العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام
المنتدى الاسلامي العام يختص بكل مواضيع الثقافة الإسلامية على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)


مع الصادق (ع) في مدرسته في حوار مع الأستاذ عبد الباقي الجزائري

المنتدى الاسلامي العام


 
قديم 18-10-2020, 10:59 AM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
سيد فاضل
 
الصورة الرمزية سيد فاضل

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
سيد فاضل غير متواجد حالياً

المنتدى : المنتدى الاسلامي العام
افتراضي مع الصادق (ع) في مدرسته في حوار مع الأستاذ عبد الباقي الجزائري



مع الصادق (ع) في مدرسته في حوار مع الأستاذ عبد الباقي الجزائري

الاجتهاد: من خصائص مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أنّها كانت معارضة صامدة في وجه الحاكمين، ولم تلجأ إليهم يوماً من الأيام ولا كانت في خدمتهم، خلافاً لبعض المدارس التي تحالفت مع السلطة من أجل تثبيت مواقعها، واحتضنتها هذه الأخيرة، وتفاصيل ذلك موزّعة في كتب التاريخ والسِيَر والتّراجم.

نبذة مختصرة عن الأستاذ عبد الباقي الجزائري: ولد الأستاذ عبد الباقي قرنه في الجزائر سنة 1957 ميلادي، وكان على المذهب المالكي، وفي سنة 1986 -وبسبب حادثة(1)- بدأ بالبحث عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وحقانيته، حتى وفقه الله تعالى للدخول فيه عن عقيدة راسخة، وقلب مطمئن، وبدأ نشاطه في الدفاع عن المذهب الحق.

ومن نشاطاته في التلفزيون إدارة برنامج (حقائق من التاريخ) على قناة الكوثر. من مؤلفاته: (قراءة في سلوك الصحابة) طبع سنة 2004، و(حياة معاوية) طبع سنة 2005، و(الذين في قلوبهم مرض) طبع سنة 2006، و(الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب) طبع سنة 2007. و(المغيرة بن شعبة) تحت الطبع.

نص الحوار الذي أجرى فضيلة الشيخ جعفر سلمان آل طوق مع الأستاذ عبد الباقي الجزائري والذي نشر في مجلة رسالة القلم

ما هي الخصائص العامة التي تميز مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الفقهية مقابل مدارس العامة؟

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، في البداية شكراً لمجلّتكم المحترمة على إتاحة هذه الفرصة، كما أحيّي قرّاءها والقائمين عليها.

في الحقيقة لا مجال للمقايسة بين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والتيّارات الفكريّة التي وجدت أيّامها وبعدها؛ لأنَّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أسّسها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بنفسه، وأخبر الناس بأهميتها، ودعاهم إلى الاقتداء بها، وعَدَلها بالقرآن الكريم؛ فوظيفة المسلمين في كل زمان ومكان أن يقتدوا بهديها ويعملوا بتعاليمها، لا أن ينافسوها.

مدرسة أهل البيت مدرسة اصطفاء ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(2)، ومحمّد أشرف نبيّ وآله أشرف آل، وقد ورد تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم في القرآن الكريم.

وهذه المدرسة تستمدُّ مددها من السماء، وقد شهد لها رسول الله بالأعلمية حين قال: «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم». وهذا ما لايستطيع أن يدّعيه أحدٌ سوى آل محمد (صلَّى الله عليه وآله).

ومن خصائص مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أيضا أنها لا تطلب العلم من عند أيٍّ كان، لأنَّ العلم الصحيح موجود عندها، ومنها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهي منه، وفي بيوتها نزل القرآن الكريم وعندها تأويله وناسخه ومنسوخه، ولهذا لم يثبت أنَّ أحدَ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) رحل في طلب العلم إلى شيخ أو شيوخ، وعلى خلاف ذلك تماماً رحل النّاس من كلّ الأمصار لطلب العلم لدى الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

ومن خصائص هذه المدرسة أنّها كانت معارضة صامدة في وجه الحاكمين، ولم تلجأ إليهم يوماً من الأيام ولا كانت في خدمتهم، خلافاً لبعض المدارس التي تحالفت مع السلطة من أجل تثبيت مواقعها، واحتضنتها هذه الأخيرة، وتفاصيل ذلك موزّعة في كتب التاريخ والسِيَر والتّراجم.

ومن خصائص مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أن النّص عندها لم يتوقّف بوفاة النّبي (صلَّى الله عليه وآله) حتى تحتاج إلى اجتهادات المجتهدين، وإنما هي امتداد طبيعيّ للنّبي (صلَّى الله عليه وآله)، فالإمام لدى مدرسة أهل البيت هو امتداد للنّبي (صلَّى الله عليه وآله)، يؤخذ منه كما يؤخذ من النّبي (صلَّى الله عليه وآله)، والرّادّ عليه رادّ على النّبي (صلَّى الله عليه وآله)؛ نعم الذي توقّف بتوقّف حياة النّبي (صلَّى الله عليه وآله) هو نزولُ القرآن الكريم، أمّا التّسديد والإلهام والنّكْت في القلب فلم يتوقّف، ولو توقّف لما تمّت الحجّة في المتشابهات وأمثالها، لأنَّ الحجة لا تثبت إلاّ باليقين، ومن كان كلامه مجرّد ظنّ فإنه لا تقوم به الحجّة.

ومن خصائص هذه المدرسة أنها تقول بعصمة النّبي (صلَّى الله عليه وآله) والأئمّة من بعده، وعدّتهم عدّة نقباء بني إسرائيل، والاعتقاد بالعصمة يبعث على الطمأنينة وراحة البال، ويريح النفس من الشّكوك والوساوس.

ما هي أهم المدارس المذهبية في عصر الإمام الصادق (عليه السلام)؟

في بداية عصر الإمام الصادق يمكن الحديث عن تيارات فكرية وفِرق لم تتمايز لديها التوجهات العلمية (فقه وأصول وحديث وسيرة) بعد، فقد كان هناك خوارج ومرجئة ومعتزلة وجبرية ومتصوّفة ودهرية، وكان المتحدث الذي يَروي ويُروى عنه يخوض في القضايا العَقَدِية الكلامية أيضا، ويدلي برأيه في علم التفسير، فلم تكن العلوم قد تمايزت،

وكان الحديث أهم شيء عندهم؛ نعم كانت معالم الرأي والقياس قد بدأت تتشكل وتتضح، وكان أبو حنيفة رائداً في الرأي والقياس، وكان له أصحاب وأتباع، لكن مدرسته لم تتكامل في حياته، وكذلك الشأن بالنسبة لمالك، وقد عاش كلا الرجلين في عهد الإمام الصادق وأخذا عنه.

وإذا عدنا إلى الفقهاء الذين عاشوا في زمان الإمام الصادق (عليه السلام)، فإنَّ عددهم لا ينحصر في مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان، لكن متبنّياتهم وأفكارهم بادت لأنها لم تُحتضن لا من العامة ولا من الحاكمين.
ويمكن القول بأنَّ عصر الإمام الصادق كان عصر تكوّن المذاهب الفقهية.

ما هي مصادر علم الإمام (عليه السلام)؟

كما سبق أن ذكرت، فإن الإمام المعصوم يختلف عن أهل العلم غير المعصومين من حيثيات كثيرة، أولاها أنه لا يرحل في طلب العلم، ولا يتعلّم على أيدي الشيوخ الذين درسوا هم بدورهم عل شيوخ.

الإمام المعصوم غير محجوب عن الحقائق حتى يحتاج إلى أن يدلّه غيره عليها، فهو مسدّد مؤيّد معلّم ملهم محدّث، وأمثاله في القرآن لهم ذكر، فهذا وصيّ سليمان لم يُذكر أنّه كان نبيّا، ومع ذلك كان عنده علم من الكتاب، وذاك الرّجل الصالح صاحب موسى في القصة المذكورة في سورة الكهف آتاه الله من العلم اللدنيّ، ولم يذكر صراحة أنه كان نبيّا، وقد اتّفق المفسرون أنّه كان لموسى عليه الصلاة والسلام وصيّ ولعيسى عليه الصلاة والسلام وصيّ،

وهناك حديث في معجم الطبراني ينتهي إسناده إلى سلمان الفارسيّ وأبي سعيد الخدريّ يفيد أنه لكل نبيّ وصيّ، فلا بدَّ من وصيّ لنبيّنا محمد (صلَّى الله عليه وآله)، وبما أن الرّسالة قد خُتمت فلا بدَّ من استمرار الوصيّة وإلاّ انتفت إقامة الحجّة، فالإمام المعصوم هو أيضا وصيّ، قد هيّأ اللهُ له من طرق العلم بحيث لا يحتاج إلى أحد ولا تخفى عليه مسألة.

وبالنّسبة إلى من لا يعتقدون بإمامته فإنه يجيبهم من القرآن الكريم والأحاديث التي صحت عندهم، ويلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.
نعم، نجد الإمام يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حديث جبريل، وحديث جبريل حديث الله تعالى، وهذا إسناد ليس له شبيه.

والإمام لا يجتهد كما يجتهد غيره من المقدّمات إلى النّتائج؛ لأنَّ هذا شأن من يُحتمل فيه الخطأ والاشتباه، والإمام معصوم، فليس لديه مقدّمات ونتائج وتوالٍ، وإنمّا عنده علم يرى الأمور كما هي عليه. وقد كان هذا ظاهراً في سيرة الإمام عليّ (عليه السلام).

ولو كان الإمام يجيب على طريقة المقدّمات والتوالي لأجاب بعد التروّي والتفكّر، ولم يثبت أنّ إماما من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كان يتروّى ويفكّر قبل الإجابة، بل كانت إجاباتهم (عليهم السلام) على سعتها ودقّتها جوامع كلم يستفيد منها الصغير والكبير.

وكانوا (عليهم السلام) عالمين بما عندهم وما عند مخالفيهم ولم يكن كذلك شأن مخالفيهم. وكان الإمام الباقر (عليه السلام) يقول لأصحابه ما مضمونه: إذا أخبرتهم الشيء فسلونيه من القرآن الكريم.
وهذا يعني أن علم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يكن فيه شيء ليس له شاهد من القرآن الكريم

ما هي الظروف التي كان يعيشها الإمام (عليه السلام)؟

عاش الإمام الصادق (عليه السلام) في ظل أبيه الإمام الباقر (عليه السلام) في دولة بني أمية، أدرك من خلافة عبد الملك بن مروان ثلاث سنين، وشهد خلافة الوليد بن عبد الملك(تسع سنين) وخلافة سليمان(ثلاث سنين) وخلافة عمر بن عبد العزيز (سنتين وأشهرا) وخلافة يزيد بن عبد الملك(أربع سنوات) وخلافة هشام بن عبد الملك(عشرين سنة) وخلافة يزيد الوليد بن يزيد (سنة واحدة) وخلافة يزيد بن الوليد (ستة أشهر) والاضطرابات التي تتالت بعد ذلك في البيت الأموي إلى أن انقرض سنة 132 على يد العباسيين،

وهذه فترة من أحلك الفترات في تاريخ المسلمين، مورس فيها الضغط والأذى ضد أهل البيت وشيعتهم، باستثناء سنتي عمر بن عبد العزيز، لكن الأيام عبست في وجه الأمويين وأدارت لهم ظهر المجن، فانقلب بعضهم على بعض واضطربوا واقتتلوا وآل أمرهم إلى زوال، فكان في ذلك الضعف الذي نالهم فرصة للإمام الصادق أن يفتح بيته لطلاب العلم ويروي حديث جده (صلَّى الله عليه وآله).

ولأن الدولة العباسية الجديدة كانت بحاجة إلى وقت لترسيخ بنائها والتخلص من بقايا بني أمية فإن الإمام الصادق (عليه السلام) وجد وقتا للاستمرار في رسالته التعليمية ونشر معارف أهل البيت (عليهم السلام)، لكن وصول أبي جعفر المنصور الدوانيقي إلى الحكم عجّل بتغيير الأجواء وتعكيرها، وجعل الإمام الصادق تحت المراقبة، ومحاولة التضييق عليه مع التظاهر باحترامه، إلى أن اغتاله بالسم سنة148.

لقد عاش الإمام ظروفا صعبة لكنه بحكمته وصلته بالله تعالى تمكن من مماشاتها والتأقلم مع الأحداث والوقائع حتى أدَّى ما عليه، ولم يستطع المنصور أن يوقف مسيرته التي بقيت آثارها إلى اليوم، ولا يزال العالم يكتشف الإمام الصادق يوما بعد يوم.

ما هي ملامح جامعة الإمام (عليه السلام) وأبرز تلامذته؟ لو كان الإمام الصادق (عليه السلام) في أيامنا لصحّ أن يقال عن جامعته إنها جامعة عالمية، وذلك لعدة أسباب: منها أنها كانت مقصودة من مختلف الأمصار المهمة في ذلك الوقت: الكوفة والبصرة والشام واليمن ومصر..

ومدرسة تكون مقصودة بهذا الشكل، وهي غير مموّلة من طرف الدولة، بل معدودة في المعارضة، لا بد أن تحتوي وتتضمن ما لا يوجد لدى غيرها؛ وقد ذكروا أنه (عليه السلام) كان يكرر كلام جده الإمام علي (عليه السلام): «سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي»(3)، ومحال أن يتحدث غيره بهذا الكلام صادقاً.

ثمّ إنَّ مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) كانت مطلعة على كل العقائد والآراء والأفكار السائدة يومها. وقد اهتم الإمام (عليه السلام) في مدرسته بمناظرة أهل العقائد الضالة والآراء المنحرفة، ومواجهة الزنادقة والملحدين بقوة وفضح مدّعياتهم، والتصدي لردّ شبهات أهل الكتاب وكشف أحوال الفرق الشاذة، دون أن يشغله هذا كله عن مواجهة الحكام الظلمة على القدر الذي تسمح به الظروف.

ومن أبرز تلامذته الذين كانوا ينشرون فقهه وما اتصل به من العقائد والآراء: حمران بن أعين، وزرارة بن أعين ومؤمن الطاق(محمد بن النعمان) وهشام بن سالم، وقيس الماصر، وهشام بن الحكم الذي كان قد تنقل بين كثير من العقائد والآراء قبل أن يستقر به الأمر عند الإمام (عليه السلام)، حمزة الطيار، وكثير ممن نهلوا من علم الإمام ووظفوا أنفسهم لنشره. أما الذين رووا حديثه (عليه السلام) فيعدون بالآلاف.

كما أن من تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام) الذين كانوا يحضرون درسه ولا يأتمون به، وخالفوه في كثير من القضايا فيما بعد: مالك بن أنس، وأبو حنيفة النعمان، وقد أصبح كل واحد منهما فيما بعد رئيس مذهب فقهي انتشر في سائر أقطار الأرض.

ما هو دور الإمام (عليه السلام) في تثبيت النظرية القرآنية الصحيحة(الأمر بين الأمرين نموذجا)؟

هذه مسألة عقدية إيمانية جاءت بعد أن كاد الجبر والتفويض يعصفان بعقائد المسلمين إلا من رحم ربك. وقد كان القول بالجبر والتفويض -على حد سواء- يصب في مصلحة الحاكمين، لذلك فإنهم وإن لم يشجعوا على ذلك علنا ومباشرة فإنهم سكتوا عن الدعاة إلى ذلك، وتركوهم يصولون ويجولون، وفي ذلك ما فيه من الخطر على عقائد المسلمين.

وبما أن أقوال الإمام علي (عليه السلام) بهذا الخصوص كانت ممنوعة الذكر في زمن بني أمية، فإنَّ التطرق إلى القضية لم يتح بسهولة إلا عند ضعف الدولة الأموية واشتغال أفرادها بعضهم ببعض في زمن الصادقين (عليهما السلام).

ولما كان القول بالجبر يصبّ في مصلحة الأمويين فإنَّ القائلين به لم يكونوا يخشون أحدا أو يتسترون في كلامهم. كما أن القول بالتفويض أيضا يتسبب في شبهات حول إرادة الله وقدرته وكونه كل يوم هو في شأن. وللإمام الكاظم (عليه السلام) قصة في هذا الباب ترفع الشك عن كل متحير في المسألة.

قال السيد محمد حسين الطباطبائي في كتابه الشيعة في الإسلام صفحة 115: “وفي النتيجة، إن مثل هذا الفعل الذي يرتبط بإرداة الله تعالى ضروري، والإنسان أيضا مختار فيه، أي أن الفعل يعتبر ضروريا بالنسبة إلى مجموع أجزاء علته، ولكنه اختيار وممكن بالنسبة إلى أحد أجزائه وهو الإنسان.

والإمام السادس (عليه السلام)، يقول: «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين»”. والخوض في المسألة أكثر من هذا القدر من شأن المتخصصين.

ما هي أهم المضامين التي جاءت في وصية الإمام الصادق (عليه السلام) لعنوان البصري(4)؟

وصية الإمام لصادق (عليه السلام) لعنوان البصري، هي في الحقيقة وثيقة تربوية صالحة للصغير والكبير، لو استفاد منها المسلمون في منظوماتهم التربوية لما كان في حياتهم اليوم شيءٌ من هذا الإرهاب الذي جعل أصابع الاتهام تشير إليهم أين ما كانوا.

هذه الوصية تذكر الإنسان بما خُلق لأجله، وتحذره من تضييع الوقت فيما لا طائل بعده، وهي على قصرها أشبه بعهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر مع ما بين الوصيتين من الاختلاف في الموضوع.

فتلك وصية للمريد السالك، وعهد الإمام علي (عليه السلام) وصية للحاكم الذي يريد أن يحكم بالعدل ويجري الأمور على ما يرضي الله تعالى.

وصية الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) لعنوان البصري لم تتضمن الأمر بطلب آلاف الأحاديث وتتبع الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد، وإنما وجهت الرجل إلى إصلاح جوهره الذي إذا صلح صلُح العبد نهائيا، وإذا لم يصلح لم ينفع معه علم الأولين والآخرين.

وفي تصوري أن المنظومات الدراسية والتربوية في بلدان المسلمين بحاجة إلى هذه الوصية حاجة الظمآن إلى الماء، لأنَّ المعالم التربوية الموجودة فيها لا تتطلب عناءً ولا ميزانية، وهي خطاب مباشر إلى القلب، لا يحجبه عنها شيء، وأروع ما فيها أنها صالحة لكل زمان ومكان، يستوي فيها الملك والسوقة إذا حسُن فهمها وتأكّد الصدق في قبول ما فيها والعزم على تطبيقها.

وقد كانت خاتمة الوصية رسالة موجهة إلى أهل العلم، يفلح من عمل بها ويخسر من تجاهلها، فقد قال (عليه السلام): «وأما اللواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة، وإياك أن تعمل برأيك شيئا، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا، واهرب من الفتيا هروبك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا.

قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك، ولا تفسد علي وردي، فإني امرؤ ضنين بنفسي، والسلام على من اتبع الهدى».

ماذا نستفيد من وصية الإمام (عليه السلام) بالصلاة عند فراقه الدنيا؟

روى أبو بصير عن أصحاب الإمام قال: دخلت على أم حميدة (زوجة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)) أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه، ثم قال: «اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة».
قالت: فما تركنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة»(5).

هذه الرواية لا تحتاج إلى شرح وبيان؛ لأنَّ وضوحها ليس بعده وضوح، وهي بكلّ اختصار تقيم الحجّة على المستخفين بالصّلاة، الذين يطمعون أن يكون حبُّ أهل البيت (عليهم السلام) شافعاً لهم وإن أهملوا الواجبات، والحقّ من يكون اعتقاده على هذا النحو بعيد جدا عن خطِّ ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، كما أن دعواه حبّ أهل البيت مجرد دعوى لا أكثر، إذ أنه لو فكّر وأمعن النظر لتبين له أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ضحوا بأنفسهم لأجل إقامة الدين، والصلاة عمود الدين، فكيف يدّعي ولاءهم من جهة، ثم يخرب ما بنوه من جهة أخرى.

لقد كان الإمام علي (عليه السلام) يصلي صلاة الليل والسهام تمر بين يديه ليلة الهرير، كما أن صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء لا يزال يرددها قراء المقتل والخطباء جيلا بعد جيل، ولقد صلَّت زينب سلام الله عليها صلاة الليل من جلوس في نفس الليلة التي قُتل فيها الحسين (عليه السلام)، فكيف يسمح مؤمن عاقل بعد هذا كله أن يستخف بأمر الصلاة؟! أليس زائر الأئمة يقول في زيارته: أشهد أنَّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة..

أيكون صادقا في شهادته هذه إذا كان هو مهملاً لها متهاوناً بها؟ وصية الإمام الصادق (عليه السلام) حجّة على كل من تساهل وتهاون بأمر الصلاة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


المصادر والمراجع
(1) في نهاية سنة 1986 كان الأستاذ في طريقه إلى الهند ليلتحق بـ ((دار العلوم ندوة العلماء)) الجامعة الدينية الكبيرة التي اشتهرت بمدرّسين متضلعين في العلوم وحريصين على نفع الطلبة. ولأنّه تعذّر الحصول على التأشيرة عن طريق العواصم الأوروبية بسبب التفجيرات المنسوبة إلى جورج عبدالله يومها فقد تعيّن السفر من الطريق الآخر أي اعتماد مسار.-إيران–باكستان-الهند.

وفي سوريا -وبالضبط في حي السيدة زينب سلام الله عليها- كانت المفاجأة التي غيّرت مجرى حياة الأستاذ عبد الباقي وفتحت أمامه نافذة جديدة للإطلال على عالم القيَم والسعي في مرضاة الله (سبحانه وتعالى).

كان تصوّر الكاتب لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) حين وصل إلى دمشق هو نفس ما يحمله كل مخالف لهم يستقي معلوماته عنهم من طرف خصومهم من أمثال ابن تيمية وابن كثير والذهبي… لذلك لم يهتمّ بأمرهم حين رأى آلاف الزوار الإيرانيين يقصدون المراقد الشريفة، ولم يحاول أن يقرأ عنهم شيئا من جهتهم، باعتبار أنّ شيوخ السّلف قد كفوه مؤونة ذلك، ولم يكن يهمّه البحث في هذا الموضوع لأنه كان أشبه بتحصيل الحاصل.

وتعرّف -في انتظار الحصول على التأشيرة- على شباب من الجامعيين من المغرب العربي وكان من بينهم شيعة دار بينه وبينهم حديث في المذاهب الإسلامية لم يصل إلى نتيجة.

وذات مساء لمحت عيناه في إحدى المكتبات كتاباً أحسَّ بالانجذاب إليه والظاهر أنّ سرَّ الانجذاب يكمن في أن عنوان الكتاب كان له صلة بالنقاش الذي جرى بينه وبين الطلبة، إضافة إلى روح التسامح التي انطوى عليها العنوان قياساً بالعناوين الني يختارها ابن تيمية ومن على خطّه.

كان عنوان الكتاب “الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ” للمرحوم أسد حيدر. وأخذ الأستاذ عبد الباقي الكتاب وشرع في تصفّحه. يبدأ المرحوم أسد حيدر كتابه بذكر سبب التّأليف، والسبب باختصار هو أنّه وجد في تاريخ ابن خلدون عبارة يتأذى لسماعها كلُّ صاحب ضمير، لأنّها تعبّر عن سلوك عدائي قبال من أُمر المسلمون بمحبّتهم ومودّتهم والصلاة عليهم في كل نافلة و فريضة.

فابن خلدون يقول: “وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصّحابة بالقدح وعلى قولهم بعصمة الأئمّة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية” ويردّ أسد حيدر (رحمه الله) على ابن خلدون بكتاب في ثلاثة مجلّدات، يفنّد فيها زعمه ويستشهد بما لا يدفعه إلا مكابر. كان الأستاذ عبد الباقي حين قراءة الكتاب على مذهب مالك، كما هو شأن جميع أبناء المغرب العربي، وابن خلدون من فقهاء المالكية، وقد كان قاضي قضاة في زمانه ومات وهو على القضاء، ولكن، هل هذا يخوّل له أن يردّ مُحكم القرآن الكريم؟! كيف سمحت له نفسه أن يسمّي المطهّرين شاذّين؟! ولو أنّه قال: “وشذّ أتباع أهل البيت” لكان في سعة من أمره، لكنّه قال: “وشذّ أهل البيت” فنسب الشذوذ إلى من طهّره الله تعالى، وفي هذا من الغفلة عن تدبّر القرآن الكريم ما لا يخفى، وعلماء المسلمين لا يختلفون في موقفهم ممّن يكذّب شيئا من القرآن الكريم آيةً فما فوقَها..

هنا كانت لحظة التّأمّل التي غيّرت مجرى حياة الأستاذ عبد الباقي قرنه، وجعلته يعيد النظر في ما ورثه من تراث لا يبالي أصحابه بتكذيب القرآن الكريم انتصاراً منهم لشيوخهم ومذاهبهم، وكانت البداية وكانت بعدها ألطاف إلهيّة وأسرار ربّانية يشير إليها قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}. من يومها أحسّ الأستاذ عبد الباقي قرنه، أنّ في ذمّته أن يحاول جهد ما يستطيع أن يعرّف الناس بما تعرّف عليه هو، وأن يجعل من ذلك شغله الشاغل، وهدفه الأسمى في هذه الحياة الدنيا، ليسير على درب من قال فيهم المولى (سبحانه وتعالى): {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}.
(2) آل عمران، 33-34.
(3) راجع البحار، ج47، ص33، وتهذيب الكمال للمزي، ج5، ص79، وتذكرة الحفاظ للذهبي، ج1، ص166،
(4) ذكر هذه الوصيّة المجلسي في البحار، ج1، ص224، ومما جاء فيها: «… أُوصِيكَ بِتِسْعَةِ أَشْيَاءَ فَإِنَّهَا وَصِيَّتِي لِمُرِيدِي الطَّرِيقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ اللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَكَ لاسْتِعْمَالِهِ ثَلاثَةٌ مِنْهَا فِي رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَ ثَلاثَةٌ مِنْهَا فِي الْحِلْمِ وَ ثَلاثَةٌ مِنْهَا فِي الْعِلْمِ فَاحْفَظْهَا وَ إِيَّاكَ وَ التَّهَاوُنَ بِهَا قَالَ عُنْوَانُ فَفَرَّغْتُ قَلْبِي لَهُ فَقَالَ أَمَّا اللَّوَاتِي فِي الرِّيَاضَةِ فَإِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا لا تَشْتَهِيهِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْحِمَاقَةَ وَ الْبُلْهَ وَ لا تَأْكُلْ إِلا عِنْدَ الْجُوعِ وَ إِذَا أَكَلْتَ فَكُلْ حَلالاً وَ سَمِّ اللَّهَ وَ اذْكُرْ حَدِيثَ الرَّسُولِ ص مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنِهِ فَإِنْ كَانَ وَ لا بُدَّ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَ ثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَ ثُلُثٌ لِنَفَسِهِ وَ أَمَّا اللَّوَاتِي فِي الْحِلْمِ فَمَنْ قَالَ لَكَ إِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً سَمِعْتَ عَشْراً فَقُلْ إِنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً وَ مَنْ شَتَمَكَ فَقُلْ لَهُ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فِيمَا تَقُولُ فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ وَ مَنْ وَعَدَكَ بِالْخَنَا فَعِدْهُ بِالنَّصِيحَةِ وَ الرِّعَاءِ وَ أَمَّا اللَّوَاتِي فِي الْعِلْم…».
(5) الوسائل، ج3،ص71.



المصدر: موقع الأبدال












توقيع : سيد فاضل

عرض البوم صور سيد فاضل   رد مع اقتباس
 


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصيدة أنت العلي للشاعر عبد الباقي العمري محـب الحسين احباب الحسين للشعر الحسيني 2 09-07-2019 05:11 PM
حوار الإمام جعفر الصادق عليه السلام . وأبو حنيفه .. powerstar يوتيوب رد الشبهات 4 27-06-2019 09:08 AM
شاهد.. تلميذ أمريكي مفصول يقتحم مدرسته ويقتل 17 شخصاً مراسلنا السياسي اخبار العراق والعالم 0 15-02-2018 08:06 AM
الصادق شعنده جنايه وكطع السم جبدته --- هجري --- لوفاة الصادق ع محب الكاظم* احباب الحسين للشعر الحسيني 6 14-10-2011 10:59 AM
لطميه للامام الصادق (ع) مع نزله عكَيليه (الصادق سمّه المنصور) شموع العباس احباب الحسين للشعر الحسيني 5 15-10-2009 11:47 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين