اللَّهُمَّ صَلِّ عَلىَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد وعجل فرجهم يا كريم
فاطمة الزهراء «عليها السلام».. وجهادها المتواصل
وُلِدت فاطمة الزهراء عليها السلام في حدّة الصراع بين الإسلام والجاهلية، وفتحت عينيها والمسلمون في شدّة الجهاد مع الوثنيّة الجائرة، لقد فرضت قريش الحصار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبني هاشم جميعاً، فدخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مع زوجته المجاهدة وابنته الطاهرة الشِّعب، وحاصرتهم قريش ثلاث سنين، وأذاقتهم فيها ألوان الحرمان، وشظف العيش، إلّا أنهم جاهدوا في الله، دفاعاً عن الحقّ وتضحية من أجل المبدأ، ومرّت سنوات الحصار صعبة ثقيلة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها منتصراً، وشاء الله أن يختار خديجة لجواره، في ذلك العام، كما توفّي فيه أبو طالب، عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحامي الدعوة، وناصر الإسلام.. وأخذ الحزن والأسى بقلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بعد فَقده أحبَّ الناس إلى قلبه وأعزَّهم عليه. وهكذا رُزئت فاطمة عليها السلام، وهي لم تشبع بعدُ من حنان الأُمومة، وشاطرت أباها المأساة والألم، بالرغم من أنّها قد فقدت أُمّها، مصدر الحنان الثرّ، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يحاول دائماً أن يُعوِّض لها من حبّه ما فقدته من حنان أُمّها الكبير.
ولقد صبّت قريش كلّ حقدها وأذاها على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بعد وفاة عمّه وحاميه، وكانت الزهراء عليها السلام، ترى بأُمّ عينيها ما يقوم به سفهاء قريش وطغاتهم من انتقاصهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإيذائه، وهو يريد إخراجهم من الظلمات إلى النور. أمّا الرسول، فكان يحاول أن يُخفِّف عنها عبء الألم، ويحثّها على الصبر، قائلاً: «لا تبكي يا بنيّة، فإنّ الله مانع أباك وناصره على أعداء دينه ورسالته»، وهكذا كان يزرع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في نفس ابنته روحاً جهادية عالية، ويملأ قلبها بالصبر والثقة بالنصر. وهاجرت الزهراء بعد هجرة أبيها إلى المدينة من جوّ مكّة المُرعب، مع ابن عمّها الإمام عليّ بن أبي طالب، الذي استهان بكبرياء قريش وغرورها، والتحق بالرسول في قُبا، بعد أن تورَّمت قدماه من المشي. وانتقلت الزهراء عليها السلام، إلى بيت زوجها المتواضع في المدينة، بعد أن أرسى أبوها صلى الله عليه وآله وسلم، دعائم دولته المباركة، وشاركته في جهاده صابرة، على قساوة الحياة، ومصاعب الجهاد في سبيل الله، وهي تحاول أن تُقدِّم صورة نموذجية لحياة عائلية جديدة. كما أدّت الزهراء، دوراً بارزاً وكبيراً في نصرة الحقّ، والدفاع عن وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حينما وقفت، صارخة بشكل لا مثيل له، ضدّ الانحراف، وإلى جانب وليّها الإمام عليّ بن أبي طالب في أحرج أيّام حياته، لتؤكِّد أنّ الجبهة الداخلية في حياة الإمام عليّ صامدة، لا تشعر بالضعف؛ ولكنّها تترك تقدير الظروف وانتخاب الموقف لقائدها وزوجها الإمام، ليُقرِّر ما هو الأنسب بالظروف. لقد كانت الزهراء تأتي إلى قبور الشهداء في منطقة أُحُد كلَّ غداة سبت، وتترحّم عليهم وتستغفر لهم. إنّ هذه الممارسات تفصح عن مدى تقدير السيِّدة فاطمة الزهراء للجهاد والشهادة، وتُعبِّر بوضوح عن قيم حياتها العملية، التي بدأت بالجهاد واعتمدت عليه وانتهت به لتصل إلى درجة الشهادة. نتعلّم من حياة الزهراء وسيرتها الثبات في المواقف، والصبر في الشدائد، إذ لم يشغلها مرضها وألمها وحزنها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعد وفاته عن الوقوف مع الحقّ لتدافع عنه بكلّ ما آتاها الله من قوّة، وعلينا أن نأخذ من ذلك درساً، لنتعلّم أنّه إذا واجهتنا بعض المشاكل الشخصية أو الاجتماعية، فعلينا أن لا نجعل تلك المشاكل مبرّراً للابتعاد عن مسؤولياتنا العامّة أو الخاصّة. كما أنّ الزهراء عليها السلام، لم يشغلها كلّ اهتمامها ببيتها وزوجها وتربية أولادها عن القيام بواجبها الإسلامي، بتعليم المسلمات والمسلمين أحكام دينهم وتعاليمه، وعن الحضور الفاعل في كلّ ساحات الصراع الجهادي والسياسي والثقافي.
فاطمة الزهراء «عليها السلام».. وجهادها المتواصل
العرض العادي
