العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم العام > احباب الحسين للتاريخ والحضارات > قسم الشخصيات اللامعه
قسم الشخصيات اللامعه يختص بالسير الذاتيه للشخصيات اللامعه القديمه والحديثه وبكل أصنافها
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


السيد محمد باقر الصدر؛ عن حركة التطور في النبوة والإمامة..

قسم الشخصيات اللامعه


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-04-2020, 05:25 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

سيد فاضل

الصورة الرمزية سيد فاضل


الملف الشخصي









سيد فاضل غير متواجد حالياً


افتراضي السيد محمد باقر الصدر؛ عن حركة التطور في النبوة والإمامة..



السيد محمد باقر الصدر؛ عن حركة التطور في النبوة والإمامة.. بقلم الدكتور أحمد راسم النفيس

شفقنا العراق-الأزمة الطاحنة التي تعيشها أمتنا في المرحلة الراهنة هي أزمة فكر أكثر من كونها أزمة فقه.

لا أحد ينكر قيمة الفقه وأهميته في ضبط وتنظيم سلوك البشر إلا أن حال التخبط الذي يعيشه المسلمون والذي قادهم لأوسع عملية انتحار وتدمير ذاتي لم ينبع من افتقاد الفتاوى الصحيحة أو اتباع تلك السقيمة بل لافتقادهم المسار الفكري الواضح الذي يفسر ما يجري حولهم ويرشدهم إلى الطريق الصحيح ويحول بينهم وبين الانتقال من هاوية إلى هاوية، كما أن الأزمات الكبرى التي تعاني منها أمتنا لا تعالج بإطلاق الفتاوى بحرمة كذا وإباحة كذا بعيدا عن معالجة جذور المصائب وأسبابها التاريخية التي أدت للانحراف السياسي والأخلاقي الجمعي وصولا إلى التيه الذي تعيشه أمتنا المنكوبة.

في أحد المرات استمعت إلى أحد الفضلاء وهو يفسر مفهوم الفكر الإسلامي: (الفكر الإسلامي هو خلاصة المحقق علميا في الحوزات العلمية حيث يجري تقديمه بلغة مبسطة يفهمها عامة الناس)، وهو تعريف لا يختلف كثيرا عن المعادلة التي تحدد محيط الدائرة = 2ط نق أو مساحتها = ط نق تربيع.

ولو كان هذا التعريف صحيحا لأصبح لدينا مئات المفكرين بينما يقول الواقع عكس هذا تماما.

في كتاب (العودة إلى الذات) يطرح الدكتور علي شريعتي معنى الفكر: (المفكر هو الذي يطرح الإسلام بعيدا عن صورته المكررة وتقاليده العفوية اللاواعية التي هي أكبر عوامل الانحطاط، ينبغي عليه أن يطرح الإسلام في صورة إسلام باعث للوعي تقدمي ومعترض وكأيديولوجية قائمة بالتنوير).

(من هنا يبدأ الوعي وهي مسئولية المفكر دينيا كان أم علمانيا وذلك من أجل العودة إلى الذات والبدء من الذات حتى تترسخ على أسس أكثر عمقا في واقعنا الروحي وشخصيتنا الحقيقية الإنسانية ويتغذى من هذا الكنز ويقف على قدميه ويتحول الإسلام من صورة تقليد اجتماعي إلى ايديولوجية)[1].

(المفكر هو من يمتلك رؤية نقدية)[2].

(في مجتمع تسوده الأمية الثقافية وانعدام الوعي الاجتماعي فالمفكر وحده هو الذي يتمتع بثقافة ووعي نسبيين وهو وحده الذي يرى ويعلم وهو العارف بالطريق وهو أيضا عصا الاتكاء في مجتمعه).

وعن المسئولية الملقاة على عاتق المفكر يقول شريعتي:

(أولا: ما لم يوقظ قلب الأمة وما لم يجد ضمير الأمة وعيا اجتماعيا فكل مدرسة وكل حركة تبقى عقيمة ومجردة. ثانيا: إن الناس فقط هم الذين يستطيعون تحرير أنفسهم وينبغي أن تكون قيادة الحركة الاجتماعية في أيديهم مباشرة وما لم يصل قلب الأمة إلى (الحماس والانفعال التلقائي) والحركة الاجتماعية الخلاقة وما لم يصنع الشعب من بينه أبطالا وقيادات جديرة بنفس السمات الشعبية المخلصة والصادقة وما لم يقدمهم إلى الصفوف الأولى فإن حضور المتعلمين بالنيابة عنهم لا ينهض بالمهمة المطلوبة. ثالثا: خلافا للغفلة الذهنية التي ابتلي بها كثير من المتعلمين بل وبعض المفكرين هو الظن بأن الفقر والظلم والحاجة والتناقضات الشديدة في المجتمع والاستغلال وما تقتضيه الحتمية التاريخية سوف تؤدي لوقوع التمرد والانفجار والتغيير الحاسم. لا يمكن أن يكون الفقر في ذاته سببا للحركة والتمرد ولكنه الإحساس بالفقر وشعور الطبقة المحرومة بالحاجة إلى التغيير)[3].

في هذا الإطار نتناول ما قدمه الشهيد العظيم السيد محمد باقر الصدر من أطروحات وضعت الفكر الإسلامي على طريق لو اكتمل واستمر فربما لم نكن لنواجه الآن مأساة داعش فقد استطاع الرجل رضوان الله عليه أن يتجاوز خطوط التقسيم الطائفي التي أوصلتنا إلى هذه الحالة المأساوية التي نعيشها الآن.

أحد أهم الإشكاليات التي لم تتناولها جماعة (ط نق2) بالشرح والتفسير هي التعرف إلى طريقة تواصل خط النبوة وتكاملها مع خط الإمامة مقابل المدرسة الفكرية السائدة التي تزعم أن الإسلام قد وصل إلى قمة تكامله منذ اللحظة الأولى محققا نموذج المدينة الفاضلة خلال عصر الخلفاء وهي الإشكالية التي قدمت لنا داعش والإخوان وكل الجماعات التي تعتقد أن واجبها هو إعادة إنتاج هذه المرحلة وإعادة تطبيق الشريعة الإسلامية التي يقولون أنها طبقت في هذا العصر الملتبس وتبني على ما بناه هؤلاء والصحيح أنها تبني على ما هدمه هؤلاء!!.

يقول تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[4].

فكيف بمن أسس بنيانه على أوهام رآها في ظلمات بعضها فوق بعض… والله لا يهدي القوم الظالمين لأنفسهم ولغيرهم فكيف بمن ظلم محمدا وآل محمد (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) الشعراء 227.

الشهيد الصدر وحركة تطور وتجديد النبوات

في سلسلة محاضراته المطبوعة تحت عنوان (أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية) تناول الشهيد السعيد السيد/ محمد باقر الصدر واحدة من أهم وأخطر القضايا التي لم تحظ بما يتعين من اهتمام، تلك المتعلقة أولا بتواصل خط النبوات وثانيا تلك المتعلقة بالتواصل بين مرحلة النبوة ومرحلة الإمامة.

الذين يتنكرون لإمامة أهل البيت يتعلقون بظاهر الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم..) ويستدلون بها على بلوغ الأمة مرحلة الكمال إلحاقا ببلوغ الدين ذاته مرحلة الكمال فالأمة من وجهة نظرهم أصبحت هي الممثل الكامل للدين والدين أصبح ممثلا في الأمة والأمة قد بلغت مرحلة الرشد الكامل وأصبح من حقها أن تعزل وأن تولي وأن ترسم المسارات ليس لنفسها فقط بل للدنيا بأسرها وليس أدل على ذلك من شعار (أستاذية الدين والدنيا) الذي منحته جماعة الإخوان لنفسها.

القاسم المشترك بين المؤمنين بولاية أهل البيت والمتنكرين لها هو الخلط الخاطئ بين الدين والأمة وأن ما جرى في تلك اللحظة يعد انحرافا عن نقطة التمام – من وجهة نظر المؤمنين بالولاية- في حين تقول القراءة الصحيحة أنه لم تكن هناك نقطة تمام على المستوى الواقعي.

أن يبلغ الدين نقطة التمام وأن يكلف المؤمنون بولاية أهل البيت فهذا لم يعن يوما أن الأمة قد لزمت أو التزمت بهذا النهج الصحيح ومتطلباته من أفعال وأخلاق بل ظل أغلبها يراوغ ويداور ويتعلل ويمتنع عن الالتزام بنهج الحق والسير على صراط الله المستقيم.

القول بوجود (انحراف) يعني أن القوم استقاموا ثم انحرفوا وهو ما لا يطابق الواقع في أغلب الأحيان.

لا بد لنا أن نفهم أن الأمة الإسلامية كما البشرية بأسرها مشت ولا تزال تمشي على مسار إجباري يسوقها نحو التكامل في إطار الصراع المتواصل الدائم بين الحق والباطل والخير والشر.

مسار طولي تصاعدي سار عليه أتباع الأنبياء والأوصياء من لدن آدم وصولا إلى الظهور المهدوي ونزول المسيح عيسى بن مريم وخط لولبي متعرج يدور حول هذا الخط الطولي يتعلق بالصراعات الآنية التي تبدأ ثم تحسم في أعوام أو عقود.

إذا نحن أمام حركة استراتيجية طولية تصاعدية تستغرق أجيالا وحقبا في مسار نعتقد جازمين ألا قدرة لبشر عادي على تخطيطها وإدارتها اللهم سوى أولئك المعصومون المسددون من أئمة أهل البيت عليهم السلام وحركة تكتيكية (بحساب الزمن) يديرها الرساليون من أتباع الأئمة عليهم السلام حيث تصب هذه في خدمة تلك والعكس صحيح.

هذا الخط الاستراتيجي (بحساب عمر البشرية) كان أمرا واقعا فيما يتعلق بحركة النبوات وأيضا فيما يتعلق بمسار الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

وكما يقول السيد/ محمد باقر الصدر فالتجديد والتغيير في النبوة له أسباب عديدة معقولة.

السبب الأول: استنفاذ غرض النبوة

إذا كانت النبوة قد استنفدت أغراضها واستكملت أهدافها وأنهت شوطها المفروض عليها فإنها لا بد أن تخلي الميدان لنبوة تحمل أهدافا جديدة وتحمل شوطا جديدا لا بد أن تؤديه في خدمة الإنسان وتصعيده إلى المستوى المطلوب.

تستنفذ النبوة أهدافها عندما تكون وصفة لمرض طارئ في حياة البشرية.

هناك نقاط ضعف تطرأ بين حين وحين في بعض الأزمنة والأمكنة من الناحية الفكرية والأخلاقية قبل أن تستفحل بموجب شروط موضوعية خاصة فقد يتطلف المولى سبحانه وتعالى بإنزال وحي معين لأجل علاج هذه الحالة ومن الطبيعي أن تكون هذه الوصفة قائمة على أساس معالجة هذا الحال الاستثنائي المنحرف الذي يعيشه الإنسان المستهدف بهذه النبوة.

حينما تكون النبوة هكذا وتدخل شوط عملها وجهادها وتحارب وتكافح في سبيل استئصال هذا المرض الاستثنائي، بعد هذا تكون هذه النبوة قد استنفذت أغراضها لأنها جاءت لمعركة جزئية محددة بظروف زمانية ومكانية خاصة.

فمثلا ما يقال من أن المسيحية كانت تتجه لنزعة روحية مفرطة تركز على الجانب الغيبي بدرجة أكبر من التركيز على بقية جوانب الحياة المعاشة المحسوسة وأن هذا التركيز الذي قامت على أساسه الرهبنة كان علاجا لمرض عاشه بنو إسرائيل حينما ظهرت المسيحية في هذا الوقت.

في مواجهة حالة الانغماس في الدنيا وعلائقها تلك الحالة التي جعلت اليهودي مشدودا إلى درهمه وديناره ويومه وغده، كانت المسيحية هي الوصفة الملائمة للعلاج.

هذا النوع من الإفراط حينما يصبح خطا عاما للإنسان يعتبر شذوذا وانحرافا لأنه دواء للمريض وليس للإنسان الصحيح.

السبب الثاني: انقطاع تراث النبوة

من جملة أسباب تغيير النبوة ألا يبقى منها تراث يمكن أن يقوم على أساسه العمل والبناء.

إذا افترضنا أن نبوة جاءت ومارست دورها في قيادة البشرية وهدايتها ووصلها بربها وتطويرها من شوائبها ثم مات النبي وكان أن تولدت ظروف انحراف أكلت ذلك التراث الروحي والمفاهيمي الذي خلفه ذلك النبي لتبقى النبوة مجرد مسألة تاريخية وشعار غامض دون أن يكون معبرا عن أي كيان محدد في أذهان القاعدة الشعبية المرتبطة بتلك النبوة.

في مثل هذه الحالة لا يمكن أن تواصل هذه الدفعة الإلهية المتمثلة في تلك النبوة عملها دون مصباح منير على ما يصطلح عليه القرآن الكريم حيث لا يوجد بالفعل في حياة الناس ما يجسد مفهوم تلك النبوة ومنظاهر للحياة، وفي مثل هذه الأحوال لا بد من دفعة جديدة كي يستأنف العمل ويستأنف الشوط لإعادة البشرية إلى ربها وإقامة دعائم العدل والحق والتوحيد على وجه الأرض.

ينطبق الأمر على المسيحية، فبعد أن غادر السيد المسيح مسرح الدعوة والعمل لم يبق منها شيء حقيقي يمكن أن يقام على أساسه العمل النبوي.

الإنجيل الذي يتحدث عنه القرآن فقد نهائيا، فهو كتاب أنزل على السيد المسيح لا كتاب ألف من قبل طلاب السيد المسيح.

الأناجيل التي بين أيدينا لا تحمل إلا سيرة السيد المسيح.

لم يبق من السيد المسيح إلا سيرته، أما ماذا قال وماذا علم ثم انتهى فكل هذا بقي غائما عغامضا.

السبب الثالث: محدودية نفس النبي

فالرسالة التي هبطت على النبي محدودة والنبوة وإن كانت مفهوما عاما إلا أن هذا المفهوم العام – على ما يقول المناطقة – يصدق على أفراده بالتشكيك.

هناك نبي للبشرية ونبي للجماعة ونبي للقبيلة وهناك نبوات تختلف من حيث السعة والضيق باختلاف طبيعة النبي نفسه.

السبب الرابع: تطور الإنسان المدعو

وأخيرا من جملة الأسباب التي تدعو إلى تغيير النبوة هو تطور البشرية، تطور نفس الإنسان المدعو لا محدودية الإنسان الداعي وكون الإنسان المدعو يتصاعد بالتدريج لا بالطفرة وينمو على مر الزمان في أحضان هذه الرسالات الإلهية فيكتسب من كل رسالة إلهية درجة من النمو تهيئه وتعده كي يكون على مستوى الرسالة الجديدة وأعبائها الكبيرة ومسؤولياتها الأوسع نطاقا.

ملامح فكرة التطور

يمكننا أن نبرز ثلاثة خطوط تتطور عليها الإنسانية، إلا أن العمل التغييري في النبوة يرتبط بالتطور في خطين من هذه الخطوط الثلاثة ولا يرتبط بالخط الثالث منها وهي:

خط وعي التوحيد.

خط المسؤولية الأخلاقية لحمل أعباء الدعوة.

خط السيطرة على الكون والطبيعة.

النبوة تستهدف صنع الإنسان من داخله وأن تضع له قاعدة فكرية يقوم على أساسها بناؤه الداخلي ثم يقوم على أساس هذا البناء الداخلي البناء الخارجي.

الخط الأول وعي التوحيد

القاعدة الأساسية التي يقوم عليها البناء الداخلي وبالتالي البناء الخارجي هي التوحيد وربط الإنسان بكامل مرافق وجوده وجوانب حياته بإله واحد أحد.

التوحيد هو القاسم المشترك بين كل النبوات والرسالات التي عاشها الإنسان منذ خلقه الله على وجه الأرض.

فكرة التوحيد ليست ذات درجة حدية بل هي ذات درجات من العمق والأصالة والتركيز والترسخ وهي درجات متفاوتة كان لا بد بمقتضى الحكمة الإلهية أن يهيأ الإنسان لها بالتدريج بعد أن غرق بمقتضى تركيبه العضوي والطبيعي في حسه ودنياه.

فكرة التوحيد هي الغيب الذي لا بد أن يعطى له على درجات ومراحل، كل درجة تهيئ ذهنه لتلقي التوحيد على الدرجة الأخرى.

بإمكاننا بالالتفات لفكرة التوحيد المعطاة في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم أن نفهم هذا المعنى.

فكرة التوحيد في التوراة

التوحيد في هذا الكتاب يقوم على أساس إعطاء إله ذو طابع قومي محدود فيشد هذا الإله لجماعة معينة هي الشعب الذي نزلت الرسالة إليه، فكانت التوراة تقدم الإله في إطار قومي، كأنه إله هؤلاء في مقابل الأصنام والأوثان التي هي آلهة سائر الشعوب والقبائل.

لم تقل التوراة لهم بشكل صريح وعميق أن هناك إلها واحدا للجميع وأن البشرية يجب أن ترفض هذه الأصنام والأوثان، وإنما كأنها عوضت هؤلاء بالخصوص عن صنم ووثن معين بإله يعبدونه بدلا من هذا الصنم.

هذا الشيء الذي بعث في نفوسهم شعورا بالزهو والخيلاء على بقية الشعوب، فخيل لهم على مر الزمن أنهم يحتكرون (الله) لأنفسهم.

التوحيد في الإنجيل

في الإنجيل صعدت فكرة (الله) مرتبة ونزع عنها الطابع القومي وأصبح (الإله) المقدم من قبل تلامذة المسيح للعالم إلها عالميا لا فرق فيه بين شعب وشعب، إلا أن هذا (الإله) الذي هو إله العالم على الإطلاق لم يغادر منطقة قريبة من ذهن الإنسان المحسوس، ولم يجرد تجريدا كاملا عن عالم الحس وبقي على صلة وثيقة جدا بالإنسان الحسي كأنه أبوه ولهذا يعبر في الأناجيل كثيرا عن الإنسان بأنه ابن الله

التوحيد في القرآن

يعطي القرآن فكرة التوحيد بأنصع وأوسع ما يمكن من التنزيه الذي يبقى محتفظا بقدرته على تحريك الإنسانية لأنه يجرد (الله) عن أي علاقة مادية مع الإنسان حتى مع صاحب الرسالة بالذات محمد صلى الله عليه وآله.

يقف النبي محمد في لغة القرآن بين يدي الله عبدا ذليلا خاضعا يتلقى الأوامر وليس له إلا أن يطيع وينفذ حرفيا.

هذا الخط، خط وعي التوحيد وفكرة التوحيد، هو أول الخطوط التي تتغير مواقف النبوات بموجبها على أساس أن هذا الخط مرتبط بالقاعدة الفكرية الأساسية التي تعمل بموجبها كل نبوة.

الخط الثاني: المسئولية الأخلاقية للدعوة

الخط الثاني هو تحمل أعباء المسئولية الأخلاقية للدعوة يعني كون الإنسان بلغ درجة تؤهله لتحمل أعباء دعوة لها ضريبتها وواجباتها وآلامهم وهمومها.

مثل هذا التحمل أيضا له درجات ولم يستطع الإنسان بالطفرة أن يصل لدرجة تحمل أعباء رسالة عالمية واسعة غير محدودة الزمان والمكان وإنما استطاع أن يصل إلى ذلك عبر مران طويل على تحمل المسئوليات.

المقارنة بين أمم موسى وعيسى وبين المسئوليات التي تحملتها الأمة الإسلامية منذ نزل الوحي على نبينا محمد بالرسالة الخاتمة يكشف عن درجة كبيرة من تحمل المسئولية تعبر عن نمو الاستعداد على مر الزمن.

موسى عليه السلام مات وبنو إسرائيل في التيه الذي كتبه الله عليهم لأنهم لم يستجيبوا أبدا لمتطلبات الرسالة.

أئمة أهل البيت ودورهم التصاعدي التكاملي

طريق النبوات هو طريق الآلام، طريق الصراع الطويل الممتد بين الحق والباطل.

لا تكتمل مهمة الأنبياء بين عشية وضحاها كما توهم البعض ممن أقاموا صروح الوهم متحدثين ومشيدين بما أسموه الجيل القرآني الفريد رغم أن الكثير من هؤلاء هم ممن أسلموا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وومن وصفهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبوا ع (فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ).

وإذا كان هذا هو حالهم على المستوى الشخصي الاعتقادي فما بالك بمنظومة الأفكار والتصورات التي حاولوا تطبيقها في أرض الواقع ونسبوها إلى الإسلام والتي قادت الأمة بأسرها للتخبط والفتنة والتقلب بين الصعود والهبوط.

ولأن الإمامة هي امتداد النبوة والقائمة بأمرها والوصية على تطبيق مفاهيمها وقيمها الإلهية وبلورتها في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، ولأنها من تلقى الضربة تلو الضربة وضحت وقدمت الشهداء، دفاعا عن روح الإسلام، ولأن تغيير البشرية عملية طويلة وممتدة لا يمكن إنجازها بين يوم وليلة، كما أن هذا الإنجاز يقوم على مبدأ التطور الإنساني وليس الطفرة الإيمانية التي طالما روج لها أنصار نظرية (الجيل القرآني الفريد)، لذا تعين علينا أن ندرس حركة الأئمة على مدى تاريخ المسلمين بنفس الطريقة التي تعاملنا بها مع تطور حركة النبوات والتي عالجها السيد محمد باقر الصدر.

يقول الشهيد الصدر في سلسلة محاضراته المطبوعة بعنوان (أئمة أهل البيت ودرهم في تحصين الرسالة الإسلامية) تحت عنوان جانبي (الأدوار الثلاثة التي توزعت عليها حياة الأئمة ع).

المرحلة الأولى: تحصين الإسلام ضد صدمة الانحراف وهي المرحلة التي عاش فيها قادة الرسالة مجابهة ومواجهة صدمة الانحراف التي وقعت في الأمة الإسلامية عقب وفاة النبي ص فكان أئمة هذه المرحلة يعملون بشكل رئيسي لمواجهة ومجابهة هذه الصدمة وتحصين الأمة ضدها وهي المرحلة التي انتهت عند الإمام السجاد ع.

المرحلة الثانية: مرحلة إعطاء الإطار التفصيلي الخاص بالشيعة

فضلا عن مواصلة خط المرحلة الأولى، التصدي لتنمية الكتلة الواعية التي عرفت في التاريخ باسم (الشيعة) وهي الكتلة التي شكلت القاعدة الشعبية المؤمنة بمدرسة الإمام علي ع في الشريعة والحكم والسياسة والاقتصاد والأخلاق والسلوك وفي كل الميادين التي أعطى فيها الإمام علي أروع تمثيل للنظرية الإسلامية.

وهي المرحلة التي تنتهي عند الإمام موسى بن جعفر ع.

المرحلة الثالثة: مرحلة الإعداد لتسلم زمام الحكم

تنتهي المرحلة الثانية عند الإمام موسى بن جعفر ع كي تبدأ المرحلة الثالثة التي بدا فيها رصيد الإمام علي وورثته ضخما قويا ناتجا على مستوى تسلم زمام الحكم فعاش الإمام الرضا ع هذه المرحلة التي بلغ رصيد الإمام أمير المؤمنين العظمة والاتساع نتيجة جهود الأئمة في المرحلة الثانية.

كان هذا الارتفاع في الرصيد الصحيح وقتئذ يحدد ملامح هذه الكتلة في جوانبها الفكرية والاجتماعية وكان هذا نتيجة جهدين متوازيين عاشتهما المرحلة الثانية بأشكالهما المختلفة.

خط التثقيف الفكري والتوعية العقائدية التي قام بها أئمة أهل البيت من الأئمة المعصومين بصورة مباشرة.

خط دعم المواجهة وتوجيهها

إنه الجهد الذي انطلق من دم الحسين بالتوازي مع الجناح الآخر الذي تسلم زمام الثورة والمواجهة السياسية للوضع الحاكم وقتئذ منذ أعطى الإمام السجاد بوصفه الممثل الحقيقي للإسلام بيانه العام وإذنه لكل مسلم أن يمارس عمله ضد الطواغيت الحاكمين وذلك عندما ذهب إليه محمد بن الحنفية مع رسول المختار فأعطى بيانا كان بحسب ما تدل عليه الظروف العامة بداية تخطيط للمرحلة كلها.

لم يكن بإمكان الأئمة تزعم المعركة لتحريك الضمير الثوري عند الأمة الإسلامية فكان من الضروري تخويل هذه الصلاحيات لسائر المسلمين مع التزام الأئمة بالتوجيه والمراقبة والمساندة الواضحة لقادة الرسالة الحقيقيين.

المرحلة الراهنة

رحل الشهيد السعيد محمد باقر الصدر عن عالمنا منذ أكثر من ثلاثين عاما بعد أن ترك بصماته ممهورة بدمه الطاهر على المسار الفكري لأمتنا المنكوبة بأعداء الأئمة من آل محمد.

لا شك أن هذا الصراع الضاري قد وضع بصماته ليس على مسار الأمة الإسلامية وحدها على على مسار الأحداث الكونية.

كلما حاول أعداء الإسلام في صورته الأصلية الحضارية المتبلورة حول خط الأئمة ضرب هذا الخط وتكسيره، ارتدت عليهم النتائج بعكس ما يأملون ويخططون.

كلما حاول هؤلاء الجهلة إطفاء نور الله بأفواههم الكاذبة النجسة ازداد هذا النور سطوعا وتألقا (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة 32.

هاهي البشرية تتجه رويدا رويدا نحو نبع النور الإلهي الصافي رغم حملات الدجل والتشويه التي احترفها واعتاش عليها هؤلاء وحتى لحظة الحسم النهائي التي يرونها بعيدا ونراها قريبا قريبا.

يبقى الواجب الملقى على عاتقنا واجب التنوير والتبصير وتوجيه البشرية الراغبة في الخلاص من ربقة الظلمة المضللين وإيضاح السبب الحقيقي لوقوع المسلمين في ربقة التخلف والانحطاط والتخلي عن رغبات البعض في التحكم والهيمنة أيا كان الراغب والحالم بهذا التسلط والاستئثار من أعداء خط الولاية أو من جماعة ط نق2 التي تصر على ألا ترى سوى صورتها في مرآة الذات المقعرة والمتقعرة.

د. أحمد راسم النفيس


التوقيع :
من مواضيع سيد فاضل » ان الميت ليفرح
» المرتد سلمان رشدي يتعرض للطعن في نيويورك
» عزاء ركضة طويريج.. كيف نشأ ولماذا منع؟!
» مسجد الحنانة.. موضع رأس الإمام الحسين عليه السلام
» مختارات من رثاء لقتيل كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) 2
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد, والإمامة.., النبوة, التطور, السيد, الصدر؛, باقر, حركة

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشيخ الوائلي يتحدث عن السيد محمد باقر الصدر محب الرسول احباب الحسين للمرئيات والصوتيات الاسلاميه 6 27-04-2013 07:01 PM
خاطرة في حب السيد محمد باقر الصدر (قدس سره ) غربتي طالت احباب الحسين للشعر والخواطر 6 27-02-2012 01:32 PM
فلسفتنا السيد محمد باقر الصدر حبيب حبيب احباب الحسين للكتب الإسلاميه 3 15-02-2011 05:40 AM
ابيات في حق السيد محمد باقر الصدر قدس سره محـب الحسين احباب الحسين للشعر والخواطر 5 11-04-2010 10:01 PM
السيد الشهيد محمد باقر الصدر محـب الحسين قسم الشخصيات اللامعه 6 08-08-2009 04:00 AM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين