العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم العام > احباب الحسين للتاريخ والحضارات > قسم الشخصيات اللامعه
قسم الشخصيات اللامعه يختص بالسير الذاتيه للشخصيات اللامعه القديمه والحديثه وبكل أصنافها


الاصفي في ذكرى رحيله..

قسم الشخصيات اللامعه


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-06-2020, 06:33 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

سيد فاضل

الصورة الرمزية سيد فاضل


الملف الشخصي









سيد فاضل غير متواجد حالياً


افتراضي الاصفي في ذكرى رحيله..



الاصفي في ذكرى رحيله..

الآصفي.. اخر العباءات الممزقة
تعرفت على الشيخ محمد مهدي الآصفي قبل ان أبلغ السمع، اذ كانت امي تخبيء مذياعها عن اعين السلطة الديكتاتورية واسماع مخبريها، لتلتقط اذاعة طهران العربية في الساعة الواحدة الى الثانية من عصر كل يوم ، لتصغي بخشوع الى المحاضرة الاسلامية.
المحاضرة التي يتناوب عليها علماء من الطائفتين كان ابرزهم الخطيب البارع الدكتور احمد الوائلي - رحمه الله - الذي يمتلك حنجرة لن تتكرر في إيقاعها وثراء معلوماتها، بينما كان الصوت الآخر للعلامة الآصفي الذي يكسر إيقاع الوائلي بإيقاع مختلف تماماً في النبرة والمضمون، اذ كانت محاضراته تخترق الروح والعقل لِتُدخلَ سامعها في متاهات صوفية وعرفانية نابعة من تجرية ثرية في العلم والزهد والوجع.
لم أكُ اعرف من هو الآصفي وانا أرمي بإسماعي من مسافة تمكنني من التقاط صوت المذياع لكي لا أدل الاخرين على ذلك الطقس اليومي المقدس بالنسبة لنا، أمي وانا.
بعد ذلك وفي بداية التسعينات يوم انقلبت معادلة مقاومة النظام الديكتاتوري وأصبحت ملاذات المجاهدين غير آمنة في بيوتنا المترامية على سفوح الهور، انتقلنا مشياً على الألغام الى ايران عن طريق الأهوار المُجفّفة، وبقينا في حدودها لعدة أشهر لم يطرق أبوابنا التي لم تكن من الخشب او الحديد انما كانت ابواباً من ريح، سوى الشيخ محمد مهدي الآصفي الناطق الرسمي لحزب الدعوة الاسلامية انذاك والرجل الاول في هذا الحزب..
زارنا في هذا الشارع الذي يفصل بين الوطن والغربة بمساحات هائلة من المياه التي لم تصل اليها ارادة التجفيف والعطش، وكنت وامي وإخوتي واخرين نلتقي بالاصفي وجها لوجه وليس سمعاً لصوتٍ في المذياع، ما شدّ انتباهي ليس الآصفي القائد والزعيم، انما الآصفي الزاهد والمتواضع الذي لم يرقع عباءته لكي لا يستحي من راقعها، ورغم ان يده خلت من اية حلول لنا ولغيرنا، الا انها كانت بيضاء وسخية لحد انها أشبعت الجميع أمناً وطمأنينة.
تكررت لقاءاتنا به بعد انتقالنا الى مدينة قم الايرانية التي كانت ملاذاً رائعاً لشتى الاتجاهات العراقية التي تعارض النظام الديكتاتوري، كان مختلفاً عن كل القيادات السياسية والدينية في كل شيء، لحد ان زهده وتقواه كانا يخرجانه من كونه شخصية سياسية ذات مستوى رفيع، لانه كان مترفعاً عن تفاصيل القيادة وبروتوكولاتها المتعارفة، ورغم كونه الأوفر حظاً في استلام الحقوق الشرعية والمساعدات الانسانية، إيماناً من أصحابها والقائمين عليها بصدقه ومصداقيته في ايصالها الى مستحقيها، رغم كل هذه الإيرادات، الاَ انه لم يسكن منزلاً فارهاً ولم يركب سيارة خاصة، لحد انه دفع أجرتي في التاكسي العمومي لعدة مرات وسط استغرابي ودهشتي من كونه يصعد في سيارات الأجرة العامة.. كما كان يمتلك عشرات المنازل التي تحت تصرفه والتي خلت من ايٍ من أقاربه وذويه، لانه خصصها لعشرات العوائل من ألأرامل والأيتام.
كان يدرك بإيمانه العميق ان مساعدة الفقراء والمحتاجين اهم بكثير من الانغماس بتفاصيل العمل السياسي، لانه يؤمن ان القائد الحقيقي من يرتقي سُلَّم الاولويات وكانت من أولوياته توفير الخبز والسكن للمشردين وليس تعبئتهم بشعارات فارغة، لان الآصفي قرأ كل سَنَن التاريخ ليوظفها في مسيرته العلمية والعملية ويعيد كتابتها بما ينفع الأمة، فلم يخوض في مسارات التاريخ المتعرجة التي تُولِّد الاختلاف والاقتتال انما كان مثلاً لرجل الدين المتسامح والمترفع عن كل أشكال التعبير الطائفي.
أنْ تُعدّد مناقب الآصفي فلن تحصيها بسهولة، لدرجة ان كل من يعرفه يحفظ عنه الكثير من تلك التفاصيل واليوميات التي تراكمت بمرور التجربة لتصبح أيقونة في شخصيته ودالة عليه.
اية الله المفكر الشيخ محمد مهدي الآصفي يرحل بعد ان صلى الفجر بعباءته الممزقة او بدونها لا ادري، تاركاً وراءه تاريخاً من الفكر والزهد والمقاومة، مترفعاً عن سلطة اقبلت عليه بكل مغرياتها، فالقائد العام للحزب الذي حكم العراق منذ سقوط الديكتاتور ولحد الان لم يستلم موقعاً او امتيازاً او اي شي اخر كان سيحصل عليه بإشارة واحدة من أحد اصابع يديه البيضاء..
برحيل العلامة الآصفي، تخسر الحركة الاسلامية رمزاً من رموزها الحقيقيين.. وعمامة ناصعة البياض لم تتسخ بملذات الدنيا ولم يعلوها غبار السلطة، وتخلع الحوزة العلمية واحدة من آخر عباءاتها الممزقة.
مجاهد أبوالهيل/ صحيفة الصباح


التوقيع :
من مواضيع سيد فاضل » ان الميت ليفرح
» المرتد سلمان رشدي يتعرض للطعن في نيويورك
» عزاء ركضة طويريج.. كيف نشأ ولماذا منع؟!
» مسجد الحنانة.. موضع رأس الإمام الحسين عليه السلام
» مختارات من رثاء لقتيل كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) 2
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاصفي, ذكرى, رحيله..

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اللقاء الاخير بالعلامة المجاهد الشيخ الاصفي سيد فاضل قسم الشخصيات اللامعه 2 16-04-2020 08:57 PM
صور من حياة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد فاضل اللنكراني “ره” في ذكرى رحيله سيد فاضل قسم الشخصيات اللامعه 2 02-02-2020 12:12 PM
أضواء على حياة سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في ذكرى رحيله سيد فاضل قسم الشخصيات اللامعه 7 21-12-2019 10:18 PM
اهداء ثواب الفاتحة الى الروح الملكوتية للمرجع الشيخ الانصاري(قد)في ذكرى رحيله الثاني فراس محمد المنتدى الاسلامي العام 9 27-06-2019 08:57 AM
صور علي حسين رحيمه عراقي وافتخر احباب الحسين للشباب والرياضة 1 12-01-2009 05:06 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين