ان الخلافة الإلهية التي اوجدها الله للانسان متعلقة بمقام الإنسانية وليست متعلقة بشخص او صنف خاص ، أي أن آدم عليه السلام لم يكن بشخصه خليفة الله ، بل إن مقام الإنسانية هو خليفة الله ، لذا فان المقام الكامل للخلافة الإلهية متوفر في الأنبياء وأولياء الله خاصة العترة الطاهرة عليهم السلام ، وكما ان هذا المقام لا يختص بشخص فإنه لا ينحصر أيضاً بصنف ، لأنه للإنسانية ، والإنسانية منزهة عن الذكورة والأنوثة .
يلزم في بداية هذا البحث تقديم توضيح أكثر حول معنى الخلافة الإلهية .
ان معنى الخليفة هو الذي يظهر من ( خلف ) وفي غيبة ( المستخلف عنه ) ، أي أن شخصاً غائب في مكان أو زمان معين ، فيملأ آخر ذلك الفراغ ، في ذلك الزمان أو ذلك المكان ، ويتولى عمل المستخلف بشكل مؤقت ، وهذا الأمر جائز في حالة الكائن المحدود الذي هو موجود في مكان وغير موجود في أماكن أخرى ، أو موجود في زمان وغير موجود في أزمنه أخرى ، أو موجود في مرتبة ولا يوجد في مراتب أخرى ، لأنه يوجد بشأن مثل هذا الكائن فرض الغيبة والشهادة ، والحضور والغياب ، ويجوز أيضاً قبول الخلافة ، وأما إذا كان الموجود حاضراً في كل مكان وشاهداً في كل زمان ، وهو مع الجميع في كل المراتب الوجودية ، وفي كل الحالات ( وهو معكم أين ما كنتم )، هذا الموجود ليس له غيبة لأنه حاضر دائماً ، وعندما لا تكون له غيبة لا يحتاج إلى خلافة أيضاً ، بناء على هذا يجب ان يلحظ معنى أدق بشأن خلافة هذا الموجود ، وهو أن الشخص يمكن ان يكون خليفته إذا كان آيته الكبرى كما ان المستخلف عنه ليس له حضور وغياب ، وهو حاضر دائماً ، وليس له غيبة وشهادة بل هو ( على كل شيء شهيد ) ، أي لا يكون لدى الخليفة بدوره ، غيبة وشهادة ، أو حضور وغياب ويكون في جميع الظروف ومع جميع الناس ، ولا يصل إلى هذا المقام إلا الإنسان الكامل .
الإنسان الكامل ، آية الله الكبرى
الإنسان الكامل هو ذلك الموجود الذي هو آية كبرى لله ، ولأنه آية كبرى لله . فهو مظهر ( والظاهر ) في مظاهر العالم ، ومظهر ( والباطن ) في غير عالم الظاهر ، وله حضور مع الأوراح وحاضر مع الأبدان .
ولأمير المؤمنين عليه السلام كلام رفيع بشأن أصل الخلافة ، حيث قال في أحد الأدعية :
( اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الحضر ، ولا يجمعهما غيرك ؛ لأن المستصحب لا يكون مستخلفاً ، والمستخلف لا يكون مستصحباً )
هذا الموجود يتطلب خليفة هكذا ، أي أنه إذا بلغ كائن كمال القرب لله ، يصبح آية كبرى لله ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :
« مالله آية أكبر مني »
ولأن العترة الطاهرة عليهم السلام هم نور واحد ، وكلامهم كلهم هو انه ( مالله آية أكبر مني ) ، فهؤلاء أقرب إلى الله من سائر الكائنات قطعاً ، ولما كانوا أقرب إلى الله ، تظهر الأوصاف الإلهية فيهم أكثر من الآخرين أيضاً ، وتلك الجامعية التي لديهم يفتقدها الآخرون ، ولما كان هؤلاء جامعي الحضور والغياب والظاهر والباطن . استطاعوا ان يكونوا خليفة الله ، يكونوا خليفة الله في زمان غيبتنا ، وفي مكان غيبتنا ، وفي زمان حضورنا وظهورنا ، عندما نكون موجودون ، فهم معنا أيضاً ومصاحبون حاضرون ، وعندما نكون غير موجودين فهم خليفتنا ؛ لأنهم خليفة الله الذي ( هو الباطن ) . إذا وصل شخص إلى هذا المقام لا يقوم بشيء عدا الخير ، ورؤيته محيطة وسعيه غير محدود ، ومثل هذا الموجود يمكن ان يكون خليفة الله .
إذا حلل هذا المعنى يتضح ان الذكورة والأنوثة ليست لها فيه دور أساساً ؛ لأن ما هو غائب مع حفظ حال الحضور ، ومع حفظ حال الغيبة ، أي ظاهر وباطن هي روح الإنسان وليس البدن . فالبدن إذا كان حاضراً في مكان ، فهو ليس حاضراً في مكان آخر ، وإذا كان له حضور في زمان ، يمكن ان لا يكون له حضور في زمان آخر .
عندما يخبر الله تعالى عن الناس يقول بانهم كلهم مجاري فيض ، وان ما تقوم به أيديهم من أعمال يقوم بها الله في الحقيقة ، غاية الأمر أنهم مجرى فيض وخليفة لله ، وتولوا رسالته ، مع هذا الفرق وهو انه تعالى لا يرى ، ولكن مظاهره مرئية .
المسكين رسول الله
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب نهج البلاغة انه قال :
« إن المسكين رسول الله »