هل للقرآن علاقة بالشعر الجاهلي كما يزعم بعض المستشرقين؟
هل للقرآن علاقة بالشعر الجاهلي كما يزعم بعض المستشرقين؟
شفقنا العراق-من طريف ما يُذكر بهذا الشأن، ما زَعَمه بعض المُستشرقين الأجانب، أنّ القرآن ضَمّن بعض آياتٍ تعابير اقتبسها من أبياتٍ شعريّةٍ جاهليّة!
فالدكتور (سنكلر تسديلThusdale)، صاحب كتاب (مصادر الإسلام)، يَروي شُبُهات الناقدينَ للقرآن الكريم، ومنها هذه الأبيات:
دنت السّاعةُ وانشقّ القمر عـن غزالٍ صادَ قلبي ونَفَر
أَحـورٌ قد حُرت في أوصافهِ نـاعسُ الطّرفِ بعينَيه حور
مـرّ يـوم الـعيدِ في زينتِهِ فـرَماني فـتعاطى فَعَقر
بـسهامٍ مـن لـحاظٍ فـاتكٍ تركتني كهشيمِ المحتظرِ
ويَتّخذ منها قرينةً على اقتباس القرآن بعض الآيات من أشعار الجاهليّين! ويَضيف إلى هذه الأبيات أبياتاً أُخرى، كقول القائل:
أَقـبلَ والـعُشّاق مِن خلفه كأنّهم من حَدَب ينسلون
وجـاء يـوم العيد في زينةٍ لمثل ذا فليعمل العاملون
قال: ومِن الحكايات المُتداولة في عصرنا الحاضر، أنّه لمّا كانت فاطمة بنت مُحمّد (ص) تتلو هذه الآية، وهي ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾[القمر: 1]، سمعتها بنت امرئ القيس، وقالت لها إنّ هذه القطعة من قصائد أبي أخذها أبوك وادّعى أنّ الله أنزلها عليه.
لكنّ الذي يُكذّب هذه الأسطورة، أنّ امرئ القيس مات سنة 540م، أي قبل مولد النبيّ (570م) بثلاثين سنة، فلو كنّا نعلم أنّ فاطمة (عليها السلام) وُلدت بعد البعثة (609م) بخمس سنين (614م)، نَعرف مدى خُرافة هذه الأكذوبة! إذ لا بدّ لفاطمة، لو فُرض أنّها أرادت قراءة القرآن في محفل عامّ، من أنْ تبلغ عشر سنين مثلاً، فلو فرضنا أنّ بنت امرئ القيس عند وفاة أبيها كانت بلغت عشر سنين أيضاً، فيكون عمرها عند سماع قراءة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) قد بلغ أربعاً وتسعين سنة!! إذ ولادتها حينئذٍ تكون سنة 530م، وعام سماعها 624م، وقلّ مَن يعيش في هذه السنّ من نساء الجاهليّة؟!
والمُرجَّح أنَّ هذا التضمين الشعري مُقتبس من القرآن على يد بعض أهل المُجون، وكم له مِن نظير! ويشهد لذلك ذِكر العيد في هذه الأبيات الخاصّ بالعهد الإسلامي المتأخّر، ولا سابق له قبل الإسلام.
وللاقتباس عرضٌ عريض، سواء في الشعر أو النثر، وهو إمّا مقبول أو مردود على الشّرح التالي:
*الاقتباس: الاقتباس تَضمين الشعر أو النثر بعض القرآن، لا على أنّه منه، بأنْ لا يقال فيه: قال الله تعالى ونحوه. وقد شاع الاقتباس منذ الصدر الأَوّل، وراج بين مَن تأخّر عنهم، وعُدّ من المُحسِّنات البديعيّة، وفي كثير من الخُطب والأدعية، فضلاً عن الشعر، تضمينات مُقتبسة مِن القرآن الكريم، لها رواء وبهاء وارتفاع شأن الكلام .
وفي شرح بديعيّة ابن حجّة: الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول، ومباح، ومردود.
فالأوّل: ما كان في الخُطب والمواعظ والعهود .
والثاني: ما كان في القول والرسائل والقصص .
والثالث: على ضربَين:
أحدهما: ما نَسبه الله إلى نفسه، ونعوذ بالله ممّن ينقله إلى نفسه، كما قيل عن أحد بني مروان، أنّه وقّع على مطالعة فيها شكاية عمّاله ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾[الغاشية: 25، 26].
والآخر: تضمين آية في معنى هزل، ونعوذ بالله من ذلك، كقوله:
وذكر السبكي في طبقاته، في تَرجمة أبي منصور البغدادي من كِبار الشافعيّة، قوله:
يا مَن عدى ثُمّ اعتدى ثُمّ اقترف ثُمّ انتهى ثُمّ ارعوى ثُمّ اعترف
أبـشـر بـقـول الله فـي آيـاته ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38]. قال جلال الدين السيوطي: هذا وما قَبلَه ليس من الاقتباس، للتصريح بأنّه قول الله.