1 صفر وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى الشام
دخلت قافلة السبايا مدينة دمشق في الأول من شهر صفر عام ( ۶۱ هـ ) ، وكان يزيد قد أمر بتزيين المدينة ، وأمر كذلك بتسيير الراقصات في الشوارع وهُنَّ يرقصْنُ على أنغام الطبول ، ابتهاجاً بقتل ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فَجيءَ برؤوس الشهداء يتقدَّمها رأس الحسين ( عليه السلام ) إلى بلاط يزيد ، فأدخلت عليه ، وكان بيده قضيب ، فأخذ يضرب به فَمَ الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ويُردِّد الأبيات الآتية :
وقد رافق وصول سبايا آل البيت ( عليهم السلام ) إلى دمشق أيضاً حملة إعلامية مُضلِّلة ، تقول : إن أولئك السبايا خرجوا على الخليفة الشرعي يزيد ، فقتَلَهُم ، وجيء بنسائِهِم وأطفالهم ، وأشاعوا ذلك بين الناس ، وأمروهم بإظهار الزينة والفرح .
وفي مجلس يزيد ، أوقف الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مع السبايا بين يدي يزيد .
فقال له يزيد : أراد أبوك وَجَدُّك أن يكونا أميرين ، فالحمد لله الذي أذلَّهُما ، وسَفَك دِماءَهُما .
فقال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ( يَا ابْنَ مُعاوية وهندٍ وصَخر ، لَمْ يزل آبائي وأجْدَادي فِيهم الإمرة من قبل أن تولد .
ولقد كان جَدِّي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار .
وَيلك يا يزيد ، إنك لو تدري ما صَنَعْت ، وما الذي ارتكبت من أبي ، وأهل بيتي ، وأخي ، وعُمُومتي ، إذاً لَهَربْتَ في الجبال ، وفرشت الرماد ، فأبشِرْ بالخِزي والنَّدامة غداً ، إذا جُمع النَّاس ليوم لا رَيْبَ فيه ) .
ثم قالَ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ليزيد : ( أتأذَنُ لي أنْ أرقى هذه الأعواد فأتكلم بكلامٍ فيه لله تعالى رضىً ، ولهؤلاء أجرٌ وثواب ) .
فأبَى يزيد ، وألحَّ الناس عليه ، فما زالوا به حتى أذن له .
فقال الإمام زين العابدين ( عليهما السلام ) : ( الحمدُ لله الَّذي لا بِدايَة له .. ) .
إلى أن قال الإمام ( عليه السلام ) : ( أُعطِينا سِتًّا ، وفُضِّلْنَا بِسَبع ، أعطِينَا العِلْم ، والحِلْم ، والسَّمَاحَة ، والفَصَاحَة ، والشَّجَاعة ، والمَحَبَّة في قلوب المؤمنين .
وفُضِّلْنا : بأنَّ مِنَّا النَّبي ، والصِّدِّيق ، والطيَّار ، وأسد الله ، وأسد رسوله ، وسِبْطا هذه الأمة .
أنَا ابنُ المُرمَّلِ بالدِّماء ، أنا ابنُ ذَبيحِ كَربلاء ، أنَا ابن مَنْ بَكَى عليهِ الجِنُّ في الظَّلْماء ، وناحَتْ الطير في الهَوَاء ) .
فلما بلغ الإمام ( عليه السلام ) إلى هذا الموضع ، ضَجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفِتنة ، فأمَرَ المؤذِّن أن يؤذِّن للصلاة ، فأذَّن .
أما زينب ( عليها السلام ) ، فقد روى المؤرخون أنها ألقت خطبة طويلة في البلاط ، أخْزَتْ فيها يزيد والنظام الأموي ، وقد جاء فيها : (أظَنَنْتَ يا يزيد أنك أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساقُ كَمَا تُسَاق الأُسَارى ، فَشمخْتَ بأنفك ، ونظرْتَ في عطفك ، جَذلان مَسروراً ، أمِنَ العدل – يا ابن الطُّلَقاء – تخديرك حَرَائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا .
بقيَ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وعمَّته زينب ( عليها السلام ) ، وباقي السبايا ، فترةً في الشام ، ثم سَلَكوا طريق العودة إلى المدينة ، واتَّخذَتْ رؤوسُ الشهداء طَريقُها إلى كربلاء ، لِترقُدَ إلى جِوار الأجساد .