عرض مشاركة واحدة
قديم 22-04-2013, 05:58 AM   رقم المشاركة : 28
الكاتب

أحلى من العسل


الملف الشخصي









أحلى من العسل غير متواجد حالياً


افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 15

إن كثيرا من المعاملات التي تمارس في الأنظمة الديمقراطية هي معاملات ظالمة. فعلى سبيل المثال، من قال إن الأغنى له أن يحتكر جميع الفرص لنفسه ويمنعها عن الآخرين؟ وعلى أيّ أساس أعطي الحقّ لكبير المساهمين أن يأخذ بزمام مقدرات باقي الأعضاء؟ أساسا إن مفهومي النموّ والتنمية في إطار النظام الرأسمالي الحرّ يشيران إلى ضرب من الظلم. لا مانع لدى النظام الرأسماليّ من ارتقاء الناس في الجانب الاقتصادي، بل يشجعهم على كسب الغنى والثراء وحتى قد يقرضهم ويوفّر لهم جميع الإمكانات في سبيل تحسين وضعهم الاقتصاديّ، بيد أن الهدف الأول والأخير في هذه السياسة هي زيادة القوّة الشرائية لدى الناس لتكون ضمانا على بيع منتجات أصحاب رؤوس الأموال. وهذه هي أحد المظالم الخفية في النظام الرأسمالي.
في جولة كانت لي قبل فترة في عدد من البلدان الأفريقية، سألت أحد المسؤولين السياسيين عن سبب قلّة تواجد الشركات الأجنبية ولاسيما الأوروبية في أفريقيا. فأجابني: «لقد نفض الأوروبيون أيديهم من ترفّه واغتناء الأفريقيين، ولهذا فلا ميل لهم إلى تكثير هذه الشركات». قلت له: «وهل يودّ الأوروبيون أن يترفّه الشعب الأفريقي؟!» فأجاب: «کلا، إن ما يهدفون إليه هو أن يجدوا سوقا لبضائعهم ولكنهم عرفوا أن أفريقيا لن تصبح سوقا جيدا لها؛ إذ لم يتطبّع شعبها على النزعة الاستهلاكية». وفعلا بسبب الظروف الأقليمية والمناخية هناك، لم تتوغل ثقافة الاستهلاك بعدُ في نفوس الشعب الأفريقي. حيث يكتفي أحدهم ببلوز صيفي طوال سنته ولا يضطره مناخها المعتدل إلى ارتداء شيء آخر. ينمو هناك نوعان من الموز، فيأكلون أحدهما كفاكهة ويطبخون الآخر كغذاء. فلا تهتشّ نفوسهم لابتياع البضائع الأجنبية الكماليّة على سبيل الإفراط. وعليه فلا يوجد للدول الأوروبيّة أيّ حافز لتنمية أفريقيا !
يعني النظامُ الرأسماليُّ من تنمية البلدان الفقيرة، ضمانا على تصاعد بيع بضائعهم. ومن هذا المنطلق أنشأوا المصرف الدولي وبادروا بإقراض البلدان الفقيرة. فهل قد احترق قلبهم على البلدان الفقيرة أو النامية؟ كلا، الواقع هو كلما تقرّبت البلدان صوب الحداثة والتطوّر ازدادت حاجة إلى بضائع البلدان الرأسمالية، فيتضاعف بيع هؤلاء وأرباحهم وإلى جانبه تتفاقم الاتكالية الاقتصادية في سائر البلدان. فعلى سبيل المثال قبل أن تنتصر الثورة في بلدنا إيران، كنا نستورد بعض البضائع كالقمح و غيره من الخارج، أما الآن وبعد ما بلغنا هذا التطوّر الباهر في مختلف مجالات العلم والتقنية، أصبحنا غير مستغنين عن أجهزة الحاسوب وغيرها من الأجهزة الحديثة، وبهذا فقد ازددنا اتّكالا. أصبح جهاز الحاسوب لدى الكثير منّا من أوجب الواجبات، فإذا خطينا خطوات أخرى نحو التطور والحداثة، تزداد حاجتنا شيئا فشيئا إلى باقي الأجهزة المتطورة وبرامجها، ومآل هذا المسار هو استفحال الاتكال فينا وتضاعف البيع والأرباح للبلدان المنتجة لهذه البضائع.
وكذا الحال في المجالين الثقافي والاجتماعي. فلا بأس أن نقف ـ على سبيل المثال ـ على الرؤية الظالمة التي تنظر بها الأنظمة الرأسمالية إلى حجاب المرأة وسترها. إن هذه الرؤية إلى المرأة بأن لها الحريّة المطلقة في أن تخرج كيف ما تشاء أمام أنظار الناس وتدخل في مختلف مجالات المجتمع بما طاب لها من زيّ، هو ظلم على المرأة نفسها. لقد أصبحت هذه الثقافة معترف بها في الغرب وهي أن كلّ فرد له أن يحضر في مختلف الأوساط الاجتماعية بما راق له من زيّ ومظهر، وبات الناس جميعا هناك ينظرون إلى هذه الحريّة كحقّ لهم. بينما السفور والتبرّج في حقيقة أمره ظلم على سائر النساء. الفتاة التي تحظى بالحسن والجمال وقد سبقت بجمالها باقي النساء في لفت أنظار الرجال وفتونهم، فهي في الواقع تظلم أولئك النساء اللاتي لم يحظين بجمالها أو قد سُلِب منهنّ لمضيّ عمرهنّ. كما أن هذه الفتاة تمضي في سبيل تفقد فيه جمالها وسوف تأتي فتيات أخريات فيهمشّونها بنفس هذا السلوك الظاهر في ظلمه. في هذه المنافسة الباطلة، تهان كلّ فتاة لم تحظ بهذه المغريات الظاهرية. وإن هذا لأكبر ظلم على النساء.
وكذلك نغمة المساواة بين حقوق المرأة والرجل تمثّل ضربا آخرا من أنواع المظالم التي تمارس بحقّ النساء، ولكن قلّ ما لفتت أنظار الناس لخفائها. كيف تكون نتيجة المساواة بين حقوق المرأة والرجل في شؤون المجتمع، لصالح المرأة، ومن قال بأننا سوف نخدم المرأة ونتفضل عليها فيما لو أنجزنا هذه المساواة؟
إنّ تحليل هذه القضية يقتضي مجالا آخرا ولكن نكتفي هنا بتسليط الضوء على نقطة واحدة. إن المساواة بين حقوق المرأة والرجل في حقيقة أمرها هي سحق فطرة المرأة وغض الطرف عن احتياجاتها ونزعاتها الطبيعية. فهل هي لصالحهنّ؟ إنها تشبه في سخافتها بما لو نادينا بالمساواة بين حقوق الأطفال والكبار، ومن ثمّ نمنح الأطفال جميع حقوق الكبار وامتيازاتهم. فقد لا تبدو مشكلة في هذه المساواة إلى هذا الحدّ من تصوّرها، ولكن ستظهر مشاكلها في ما لو ارتفع مستوى توقعاتنا من الأطفال بدرجة ما نتوقعه من الكبار، فنتوقع منهم أن لا يختلف سلوكهم عن سلوك الكبار، وأن يمارسوا العمل كشأن الكبار، وأن يلتزموا بالآداب الاجتماعية مثلهم، وأن يتعهدوا بجميع العهود والعقود الأسرية والاجتماعية كشأنهم و... فهل هذه المساواة خدمة للأطفال أم خيانة بحقهم؟

يتبع إن شاء الله...


من مواضيع أحلى من العسل » مقطع فلم لسماحة الشيخ بناهيان باسم"التديّن السارّ"
» مقطع فلم لسماحة الشيخ بناهيان باسم"شهر رمضان المهدوي"
» مقطع فلم لسماحة الشيخ بناهيان باسم"أزيلوا سوء الفهم هذا"
» مقطع فلم لسماحة الشيخ بناهيان باسم" كيف ننتفع من هذا الشهر الفضيل؟"
» مقطع فلم لسماحة الشيخ بناهيان باسم" لماذا يبلغ الصالحون مبلغاً في الفساد إذا فسدوا؟!"
رد مع اقتباس