العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > احباب الحسين للكتب الإسلاميه
احباب الحسين للكتب الإسلاميه لكل ما يخص الكتب والمجلات الاسلاميه


كتاب تاريخ الغيبة الصغرى لسماحة آية الله الشهيد محمد صادق الصدر (قدس سره)

احباب الحسين للكتب الإسلاميه


إضافة رد
قديم 09-10-2012, 09:26 PM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
محب الرسول

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
محب الرسول غير متواجد حالياً

المنتدى : احباب الحسين للكتب الإسلاميه
افتراضي كتاب تاريخ الغيبة الصغرى لسماحة آية الله الشهيد محمد صادق الصدر (قدس سره)



(قد) , لسماحة , محمد , الله , الشهيد , الصدر , الصغرى , الغيبة , تاريخ , صادق , كتاب

كتاب تاريخ الغيبة الصغرى لسماحة آية الله الشهيد محمد صادق الصدر (قد)


القسم الأول
هذا الكتاب
قرن من الزمن ، على وجه التقريب .. هو الذي يحاول هذا الكتاب أن يعرض له تاريخاً وتحليلاً وتبويباً ... على ضوء سائر المصادر الإسلامية التي تعرضت لذلك، سواء في ذلك التاريخ العام ، أو التاريخ الخاص الذي انبثق عن أقلام علمائنا الأبرار .
قرن من الزمن ... حافل بروائع الأحداث وجلائل الأخطار ... انموذج فذ من القرون ... سواء على الصعيد السياسي العام من حيث ما آلت إليه الخلافة العباسية يومذاك ، من الضعف والتصدع ... أو من ناحية الأئمة ، وكيف كانوا يخوضون غمار البؤس والأخطار بكل حذق وصبر .انموذج خاص ... لا مثيل له في الدهر ، بالأسلوب الخاص الذي اتخذه الإمام المهدي (ع) في قيادة شعبه ، حال اختفائه عن مسرح الناس ، عن طريق السفراء الأمناء الذين كانوا ينقلون عنه التوجيهات ، ويقومون بالتنفيذ. قرن من الدهر ... تكفله هذا الكتاب ... ولم يكن كله متضمناً للغيبة الصغرى ... وان احتملت معظمه .... ولكن الكلام في مثل هذه الفترة الحرجة الدقيقة ، التي يكتنفها الغموض من العديد من جوانبها ، ولم تسلم من الأحكام العشوائية من عدد من الكتاب المسلمين وغيرهم .... هذه الفترة تحتاج في عرضها الأمين الدقيق .... إلى تقديم كبير ، للظروف السابقة عليها ، حتى نعرف بوضوح وتفصيل العوامل الأساسية التي أدت إليها وبلورت الأحداث فيها .
صفحة (13)
ومن ثم سار منهج هذا الكتاب ، على بيان مقدمة ، باديء ذي بدء في بيان نقاط الضعف الاساسية في تاريخنا الإسلامي... والتي تعيق الباحث عن التوصل إلى جملة مما يهمه ويؤثر في بحثه، من قضايا الإسلام والمسلمين .
ثم أعطى فكرة كافية عن تاريخ الإمامين العسكريين (ع) وهما علي بن محمد الهادي (ع) جد الإمام المهدي (ع) والحسن بن علي (ع) أبوه .... وما كان يتخذه هذان الإمامان من تدابير وما يقومان به من أعمال تجاه الدولة وتجاه قواعدهم الشعبية.حتى ما إذا حملنا من ذلك فكرة كافية ... وصلنا إلى تاريخ الغيبة الصغرى ... لنتعرف على الاتجاهات العامة والأعمال التفصيلية التي كان يقوم بها الإمام المهدي (ع) وسفراؤه وما كانت تقوم به الدولة تجاههم من أعمال ، وما كانت تتبناه من أفكار .
ومن هنا قسم هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين ـ أولهما: يبدأ بإشخاص الإمام الهادي (ع) إلى سامراء عام 234 إلى وفاة الإمام العسكري (ع) عام 260 ... وثانيهم : يبدأ بما انتهى به القسم الأول : وينتهي بوفاة السفير الرابع من سفراء الإمام المهدي عام 329 .
صفحة (14)
وقد قرنا ، كلا من القسمين بفصل تحليلي لأهم الحوادث والاتجاهات التي كانت سائدة في كل هذين العصرين ... بحسب ما يدلنا عليه التاريخ الإسلامي العام .. بما له من مصادر متوفرة .وهذا الكتاب ... بماله من اتجاه تاريخي ، لا يتكفل الدخول في مجال الجدل العقائدي الذي قد يثيره الكلام عن الإمام المهدي (ع) . كاثبات وجوده وطول عمره وغير ذلك .... إن لم يكن هذا التاريخ بنفسه كافياً لاثبات القطع بتواتر أخبار الإمام المهدي (ع) في الإسلام ... وسيكون لهذا الجدل ، وغيره من البحوث حول الإمام المهدي (ع) مجالات أخرى عسى الله عز وجل أن يوفقنا إلى خوض غمارها في سلسلة من البحوث المقبلة في هذه الموسوعة إن شاء الله تعالى .
المؤلف
صفحة (15)
مقدمة
نقاط الضعف في التاريخ الإسلامي
تمهيد :
إننا حين نريد أن نستوحي تاريخنا الإسلامي الخاص ، نجده بشكل عام ، غامضاً مليئاً بالفجوات والعثرات . يحتاج في تصفيته وترتيبه وأخذ زبدته المصفاة والعبرة المتوخاة إلى جهد كبير وفكر مضاعف جليل .
وهذا يعود إلى عدة أسباب ، لعلنا نستطيع أن نلم ببعض جوانبها المهمة فيما يلي :
الجانب الأول :
ما يرجع إلى واقع التاريخ المعاش آنذاك ... أي أن نفس حوادث التاريخ وتحركات أعلامه ، كان مقتضباً غامضاً مقيداً .
صفحة (19)
وذلك : أن أئمتنا عليهم السلام ، كانوا يمثلون على طول الخط ، دور المعارضة الإسلامية الصامدة ، ضد خطر الجهاز الحاكم الذي يمثل الانحراف عن تعاليم دينهم القويم ، بقليل أو بكثير . فإن الحكم وإن كان قائماً على اسم الإسلام ، ولم يكن الخليفة ليتسنم مركزه الكبير ، إلا باعتباره خليفة الرسول (ص) والخلفاء الراشدين من بعده . إلا أن شخص الخليفة ، إذ لم يكن قد تفهم الإسلام على حقيقته أو تشرب روحه وميزان عدله ؛ فكان يمارس الحكم على مقدار فهمه ، وأفق تفكيره ، مضافاً إلى سيطرة الآخرين على كثير من مراكز الدولة الحساسة ، ممن لا يفضلون على الخليفة نفسه ، بالوعي والروح ، وليسوا في حالة يحسدون عليه من هذه الناحية .
فكان موقف أئمتنا عليهم السلام ، ضد الجهات الحاكمة رأياً وتطبيقاً ، موقفاً حازماً صارماً ، مستمداً من حكمة الله تعالى وقوته وتوفيقه . فكان لهم موقفان أساسيان ، لا ترتاح إليهما الجهات الحاكمة :
الموقف الأول :
مطالبتهم الدائمة ، نظرياً ـ على الأقل ـ بمنصب رئاسة الدولة الإسلامية وتولي الإمامة في الأمة المرحومة ، وقيام كيان الأئمة عليهم السلام في تابعيهم وقواعدهم الشعبية الموسعة ، على ذلك .
فكان هذا مما يهدد الخلافة الأموية والعباسية في الصميم ، ويقض مضاجع الخلفاء ، ويجعلهم حذرين كل الحذر مما يقوم به الأئمة من افعال وما يصدر عنهم من أقوال، ويجعلونهم ، دائماً ، تحت المراقبة والاحتياطات المشددة ، بم يملك الحكم من سيطرة ونفوذ .
صفحة (20)
الموقف الثاني :
مما يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاصلاح في أمة جدهم رسول الله (ص) ، نتيجة للظلم والانحراف والحروب المنحرفة والمصالح الشخصية ، التي كانت نافذة المفعول في المجتمع ، والذي خلف ـ في أغلب فترات التاريخ ـ بؤساً اقتصادياً وتخلفاً اجتماعياً مؤسفاً .فكان الأئمة (ع) يحسون بواجبهم ، ويشعرون بمسئوليتهم ، بصفتهم الممثلين الحقيقيين لنبي الإسلام (ص) ، على ما يعتقدون ـ على الأقل ـ تجاه اصلاح وتقويم المعوج في الأمة الإسلامية ، بمقدار إمكانهم والفرص التي كانت تسنح لهم في خلال الأيام .وهم في كل ذلك ، كانوا يتوخون ما تقتضيه المصلحة الإسلامية العليا في ذلك الحين ، بما يواجه المجتمع من مشاكل والدولة من أزمات .فكان موقفهم ، تجاه صراع الدولة الإسلامية ، بما فيها الجهاز الحاكم ، مع الكفر ، ومع الأخطار المحدقة بالمسلمين ، من قبل الأعداء ، مادياً وعقائدياً ، موقف المؤيد للجهات الحاكمة ، تأييداً محترساً مقتضباً ، خشية أن تقع هذه الجهات في الانحراف ، حتى في هذا الحقل نفسه .

صفحة (21)
كان موقفهم ، تجاه المشاكل الداخلية ، للدولة الإسلامية ، تلك المشاكل التي كان يثيرها حكام أو جماعات منحرفة في الداخل ، موقف المراقب والمصلح والناصح . ولم يكن مثل هذا الموقف بسائغ في نظر سائر الحكام من خلفاء ووزراء وقضاة . وكانوا يتقون من ذلك ويحذرونه بعمق ، ويجعلون الاحتياطات المشددة أيضاً ضده فكان هذان الموقفان الإسلاميان من أئمتنا (ع) مثيراً لحقد الجهاز الحاكم عليهم وتحذره منهم ، قولاً وفعلاً ، وبالطبع فإن الأئمة (ع) كانوا يعملون بمقدار الإمكان ، وعند ورود الفرص السانحة ، أخذين بنظر الاعتبار هذا الضغط المتزايد الوارد إليهم والموجه إليهم فكان هذا الضغط موجباً لكفكفة نشاط الأئمة (ع) وقلة اصلاحاتهم وضآلة تاثيرهم ، بالنسبة إلى الحاجات الكبرى للمجتمع .

ومن ثم كان أئمتنا (ع) يقتصرون في غالب نشاطاتهم ، على الدوائر الخاصة من أصحابهم ، وفي حدود ارتفاع الضغط ، أو قلته أو المخاتلة معه ، وكانت تتسع هذه الدائرة ، أو تضمر أو بحسب الظروف التي يمر بها الإمام (ع) وتتناسب كثرتها تناسباً عكسياً مع ضعف الجهاز الحاكم .
فكان إذا ضعفت الخلافة ، وهي جانبها ينفتح أمام الإمام (ع )في ذلك العصر ، فرصة العمل والجهاد والدعوة كما حدث في زمن الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) الذي عاش في عصر تحول الدولة الإسلامية من الخلافة الأموية إلى العباسية .
صفحة (22)

فاشتغل ببث العلوم الإسلامية والتعاليم الالهية على أوسع نطاق. وكان إذا قويت الخلافة أو قوي صنائعها والمنتفعون منها ، فإنه ينغلق أمام الإمام (ع) في ذلك العصر ، فرص العمل والجهاد والدعوة ، إلا في أضيق الحدود .كما حدث في العصر الذي نؤرخه ، حيث سيطرت الموالى وجماعة الأتراك على الحكم ، وجعلوا الأئمة (ع) تحت أشد الرقابة وأعمق الحذر .
والموقف نفسه ، كان هو موقف أصحاب الأئمة (ع) والمجاهدين بين يديهم . فإنهم أن توسع أمامهم (ع) في العمل توسعوا وأن ضيق ضيقوا ، وكان الامام (ع) ينهى أصحابه ، في أوقات الشدة والضيق عن التصريح بما يخالف القانون والسائد والوضع القائم .والإمام (ع) بشخصه ، بصفته الرئيس الفعلي ، لقواعد الشعب الكبيرة ، يكون ـ على كل حال ـ في حصانة جزئية عن التنكيل الفعلي المكشوف من قبل الحاكمين ، لئلا يثيروا عليهم الرأي العام والشعب بأكمله آخذين بنظر الاعتبار ، نظر التقديس والإجلال الذي كان ينظره الناس إلى أئمة الهدي (ع) ، ذلك النظر الذي أجمع المسلمون على صحته وصوابه وإخلاصه ، وإن كان جملة منهم ، لا يؤمنون بامامتهم . ومن ثم كان الإمام في حصانة جزئية من التنكيل الفعلي الصريح وهذا هو الذي كان شأن الأئمة (ع) من الإمام الرضا إلى الإمام العسكري عليهم السلام . مضافاً إلى أن سياسة الخلفاء قامت بالنسبة إلى الإمام الجواد (ع) ومن بعده ، إلى تقريبهم للبلاط ، وإسكانهم في بروج عاجية ، توخياً إلى فصلهم التام عن قواعدهم الشعبية ، ونشاطهم الجهادي ، على ما سيأتي تفصيله .
صفحة (23)
ولئن كان موقف الأئمة ، محصناً من الناحية الشكلية ، إلا أن موقف أصحابهم وتابعيهم ، ومن عرفه الحكام بالولاء لهم ، كانوا يذوقون سوط العذاب ، إلا أن يتقوا منهم تقاة . فكان أقل ما يلاقيه الفرد منهم العزل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي .فينتج من ذلك ـ بكل وضوح ـ أمران :
الأمر الأول : ضآلة النشاط السياسي والإجتماعي ، من قبل الأئمة (ع) وأصحابهم ، ذلك النشاط الذي لو كان موجوداً لفتح أفاقاً تاريخية واسعة ، بقيت مطوية وغامضة أمام من يأخذ التاريخ من زاوية موضوعية محضة.
الأمر الثاني :
إن جملة من أعمال الأئمة (ع) وأصحابهم وأقوالهم ، كانت سرية بطبيعتها وأصل ظروف وجودها ، بحيث لم يكن ليتجاوز خبرها الاثنين أو الجماعة القليلة ، وكانوا يتبانون على ستره وكتمانه بأمر من الامام عليه السلام ، ولم يكن مما يكتب على صفحات التاريخ . شأن كل حزب سري معارض ينزل إلى حلبات الجهاد .
صفحة (24)
الجانب الثاني :
ما يرجع إلى معرفتنا بذلك التاريخ ومقدار اطلاعنا عليه وهو الذي يمثل الصورة التي اعطاها المؤرخون في كتبهم عن تلك الفترات وهل هي مطابقة للواقع أم لا ، وبأي مقدار كانت سعة الصورة ودقتها وعمقه ؟ وإلى أي مدى كان فهم المصور المؤرخ واستيعابه للأحداث ، ولما وراءها من فلسفة وعلل ونتائج .
لعل من مستأنف القول ... الخوض في البحث الذي يذكر عادة للطعن في أصل التاريخ وكيفية جمعه وترتيبه ، ويذكر لذلك عدة وجوه.
الوجه الأول :
إن المؤرخ ليس إلا بشراً مثلنا ، له ما لنا من جوانب القوة ، وعليه ما علينا من نقاط الضعف ، والمشاهد بيننا بالوجدان ، بأن قضية ما قد تقع في البلدة مثلاً يشاهدها المئات أو الآلاف ، إلا أننا نسمع من كل فرد شاهد عيان نقلاً لحوادثها يختلف عن نقل الآخر بقليل أو بكثير ، حتى أنه قد يصل الفرق إلى حد التناقض .
هذا في المشاهدين ، فكيف الحال في النقل والرواية ، فإن الحال تزداد سوءاً ، ولا يكاد يبقى للحادثة المروية جسم. ولا روح. هذا في البلد الواحد ، والمشاهدين الكثيرين ، فكيف في بعد الزمان وتفرق المكان وقلة المشاهدين وطول سند الرواية ، كما هو متوفر في كتب التاريخ المتوفرة .
صفحة (25)
الوجه الثاني :
إن المؤرخ ، كأي إنسان ، ليس إلا مزيجاً غريباً من مجموعة من عواطف وغرائز وعقائد ومسبقات ذهنية وعادات حياتية . ولا يمثل العقل والفكر منه إلا بعضها من هذا المزيج ، والمؤرخ وإن كان يتخيل ويفترض أن يكتب تاريخه بعقله وفكره ، إلا أن هذا واضح البطلان .
وإنما هو يكتب تاريخه بمجموعة عواطفه وسائر مرتكزاته ، وبخاصة في الحوادث التاريخية التي تقترن بخلاف بين جماعتين ، أو بعواطف معينة .
الوجه الثالث :
إن هناك نحوين من الملاحظة ، بحسب الاصطلاح العلمي ـ
أولهما :
طريقة الملاحظة المنظمة التي يعتمد الباحث فيها النظر ويتقصى الحقائق حول حادثة معينة أو عدة حوادث حين وقوعها .
ثانيهما :
الملاحظة المشوشة غير القائمة على التنظيم والتعمد ، كالتاجر يذهب إلى بلد معين ليستورد منها البضاعة ، أو السائح يذهب إليه ليشاهده ، وحين يعود ، يسأل عن ذلك البلد ، وعن حقائقه ووقائعه ، في حين أنه قد شاهدها صدفة وأحسب بها إحساس عشوائياً ، ولم يتعمد فهمها ، ولا التفكير فيها على وجه الخصوص .
والتاريخ مدون عادة بالنحو الثاني من الملاحظة . لأن الأشخاص الذين كانوا يعيشون تلك الأزمنة ، إنما عاشوها بصفتها حياة عادية ، لا يعيدون فيها النظر ولا يتعمقون في أسبابها ونتائجها . ثم يأتي الراوي منهم إلى المؤرخ ليعطي له ما علق في ذهنه من هذا الخضم الزاخر الذي عاشه في حياته ، مما قد مر أمامه مروراً عابراً .
صفحة (26)
لا أريد أن أدخل في البحث عن هذه المشكلات ، فإننا ينبغي أن نكون فارغين عن أجوبتها قبل الدخول في البحث التاريخي ، وإلا فالاولى لمن يؤمن بحرفية هذه المشكلات وصدقها ، ألا يحاول قراءة أي حرف من التاريخ .
صفحة (27)
طرق تذليل المشاكل التاريخية :
يقتضي التحقيق التاريخي تذليل هذه المشكلات بأحد الأساليب الآتية :
الأسلوب الأول :
الحصول على التواتر في النقل التاريخي ، فإذا اتفق كلام عدد كبير من الناقلين على وصف حادثة معينة ، كان ذلك كافياً لاثباته تاريخياً ، بل القطع به في كثير من الأحيان .
ولو اتفقوا على بعض خصائص الحادثة ، كان ذلك ثابتاً بالتواتر ، دون ما زاد عليه . ولو اختلفوا في كل الخصائص مع اتفاقهم على أصل الحادثة ، كان اصل حدوثها متواتراً فقط .
الأسلوب الثاني :
إننا إذا لم نستطع أن نحصل على التواتر المنتج للعلم ، فبالإمكان الحصول على الإطمئنان والظن الراجح بحصول الحادثة ناشئاً من جماعة يطمأن بعدم اتفاقهم على الكذب ، وهو معنى الاستفاضة في النقل ؛ فيما إذا اتفق أكثر المؤرخين أو جملة منهم على شيء معين ، مع سكون الباقين عن التعرض إليه أو نفيه .
صفحة (28)
وهذان الأسلوبان ، يدفعان ، فيما يتحققان فيه ، جميع الشبهات الثلاثة التي أوردناها ، إذ بعد حصول العلم أو الاطمئنان بوقوع الحادثة ، لا يضر بذلك ، أن يكون الناقل لهما متحيزاً لمذهب أو لمصلحة أو أن ملاحظته لم تكن منظمة ، إذ المفروض ، اتفاق الناقلين على النقل وعلى وقوع الحادثة .
الأسلوب الثالث :
إننا بعد اليأس عن حصول العلم أو الاطمئنان ، من النقل التاريخي في نفسه ، نستطيع الحصول على الوثوق بقول الناقل ، وإن كان منفرداً ، بحيث لا يبقى للشبهات السابقة أثر ملتفت إليه .
وهذا يتم بأحد نحوين :
أولهما :
الاطمئنان، بعد البحث في ترجمة هذا المؤرخ والاطلاع على خصوصياته الشخصية ، بانه ثقة مأمون عن الكذب والدس والخداع ، فيطمأن بأنه لم يتعمد الكذب في نقله التاريخي .
ثانيهما :
الاطمئنان بوجود الروح العلمية الموضوعية في نفس هذا المؤرخ ، باعتبار أن الإنسان بعد أن يتمرس في البحوث العلمية ، ويتعود على الأسلوب العلمي ، فإنه يغلب على الظن حصول الموضوعية العلمية والتجرد في نفسه، جهد الإمكان.أو على الأقل ، لا يضع خبراً مكذوباً نتيجة لمذهبه أو مصلحته ، أو بأي دافع شخصي آخر.
صفحة (29)
الأسلوب الرابع :
الحصول على الاطمئنان بوقوع الحادثة نفسها ، بقرائن خارجية أو اعتبارات عقلية ، توجب الظن بأنه من المناسب وقوع هذه الحادثة أو عدم وقوعها . كما لو كان القول المنسوب إلى الشخصية التاريخية ، أو الفعل المسند إليه ، مناسباً مع سلوكه العام المعروف عنه ، أو مع وجهة نظره تجاه الدين والحياة .
ولكن هذا لا يضر بوثاقه المؤرخ الناقل ، في سائر ما نقله من أخبار التاريخ ، إذ قد يكون الكذب غير مستند إلى تعمده الشخصي بل هو إما مستند إلى السهو منه إو من الرواة السابقين عليه أو اللاحقين له ، أو إلى عمدهم أحياناً ، ولا يتحمل المؤرخ نفسه ، من المسؤولية العامة ، إلا إذا وجدنا في كلامه الكثير من هذه الهفوات ، بحيث ينثلم الظن بوثاقته أساساً .
كما أن هذا الأسلوب الرابع ، قد يوجب قوة النقل التاريخي الضعيف أو الشاذ ، بحصول الاطمئنان به بما تقوم عليه من قرائن وما تحفه من اعتبارات .
وبهذه الأساليب الأربعة ، نستطيع أن ندفع الشبهات الثلاثة العامة على النقل التاريخي ، أو نقلل من تأثيرها جهد الإمكان . فاحتمال التحيز يرتفع بقليل أو كثير ، مع تعدد النقل وقيام القرائن الخارجية على صدقه ، كما أن احتمال الكذب بدافع شخصي آخر ، يكون مرتفعاً لنفس السبب .


صفحة (30)
كما أننا بعد تأكدنا يقيناً أو اطمئناناً ، من صدق الكلام ، لا يهمنا أن تكون الملاحظة منظمة أو غير منظمة ، على أن المطلوب في الملاحظة ، هو ترسيخ الحادثة في الذهن وتأكيدها في الذاكرة ، وهو ما يتوفر في الملاحظات غير المنظمة أيضاً ، كما في الحوادث التي يعتاد الإنسان عليها أو يهتم بها اهتماماً كبيراً أو يتعجب منها تعجباً شديداً أو يفرح بها فرحاً عظيماً أو يخافها خوفاً كبيراً .
فإن الراوي الذي يعيش الحادثة على إحدى هذه المستويات ، يندمج بها إلى حد كبير ، مما يوجب رسوخها في ذهنه وتعمقها في ذاكرته ، مما يفتح للمؤرخ فرصة كبيرة للاستفادة في هذا السبيل . ويندرج كامثلة لذلك : حوادث الحروب والمناصب السياسية أو الدينية ، والأمور المالية المهمة ، سواء مها الخاصة او العامة ، والمعجزات ، والوساطات بين الدول أو بين أهل النفوذ ، وغير ذلك .
على أننا لا نعدم الملاحظة المنظمة بالنسبة إلى جملة من المؤرخين ، فإن المؤرخ ، وإن كان يعرض للحوادث السابقة على عصره ، بطريق الرواية ، إلا أن بالنسبة إلى سني حياته ، وخاصة بعد عزمه على تأليف كتابه التاريخي، لا شك أنه سيلاحظ حوادث عصره بالملاحظة المنظمة الناشئة من تعمد التسجيل وعمق التفكير . وهذا يتوفر عادة في أواخر جوامع التاريخ ، كالطبري والمسعودي وابن الأثير وغيرهم .
صفحة (31)
وعلى أي حال ، فقد كان التعرض لهذه المشكلات وحلها استطراداً على ما نحن بصدده ، من عرض مشكلات تاريخنا الخاص ، وما هو مورد كلامنا في هذا الكتاب . فلئن كان هناك أساليب تخفف من شبهات التاريخ بشكل عام ، وتؤثر بدروها في تاريخنا الخاص ، إلا أن تاريخنا يستقل بمشاكل وعقبات ، يكون تذليلها أصعب وأعمق إلى حد كبير .
صفحة (32)
مشكلات تاريخنا الخاص :
وتتلخص المشكلة التي نواجهها في حقلنا ، وهو تاريخ الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ، أن المؤرخين الذين تعرضوا لهذا التاريخ ، على ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
المستشرقون : ومن حذا حذوهم وحاول تقليدهم من الشرقيين المسلمين .
وديدنهم العام على أن ينظروا إلى التاريخ الإسلامي من زوايا خاصة ، تتلخص فيما يلي :
الأولى: الزاوية المادية التي يؤمنون بها إيمانهم بالحضارة الغربية ووجهة نظرها إلى الكون والحياة ، تلك الوجهة التي نتجت بعد عصر النهضة ، وانتجت فصل الدين عن الدولة والكفر بسائر القيم الروحية والأخلاقية .
الثانية : الزاوية المسيحية : التي تفترض سلفاً ، ومن دون إعطاء أي فرصة للمناقشة ، أن الدين الإسلامي باطل ، وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ليس بنبي ، وأن القرآن ليس كتاباً سماوياً ؛ فضلاً عن أصحابه وخلفائه وائمتنا عليهم السلام . فضلاً عن أفكار غيبية قد نؤمن بها ، كالمعجزات ووجود المهدي ، وغيرها .،
صفحة (33)
الثالثة : الزاوية الاستعمارية ـ فإن جملة منهم عملاء من حيث يعلمون أو لا يعلمون ؛ للدول التي ينتمون إليها أو للحضارة التي يعيشون فيها . فالمستشرق إما مأجور حقيقة أو "عضو شرف" في قائمة الدس والتلفيق ، حيث يشعر بضرورة الانتصار لدولته أو مصالح دينه أو قومه أو لأي شعار من الشعارات المعادية للإسلام .
على أن الأجر المبذول للتبشير الاستعماري المسيحي ، ليس بالقليل ولا الضئيل ، بل هو مما يعد بملايين يسيل لها لعاب كثير من المفكرين وتشتري بها عقول عدد من الباحثين .
ومن ثم لم تصلح كتب المستشرقين لاعطاء الباحث صورة واضحة سليمة عن التاريخ الإسلامي . وإنما غاية الباحث في الإطلاع على ما كتبوه، هو التعرف على ما فيها من النقد والدس والتلفيق ، ومحاولة الجواب عليه، وتذليل ما عرضت فيه من مشكلات .
القسم الثاني :
المؤرخون العامة : من مؤرخي الإسلام غير الشيعة الإمامية أولئك الذين يذكرون تاريخ أئمتنا عليهم السلام ، وهم لا يؤمنون بامامتهم ولا طاعتهم ولا قيادتهم .
صفحة (34)
وهذا القسم من المؤرخين ، هو الذي تؤلف مؤلفاتهم الجزء الأكبر والأهم من التاريخ الإسلامي العام او التراجم أو الحديث التاريخي ، وأقصد به الروايات التي تتضمن حوادث تاريخية معينة . كالطبري وابن الأثير وابو الفداء وابن خلكان وابن الجوزي وابن الوري ؛ وبعض ما تتضمنه الصحاح الستة من الحديث التاريخي .
وأعدل ما يقال بالنسبة إلى تعرض هؤلاء المؤرخين وأمثالهم إلى حياة الأئمة عليهم السلام : أنه تعرض موجز عابر، يكتفي بالحادثة الواحدة والفكرة الشاردة ، ويتجنب بحذر متعمد الخوض في تفاصيل تواريخهم عليهم السلام .
والسبب في ذلك ، فيما أرى ، يعود إلى عدة أمور :
السبب الأول : التعصب المذهبي الذي يتجلى على أشكال متعددة في ذهن مؤرخ وآخر :
الشكل الأول :
عدم الإيمان بقدسية الأئمة عليهم السلام وكمالهم . بل الميل إلى ضد ذلك من الطعن فيهم والتنزيل من شأنهم .
الشكل الثاني :
أن المؤرخ وإن كان يؤمن بقدسيتهم وكمالهم ؛ إلا أن ضيق نظره وضحالة تفكيره ، تقوده إلى الاعتقاد بأن شيعتهم أعداء تقليديين له ولأهل مذهبه ، إذن فمن خطل القول أن يهتم بتمجيد قادة أعدائه وأئمتهم .
صفحة (35)
الشكل الثالث :
أنه وإن كان التعصب على ذهن المؤرخ قليلاً ، باعتبار وعيه الإسلامي الصحيح ، إلا أنه على أي حال مناصر لمذهبه ، يود زيادة مؤيديه ورسوخ عقيدتهم فيه . وهو يحتمل ـ على الأقل ـ أنه أن أسهب في بيان تاريخ أئمتنا (ع) وأطال في ذكر أقوالهم وأفعالهم ، فإنه قد يميل بعض أبناء جلدته اليهم ويجد ما يدعوه إلى الإيمان بإمامتهم وهذا ما لا يريده المؤرخ بأي حال من الأحوال . فهو يترك الإطالة في تاريخهم تمسكاً بمذهبه ومحافظة عليه.
السبب الثاني :
أن تاريخ الأئمة عليهم السلام ، لا يعيش في أذهان هؤلاء المؤرخين إلا قليلاً ، وفي زاوية مهملة من زواياه فإن الذي يستجلب انظارهم ويستقطب اهتمامهم نحوان من الأشخاص :
النحو الأول :الأشخاص السياسيون الذين تسنموا منصباً في الدولة أو داروا في فلك الخلافة أو كانوا أعداء لها وتولوا الحروب ضدها . وبالجملة كل من سلك مسلك الحكم والسلطان .
النحو الثاني :الأشخاص الدينيون والعلماء المسلمون الذين يقتضي مذهب هؤلاء المؤرخين الإيمان بهم والدعوة إليهم . ولم يكن أئمتنا ـ في غالب أمرهم ـ من يندرج في أحد هذين النحوين . إذن فلا يجد المؤرخ حاجة في نفسه إلى ذكرهم بأكثر مما تعرض إليه .
صفحة (36)
السبب الثالث :
ما يعود إلى الجهاز الحاكم المعاصر للمؤرخ .
إنه من المعلوم أن الصدر الأول من المؤرخين العامة ، كالذين سبق أن سميناهم ، كانوا يعيشون في عهود الدولة العباسية ، التي كانت بمسلكها العام معلنة العداء مع مسلك أهل البيت عليهم السلام وعزل أصحابهم عن المسرح الإجتماعي والسياسي بالكلية .
ومن ثم يتخذ المؤرخ ، أحد موقفين :
الموقف الأول :
الحذر من السلطات واتقاء شرها . وذلك بالتجنب عن الخوض فيما لا يحبون وترك التعرض إلى ما يكرهون . وذلك : إما بترك ذكر تاريخ أئمتنا وأصحابهم أساساً ، كأنهم ليسوا أناساً كانوا في الوجود وقدموا إلى البشرية والإسلام أجل الخدمات . وإما أن يذكرهم لكن بأقل القليل ، من الجانب الذي يكون خالياً من الخطر ، بنحو لا يثير على المؤرخ حقداً أو يحرك نحوه عاطفة .
الموقف الثاني :
أن يسير المؤرخ في ركاب الحكام ، يواكبهم في أفكارهم ، ويحاذيهم في أساليبهم ، فينخرط إما أجيراً أو كـ "عضو شرف" في الجهاز الحاكم علماً وفكراً ، إن لم يكن عملاً ونشاطاً . ولا ينبغي السؤال ـ بعد ذلك ـ عن شأن ذكر الأئمة عليهم السلام ، في تاريخه ، وهو بهذه الصفة !













عرض البوم صور محب الرسول   رد مع اقتباس
قديم 10-10-2012, 05:37 PM   المشاركة رقم: 2
معلومات العضو
فارس بدر

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
فارس بدر غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : محب الرسول المنتدى : احباب الحسين للكتب الإسلاميه
افتراضي














عرض البوم صور فارس بدر   رد مع اقتباس
قديم 10-10-2012, 07:18 PM   المشاركة رقم: 3
معلومات العضو
محـب الحسين
 
الصورة الرمزية محـب الحسين

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
محـب الحسين غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : محب الرسول المنتدى : احباب الحسين للكتب الإسلاميه
افتراضي

جزاك الله خير الجزاء












توقيع : محـب الحسين

عرض البوم صور محـب الحسين   رد مع اقتباس
قديم 10-10-2012, 11:37 PM   المشاركة رقم: 4
معلومات العضو
الـدمـع حـبـر العـيـون

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
الـدمـع حـبـر العـيـون غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : محب الرسول المنتدى : احباب الحسين للكتب الإسلاميه
افتراضي


يعطيييك العااافيه لا عدمنا هالتميييز والابدااع ,,
بأنتظااار جديدك والمميز..












عرض البوم صور الـدمـع حـبـر العـيـون   رد مع اقتباس
قديم 11-10-2012, 10:00 PM   المشاركة رقم: 5
معلومات العضو
** خـادم العبـاس **
 
الصورة الرمزية ** خـادم العبـاس **

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
** خـادم العبـاس ** غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : محب الرسول المنتدى : احباب الحسين للكتب الإسلاميه
افتراضي

شكرا جزيلا لك اخي العزيز
جزاك الله خير الجزاء
تقبل مروري












توقيع : ** خـادم العبـاس **

عرض البوم صور ** خـادم العبـاس **   رد مع اقتباس
قديم 12-10-2012, 03:20 PM   المشاركة رقم: 6
معلومات العضو
احزان كربلاء

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
احزان كربلاء غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : محب الرسول المنتدى : احباب الحسين للكتب الإسلاميه
افتراضي

تسلم وبنتضار القادم












عرض البوم صور احزان كربلاء   رد مع اقتباس
إضافة رد


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتاوى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره محب الرسول احباب الحسين للمسائل الشرعيه والأحكام الفقهيه 18 01-06-2017 10:51 AM
صور الشهيد السعيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سرة) محب الصدر قسم الشخصيات اللامعه 24 29-06-2013 11:42 PM
السيد الشهيد المولى محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ابن الشاعر منتدى شعراء أحباب الحسين 8 23-06-2010 09:39 AM
نبذة من حياة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (رض) وسام البابلي قسم الشخصيات اللامعه 3 02-07-2009 03:53 PM
قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره ) وسام البابلي منتدى الامام الحجه (عجّل الله فرجه الشريف) 3 22-06-2009 04:00 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين