العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام > قسم القرآن الكريم
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ونوح تزوج من خبيثة؟

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-10-2019, 01:45 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

سيد فاضل

الصورة الرمزية سيد فاضل


الملف الشخصي









سيد فاضل غير متواجد حالياً


افتراضي الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ونوح تزوج من خبيثة؟

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ونوح تزوج من خبيثة؟
سماحة الشيخ محمّد صنقور

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ونوح تزوج من خبيثة؟



شبهة مسيحي:

في سورة النور يقول القرآن: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾(1) ومعنى ذلك أنَّ المراة الخبيثة للرجل الخبيث والطيِّبة للطيبين .. ولكن القرآن يقول في سورة التحريم: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾(2) وهنا نرى أنَّ الطيبَين نوحاً و لوطاً -وطيبهم وصل إلى درجة أنَّهما نبيَّان- تزوَّجا من خبيثتين، ثم إنَّ المسلمين يقولون إنَّ زوجة فرعون آسية بنت مزاحم كانت مؤمنة .. ولا نجد للآية الاولى أيَّ معنىً بعد ذلك.



الجواب:

منشأ التوهُّم:

إنَّ توهُّم التنافي بين الآية من سورة النور والآيات من سورة التحريم نشأ عن إستظهار أنَّ الخبيثات والطيِّبات في قوله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ وصفٌ للنساء وأنَّ المراد من الآية هو أنَّ السيئات من النساء يتزوَّجن السيئين من الرجال، والسيئون من الرجال يتزوَّجون السيئات من النساء، والخيِّرَات من النساء يتزوَّجن الخيِّرين من الرجال، والخيِّرون من الرجال يتزوجون الخيِّرات من النساء.



فإستظهار هذا المعنى من الآية المباركة هو ما أوهم صاحب الشبهة وأمثاله بوجود التنافي بين هذه الآية وبين ما ورد في سورة التحريم إلا أنَّ هذا المعنى غير مرادٍ للآية كما سيتضح، ولو تنزَّلنا فهو لا يعدو في أحسن حالاته الإحتمال وفي مقابله معانٍ أُخرى محتمَلة يمكن أن يكون أحدُها هو المعنى المراد من الآية المباركة:



المعاني المحتملة:

المعنى الأول:

هو أنَّ المراد من الخبيثات هو خصوص الفاجرات الزانيات وليس مطلق السيئات، والمراد من الخبيثين هم الزناة من الرجال، والمُراد من الطيِّبات هو خصوص العفيفات عن الزنا من النساء، والمُراد من الطيِّبين هم ذوو العفَّةِ عن الزنا من الرجال.



مناقشة الشبهة بناءً على الإحتمال الأول:

وهذا المعنى لو كان هو المراد من الآية المباركة فإنَّ الإشكال المذكور يسقط من أساسه، إذ أنَّ زوجتي نوحٍ ولوطٍ (ع) وإنْ كانتا من أهل الضلال إلا أنَّ ممَّا لا ريب فيه أنَّهما منزَّهاتان عن الزنا كما هو شأنُ كلِّ زوجات الأنبياء، والآيات من سورة التحريم لم تنسب إليهما الزنا وإنَّما نسبت لهما الخيانة، ومعنى الخيانة نقض العهود وتجاوز الحق.



ثم إنَّ البناء على أنَّ معنى الخبيثات والطيبات هو الفاجرات والعفيفات أقربُ لسياق الآية إذا ما قيس ذلك إلى المعنى الذي ذكره صاحب الشبهة وبنى عليه شبهته، فالآية من سورة النور وقعت في سياق آيات متصدِّية أولاً للتشنيع على مَن اتَّهم إحدى نساء النبي (ص) بالزنا، وبعد أنْ برَّأها الله تعالى في هذه الآيات من هذه الفِرية ووعظَ وأنذر عادَ فحذَّر مِن رمي المُحصَنات الغافلات بالزنا وتوعَّدهم بالعذاب العظيم يوم القيامة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ / يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ / يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾(3) وبعد هذه الآيات مباشرة قال تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ فإرادة الزانيات من لفظ الخبيثات، وإرادة العفيفات من لفظ الطيِّبات أقرب للسياق من إرادة مطلق السيئات والخيِّرات من النساء، وإرادة الزناة وذوي العفَّة من لفظي الخبيثين والطيِّبين أقربُ للسياق من إرادة مطلق السيئين والخيِّرين من الرجال.



المعنى الثاني: وهذا المعنى له تقريبان:

1- التقريب الأول:

إنَّ الخبيثات وصفٌ للكلمات والأقوال الخبيثة وليس وصفاً للنساء، والطيِّبات وصفٌ للكلمات والأقوال الطيبِّة كما وصف القرآن الكلمة بالطيِّبة والخبيثة في قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾(5) ووصف القول بالطيِّب في قوله تعالى: ﴿وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾(6).



وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ هو أنَّ الكلمات الخبيثات والأقوال الخبيثة كالقذف والإفتراء والشتم والسباب تصدر من الخبيثين من الناس رجالاً ونساءً، وأنَّ الأقوال والكلمات الطيِّبة تصدر من الناس الطيِّبين، ومعنى: ﴿وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ أنَّ الرجال والنساء الواجدون لصفة الخبث تليق بهم الكلمات الخبيثة، وأنَّ الطيِّبين من الرجال والنساء تليقُ بهم الكلمات الطيِّبة، وهم مبرؤون من الكلمات الخبيثة، فهم لا يتفوَّهون بالخبيثات من الكلام والأقوال.



ومنشأ البناء على إرادة الآية لهذا المعنى هو ملاحظة سياقها، فبعد أنْ حذَّر الله تعالى من رمي المحصنات وقذفهنَّ بالزنا أفاد أنَّ الكلمات الخبيثات كالقذف تصدر من الخبيثين، وأنَّ الخبيثين هم مَن يليقُ بهم أنْ يتفوَّهوا بالكلمات الخبيثة، فإحذروا أنْ تكونوا منهم، وأنَّ الكلمات الطيِّبات تصدر من الطيِّبين، وأنَّ الطيِّبين من الناس تليقُ بهم الكلمات الطيِّبات فاحرِصوا أنْ تكونوا منهم، فلا يصدرُ عنكم إلا الكلام الطيِّب، فالآية بناءً على هذا المعنى بصدد الزجر عن خُلقٍ سيئ والحثِّ على خُلُقٍ حسن.



2- التقريب الثاني:

وهنا تقريبٌ آخر لهذا المعنى، وهو أنَّ الأقوال والكلمات الخبيثات تُناسب وتصدق على الخبيثين من الناس رجالاً ونساءً، فهم مَن يستحقُّ الذم والوصف بالكلمات الخبيثات. ومعنى الطيِّبات للطيِّبين هو أنَّ الكلمات الطيِّبات يستحقُّها الطيِّبون من الناس أي يستحقُّون الإطراء وأنْ تُقال فيهم الطيِّبات من الأقوال.



ومنشأ البناء على هذا التقريب هو أنَّ الآية واقعةٌ في سياق الآيات المتصدِّية لتبرءة إحدى نساء النبيِّ (ص) من فِرية الزنا التي قذفها به عددٌ من المنافقين، فمفاد الآية لذلك هو التأكيد على نفي الفِرية، لأنَّها إنَّما تليق بالخبيثين من الناس، فالخبيثون هم مَن تليقُ بهم الخبيثات من الأقوال وتصدق عليهم، وأمَّا الطيِّبون كنساء النبيِّ (ص) فلهم الإطراء والطيِّبات من الأقوال والكلمات أو أنَّ مفاد الآية هو التشنيع على مَن نسب الفاحشة لإحدى نساء النبيِّ (ص) حيثُ وصفتهم الآية بالخبيثين وأنَّ ما نسبوه من خبيث الكلام يليق بشأنهم، وأمَّا الطيِّبون فيليقُ بهم الطيِّبات من الأقوال.



والقرينة عند القائلين بإرادة هذا المعنى بتقريبيه هو ذيل الآية المباركة، فبعد أنْ قالت: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ ذيَّلت ذلك بقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ أي مبرؤون من خبيثات الأقوال، فقوله: ﴿مِمَّا يَقُولُونَ﴾ قرينة على أنَّ الموصوف بالخبيثات هي الأقوال والكلمات.



المعنى الثالث:

إنَّ الخبيثات وصفٌ لمطلق الأفعال والأقوال الخبيثة، وليس وصفاً لخصوص الأقوال والكلمات، والطيَّبات وصفٌ لمطلق الأفعال والأقوال الطيِّبة.



والمراد من الخبيثين والطيبِّين هم المتَّصفون من الناس رجالاً ونساءً بالخبث والمتَّصفون من الناس رجالاً ونساءً بالطيب.



وهذا المعنى وإن كان يختلف مع المعنى الثاني من جهة دعواه شمول وصفي الخبيثات والطيبات للأفعال مضافاً للأقوال إلا أنَّه يتَّفق مع المعنى الثاني في أنَّ لفظي الخبيثات والطيبات ليسا وصفاً للنساء.



مناقشة الشبهة بناءً على المعنيين (الثاني و الثالث):

وعليه فبناءً على إرادة الآية لأحد هذين المعنيين فإنَّها تكون أجنبية تماماً عن موضوع الإشكال المذكور، فهي متصدِّية لبيان طبيعة ما يستحقُّه أو يصدر أو يليق بالخبيثين من أقوالٍ أو من أقوالٍ وأفعال، وطبيعة ما يستحقُّه أو يصدر أويليق بالطيِّبين من أقوالٍ أو من أقوالٍ وأفعال، فالخبيثون يصدر عنهم أو يليق بهم الخبيثات من الأقوال والأفعال، والطيِّبون يصدر عنهم أو يليق بهم الطيِّبات من الأقوال والأفعال. وأما أنَّ الطيِّبين هل يتزوَّجون بغير الطيِّبين، والخبيثون هل يتزوَّجون بغير الخبيثين فذلك أجنبيٌّ عمَّا سِيقت الآية لبيانه بناءً على المعنيين الثاني والثالث.



مناقشة عامة للشبهة:

أولاً: المعاني المحتمَلة تمنع من الأخذ بالمعنى المناقض:

فهذه معانٍ ثلاثة محتمَلة مضافاً للمعنى الذي بنى عليه صاحب الشبهة إشكاله، وبه يكون ما ذكرناه من المعاني المحتمَلة لمفاد الآية أربعة, وحينئذ كيف يصحُّ الحكم بمناقضة الآية من سورة النور للآيات من سورة التحريم؟ والحال أنَّ الحكم بالتناقض بين كلامين فرعُ الجزم بما هو المراد منهما، وأمَّا في فرض احتمال الكلامين أو أحدهما لأكثر من معنى فإنَّ الإصرار على أنَّ المتكلِّم أراد المعنى الذي يلزم منه التناقض بين كلاميه يكون من التعسُّف الذي يتنزَّه عنه العقلاء من ذوي الإنصاف والموضوعيَّة.



فإنَّ طريقة العقلاء في حال التلقِّي لكلامين يَحتمِل أحدُهما أو كلاهما أكثر من معنى هو الإستيضاح من المتكلِّم إنْ أُتيح لهم ذلك وإلا فإنَّهم يستبعدون الإحتمال الذي يلزم من إرادته التناقض بين الكلامين، فيجعلون من استلزام إرادة ذلك المعنى للتناقض قرينةً على عدم إرادة المتكلِّم له.



أمثلةٌ توضيحيَّة:

1- مثالٌ عرفي:

فلو أنَّ أحدهم قال: إنَّه لا يشرب المسكر مطلقاً ولو بمقدارٍ يسير، ثم قال للمخاطبين أنفسهم في مجلسٍ آخر: إنَّه يتناول الشراب مع رفاقه، فإنَّ العقلاء يحتملون بدْواً أنَّ مراده من الشراب هو المسكر ويحتملون أيضاً انَّه قصد من الشراب غير المسكر من سائر الأشربة لكنَّهم يستظهرون عدم إرادته للمسكر، لأنَّ حمل كلامه على إرادة المسكر من لفظ الشراب يستلزم البناء على وقوع التناقض بين كلاميه، لذلك فهم يطرحون هذا الإحتمال وينفون إرادة المتكلِّم له.



2- مثالٌ علمي:

وهذه الطريقة في التعاطي مع الخطابات الصادرة من متكلِّمٍ واحد والمحتمِل بعضها لأكثر من معنى هي المعتمَدة عند شرَّاح النصوص العلميَّة والنصوص المرويَّة عن الشخصيات التاريخيَّة، فلا يحملون كلامهم على التناقض إذا كان محتمِلاً لأكثر من معنى وكان أحد المعاني المحتمَلة لا يستلزم التناقض.



3- مثال قانوني:

وكذلك يعتمد هذه الطريقة فقهاءُ القانون حين يكونون بصدد التفسير لمواد قانونٍ معيَّن، فإذا وردت مادَّتان من قانونٍ واحد، وكانت احدى المادَّتين محتمِلة لأكثر من معنى، وكان أحد هذه المعاني المحتمَلة مستلزماً للتناقض مع صريح أو ظاهر المادَّة الثانية فإنَّهم يستبعدون الإحتمال المُستلزِم لتناقض تلك المادَّة مع المادَّة الثانية، ويبنون على عدم إرادة مشرِّعي القانون لذلك الإحتمال، ثم إنْ كان الباقي بعد إستبعاد الإحتمال المستلزِم للتناقض إحتمالاً واحداً فإنَّهم يستظهرون تعيُّن إرادة المتكلِّم له، وإنْ كان الباقي أكثر من إحتمال فإنَّهم حينئذٍ يبحثون عمَّا هو المُستظهَر من خلال ملاحظة القرائن اللفظيَّة والمقاميَّة والعقلائيَّة، فإنْ وجدوا ما يُوجب إستظهار أحد المعاني كان هو المتعيَّن وإلا حكموا بإجمال النص وتوقَّفوا عن تفسيره.



4- مثال قضائي:

وكذلك فإنَّ هذه الطريقة هي المعتمَدة عند القضاة المتصدِّين للنظر في الوثائق والوصايا والخصومات الماليَّة والجنائيَّة، فمثلاً إذا وردت وصيَّتان لميِّتٍ في وثيقة واحدة، فكان المدوَّن في الوصيَّة الأولى أنَّ ثلث ماله لأعمال البِر والإحسان، وكان المدوَّن في الوصيَّة الثانية أنَّ ثلث مايملكه من أعيان لبناته دون البنين، وحيث إنَّ الوصية لا تنفذ إلا في الثلث من التَرِكة كما هو معلوم، لذلك لو كان مراد الميِّت من المال في الوصيَّة الأولى هو مطلق المال من النقود والأعيان الثابتة والمنقولة لكان بين الوصيتين تناقض، لأنَّه أوصى بناءً على هذا الإحتمال بثلث جميع المال الشامل للنقود والأعيان لأعمال البِر والإحسان، فجميع الثلث مستوعبٌ لهذه الجهة وإنفاذ الوصية بناءً على هذا الإحتمال يقتضي حرمان البنات من ثلث الأعيان الموصَى بها لهنَّ في الوصيَّة الثانية، ولو أُعطي البنات ثلث الأعيان لكان مقتضى ذلك عدم إنفاذ الوصيَّة الأولى، لأنَّ مفادها بناءً على الإحتمال المذكور هو صرف ثلث جميع المال من النقود والأعيان على أعمال البِر والإحسان، وإعطاء ثلث الأعيان لبنات الميِّت معناه عدم صرف الثلث من جميع مال الميِّت على أعمال البِر والإحسان وإنَّما هو صرف جزءٍ من مال الميِّت، وهو خلاف الوصية الأولى بناء على الإحتمال المذكور.



فهنا هل يقال إنَّ الميِّت قد ناقض نفسه رغم أنَّ الوصية الأولى تحتمل أكثر من معنى؟! أو أنَّ القضاة في مثل هذا الفرض يطرحون الإحتمال المستلزِم للتناقض ويبنون على أنَّ مراد الميِّت من المال في الوصيَّة الأولى هي النقود بإعتبار أنَّ ذلك هو الإحتمال الذي لا يستلزم التناقض بين الوصيتين.



ثانيا: المعنى الوارد في الشبهة لا يستلزم التنافي بين الآيات!

لو سلَّمنا أنَّ المتعيَّن من مفاد الآية هو أنَّ الخبيثات وصفٌ للنساء الواجدات لصفة الخبث بمعناه الواسع الشامل لمثل الكفر والفسوق وأنَّه لايختصُّ بالفاجرات الزانيات من النساء، وسلَّمنا بانَّ الطيِّبات وصفٌ للنساء الطاهرات النقيِّات من الفسوق والكفر فإنَّ دعوى التنافي بين الآية من سورة النور والآيات من سورة التحريم إنَّما تتجه لو كانت الآية من سورة النور بصدد نهي الطيِّبين عن الزواج من غير الطيِّبات، ونهي الطيِّبات عن الزواج من غير الطيبين، ففي مثل هذا الفرض يرد الإشكال بأنَّه إذا كان الزواج من غير الطيِّبات منهيِّاً عنه فلماذا تزوَّج نوحٌ ولوطٌ (ع) وهما نبيِّان من إمرأتين كانتا من أهل الضلال.



وكذلك يرد الإشكال لو كانت الآية من سورة النور بصدد الإخبار عن واقعٍ خارجي مفاده انَّ الخبيثات لا يتزوَّجن إلا من الخبيثين وكذلك العكس، والطيِّبات لا يتزوَّجن إلا من الطيبين وكذلك العكس، فلو كانت الآية بصدد البيان لذلك لأمكن النقض عليها بزواج نبيِّ الله نوح (ع) من إمرأةٍ خبيثة وزواج آسية بنت مزاحم من رجلٍ خبيث وهو فرعون.



فلو كانت الآية بصدد البيان لأحد هذين المفادين لكان الإشكال بالتنافي بينها وبين ما ورد في سورة التحريم متَّجهاً إلا أنَّ الواضح أنَّها ليست بصدد النهي ولا هي بصدد الإخبار عن واقعٍ خارجي.



الآية ليست بصدد النهي عن الزواج:

أمَّا أنَّها ليست بصدد النهي فلأنَّها لو كانت كذلك لكانت الفقرة الأولى وهي قوله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ بلا موجب وبلا مبرر، إذ يكفي لإفادة النهي عن تزوُّج الطيِّبات بغير الطيبين والعكس أن يقول: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ ويقصد أنَّ الطيبات لايتزوَّجن بغير الطيبين أي يحرم على الطيبات التزوُّج من غير الطيبين، ويحرم على الطيِّبين التزوُّج بغير الطيبات، فالفقرة الأولى بناءً على ذلك تكون لاغية وبلا موجب إلا أنْ يُقال إنَّ القرآن قصد منها نهي الخبيثات عن التزوُّج بغير الخبيثين وأمرهنَّ بالزواج من الخبيثين، وكذلك العكس.



خطابٌ لا يتفوّه به عاقل!

ولا أظن أنَّ أحداً يقبل على عاقلٍ أنْ يخاطب إمرأةً وينتظر إمتثالها بقوله: ياخبيثة لا تقبلي زواجاً إلا من خبيثٍ مثلك وإيَّاك والزواج من غير خبيثٍ أو يخاطب رجلاً بقوله: ياخبيث ابحث لك عن خبيثةٍ وتزوَّج منها وإيَّاك والتزوُّج من غير خبيثة. إنَّ خطاباً من هذا القبيل لا يليق صدوره من عاقل، فهو خطاب ليس قابلاً للإمتثال، لذلك فهو من نقض الغرض، والعاقل لا ينقض غرضه، فإذا كان مريداً لإمتثال أمره ونهيه كما هو الفرض فإنَّه لا يُورد خطابه بهذا اللسان.



الآية ليست بصدد الإخبار عن واقعٍ خارجي:

ولهذا فالآية ليست بصدد إنشاء النهي أو الأمر، وكذلك هي ليست بصدد الإخبار عن واقعٍ خارجي مفاده أنَّ الخبيثات من النساء لا يتزوَّجن مطلقاً إلا من الخبيثين من الرجال وهكذا العكس، والطيِّبات من النساء لا يتزوَّجن مطلقاً إلا من الطيبِّين من الرجال، فإنَّ ذلك مخالفٌ بالبداهة للواقع الخارجي المشهود وجداناً لكلِّ عاقل، فما من أحدٍ إلا وقد شاهد أو علم أنَّ الكثير من الخبيثات تزوَّجن من طيِّبين، وأنَّ الكثير من الطيِّبات تزوجن من خبيثين وكذلك العكس، فالملازمة الخارجيَّة بين خبث الزوجة وخبث الزوج وبين طيبة الزوجة وطيبة الزوج مقطوعة الفساد، ولا يصح لمنصفٍ أنْ ينسب لعاقل التفوُّه بمثل هذه الملازمة الباطلة.



هذا وقد أخبر القرآن أنَّ من الزوجات عدوَّات لأزواجهم و أمر بالحذر منهن في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾(7) فكيف يستقيم القول بأنَّ الآية أرادت الإخبار بأنَّ كلَّ زوجٍ طيِّب فزوجته طيِّبة، مع قوله مخاطباً المؤمنين: أنَّ في الزوجات مَن هنَّ عدوَّات لأزواجهم المؤمنين؟!



وكذلك فقد أباح الله تعالى للمؤمنين الزواج من نساء اليهود والنصارى في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾(8) فهذه الآية صريحةٌ في إباحة أنْ يتزوَّج المؤمنون من نساء أهل الكتاب، ولذلك فالكثير من المسلمين تزوَّجوا بالكثيرات من نساء أهل الكتاب، ولا ريب في أنَّ أهل الكتاب محكومون بالكفر والضلال ورغم ذلك أُبيح الزواج من نسائهم، وذلك ما يُؤكِّد عدم إرادة الآية من سورة النور لإفادة أنَّ كلَّ خبيثةٍ فهي لا تتزوَّج إلا من خبيث، وأنَّ كلَّ طيبٍ فهو لا يتزوَّج إلا من طيِّبة، فإنَّ هذا المعنى غير مرادٍ قطعاً من الآية كما تبيَّن مما ذكرناه.



بيان مراد الآية بناءً على المعنى الوارد في الشبهة:

1- التقريب الأول

وعليه فمعنى الآية بناءً على أنَّ الخبيثات والطيِّبات وصفٌ للنساء الواجدات لصفة الخبث والطيبة هو أنَّ الخبيثات من النساء يَمْلن بمقتضى طبعهنَّ لمَن يشاكلهنَّ من خبيثي الرجال، وانَّ الخبيثين من الرجال يميلون للخبيثات من النساء بمقتضى خبثهم، فهم يألفون ويأنسون بهذا الصنف من النساء كما يألف ويأنس كلُّ ذي صنفٍ إلى بني صنفه، وهكذا فإنَّ الطيِّبات يرغبن في الإقتران بالطيِّبين من الرجال وكذلك العكس، فمساق الآية هو مساق المثل العربي القائل: "إنَّ الطيور على أشكالها تقعُ" ولذلك فالآية تستبطن ذمَّاً للخبيثات والخبيثين ومدحاُ للطيِّبات والطيِّبين، بمعنى أنَّ هذه المرأة لم ترغب في هذا الخبيث إلا لكونها خبيثةً مثله غالباً وكذلك العكس، وأنَّ هذا المرأة لم ترغب في الإقتران بهذا الطيِّب إلا لأنَّها طيِّبةٌ مثله.



وبهذا يتبيِّن انَّ الإشكال الذي ذكره صاحب الشبهة لا يرد حتى بناءً على القبول بما التزم به من أنَّ الخبيثات والطيِّبات وصفٌ للنساء الواجدات لصفة الخبث والطيبة، فإنَّ ميل المرأة الخبيثة للخبيث من الرجال لا يعني أنَّها لا تختار رجلاً طيباً مطلقاً، وكذلك فإنَّ الرجل الخبيث وإنْ كان يشعر بأن المرأة المشاكلة له في الخبث أوفقُ لمزاجه وطبعه من المرأة الطيِّبة ولكنَّه رغم ذلك قد يُقدم على الزواج من المرأة الطيِّبة، وهكذا الحال بالنسبة للطيِّبات والطيِّبين، فزواج الطيِّبة من الخبيث والطيِّب من الخبيثة يخضع لعوامل كثيرة، فلا تكون الرغبة والميل النفساني هو المحكَّم دائماً في الإختيار والقبول، فقد ينشأ الإختيار وكذلك القبول نتيجة توهُّم المماثلة والمشاكلة في الطباع ثم يتبيَّن الخلاف فيصبر كلٌّ منهما على صاحبه، وقد تترجَّح بعض العوامل على الرغبة النفسية كالطمع في المال أو الجاه، وقد تكون الظروف القاهرة كالغربة أو الإستضعاف أو الأعراف الإجتماعيَّة أو العائليَّة هي منشأ الإختيار أو القبول.



والمتحصَّل أنَّ الآية لا تقول إنَّ الطيب لا يتزوَّج من خبيثة حتى يقال لماذا تزوَّج نوحٌ (ع) من إمرأةٍ خبيثة، ولا تقول إنَّ الطيِّبة لا تتزوَّج خبيثاً حتى يقال لماذا تزوَّجت آسية بنت مزاحم من فرعون وهو خبيث، فإنَّ غاية ما تقتضيه الآية هو أنَّ الطيب لا يرغب في الخبيثة ولا يألفها ولا يأنس بها وذلك لا يعني أنه لا يتزوَّجها لسببٍ يراه راجحاً وموجبا للتضحية بالأنس والألفة، وهكذا بالنسبة للمرأة الطيِّبة فإنَّها وإنْ لم تكن ترغب في الإقتران بالرجل الخبيث ولكنَّها قد تقبله زوجاً لسببٍ تراه راجحاً ومقتضياً لتجاوز الرغبة النفسيَّة.



2- التقريب الثاني

ويُمكن أن يقرَّب معنى الآية بناءً على ما يلتزم به صاحب الشبهة من أنَّ الخبيثات والطيبات وصفٌ للنساء الواجدات لصفة الخبث والطيبة بتقريبٍ آخر وهو أنَّ المرأة الخبيثة يليق بها الرجل الخبيث، والخبيث من الرجال تليق به الخبيثة من النساء، والطيِّبة من النساء يليقُ بها الرجل الطيِّب، والطيِّبُ من الرجال تليق به المرأة الطيبة.



فالآية بناءً على هذا التقريب بصدد التقرير لحقيقة دينيَّة مفادها أنَّ الخبث يمنع الواجد له من أنْ يكون لائقاً وجديراً بالزواج ممَّن هو طيب، وأنَّ الواجد لوصف الطيبة مؤهلٌ وجديرٌ بالإقتران والزواج ممن هو طيِّب مثله، فيكون مؤدَّى الآية المباركة هو انَّ المرأة الخبيثة ليست كفؤاً للطيِّب من الرجال، فهي لا تستحقه ولا تليق به في المنظور الديني، والرجل الخبيث ليس كفؤا للمرأة الطيِّبة، فهو لا يستحقها ولا يليق لضعته بشأنها، فكفؤ الطيِّب هي المرأة الطيبة، وكفؤ الطيِّبة هو الرجل الطيِّب، وأما الخبيثة فشأنها الرجل الخبيث، فهو كفؤٌ لها وهي كفؤٌ له.



والواضح أنَّ الإشكال لا يرد على هذا التقريب أيضاً، إذ أنَّ زواج نوحٍ (ع) من إمرأةٍ خبيثة لا يعني سوى تزوُّج رجلٍ طيِّب من إمرأةٍ ليست كفؤاً له، فهي لا تستحقه ولا تليق به، وكذلك فإنَّ زواج آسية بنت مزاحم من فرعون لا يعني سوى تزوُّج إمرأةٍ طيِّبة من رجلٍ ليس كفؤاً لها، لذلك فهو لا يستحقها ولا يليق لخبثه بشأنها، فنلتزم أنَّ هؤلاء الطيبين تزوَّجوا من هؤلاء الخبيثين ونلتزم في ذات الوقت أنَّ هؤلاء الخبيثين لا يليقون وليسوا أكفاء لهؤلاء الطيبين، والإلتزام بذلك ممَّا لا ضير فيه، إذ لم تقل الآية من سورة النور أنَّ المرأة الخبيثة لا تتزوَّج إلا بخبيثٍ مثلها وإنَّما أفادت انَّ المرأة الخبيثة لاتليق إلا بخبيثٍ مثلها، وكذلك لم تقل الآية أنَّ الطيبة لا تتزوَّج إلا بطيِّبٍ مثلها وإنَّما أفادت أنَّ الطيِّبة لا تليق إلا لطيِّبٍ مثلها، وعدم اللياقة والكفاءة لا تعني ولا تقتضي عدم وقوع التزاوج بين غير المتكافئين، فكثيراً ما يتَّفق أنْ يحظى الوضيع بمَن لا يليق بها ويبتلي الشريف بما يُحتِّم عليه الإقتران بمَن هي دونه بل بمَن هي فاقدة لكلِّ كمال وواجدة للعديد من الخصال الذميمة، كذلك كان نوحٌ ولوط وكانت آسيةُ بنت مزاحم فصبروا على ما ابتلوا به.



والحمد لله رب العالمين



الشيخ محمد صنقور

من كتاب شبهات مسيحيَّة

1- سورة النور / 26.

2- سورة التحريم / 10.

3- سورة النور / 23-25.

4- سورة إبراهيم / 24.

5- سورة إبراهيم / 26.

6- سورة الحج / 24.

7- سورة التغابن / 14.

8- سورة المائدة / 5.


التوقيع :
من مواضيع سيد فاضل » ان الميت ليفرح
» المرتد سلمان رشدي يتعرض للطعن في نيويورك
» عزاء ركضة طويريج.. كيف نشأ ولماذا منع؟!
» مسجد الحنانة.. موضع رأس الإمام الحسين عليه السلام
» مختارات من رثاء لقتيل كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) 2
رد مع اقتباس
قديم 06-10-2019, 02:49 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

عاشقة ام الحسنين

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية عاشقة ام الحسنين


الملف الشخصي









عاشقة ام الحسنين غير متواجد حالياً


افتراضي

اللهم صل على محمد وآلمحمد وعجل فرجهم ياكريم

سلمتَ انـآملككَ عَ الأنتقْـآء
يعطيك العَعع‘ـآإفيـة ...


من مواضيع عاشقة ام الحسنين » أم البنين نجمة في سماء التضحية ‎‎
» الراهبة الحسينية.. أم البنين (ع)
» روحانيات
» اعراض المس في اليقظة و المنام
» الاعراض التي تصيب المسحور في اليقظة و المنام
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لِلْخَبِيثِينَ, ونوح, الْخَبِيثَاتُ, تزوج, خبيثة؟



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين