيةٍ قانوناً أطَّرَهُ بإطار أخلاقي وإنساني بدءاً بالعائلة، فنظم العلاقة بين الزوجين، وحدد لكل منهما ما له من الحقوق, وما عليه من الواجبات، وحدد مسؤولية الأب عن أبنائه, وواجبات الأبناء إزاء آبائهم، ومروراً بعلاقة الجوار, والصداقة, والأخوة... وانتهاءً بالعلاقات العامة في المجتمع سواء كانت بين أفراد الرعية أو بين الحاكم والمحكوم، وحتى بين المسلمين وغيرهم، وهكذا لم يترك جانباً من الجوانب الاجتماعية إلا وضع له دستوراً ونظاماً حدد فيه الحقوق والواجبات.
ولكلٍّ من الفرائض العبادية التي فرضها الإسلام على معتنقيه أبعاد اجتماعية عظيمة في تمتين الروابط بين المسلمين فالصلاة، والصيام, والحج، والزكاة, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, مع كونها أعمالاً عباديةً يتقرب بها العبد إلى بارئه فإنَّ لها آثاراً اجتماعيةً مهمةً, فمثلاً صلاة الجماعة لها دور فعال في الربط بين المؤمنين، فعندما يقف المسلمون بصفوف متراصة من دون فارق بين غني وفقير, وحاكم ومحكوم, تزول كل الفوارق الاجتماعية في أسمى وأشرف موقف يقفه العبد في محضر القدس الأعظم، ورد في كتاب عيون أخبار الرضا: (فَلِمَ جعل الجماعة؟ قيل: لئلا يكون الإخلاص, والتوحيد، والإسلام, والعبادة لله إلا ظاهراً مكشوفاً مشهوراً؛ لأنَّ في إظهاره حجةً على أهل الشرق والغرب لله وحده عز وجل, وليكون المنافق والمستخف مؤدياً لما أقر به بظاهر الإسلام والمراقبة, وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى)
وخلاصة القول: الصلاة في المساجد, وصلاة الجماعة مظهر اجتماعي أولاه الإسلام أهمية كبرى، فهو إضافة إلى كونه عملاً عبادياً فهو يعطي في نتائجه بعداً اجتماعياً, فعن الأصبغ أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان يقول: (من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آيةً محكمةً، أو يسمع كلمة تدل على هدى, أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء)
وواضح أنَّ معظم هذه الثمان تتم عن طريق التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
والصوم ليس عملاً فردياً مجرداً، وإنما له دور كبير في خلق الروابط القوية بين المؤمنين حيث يواسي أحدهم الآخر, ويشعر الغني بآلام الفقير، يقول الإمام الصادق (ع): (إنما فرض الله الصيام؛ ليستوي به الغني والفقير، وذلك أنَّ الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير؛ لأنَّ الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أن يسوي بين خلقه، وأن يذيق الغني مس الجوع والألم؛ ليرق على الضعيف، ويرحم الجائع)
هذا مضافاً إلى ما فيه من المستحبات المؤكدة كتحسين الخلق, والرحمة للأيتام والفقراء.
والحج كذلك دورة تربوية اجتماعية يلتقي فيها المسلمون كل عام؛ ليتدارسوا شؤون دينهم ودنياهم، وبذلك تتوثق الروابط بينهما في كل بقاع الأرض.
والزكاة كذلك مع كونها فريضةً ذات صبغة اقتصادية فإنَّها كذلك ذات بعد اجتماعي مهم.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة إصلاحية اجتماعية حيث يتوجه الآمر, أو الناهي إلى المجتمع ليُمَتِّنَ فيه روابط الخير والصلاح، يقول الإمام الخميني(قده): (ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصة، وعلى الأمة عامة)
فهنا في هذه الفتوى وصف دقيق في عملية الأمر والنهي، وهي أن يكون الآمر طبيباً معالجاً لأمراض المجتمع بروح أبوية تتسم بالعطف، والرحمة، والشفقة على المأمور وعلى جميع الأمة.
فالعبادات المفروضة إذن مع روحها العبادية لها آثار اجتماعية على الفرد والمجتمع، وخلاصة القول: إن الإسلام دين اجتماعي يأبى لحاملي رسالته العزلة والانحسار عن المجتمع، بل أوجب عليهم التحرك فيه والعمل على تغييره, يقول الإمام الصادق (ع): (أكثروا من الأصدقاء في الدنيا، فإنَّهم ينفعون في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فحوائج يقومون بها، وأما في الآخرة فإنَّ أهل جهنم قالوا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم)
ويقول رسول الله (ص): (أقربكم مني مجلساً في الجنة، أحسنكم أخلاقاً في الدنيا المُوَطِئون أكنافهم، الذين يألفون ويُؤلفون)
ولم يكن هذا الحث على الترابط والتواصل الاجتماعي لغايات ذاتية محدودة، بل شرط الإسلام فيها النزاهة عن المصالح الخاصة، والالتزام بالمبدئية الهادفة، (ومن هنا فإنَّ المعيار الذي يعتمده أهل الإيمان بشكل عام في طبيعة الروابط بينهم وبين الآخرين هي المتبنيات الفكرية... إن ما يميز الإنسان المؤمن في ارتباطاته وعلاقاته مع الآخرين هو ما تمليه عليه فكرته، وما تفرزه متبنياته العقيدية، فهي الأساس والمقياس في الحب, والبغض, والقبول, والرفض، والرضا, والإعراض)












عرض البوم صور العلوية ام موسى الاعرجي   رد مع اقتباس