شخصية اليوم العاملية
العلامة السيد علي بدر الدين (حاروف)
العلامة السيد علي بدر الدين
في بلدة حاروف – قضاء النبطية وفي 1949 ميلادية أبصر السيد علي محمد جواد بدر الدين النور. وفي ظل أسرة علمية أبية متواضعة نشأ هذا السيد وترعرع على خصال الخير والفضيلة والإباء وحب العلم.
قضى طفولته بين أترابه، ولكنه كان يختلف عنهم كثيراً ، كان ودوداً بهم، محباً لهم مخلصاً ، يأبى إلا أن يكون جليسهم طيلة فراغه من المدرسة.
تلقَّى دروسه الأولى في مدرسة البلدة، ثم انتقل بعد انهائه المرحلة الابتدائية إلى مدرسة النبطية لإكمال تعلمه في المرحلة المتوسطة. أحبه معلموه وأساتذته لذكائه الحاد وأحاسيسه المرهفة، نبغ في الشعر والأدب وهو في يفاع عمره.
عاش شبابه في ظل العلماء والفقهاء والأدباء في منطقة النبطية، يخالطهم ويأخذ عنهم في الفقه واللغة والأدب والتاريخ، أما في حاروف فلم يكن بعيداً عن عمه المرحوم السيد أمين بدر الدين المعروف بشاعريته، وذائقته الأدبية، فكثيراً ما كان يعرض عليه أشعاره البكر، ينقحها له ويضبطها، والعم يتوسم له مستقبلاً زاهراً في الإبداع والنظم.
وفي العام 1969 ميلادي وبعد طول تردد من الأهل، وبعد تدخل لفيف من العلماء وعلى رأسهم فضيلة العلامة المقدس الشيخ جعفر الصادق رحمه الله قرر الذهاب إلى النجف الأشرف لطلب العلوم الدينية، وهناك وتحت قبة جده الإمام علي (عليه السلام) تفرَّغ لدراسة الفقه على أيدي أساتذة أجلاء مجتهدين ومراجع عظام، أخص بالذكر منهم المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي (رضوان الله عليه)، والسيد محمد باقر الصدر الشهيد (قدس سره)، والمقدس السيد علي الفاني رحمه الله.
بيد أنه لم يتنكر لشاعريته، بل زاد من عطائه في مجال الشعر، وكان له حضوره الأدبي، كما كان له حضوره الفقهي، ويتمثل ذلك بانتسابه إلى الرابطة الأدبية في النجف الأشرف، والتي كان يرأسها العلامة المجاهد السيد مصطفى جمال الدين رحمه الله.
عاد إلى وطن الأهل والأحباب، فتابع رحلته الأدبية على مستوى الندوات التي أقامها في النبطية وفي صور وفي بنت جبيل وغيرها من مدن جبل عامل التي كانت تزخر بعطاء أهلها المتنوع في الأدب والشعر.
استأنف في النجف الأشرف دراسته الفقهية التي كان يعتبرها ضرورية لرجل الدين المبلغ والداعي، إذ أن الدعوة إلى الله تستلزم مستوى جيداً من الوعي والمعرفة الدقيقة بتفاصيل المفاهيم والأحكام، لأن من عُدمها لا يحسن منه أمر التبليغ، بل تترتب عليه آثار سلبية تسيء إلى الدعوة والرسالة.
كانت تربطه بآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر الشهيد، علاقة قوية تجاوزت علاقة الأستاذ بالتلميذ، وكثيراً ما كان سماحته ينيط به أموراً ومهمات شتى، وهذه العلاقة القوية والمتينة والتي يشهد لها كبار العلماء المساعدين للسيد الصدر الشهيد أساء تفسيرها من في نفوسهم مرض واستغلها آخرون لتنفيذ مآربهم.
انفجرت شاعريته التي كانت تكمن تحت عباءة الدراسة وتحصيل العلوم الفقهية، وقد هاله ما حل بالعالم العربي من مآسٍ ومعاناة جرَّت كثيراً من الويلات على شعوب المنطقة ، فعالمنا ممزق، وكثير من أرضه تئن تحت وطأة العدو الصهيوني، حتى القدس أولى القبلتين وثاني الحرمين أصبحت رهينة الصهاينة، يدنسونها كل يوم. فكان له ديوانه : "سيدي أيها الوطن العربي" والذي راح يلملم فيه بعض جراحاته ومعاناته، ويتطلع إلى مستقبل مشرق تكون فيه الأمة حاضرة ومستعدة لمقارعة التحدي، وصامدة أمام كيد الأعداء، وتستعيد فيه هويتها الضائعة، والتي دأب المستعمرون على طمسها وإلقائها.
وفي مطلع سنة 1980 ميلادية عاد السيد علي إلى وطنه ليمارس دوره بين أهله ووبني مجتمعه كإمام لبلدته، وكان له أعداء الأمة بالمرصاد.
ففي ليلة التاسع عشر من شهر رمضان الموافق لحزيران 1980 اختطف السيد وهو في طريقه إلى المسجد، واستشهد على يد حثالة مأجورة من البعثيين، ودفن ليلاً في الحادي والعشرين من الشهر نفسه في جبانة بلدته حاروف.