قولهُ تَعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلـُوا الشَّيَاطِينُ) إلخ، قـَد اختلفَ المفسرُونَ في تفسير الآية اختِلافاً عجيباً لا يُكاد يوجد نظيرهُ في آيـةٍ من آياتِ القـُرآن المَجيد، فاختلفوا في مرجَع ضمِير قولهِ (اتَّبَعُوا) أهُم اليهُود الذين كانُوا في عَهْدِ سُليمان أو الذِين في عهْدِ رسُول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلم أو الجَمِيع؟ واختَلفوا في قولـهِ ( تَتْلـُوا ) هَل هـوَ بمعنى تتَبـِع الشياطِين وتعمَل بهِ أو بمَعنى تَقرأ أو بمعنى تكَذب واختَلفوا في قولهِ (الشَّيَاطِينُ) فقِيلَ هُم شياطِين الجِّن وقِيلَ شياطِين الإنس وقِيلَ هُما مَعاً واختلفُوا في قولهِ (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) فقِيلَ: معناهُ في مُلْكِ سُليمان، وقِـيل معناهُ في عهْدِ مُلْكِ سُليمان, وقِيلَ معناهُ على مُلْكِ سُليْمان بحفظٍ ظاهِرِ الاسْتِعلاء في مَعنى على, وقِيلَ معناهُ على عهْـدِ مُلْكِ سُليْمان, واختَلفوا في قولـهِ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) فقِيلَ إنهُم كفرُوا بمَا اسْتخرجُوه مِن السِحر إلى الناس, وقِيلَ إنهُم كفرُوا بما نسَبُوه إلى سُليْمان مِن السِحر، وَقيلَ إنهُم سَحرُوا, فعبر عَـن السِحر بالكُفـر، واختَلفـوا في قولـهِ (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) فقِيلَ إنهُم ألقـُوا السِحر إليهِم فتَعلمُوه، وقِـيلَ إنهُم دَلـُوا الناس على اسْتخراج السِحر وكانَ مَدفـُوناً تحـتَ كرسي سُليْمان فاسْتخرجُوه وتعلمُوه، واختَلفوا في قولـِهِ ( وَمَـا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ) فقِيلَ مَـا موصُولة والعطفُ على قولهِ (مَا تَتْلُوا) وقِيلَ ما موصُولة والعطفُ على قولهِ السِحر أي يُعلمُونهُم,, (وَمَـا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) وقِيلَ ما نافيَة والواو اسْتينافيَة, أي ولم ينزل على المَلكَين سِـحر كما يدعيهِ اليهُود، واختَلفوا في معنى الإنزال, فقِيلَ إنزالٌ من السماءِ وقِيلَ بَل من نجُودِ الأرض وأعالِيها واختَلفوا في قولهِ المَلكَين فقِيل كانا من ملائكةِ السماءِ، وقِيلَ بل كانا إنسانَين ملكَين بكَسر اللام إن قرأناه بكسْر اللام كَما قرئ كذلك في الشَواذ أو مَلكَين بفتحِ اللام أي صالِحَين، أو متظاهِرين بالصَلاح، إن قرَأناهُ على ما قرأ بهِ المَشهُور واختَلفوا في قولهِ: ببابل فقِيلَ هِي بابل العِراق, وقِيلَ بابل دماوَند، وقِيلَ من نصيبين إلى رأسِ العَين، واختلفوا في قولهِ: وما يعلمان، فقيلَ عِلمٌ بمعناه الظاهر، وقِيلَ عِلم بمعنى أعلم، واختَلفوا في قولهِ فلا تَكْفر، فقِيلَ لا تَكفر بالعَمل بالسِحر، وقِيلَ لا تَكفـر بتعلمِهِ، وقِيلَ بهما مَعاً، واختَلفوا في قولهِ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا) فقِيلَ أي مِن هارُوتَ ومارُوتَ, وقِيلَ أي من السِحر (مَا يُفَرِّقُونَ بـِهِ بـََيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) فقِيلَ أي: يوجدُونَ بـه حُـباً وبغضاً بينهُما,, وقِيلَ إنهُم يغرُون أحَـد الزوْجين ويحمِلونـهُ على الكُفـر والشِرك فيفرق بينهُما اختلاف المِلَة والنحلَة, وقِيلَ إنهُم يَسعُون بينهُما بالنمِيمَةِ والوشايةِ فيَئول إلى الفرقةِ, فهذهِ نبذةٌ من الاختِلافِ في تفسِير كَلمات ما يَشتمِل على القصةِ من الآيةِ وجملةِ, وهناكَ اختلافات أخَر في الخارج من القِصةِ في ذيل الآيةِ وفي نفسِ القِصةِ وهل هيَ قصَة واقعَة أو بَيان على سَبيل التمثِيل أو غير ذلِك؟ وإذا ضربتَ بعض الأرقام التي ذكَرناها مـن الاحتِمالاتِ في البَعض الآخَـر, ارتقى الاحتمالات إلى كَميةٍ عجيبةٍ وهيَّ ما يُقرب من ألفِ ألفٍ ومائتَين وسِتِين ألف احتِمال,, ((نُقِلَ هذا مِن مُجَلَداتِ تفسِير السَيد مَحمد حسين الطَباطَبائي))