مبدأ الإيمان والكفر
لتزكية النفس لا بد من دراسة أهم قضية في الدين هي قضية الإيمان والكفر ، فلا بد للسالك الذي يريد فهم سرّ وجوده عليه والى أين مصيره ، عليه أن يضع نصب عينه حقيقة أولى هي من أهمّ الحقائق على الإطلاق وهي :
أن الله خلق الخلق وهو مدبّر لشؤونهم وقيّوم على كلّ فيض يصلهم من رزق وعمر وحياة وممات وهداية وضلالة أي أن الله هو محور الوجود ، وبما أن الله قد ظهر من خلال آياته الكبرى محمد وآل محمد ، نصل الى قاعدة بأن المعصوم الذي هو مظهر جلال أسماء الله وصفاته والسيدة الزهراء التي هي مظهر أسماء وصفات الجمال فنحن
نتعامل في كلّ أمور حياتنا مع قطبين أساسيين هما :
1- رسول الله والمعصوم في كل زمان صلوات الله عليهم أجمعين
2- السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام التي هي قطب الأقطاب
والعلاقة التي تحكم علاقتي بالمعصوم الذي هو مظهر الله الأتم تسمّى علاقة "الإيمان والكفر" .
وعملية تزكية النفس واقعاً هي عملية :
1- تنمية أركان الإيمان من القلب
2- وإزالة أركان الكفر من القلب
وفي هذا البحث نتناول بحث الإيمان بشيء من التفصيل الذي هو المدخل الوحيد لتزكية النفس ، وهذا لا شك يتطلب مجاهدة وصبر ليس بالقليل أو السهل ، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) سورة العنكبوت ، الآية 69 ، أي جاهدوا فينا أنفسهم ، فهذبوها وروضوها بالتقوى ومخافه الله عز وجل كما قال علي (ع) ، (( إنما هي نفسي ، أروضها بالتقوى )) .
وهذا ليس سهلاً يستطيعه كل إنسان وكيفما كان ، بل لا بد للوصول الى هذه المرحلة من التقوى من صبر وتحمل للمشاق في طريق ذات الشوكة ، والصبر من الأمور التي يترتب عليها أجر في الآخرة وثواب من الله (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) سورة فصلت ، الآية 35 ، كذلك فإن له آثاراً وضيعة ينالها الصابرون في الدنيا كما هو مدرك بالتجارب .
وكذلك فإن الصبر أحد دعائم الإيمان الأربعة :
في رواية عن أمير المؤمنين (ع) في رواية طويلة رواها الكافي حيث قال – عندما سئل عن الإيمان – (( إن الله عز وجل جعل الإيمان على اربع دعائم :
على الصبر واليقين ، والعدل والجهاد .... ))
تم شرع عليه السلام في تعداد شعب الصبر وشعب اليقين وشعب العدل وشعب الجهاد أي تفرّعات لكل من الصبر واليقين والعدل والجهاد .
روي عن أبي جعفر (ع) أنه قال : سئل أمير المؤمنين (ع) عن الإيمان ، فقال : إن الله تعالى جعل الإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد .
فالصبر من ذلك على اربع شعب :
1- على الشوق ،
2- والإشفاق ،
3- والزهد
4- والترقب
فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن اشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات . ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات .
واليقين على اربع شعب :
1- تبصرة الفطنة
2- وتأول الحكمة
3- ومعرفة العبرة
4- وسنّة الأولين .
فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة عرف السنّة، ومن عرف السنة ، فكأنما كان مع الأولين واهتدى إلى التي هي أقوم ونظر إلى من نجا بما نجا ، ومن هلك بما هلك ، وإنما أهلك الله من أهلك بمعصيته وأنجى من أنجى بطاعته .
والعدل على أربع شعب :
1- غامض الفهم ،
2- وغمر العلم ،
3- وزهرة الحكم
4- وروضة الحلم ،
فمن فهم فسر جميع العلم ، ومن علم عرف شرائع الحكم ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميداً .
والجهاد على أربع شعب :
1- على الأمر بالمعروف
2- والنهي عن المنكر
3- والصدق في المواطن
4- وشنآن الفاسقين ،
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق وأمن كيده ، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ، ومن شنىء الفاسقين غضب لله ، ومن غضب لله غضب الله له ، فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه .
وعن ابن ميثم (ره) جاء : إعلم أن المقصود من الإيمان هنا هو الإيمان الكامل المستند لأصل العقيدة والكمالات المتممة له
1- والأصل التصديق بوجود الصانع وصفات الكمال ونعوت الجلال وكل شيء ذكر في الله في مضامين الكتب النازلة ،
2- وكل ما بلغ به الرسل من كمالات متممة للأقوال والأخلاق الحميدة والعبادات التي يرتكز عليها هذا الأصل ، ومتمماته من الكمال النفسي الانساني لأنه يتضمن قوتي العلم والعمل ومكارم الأخلاق .