قَولُ الحُسينِ السِّبط (ع) {إِلَّا الحرامَ مِنَ الدُّنيا أَنالُوكُم، وخسيسَ عَيشٍ طمَعتُم فيهِ}.
يتعمَّدُ الطَّاغوت إِذلالَ النَّاس، وهذا أَمرٌ مفهومٌ، لكنَّ الأَمرَ غَير المفهُوم هو قَبول النَّاسَ بالذلِّ، بل أَنَّهم يُصفِّقونَ للذلِّ ويهتفُونَ لهُ ويُبرِّرونهُ، فعلى الرَّغمِ من أَنَّهم يرَونَ أَنَّ الطَّاغوت يسرُق حقُوقهُم وخيراتهُم ثُمَّ يتصدَّق عليهِم بالفُتاتِ من موائدهِ ويتمتَّع بمواهبِ اللهِ على البلادِ على حسابهِم فيشبع ويجوعونَ ويتمتَّع ويتحسَّرُونَ ومع ذلكَ تراهُم يهرِولونَ خلفَ موكبهِ حُفاةً جياعاً لاهثينَ صارخينَ [بالرُّوح بالدَّم].
وأَنَّ ذِلَّ الطَّاغوت للأُمَّةِ يتجلَّى بمظاهِرَ شتَّى؛
أ/ سلب حقِّ التَّفكير وحريَّة الإِختيار والتَّعبير.
يقولُ تعالى {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} و {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.
وفي عاشوراء خيَّرَ الطَّاغوتُ الحُسينَ السِّبط (ع) بينَ السِّلَّة والذلَّة، أَي أَنَّهُ حدَّدَ خياراتهِ وهذا بحدِّ ذاتهِ ذُلٌّ يرفضهُ الإِمامُ بقَولهِ {هَيهات مِنَّا الذِّلَّة}.
ب/ مُحاصرتهِ بوسائلِ العَيشِ الكريم، ليذلَّهُ بلُقمةِ عيشهِ ويذِلَّ أُسرتهِ بإِنعدامِ التعليمِ ورداءتهِ وانعدامِ التَّطبيبِ والصحَّةِ ورداءتهِا وانعدام طرُقِ النقلِ ورداءتِها وتلوُّثِ الجوِّ وهكذا، فكُلُّ ما يُساعدهُ على أَن يحيا حياةً كريمةً آمنةً مُستقرَّةً يسلبهُ مِنْهُ الطَّاغوت، على عكسِ إِرادةِ الله تعالى التي سخَّرت كُلَّ شيءٍ للإِنسانِ ليُحقِّقَ ذاتهُ وكرامتهُ وأَمنهُ واستقرارهُ، يقولُ تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
ج/ ويغلقُ الطَّاغوت كُلَّ فُرص الخَير والتطوُّر والتَّنميةِ بوجههِ ليبقى ضعيفاً مُهاناً لا يقوى على القراءةَ ولا يستطيع أَن يُفكِّر ولا يتمكَّن من إِتِّخاذ القرار السَّليم، فتكونُ النَّتيجة إِنتشار البطالة والمُخدِّرات والإِتِّجارِ بالبشرِ وظاهرةِ التسوُّلِ في المُجتمعِ والعُنفِ والإِرهابِ والشُّذوذِ والطَّلاقِ والتفكُّك الأُسري والتسيُّب المدرسي.
إِنَّهُ الذلُّ بعينهِ الذي يحكُم مثلَ هذهِ البيئةِ المريضةِ، فلا تُردِّد شِعار [هيهات مِنَّا الذلَّة] في هذهِ الحالاتِ فأَنت [طامُس] بها!.
وما أَعظمَ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) الذي وصفَ الذُّلَّ وذكرَ بجانبهِ طريقَ العزِّ بقَولهِ {قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وتَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ، فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ والْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ}.
د/ كما أَن التَّضليلَ بالكذبِ والتَّدليسِ وبثِّ الأَخبارِ الكاذبةِ ونشرِ الشَّائعاتِ للتسقيطِ والإِغتيالِ السِّياسي وحجبِ المعلومةِ الصَّحيحةِ واستبدالِها بمعلوماتٍ مغشوشةٍ لتضليلِ الرَّأي العامِّ، إِنَّ كُلَّ ذلكَ يُنتِجُ ذلَّةً ولا يُنتِجُ عزّاً، يقُولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) واصِفاً {أَلَا وإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
يجبُ أَن نتذكَّرَ بأَنَّ الذُّل حرامٌ كالقتلِ، لماذا؟! لأَنَّ الله الذي خلقَ الحياةُ خلقَ معها الكرامة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} ولذلك فإِنَّ مَن يسلُبَ الحياةَ من الإِنسانِ بقتلهِ كمَن يسلِبَ الكرامةَ منهُ بإِذلالهِ، كلاهُما مُجرمان!.
بعضَ النَّاسِ تهونُ عليهِ نفسهُ لدرجةٍ أَنَّهُ يسحقَ كرامتهِ بقدمَيهِ قبلَ أَن يسحقَها الطَّاغوت، وهذا شذُوذٌ عن خلقِ الله تعالى وتمرُّدٌ على إِرادتهِ التي خلقت العبادَ وكرَّمتهُم ثُمَّ سخَّر الله تعالى لهُم كُلَّ شيءٍ ليحمُوا كرامتهُم منَ الهدرِ والتَّجاوُزِ والسَّحقِ {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} كما أَنَّهُ تعالى أَكرمهُم فأَحسنَ خلقهُم {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} و {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}.
ثمَّ علَّم الله تعالى عبادهُ طريقَ العِزَّةِ والكرامةِ حتَّى لا يغفلَ فيَسحقَ أَو يسحقَ الآخرونَ كرامتهِ {وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} و {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ} و {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
ويصفُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) أَدوات حماية العزَّة والكرامَة بقولهِ {واحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الأَفْعَالِ وذَمِيمِ الأَعْمَالِ.
فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ والشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ واحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ.
فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِه شَأْنَهُمْ وزَاحَتِ الأَعْدَاءُ لَه عَنْهُمْ ومُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِه عَلَيْهِمْ وانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَه مَعَهُمْ ووَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْه حَبْلَهُمْ مِنَ الِاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ واللُّزُومِ لِلأُلْفَةِ والتَّحَاضِّ عَلَيْهَا والتَّوَاصِي بِهَا، واجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وتَشَاحُنِ الصُّدُورِ وتَدَابُرِ النُّفُوسِ وتَخَاذُلِ الأَيْدِي}.
فلماذا يتنازلُ الإِنسانُ عن كرامتهِ؟! ولماذا يقبَل أَن يسحقَها الطَّاغوت؟! ومَتى؟!.
يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {أَزْرَى بِنَفْسِه مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ ورَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّه وهَانَتْ عَلَيْه نَفْسُه مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَه} ويقولُ (ع) {مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْه نَفْسُه هَانَتْ عَلَيْه شَهَوَاتُهُ}.
فالطَّمعُ وطلبُ الشَّيءِ بأَيِّ ثمنٍ وحديثُ المرءِ عن مشاكلهِ ومُعاناتهِ لكُلِّ مَن يُصادفهُ ومن دونِ مُناسبةٍ حتَّى إِنَّما ثرثرةً، وأَن يسبِقَ لسانَ المرءِ قلبهُ وعقلهُ، وعدمِ التحكُّمِ بشهواتهِ، إِنَّ كُلَّ ذلكَ يفرُض على الإِنسانِ الذلَّةَ والمهانةَ ويسلبهُ الكرامةَ والعزَّ، ثُمَّ؛
١/ عندما يظنُّ أَنَّ الطاَّغوتَ أَعلى وأَسمى منهُ درجةً من النَّاحيةِ الإِنسانيَّة، وكأَنَّ الله تعالى خلقَ عِبادهُ درجاتٍ، منها درجةُ الحُّكام الذينَ يجب أَن يتمتَّعُوا بكُلِّ شيءٍ، ودرجةُ الرَّعيَّة، وهي أَدنى، والتي يجب أَن لا تتمتَّعَ بشيءٍ، إِلَّا إِذا أَفاضت عليها الأُولى من فُتاتِ موائدِها! فذلكَ كرمٌ منها وعطفٌ عليها وليسَ حقُّ أَو واجبٌ!.
٢/ عندما يتصوَّر بأَنَّ خيرات البِلاد ملكُ للحاكمِ وأَبنائهِ وعشيرتهِ ومُحازبيهِ يتقاسمونَها بينهُم، ليسَ لهُ ولأَمثالهِ حقٌّ فيهِ إِلَّا مكرُمةً من الزَّعيمِ إِذا شاءَ!.
ينسى الناسُ أَنَّ ما يهبهُ الله تعالى من نِعَمٍ على أُمَّةٍ فهي للنَّاسِ كافَّةً لا يجوزُ لأَحدٍ أَن يحتكِر َلنفسهِ شيءٌ منها {أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْه! واللَّه لَا أَطُورُ بِه مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّه!} يَقُولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) وإِذا منعَ عن النَّاسِ شيئاً واستولى عليهِ يكونُ الحاكمُ سارقاً ولِصّاً وغاصِباً لحقُوقِ النَّاسِ ومُقصِّراً في واجباتهِ يلزم إِزاحتهِ عن السُّلطةِ بهذهِ الحالةِ فهوَ ليسَ أَكثر من مُوظَّف عندَ النَّاسِ إِن عدلَ فبها وإِن ظلمَ فمزبلةُ التَّاريخِ مكانهُ، أَمَّا إِذا استمرَّ بالسُّلطةِ وهوَ ظالمٌ فإِنَّما بسببِ أَنَّ المُجتمعِ هانت عليهِ نفسهُ وبئسَ القرارِ والمصيرِ!.
يُحذِّرُ أَميرُ المُؤمنِينَ(ع) الحاكم من إِرتكابِ جريمةِ الإِستئثارِ بقولهِ في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر {وإِيَّاكَ والِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيه أُسْوَةٌ}.
من شبكة النبا المعلوماتية
من شبكة النبا المعلوماتية