بسم الله الرحمن الرحيم
كان أبو الفضل العباس يمسح الدموع عن بنات رسول الله إذا بكين .. وكان
ينفض الغبار عن رؤوس الأطفال الصغار إذا جاعوا أو عطشوا أو ضربتهم عادية من عاديات الزمن .
فيوم عاشوراء عندما وقف الإمام الحسين عليه السلام يكلم القوم ويذكرهم بأيام الله ويحذرهم غضب الجبار .. يذكرهم بالحقوق والواجبات ويحذرهم من الدنيا وما فيها ..
يذكرهم بالآخرة والنعيم .. ويذكرهم أيضاً بأنه ابن بنت النبي بل هو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يومها يلبس جبة النبي وعمامته .. أقول : عندما وقف الحسين يكلم
جنود يزيد بهذه الكلمات : " ولا يكن أمركم عليكم غمة ثم أقضوا إلي ولا تنظرون .. إن وليَّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين " فلما سمع النساء هذا منه صحن
وبكين وارتفعت أصواتهن بالبكاء فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه علياً الأكبر وقال لهما : " سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن فلما سكتن حمد الله وأثنى عليه " على أن محل
الشاهد هنا هو أن الذي انتدبه الحسين لهذه المهمة الإنسانية التي تفيض رقة ورحمة وعذوبة إنما هو أبو الفضل العباس .. وعلي الأكبر .. ومعروف أن علياً الأكبر روحي فداه
دائماً هو مع عمه أبي الفضل يسير إلى جنبه بإنجاز مثل هذه المهمات التي كانت تؤثر في قلب الحسين وروحه .
وكانت حرائر بيت الوحي ونساء بني هاشم قد اعتمدن على أبي الفضل العباس عليه السلام في هذا المجال اعتماداً كلياً , فهو المحامي وهو المدافع عن الحريم .. وهو حامي
الظعينة وهو الساقي الذي يسقي عطش النفوس والأبدان .. وكما أن أباه علياً ساقي عطاشى الحشر .. كذلك , أبو الفضل هو ساقي عطاشى كربلاء .
ونلمح هذه العلاقة أو الرابطة التي تربط عائلة الحسين بأبي الفضل ساعة مجيء الشمر لعنه الله ووقوفه على مقربة من الخيام ينادي : أين بنو أختنا أين العباس وأخوته ؟
وقد كرر هذا النداء أكثر من مرة ولكنه لم يسمع جواباً لأن ابا الفضل أخذه الحياء من أخيه الحسين فأطرق إلى الأرض ينكت التراب بأنامله وقد احمرت وجنتاه من الخجل ..
وكذلك صنع أخوته الذين كانوا رابضين حول أخيهم الحسين كالأسود الضواري يتحفزون إلى الانطلاق في ميدان المعركة في أية لحظة , وهم على استعداد تام للتضحية ينتظرون
الإشارة من سيدهم وزعيمهم أبي الأحرار أبي عبدالله الحسين عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
وراح الشمر لعنه الله يكرر نداءه هذا : أين بنو أختنا أين العباس وأخوته وإنما قال الشمر : أين بنو أختنا لأنه أراد أن يذكر بالقرابة التي تربطه بهم من ناحية الأم , فأم البنين هي
بنت حزام الكلابية , والشمر كما يدعي أنه هو من عشيرة أم البنين وسبحان الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .. وماقيمة القرابة في النسب إذا لم يكن
تقارب في العقيدة ؟ فأبو لهب عم النبي والقرآن يلعنه بصريح العبارة إذ يقول : " تبت يدا أبي لهب وتب " .
وأود هنا أن أذكر القارىء الكريم وألفت عنايته ونظره إلى أنني لا أريد أن أثبت هنا أن الشمر تربطه قرابة بأم البنين فاطمة أم العباس وأخوته وإنما فقط أردت أن أقول : حتى على
زعمه هو وادعائه أنه من عشيره أم البنين فإن ذلك لا يشفع له ولا يعطيه حقاً أن ينادي العباس بمثل هذا النداء ولذلك أطرق أبو الفضل ولم يجبه وكذلك صنع أخوة العباس إذ
أطرقوا برؤوسهم إلى الأرض حياءً من أبي عبدالله الحسين عليه السلام , وحياءً من النساء اللواتي وقفن في الخيمة ينصتن إلى نداء الشمر وخصوصاً العقيلة زينب التي وقفت وقد
جمد الدم في عروقها وهي تسمع صوت هذا اللعين ينادي بأسماء أخوتها : العباس وأخوته .
فوقفت زينب وقد وضعت خدها على عمد الخيمة وهي تنظر إلى أخيها أبي الفضل العباس مالذي سيضعه وكيف سيتصرف في مثل هذا الموقف .
وبينما هم في سكوت وإذا بصوت الحسين سلام الله عليه يكسر هذا السكوت في دفء ورقة ورحمة قائلاً لهم : " أجيبوه وإن كان فاسقاً " ؟
فقام إليه العباس واخوته بين يديه وسأله أبو الفضل عن قصده ومراده وإذا به يقول : يا بني أختي أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين .. والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد فإنه
لن يريكم إلا ماتحبون .!
وطبعاً أراد الشمر أن يخدعهم بهذه الأماني الزائفة وهذا الشعار الكاذب .. ولكن أبا الفضل وإخوته أكبر من أن تنطلي عليهم هذه الخزعبلات .. إن أبا الفضل كان نافذ
البصيرة , صلب الإيمان , والبصيرة النافذة لا تدع مجالاً للشك ولا للتردد أن يسيطرا على الشخص المؤمن ..
ولذلك نجد أبا الفضل قد أصابه بأبلغ وأروع جواب حين سدد إليه هذه الكلمات الصائبة القاتلة .
قال له :
تبت يداك يا عدو الله - ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة .. وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟
أتأمننا وابن رسول الله لا أمان له ؟
وبعد هذا الجواب القاطع القوي الذي يكشف عن معدن ونور أبي الفضل العباس عليه السلام رجع أبو الفضل إلى الخيام وفي أثناء رجوعه وقعت عينه على أخته العقيلة زينب
وهي واقفة بباب الخيمة صامتة تنظر إلى أخيها العباس عليه السلام فلما رآها بباب الخيمة مال إليها ليطمئنها ويشد على قلبها . وإذا بها تقول :
أخي أبا الفضل الخيام خيامك والنساء أخواتك فلا تقصر عنا بنصرتك .. وهزت هذه الكلمات أريحية أبي الفضل فانفجر كأنه بركان بقوله وصموده وشجاعته وبسالته وقال لاخته
زينب كلمات طمأنها فيها وأكد لها أنه مادام فيه عرق ينبض سوف لن يجرأ أحد من الاقتراب من الخيام .
....
باب الحوائج
على أن لقب باب الحوائج الذي أطلق على أبي الفضل العباس هو من أكثر الألقاب شيوعاً بين الناس , ووقعاً في قلوبهم .. ففي العراق أبو الفضل معروف لدى الناس جميعاً -
السنه منهم والشيعة - يعتقدون بأنه باب من أبواب الله عز وجل الذي يقصده الناس في قضاء حوائجهم على أن القصص والحقائق التي وقعت وحدثت بالفعل هي أكثر من أن
تذكر هنا فما أحد في العراق إلا وهو يعتقد بهذا الجانب في أبي الفضل وأنه باب للحاجات .
وقصده - ذات مرة - رجل أعمى قد فقد بصره بسبب حادث وعجز الأطباء عن علاجه فلما وقف على ضريح أبي الفضل العباس عليه السلام أنشد يقول :
قصدت أبا الفضل الذي هو لم يزل قديماً حديثاً للحوائج يقصد
يمد على العين السقيمة كفه وإن قطعت يوم الطفوف له يد
وبالفعل حصل على مراده فقد حدث أن منّ الله عليه ببركات هذا العبد الصالح قمر بني هاشم - عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام - وتستطيع أن تقول :
إن العباس بن علي بطل كربلاء هو الذي أعاد البصر إلى عين الأعمى كرامة مّن الله بها عليه وإن كان الكل من الله سبحانه وتعالى ولكن هؤلاء هم الوسيلة
إلى الله وقد قال الحق سبحانه " وابتغوا إليه الوسيلة " .
وأبو الفضل من أنصع الوسائل التي توصلنا إلى رضوان الله تعالى .
...
منقول ..
دعواتكممم ...
المواضيع المتشابهه
أبا الفضل العباس عليه السـلآم باب الحوائج ...
العرض العادي
