العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه) العباس - ابو الفضل - قمر العشيره - ساقي العطاشى - الكفيل - كفيل زينب - سبع القنطره - عليه السلام
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


صفه القتال يوم كربلاء وشهادة العباس بن أمير المؤمنين (ع)

منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-03-2013, 04:58 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

محب الرسول


الملف الشخصي









محب الرسول غير متواجد حالياً


صفه القتال يوم كربلاء وشهادة العباس بن أمير المؤمنين (ع)

<b>صفه القتال يوم كربلاء وشهادة العباس بن أمير المؤمنين (ع)

بعد أن أستبان أن العباس بن علي (ع) هو عميد العسكر الحسيني وأن مركزه القلب، وعرفت كيفية تنظيم الجيش الحسيني وأن تعبئته هلالية لاشكل وعنه أخذ المتأخرون التعبئة الهلالية وصفته هكذا: جناح أيمن ـ قلب ـ جناح أيسر
فنحن نذكر الآن كيفية محاربة العباس الأكبر بطل الهاشميين وكيفية شهادته.
وهنا قد أختلف أرباب المقاتل وأضطربت كلماتهم في وقت شهادته (ع) وكيفيتها وكمية القتل بالذين قتلهم وصفة شهادته ومن قتله.
أما كمية من قتلهم فقد مضى في ذكر شجاعته.
وأما قاتله فأصح ما قيل أنه أشترك في قتله زياد بن رقاد الجنبي من جنب من مذحج وحكيم بن الطفيل السنبسي من سنبس من طي، وهذان الفاجران قتلهما المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وزرعة بن شريط الدارمي من تميم وهذا عذبه الله بالنار.
أما وقت شهادته (ع):
فالأقوال في ذلك ثلاثة: أنه قُتل قبل جميع الشهداء رضوان الله عليهم وأفرط أهل هذا القول حتى زعم بعضهم أنه قُتل يوم السابع وآخر يوم التاسع كمقتل أبي مخنف الصغير أو المقتل المنسوب إليه، وجزم به بعض متأخرين العجم ونور العين لأبي إسحاق الإسفرائني، ويظهر من كلامه أنه أستشهد قبل شهادة الحسين (ع) بيوم، هكذا يقول في نور العين(1) بعد ذكره لمحاربة العباس (ع) قال: ثم ضربه رجل منهم بعمود من حديد على رأسه ففلق هامته فأنصرع إلى الأرض وهو ينادي: يا أخي! ياحسين! عليك مني السلام، فحمل الحسين (ع) على القوم وحاربهم حرباً شديداً حتى قتل منهم ثمانمائة فارس وأتى إليه وحمله وأتى به فطرحه بين القتلى وكان الليل قد أتى عليه فباتوا تلك الليلة وفي الصباح ركب القوم ورجعوا على الحسين (ع) فتذكر أخاه العباس (ع) وشفقته عليه وجعل ينادي: وا غوثي بك يالله ياغياثاه، ثم يخرج من قومه فارس بعد فارس وكل منهم يقتل مقتلة عظيمة ثم يقتل فيحمل على القوم نحو المائتين والثلاثمائة والأكثر والأقل ثم يحمله ويأتي به إلى موضع القتلى، ولم يزل حتى قُتل جميع الأنصار والمهاجرين الذين معه وهو ياتي بهم واحداً بعد واحد، ألخ.
وهذا القول ضعيف جداً وأضعف منه قول أبي مخنف في المقتل الصغير إن صحت نسبته إليه ولا تصح فإنه يذكر شهادة العباس الأكبر (ع) يوم السابع وهذان القولان غاية في الشذوذ بل صدمة للقطعي الذي لا يشك فيه أحد أن العباس (ع) لم يدفن إلا يوم دفن الحسين (ع) ومما لا يجوز أن يتركه الحسين (ع) هذه المدة من غير دفن أو يتركه بين جموع أعدائه يمثلون به اشد التمثيل وهو إذ ذاك قوي منيع لا يحول دون مقصده حائل، وسلامة أصحاب الضواري الساغبة إلى طعم المنية لا يعوقها عن حملة عائق فإذن لا يجوز لنا أن نعد هذا قولاً وإن ذكرناه للتنبيه على سخف قاتله وقلة تدبر الجانح إليه.
القول الثاني وهو الذي عليه عامة أهل التاريخ من أنه (ع) أستشهد يوم العاشر بعد شهادة أكثر الأنصار، وأستشهد قبله فتية من بني هاشم إما كلهم أو بعضهم لأن أهل هذا القول قد أختلفوا على قولين، وبهذا الأختلاف وضمه إلى ذلك القول الشاذ تكون الأقوال ثلاثة.
أحد القولين آنه سبق علياً الأكبر (ع) بالشهادة وعليه جماعة من أرباب المقاتل منهم فخر الدين الطريحي وتقدم كلامه الذي أوردناه في السقاية عن المنتخب فراجعه.
وعبد الرزاق اليزدي فيقول في مصائب المعصومين(2) بعد شهادة قاسم ابن الحسن وعباس بن أمير المؤمنين (ع) تقدم علي بن الحسين (ع) وهو المشهور بعليّ الاكبر، ألخ.
ومنهم سبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة(3) فقد قال: قال الشعبي: أول قتيل منهم العباس بن علي ثم علي بن الحسين الأكبر.
ومنهم ملا عبد الله في مقتل العوالم فإنه ذكر شهادة العباس (ع) سابقة على شهادة علي الأكبر (ع) وبعد أن أتم الكلام على شهادة العباس (ع) قال(4): ثم تقدم علي بن الحسين (ع)، وكذا قال الفاضل المجلسي (رحمه الله) في البحار وهو قول محمد ابن شهر آشوب (رحمه الله) في المناقب وسنذكر ذلك إنشاء الله وغير هؤلاء.
ثاني القولين أنه آخر من قتل من بني هشام قبل شهادة الحسين (ع) وإن أول قتيل من بني هشام هو علي بن الحسين الأكبر، وهذا القول هو المعتمد لأمرين: أحدهم: أن الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه في زيارته للشهداء التي رواها السيد ابن طاوس في كتاب الإقبال وفيها في زيارة علي الأكبر (ع): ((السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل)) ألخ وهذا نص.
ثانيهما: كثرة القائل به من أهل الضبط والإتقان، وبه قال أبو الفرج الأصبهاني بعد ما نقلناه عنه من قول الشعبي (5) وأبو حنيفة الدينوري الفيلسوف المؤرخ في الأخبار الطوال(6) وهذا لفظه: وبقي العباس بن علي (ع) قائماً أمام الحسين (ع) يقاتل دونه ويميل معه حيث مال حتى قُتل رحمة الله عليه وبقي الحسين (ع) وحده ألخ.
وأبو جعفر الطبري أحد أئمة المذاهب من أهل السنة في تاريخه ذكر أن علي أبن الحسين (ع) أول قتيل من بني هاشم.
والشيخ الجليل العظيم رئيس الشيعة المطلق ومحققها أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان المفيد (رحمه الله) في كتاب الإرشاد وشيخ الشيعة واُستاذ العلامة الحلي الشيخ جعفر ابن نما الحلي (رحمه الله) في مثير الأحزان وصاحب النور والكرامات الباهرة السيد رضي الدين علي بن طاوس في كتاب المقتل المسمى بالملهوف ولفظهم جميعاً أنه لما أشتد العطش بالحسين (ع) فركب المسناة يريد الفرات والعباس أخوه بين يديه فأعترضته خيل أبن سعد فرمى رجل من بين أبان بن دارم الحسين (ع) بسهم فأثبته في حنكه الشريف فأنتزع صلوات الله عليه السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى أمتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به ثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بأبن بنت نبيك ثم أقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه فبكى الحسين (ع) لقتله بكاء شديد ألخ.
وآخرون غير هؤلاء يقولون بمثل هذا القول فلا ينبغي التوقف في أنه آخر من أستشهد من العلويين، وكلامنا المتقدم في اللواء يعطيك صورة واضحة إلى الجزم بتأخر شهادته عن غيره.
أما كيفية شهادته (ع):
فاختلف فيها الناقلون أيضاً فمنهم من يذكر أنه مشى أمام أخيه الحسين (ع) فأقتطعوه منه كما مر.
ومنهم من يذكر أنه بارز مرات قتل في آخرها، وهذا لا ينافي ما تقدم إذ كان للمرة الأخيرة مشى أمام الحسين (ع) فأقتطعوه، ولفظهم هذا مجمل لأنه لم يبين صفة أقتطاعه فوجب المصير إلى قول المفصل الذي يقول قطعت يمينه وشماله وفضخت هامته لأن المعارضة بين القولين معارضة المجمل للمبين، والمجمل يحمل على المبين بحسب الاُصول العلمية، ويعنون أن المبين شرح للمجمل، فالذي يقول إنه مشى أمام أخيه الحسين (ع) لم يورد تفصيلاً ولا يبان كيف كان اقتطاعه ولا بيان كم مرة حمل على القوم إنما قصد أنه آخر مراحل حياته (ع) كانت كذلك، أما المبين فقد تعرض للكمية والكيفية، كيف قاتل، وكيف قُتل، فذاك آثر الأختصار فأجمل، وهذا أحب التفصيل فبين، وكثر من العلماء أعتماداً على الشهرة لم يذكروا شهادة العباس (ع) رأساً كالصدوق القمي (رحمه الله) في الأمالي، والشهيد الواعظ الزاهد محمد بن أحمد بن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين، وما تركا ذكر مقتله إلا للأكتفاء بشهرته ومعروفيته، وعلى هذا جرى من لم يفعل فإنه أقتصر على ذكر آخر نقطة لفظ بها نفسه النفيسة وروحه الطيبة وخذ المقتل الشريف مفصلاً:
قال رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني في المناقب (7): كان العباس السقا قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين (ع) وأكبر الإخوان، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وجعل يقول:
لا أرهب الموت إذا الموت زقا
حتى أوارى في المصاليب لقا
نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا
إني أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
ففرقهم، فكمن له زياد بن رقاد الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل عليهم وهو يرتجز:
والله إن قطعتموا يميني
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل النبي الطاهر الأمين
فقاتل حتى ضعف، فكمن له حكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله، فقال:
يانفس لا تخشي من الكفار
وابشري برحمة الجبار
مع النبي المصطفى المختار
قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يارب حر النار
وفي مصائب المعصومين ومقتل العوالم(8) ولفظ الأول: إن العباس لما رأى وحده أخيه الحسين (ع) أتى أخاه وقال: يا أخي! هل من رخصة؟ فبكى الحسين (ع) بكاء شديداً ثم قال: يا أخي! أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري، فقال العباس (ع) : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة واُريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين (ع): فأطلب لهؤلاء الأطفال قليلاًً من الماء، فذهب العباس (ع) ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم، فرجع إلى أخيه فأخبره، فسمع الأطفال ينادون العطش، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة.
وفي بعض الكتب: إنه جاءت بها سكينة وقالت: ياعم! العطش، فقصد نحو الفرات.
قال الدربندي في حديث أبي مخنف: وقال له العباس (ع): سمعاً وطاعة. قال: فضم إليه رجالاً، فسار العباس (ع) والرجال عن يمينه وشماله حتى أشرفوا على الفرات وفي أطرافه أصحاب أبن زياد لعنه الله، فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: من أصحاب الحسين (ع). فقالوا: ما تصنعون هاهنا؟ قالوا: كظنا العطش وأشد الاشياء علينا عطش الحسين (ع). فلما سمعوا كلامهم حملوا عليهم حملة رجل واحد، فقاتلهم العباس هو وأصحابه فقتل منهم رجالاً أبطالاً وأنشأ:
اُقاتل القوم بقلب مهتد
أذب عن سبط النبي أحمد
أضربكم بالصارم المهند
حتى تحيدوا عن قتال سيدي
إني أنا العباس ذو التودد
نجل علي المرتضى المؤيد
قال: فلما فرغ من شعره حمل على القوم ففرقهم يميناً وشمالاً وقتل رجالاً أبطالاً وأنشأ:
لا ارهب الموت إذا الموت رقا
حتى اُوارى ميتاً عند اللقاء
إني صبور شاكر للملتقى
ولا أخاف طارقاً إن طرقا
بل أضرب الهام وافري المفرقا
إني أنا العباس صعب في اللقاء
نفسي لنفس الطاهر السبط وقا
قال: فلما فرغ من شعره حمل على القوم وكشفهم عن المشرعة ونزول ومعه القربة فملأها ومد يده ليشرب فذكر عطش الحسين (ع) فقال: والله لا ذقت الماء وسيدي الحسين (ع) عطشان، ثم رمى الماء من يده وخرج والقربة على ظهره ويقول:
يانفس من بعد الحسين هوني
فبعده لا كنت أن تكوني
هذا حسين شارب المنون
وتشربين بارد المعين
هيهات ما هاذي فعال ديني
ولا فعال صادق اليقين
قالك ثم صعد إلى المشرعة فأخذه النبل من كل مكان وهو يقاتل والقربة على كتفه حتى صار درعه كالقنفذ، فحمل عليه أبرص بن سنان فضربه على يمينه فطارت مع السيف، فأخذ السيف بشماله وأنشأ يقول:
والله إن قطعتموا يميني
لأحمين جاهداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
سبط النبي الطاهر الأمين
نبي صدق جاءنا بالدين
مصدقاً بالواحد الأمين
قال: فحمل على القوم فقتل منهم رجالاً كثيراً ونكس الأبطالاً والقربة على ظهره، فلما نظر عمر بن سعد إلى ذلك قال: ياويلكم! أرشقوا القربة بالنبل فوالله إن شرب الحسين الماء أفناكم عن آخركم، أما هو الفارس أبن الفارس البطل أبن البطل المداعس، قال: فحملوا عن العباس (ع) حملة منكرة فقتل منهم مائة وثمانين فارساً فضربه عبد الله بن يزيد الشيباني على شماله فطارت مع سيفه فأنكب على السيف بأسنانه وحمل على القوم وهو يقول:
يانفس لا تخشي من الكفار
وأبشري برحمة الجبار
مع النبي سيد الأبرار
وجملة السادات والأخيار
قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يارب حر النار
ثم حمل على القوم ويداه تنضحان دماً، فحملوا عليه جميعاً فقاتلهم قتالاً شديداً فضربه رجل منهم بعمود حديد ففلق هامته وانصرع عقيراً على الأرض يخور بدمه وهو ينادي: يا أبا عبد الله! عليك مني السلام. فلما سمع الإمام (ع) ندائه قال: وا أخاه وا عباساه وا مهجة قلباه! ثم حمل على القوم فكشفهم عنه ونزل إليه وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة وطرحه فيها وبكى بكاء شديداً حتى أبكى جميع من كان حاضراً وقال: جزاك الله من أخ خيراً لقد جاهدت في الله حق جهاده. للمؤلف:
بطل أبوه حمى النبي محمداً
في كل ملحمة بحد حسامه
سل عنه اُحداً بعد بدر وأعتبر
في خيبر النكراء عن إقدامه
والصاحبين الناهضين لمرحب
فبرا كلمح البرق من قدامه
والليث حيدر حين زمجر راعه
وأقام مبهوتاً على إحجامه
أبليس شجعه فكر وإنه
كر سيورده حياض حمامه
قد عاجلته يد الوصي بضربة
شطرته متزناً إلى أقدامه
فعلي ناصر أحمد في معرك
هاب الصحاب الكل عن إقحامه
هاذي حنين هل أتاك حديثها
هي ترجمانك عن علو مقامه
ذا شبله العباس مثل عزمه
لما تقدم حاسراً عن لامه
متدرعاً بثابته وحسامه
كالنار يلهب في الوغى بضرامه
علم الفخار يرف فوق متونه
والجيش ذعراً فر عن أعلامه
أم المسنات التي قد سدها
جيش الطغاة بمتقن أستحكامه
نسفت قواعدها الحصينة همة
من يمنع البركان عن إقدامه
حاز الشريعة عنوة ومنكساً
جيش الدفاع وساحقاً في هامه
مد اليد البيضاء يغرف غرفة
يروي حشاً قدحت أوار أوانه
فرماه مؤتسياً بسبط محمد
وبعاطش الأكباد من أرحامه
قل السقاء وسار فيه مبادراً
نحو الخيام وذاك جل مرامه
كي ترتوي أكباد آل محمد
وبيل بارده لقلب إمامه
بكاء الحسين على العباس (ع):
لم ينفرد هذا الناقل لبكاء الحسين (ع) على أخيه العباس (ع) بل هو المشهور عند أرباب المقاتل وقد قلت عند تحبير هذه الكلمة التاريخية مخاطباً للعباس (ع):
أبا الفضل أبكيت الحسين وإنه
صبور على جل الخطوب صليب
فلم يبكه إلا أفتقادك إنه
عظيم له تحت الظلوع ندوب
فلا لوم إذ يبكيك إذ قمت بالذي
يحق له والناصرون ضروب
فكنت له طوع الإرادة لم تهن
وأنت له دون الحماة حبيب
وقد كان أن يدعو أجبت ملبياً
فها هو يدعو ما يراك تجيب
ألم تسمع الصوت الذي قد دعا به
وأنت على شاطي الفرات تريب
وكنت تجيب الصوت من أبعد المدى
فلم لا أجيب الصوت وهو قريب
وإني كلما تأملت في بكاء الحسين (ع) على أخيه العباس (ع) أرى أن درجة العباس (ع) أعظم الدرجات سمواً وأرتفاعاً وأسماها مفخراً، إن من أجرى أفتقاده دمعة الحسين الصبور وأسبل مصابه عبرة الإمام الإبي الغيور الذي يأنف أن يشاهد منه العدو الكاشح وهناً وأنصداعاً أو يرى خضوعاً وأنكساراً فيتجلد تجلد الأباة ويصبر صبر الكلام وقد بلغ من محافظته (ع) على هذه الغاية السامية أن لا يدع النساء يبكين خوفاً من شماتة الأعداء، أليس هو القائل لأبنه علي الأكبر وأخيه العباس وقد سمع بكائهن عصر التاسع في خطابه للأعداء: أسكتاهن فلعمري إن البكاء امامهن! فهمته العالية وشيمته الشماء التي تلفظ الدنيء وتعاف الساقط لسد منيع بينه وبين المخل بسيادته، وما الشاعر العربي القائل في أخيه:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا
فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة
يعصرها من جفن مقتله عصرا
ونحن اُناس لا تسيل دموعنا
على هالك منا وإن قصم الظهرا
بأعظم أنفة وتحفظاً وأشد تنزهاً وترفعاً من سيد الأباة وعميد الأنفين وزعيم أرباب الحفاظ الحسين الذي لم يقدم للعالم إلا المثل العليا والمناهج الراقية فلم تجذبه العاطفة المحضة ويحكم ضميره الحي رتاج الجاذبية الجبلية الخالصة فقط.
نعم، إن في الرجال من يستحق البكاء ويستأهل أن تستدر العظماء عليه حلب أجفانها وتسيل عصارة دموعها، هذا سيد البشر أبو القاسم محمد رسول الله (ص) لم توازن ثباته الجبال الرواسي، ولم تعدل صبره الصم الصلاد قد جزع لعمه حمزة بن عبد المطلب ورثى لأبن عمه جعفر الطيار وبكاهما وأستبكى لهما حيث قال في حمزة: ((لكن جمزة لا بواكي له))، وقال في جعفر: ((على مثله فلتبكي البواكي)). وما بكاهما إلا لعظمتهما وجلالة قدرهما، وبكى عمه ابا طالب حين توفي وقال: ((وصلتك رحم ياعم وجزاك الله خيراً))، وبكى ولده إبراهيم وقد قال بعض العلماء: لو عاش إبراهيم لكان نبياً، فهذا البكاء دليل عظمة المبكى وبرهان سموه.
وفي الشعراء من العرب من يؤثر البكاء على الفقيد العظيم على التسلي، فقال أبو عداس النميري وهو الحارث بن زيد من سادات النمر بن قاسط من ربيعة وكان رئيساً شاعراً أخذ كسرى أبنه عداساً فحبسه، فقال أبوه:
أعداس هل يأتيك عني أنني
تغير حلان فطال شحوب
أعداس ما أدرك أن رب هالك
تقطع من وجد عليه قلوب
تخطينه من أن أرى باكياً له
فيشمت عاد أو يساء حبيب
وقد كان يخشى أن أرى الموت قبله
فبانت به قبلي الغداة شعوب
وإن أمرأ يرجو الخلود وقد أرى
مصارع فتيان الندى لكذوب
لعمر ماندري أفي اليوم أو غد
ننادى إلى أجداثنا فنجيب
ورأى آخر سفك بدل سفح دمعه، ذاك أبن الرومي يقول في علي بن يحيى المنجم:
قد زرت قبرك ياعلي مسلماً
ولك الزيارة من أقل الواجب
ولو أستطعت حملت عنك ترابه
قد طال ما عني حملت نوائبي
ودمي فلو أني علمت بأنه
يروي ثراك سقاه صوب الصائب
لسفكته أسفاً عليك وحسرة
وجعلت ذاك مكان دمع ساكب
وافرط راثي هشام بن المغيرة المخزومي حيث زعم أن يكون بكائه على غير صفة بكاء المبكين من الهالكين لأنهم إذا قبسوا إليه فإنهم لا شيء حيث يقول من ابيات:
ألا لست كالهلكي فتبكى بكاءهم
ولكن أرى الهلاك في جنبه وغلا
غداة غدت تبكي ضاعة غيثنا
هشاماً وقد أعلت بمهلكه صحلا
ألم تريا أن الأمانة أصعدت
مع النعش إذ ولى وكان لها أهلاً
إن هذا الشاعر في ابيات له سابقة علل وجوب أختصاصه ببكاء خاص أنه ملاذ لهم وكهف لهم في الحرب بشجاعته، وفي السلم بطعامه، وأخيراً ذكر الأمانة فهذه ثلاثة خصال ميزت هذا المبكى عنده عن غيره، وللعباس بن علي (ع) هذه الثلاث وثلاث كما عرفت في الجزء الثاني، وزعم الشاعر آخر أن المبكى الذي لا يتسلى عنه لعلة واحدة وهي نتيجة الخصال المحمودة أجمع وهي كونه زينة الدسوت الملوكية وزينة القبور ويزعم ذلك محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة الأموي في مسلمة بن عبد الملك الأموي المرواني وإن كذبه الوجدان في هذه الدعوى بقوله:
ضاق صدري فما يجن سواكا
عي عن أن يجنه ما دهاكا
قيل ميت أو قيل قبر على الحا
نوت لم أستطع عليه تراكا
زائن للقبور فيها كما كنت
تزين السلطان والأملاكا
تمحل هذا الأموي شططاً من القول وأرتكب غلطاً فاضحاً أن مسلمة بن عبد الملك المنبوز بالجرادة الصفراء لا تحمد من خصاله إلا الشجاعة حسن السياسة والبصر في الحرب وقد يوصف بالعلم وما عدى ذلك من الخصال الحميدة فليس له خظ فيها فقد كان بخيلاً ومنافقاً وجباراً ظلوماً وغير ذلك، ومن كانت هذه صفاته فهو مذموم وممقوت فكيف يعد زينة للملك ولم يرشح كإخوته للخلافة؟ وكيف يزين أهل القبور من هو شقيق هامان؟ إن من يزين الأحياء والأموات مثل أبي الفضل الذي جمع الله له الفضائل في النفس والنسب والأخلاق، ورزقه أعلا درجات الشهادة.
وقد علل الشاعر الأخر أستحقاق البكاء لمن شب وشاب على أكتساب المعالي وتحصيل المفاخر كما قال الفرزدق في أبني مسمع وهما مالك ومقاتل من رؤساء ربيعة:
أتبكي على المنتوف بكر بن وائل
وتهنئ عن ابني مسمع من بكاهما
غلامان شبا في الحروب وأدركا
كرام المساعي قبل وصل حباهما
ولو قتلا من جذم بكر بن وائل
لكان على الناعي شديداً بكاهما
ولو كان حياً مالك وأبن مالك إذن أقودا نارين يعلو سناهما والمنتوف مولى لبني قيس بن ثعلبة من ربيعة كان يخلف يزيد بن المهلب ومالك ومقاتل من صميم قيس بن ثعلبة وهما سيد اللهازم.
وقد تفنن شعراء العرب فنوناً في تعليل الداعي للبكاء على الفقيد العزيز فبعضهم علل بما سمعت وآخرون بأنه عدة للنوائب إذا ما طال العمر، وعرضت أمارات الكبر والعجز، وآخرون بأنه ملجأ في الخطوب ومجن من الأعداء إلى غير ذلك.
وأنا أرى كل هذه العلل صحيحة وموجبة لا سالبة لكن الذي أبكى النبي (ص) شديداً على عمه حمزة إنه وقف عليه فرآه ممثلاً به أسوأ تمثيل؛ قد شق بطنه، وبقر عن كبده، وجدع أنفه وأذناه ومذاكيره كل ذلك من فعل آكلة الأكباد هند جدة يزيد بن معاوية، فأشتد بكاؤه عليه لذلك وقال: وما وقفت موقفاً هو أغيط لقلبي منه، والحسين (ع) وقف على أخيه العباس (ع) فرآه قد مثل به فرأى منه ما أستاء له وتغيظ منه فأحترق قلبه حزناً وترقرقت عبرته وجداً عليه حيث وجده مقطوع اليدين من الزندين، مفضوخ الهامة، دمه يسيل مختلطاً بمخ دماغه، السهم قد نبت في عينه، ويروى أن سهماً شكه في قلبه ولا ريب إن صح في خروجه من ظهره لأنه لم تبقى له يد ينتزع بها السهم أو يتلقى بها الأرض إذا سقط عن الجواد خصوصاً على المروي الصحيح أن الذي ضربه بالعمود جائه من خلف ظهره فسقط على وجهه، ويروي أنهم أحتشوه لما سقط حتى وزعوه بالسيوف.
وقد ورد في بعض روايات دفن الشهداء أنه كلما حمل منه جانب سقط جانب، ومهما شككنا في صحة بعض الروايات فلا نشك في فضخ الهامة وقطع الكفين وسهم العين، وإذا كان الحسين (ع) وجده مكبوباً على وجهه فالحالة محزنة، وإذا كان السهم في القلب فهو لا شك يلاقي الأرض فتدفعه بقوتها وقوة السقوط من ظهر الجواد المشرف فيخرج السهم من قفاه لا محالة.
وأستراب بعض مدعي الفقاهة:
ولا فقاهة له أن كيف يكمن العدو للعباس (ع) خلف نخلة زاعماً عدم وجود النخل في أرض الطف الجرداء، ويدعي أنها بيداء قاحلة ومفازة ماحلة لا شجر بها ولا نبات فضلاً عن النخل ويفسرها تفسيراً مضحكاً أشبه عندي بأن يكون فكاهياً منه جدياً، يقول: كمن له وراء نخلة ليست بالفتح على أنها واحدة النخل بل وراء نخله بإضافة نخل إلى الهاء يعني وراء منكبه، وهذا طريف لم تسمح بصحته لغة العرب ويأبى جوازه اللسان الفصيح، وهذا التأويل السخافي الركيك لم يزل يتبجح بنشره على البلداء من الذاكرين والأغبياء من العوام، ومن لم يتنور بنور العلم تردى في مهاوي الجهل.
إن كربلاء كانت على مقربة نهر الفرات الاصغر المسمى بالعلقمي، وعلى ضفافه حدائق نخل وشجر ومزارعه مشهورة، وعلى شرائعه التي حفت بحرس العدو نخل لسكان الغاضرية ونينوى والعقر وغيرهن من القرى، والعجب ممن يزعم أن نهراً يجري على مسافة بعيدة يخلو من سكان أو أن سكان تلك البلاد وهم من وسط النخل العراقي كما هو موقعهم اليوم لا يعرفون غرس النخل فيحسبهم من سكان الصمان والضلعين! لا أحسب أن العامي يزعم مثل ذلك في أرض كثيرة السكان وأهلها قروية أرباب فلاحة وحرث وبساتين ويقطنون على ضفاف جدول غزير يسقي بساتين تلك البقعة ونصب فاضله إلى الكوفة.
وشرائع هذا النهر مشهورة كما عرفت، وقراه كثيرة معروفة سنذكرها مستقلة، وقد اراد الحسين (ع) النزول في بعضها فمنعوه وأنزلوه في بعقة جرداء، ومن تلك القرى الغاضرية وهي على ضفاف نهر العلقمي تمتد إلى المسناة التي قُتل عندها العباس (ع)، وفي المسناة نخيلات لأهل الغاضرية ومنهم أشترى الحسين (ع) موضع قبره وقبور أصحابه، وعلى هذه المشرعة أستحكام حرس أهل الكوفة القوي وقد وصل إليها العباس ونزل في النهر وملأ القربة منه وقصد بها إلى المخيم فقطعوا عليه الطريق ثم كمنوا له من وراء بعض النخلات فقطعوا يديه.
قال الاُستاذ العلامة المحقق هبة الدين الشهرستاني في كتاب نهضة الحسين (9): فتوجه العباس (ع) نحو الجيوش المرابطة حول الشرائع فأخذوا يمانعونه عن الماء ويستنهض بعضهم بعضاً على معارضته ومقاتلته خشية أن يصل الماء إلى عترة النبي (ص)، فلم يزل العباس (ع) يقارعهم ويقاتلهم ويقلب فئة على فئة ويفل العصابة تلو العصابة حتى كمنوا له وراء نخلة من نخيلات الغاضرية فقطعوا يمناه فأخذ السيف بيسراه مثابراً على الدفاع غير مكترث بما اصابه وهو يتلو الأراجيز ويذكر القوم بمآثر أهل البيت وحسبهم ونسبهم من رسول الله (ص) فمكنوا له ثانية من وراء نخلة وضربوه بالسيف على يساره فقطعوها فأضحى كعمه جعفر الطيار يدافع عن نفسه وهو مقطوع اليدين، وكأن القوم قد قطعوا بيديه يدي الحسين (ع) فعند ذلك تقدم إليه دارمي غير هياب له فضربه بعمود من حديد فخر صريعأً وصارخاً: يا أخاه أدرك أخاك! ولم يدرك الحسين (ع) ظهيره ونصيره إلا بعد أختراق الجموع والجنود، وفي آخر لحظة منه نادباً له وقائلاً: الآن أنكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي، إنتهى.
عمود الحديد تسميه العامة اليوم بـ(الدبوس) و (الدنبوس) وهو من أسلحتهم وقد أشتهر بحمله في المعارك الحربية القديمة جماعة من أبطال العرب المسلمين مثل خالد بن الوليد المخزومي والزبير بن العوام ـ على قولٍ ـ والمقداد بن عمرو البهرائي المعروف بابن الأسود وحمزة بن عبد المطلب ـ على ما ذكر ـ ومالك بن الحارث الاشتر، ومن رؤساء الخوارج شبيب بن يزيد الشيباني رئيس الصفرية، وقطري بن الفجأة المازني رئيس الأزارقة؛ فالأول من ربيعة والثاني من تميم.
أما قاتل العباس بن علي (ع) فأختلف فيه العلماء فقيل هو زرعة بن شريك الدارمي من تميم، وقيل: زيد بن رقاد الجنبي من مذحج، ويقال جهني من قضاعة. وقيل: حكيم بن الطفيل السنبسي من طي، وقيل غير ذلك، والدارمي هو الذي صرحت به الزيارة المروية عن صاحب الزمان عجل الله فرجه، وأما الجنبي والسنبسي فعليهما نص ثقاة المؤرخين، ولفظ أبي الفرج في المقاتل(10): عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر (ع)): إن زيد بن رقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي قتلاً العباس بن علي (ع)، ألخ.
والجمع ممكن بأن يكون على ما صرحت به الأخبار أن الجنبي قطع يمينه والسنبسي قطع يساره والدارمي ضربه بالعمود.
وأما رواية سبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة من أن قاتل العباس (ع) حرملة أبن الكاهن الاسدي فيمكن حملها على أنه مشترك معهم لأنه صاحب السهم الذي وقع في عينه المباركة فيكون هؤلاء الأربعة قد أشتركوا في قتله، ويؤكده رواية من روى أن حرملة صاحب السهم الذي وقع في قلبه.
أنتقام الله تعالى من قتله العباس (ع):
أما الدارمي التعيس فقد تقدم ما عاقبه الله به وجعله فيه عبرة لأهل الجبور والظلم فيما عاجل الله به قتلة الحسين (ع) من العقوبة في الدنيا.
وأما الجنبي والسنبسي فأخذهما المختار وقتلهما وكذلك حرملة.
صفة قتل الطائي:
ذكر المؤرخان الكبيران الجزري والطبري ـ ولفظ الأخير في تاريخه(11) ـ قال: ثم إن المختار بعث عبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطفيل الطائي السنبسي وكان قد أصاب سلب العباس فاتاه عبد الله بن كامل فأخذه ثم أقبل به فذهب اهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم فلحقهم في الطريق فكلم عبد الله بن كامل فيه، فقال: ما إلى ما أمره شيء وإنما ذاك إلى الأمير المختار. قال: فإني أتيه، قال: فانه راشداً.
فمضى عدي نحو المختار قد شفعه في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع لم يكونوا نطقوا بشيء من أمر الحسين (ع) فقالت الشيعة لأبن كامل: إنا نخاف أن يشفع الأمير عدي بن حاتم في هذا الخبيث فدعنا نقتله، قال: شأنكم به، فلما أنتهوا به إلى دار العنزيين وهو مكتوف نصبوه غرضاً ثم قالوا له: سلبت أبن علي (ع) ثيابه، والله لنسلبنك ثيابك وأنت حي تنظر، فنزعوا ثيابه ثم قالوا له: رميت حسيناً (ع) وأتخذته غرضاً لنبالك وقلت: تعلق سهمي بسرباله ولم يضره، وأيم الله لنرمينك كما رميته بنبال ما تعلق منها بك أجزأك، قال: فرموه رشقاً واحداً فوقعت به منهم نبال كثيرة فخر ميتاً.
قال أبو مخنف: فحدثني أبو الجارود عمن رآه قتيلاً كأنه قنفذ لما فيه من كثرة النبل، ألخ.
وبنو سنبس رهط الشقي حكيم بن الطفيل من قبائل طي ومنهم اليوم بالألوية الشمالية عشائر كبيرة مشهورة بهذا الإسم.
أما صفة قتل أبن الرقاد:
فذكرها المؤرخان أيضاً ونص الطبري(12) قال: وبعث المختار عبد الله الشاكري إلى رجل من جنب يقال له زيد بن رقاد وكان يقول: لقد رميت فتى منهم بسهم وإنه لواضع كفه على جبهته يتقي النبل فاثبت كفه في جهبته فما أستطاع أن يزيل كفه عن جبهته.
قال أبو مخنف: فحدثني أبو عبد الأعلى الزبيدي أن ذلك الفتى عبد الله بن مسلم بن عقيل وإنه قال حيث أثبت كفه في جبهته: اللهم إنهم أستقلونا وأستذلونا، اللهم أقتلهم كما قتلونا وأذلهم كما ذلونا، ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر فقتله فكان يقول: جئته ميتاً فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه ولم أزل اُنضنض السهم من جبهته حتى نزعته وبقي النصل في جبهته مثبتاً ما قدرت على نزعه.
فلما أتى أبن كامل داره أحاط به وأقتحم الرجال عليه فخرج مصلتاً بسيفه وكان شجاعاً. فقال أبن كامل: لا تضربوه ولا تطعنوه برمح ولكن أرموه بالنبل وأرجموه بالحجارة، ففعلوا ذلك به فسقط، فقال أبن كامل: إن كان به رمق فاخرجوه، فأخرجوه وبه رمق، فدعا بنار فحرقه بها وهو حي لم تخرج روحه، إنتهى.
بنو جنب رهط هذا الشقي من مذحج وهو ستة بطون: منبه والحارث والفلي وسجان وشمران وهفان بنو يزيد بن حرب بن علة بن جلة بن مذحج جانبوا أخاهم صداء وحالفوا سعد العشيرة فحالف أخوهم صداء بني الحارث أبن كعب اللعين أبن رقاد من هؤلاء، وليس في العرب جنب سواهم وعليهم نزل مهلهل أخو كليب في الجاهلية هارباً من بكر بن وائل حين أجتمعت كلمتهم على تغلب فلم يقوموا لهم، وما أحسنت جنب جواره بل اساءت وأجبرته على تزويج أبنته من بعضهم وكان لا يراهم أكفاء لها وأصدقوها أدماً وهي الجلود المدبوغة وذاك حيث يقول مهلهل:
أنكحها فقدها الأراقم
في جنب وكان الحباء من آدم
في أبيات له، وليس قول من نسبه جهنياً إلا على إرادة الحلف أو التصحيف.
أما صفة قتل أبن الكاهن:
فيروي شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) في كتاب الأمالي(13) بالإسناد إلى المنهال بن عمرو الاسدي قال: دخلت على علي بن الحسين (ع) منصرفي من مكة فقال: يامنهال! ما صنع حرملة بن كاهن الأسدي؟ فقلت: تركته حياً بالكوفة. قال: فرفع يديه جميعاً فقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.
قال المنهال: فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة وكان لي صديقاً.
قال: فمكثت في منزلي أياماً حتى أنقطع الناس عني فركبت إليه فلقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال! لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنئنا بها ولم تشركنا فيها.
فأعلمته أني كنت بمكة وأني قد جئتك الآن، وسايرته ونحن نتحدث حتى أتى الكناس فوقف وقوفاً كأنه ينتظر شيئاً وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجه في طلبه فلم نلبث أن جاء قوم يركضون وقم يشتدون حتى قالوا: أيهاالأمير! البشارة قد أخذ حرملة بن كاهن.
فما لبثنا أن جيء به فلما نظر إليه المختار قال: الحمد لله الذي أمكنني منك، ثم قال: ألجزار الجزار، فاُتي بجزار فقال: إقطع يديه، فقطعتا، ثم قال: إقطع رجليه، فقطعتا، ثم قال: النار النار، فقلت: سبحان الله! فقال: يامنهال! إن التسبيح لحسن ففيم سبحت؟ فقلت: أيها الأمير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين (ع) فقال لي: يا منهال!
ما فعل حرملة بن الكاهن الأسدي؟ فقلت: تركته حياً بالكوفة. فرفع يديه جميعأً وقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.
قال: فنزل عن دابته فصلى ركعتين فأطال السجود ثم قام فركب وقد أُحرق حرملة وركبت معه وسرنا فحاذيت داري فقلت: أيها الأمير! إن رأيت أن تشرفني وتكرمني وتنزل عندي وتتحرم بطعامي، فقال: يامنهال! تعلمني أن علي بن الحسين (ع) دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ثم تأمرني أن آكل؟! هذا يوم صوم شكراً لله تعالى على ما فعلته بتوفيقه. حرملة هو الذي حمل رأس الحسين (ع)، إنتهى.
وسبب دعوة الإمام زين العابدين (ع) على حرملة خاصة وأفراده بالدعاء عليه دون سائر قتلة الحسين (ع) لجرأته العظيمة على الله لمقارفته فظائعاً شتى وأفظعها ذبح الطفل الرضيع في حجر أبيه مع أنه رمى العباس (ع) بسهم أصاب عينه، ورمى الحسين (ع) بسهم وقع في صدره وهو غير سهم أبي الحتوف المحدد الذي وقع في لبة قلبه، وتمثل قساوته البالغة أقصاها أمتناع العسكر من إجابة عمر بن سعد وإسراعه لما أنتدبه عند إقبال الحسين (ع) بطفله المشرف على التلف من الظمأ عبد الله الرضيع يستسقي له الأعداء فسارع اللعين متقبلاً ذاك الاقتراح القاسي من الغوي قائد الغوات في أن يحسم نزاع العسكر حو الشفقه على هذا الطفل الذي لم يقم بذنوب الكبار ولم يتلبس بخطايا البالغين بزعمهم إلى أئمة العدوان أئمتهم اللعناء فتحرى عدو الله رقبة الطفل البيضاء التي تبض كوميض بارقة وأستهدف ومضة عنقه اللماعة التي تشع على ذراع أبيه الحنون المنعطف فسدد المشوم رميته صوب هدفه وقرطس بسهمه الناقع سما رقبة الطفل الضعيف الذي يستدر عاطفة الحنان ويستدعي حدب الإنسانية فذبحه من الوريد إلى الوريد.
ويزعم أقسى الخليقة قلباً وأغلظ البشرية كبداً أنه رق لذاك الطفل الذي جيء به يسقى الماء السلسال فسقي من دمه السيال متى زعم هذا العاتي تلك الرقة المزعومة وأنكسار الخاطر المكذوب حين أحس الطفل المغمى عليه من العطش بحرارة السهم الحاد فأستخرج يده من القماط لائذاً بالأب العطوف، عائذاً بالوالد الحنون، معتنقاً إياه عناق وداع وفارق لا عناق أستقبال وتلاق.
إن مثل هذه لو صورها الخيال على مسرح الفكر لما تيقن صدق هذه المخيلة الشاذة بتصوير مثل هذه البشعة النكراء فكيف إذا كانت حقيقة وواقعة من إنسان العدوان، إنسان القسوة، إنسان الجلفية، قد قلت أنه إنسان إفهاماً وتفهيماً في التمثيل، وعقيدتي إنه شيطان متمرد تشكل بصورة إنسان، ومارد متشيطن تقمص بقالب بشر، بل سبع نهم وذئب مقرم يقضم بأنياب مطامعه لحوم التوحيد، ويقطع بنواجذ شرهه أعصاب الدين.
ولعظم هذه الجريمة وفطاعتها وضع الحسين (ع) يده تحت نحر الطفل حتى إذا أمتلأت من دمه رمى بها إلى اُفق السماء قائلاً: اللهم لا يكن أهون عليك من فصيل، ولا غرابة أن لا يرجع إلى الأرض من ذلك الدم الطاهر الزكي قطرة، ولا عجب لو ترشفته السماء الصافية الأديم ترشفاً وطرزت به آفاقها وحلت به شفقها المحمر دوماً ليترجم للأجيال القادمة فعال تلك العاصبة الشريرة.
وهذا الجرم العظيم وهذه الجرأة البالغة أقصاها أستدعت من الإمام السجاد (ع) الأهتمام بالدعاء عليه خاصة، ولعل أختيار إعدامه حرقاً، ظاهر السر، الجلي الحكمة: إن هذا اللعين قد أحرق بفعله قلوباً: قلب اُمه الرباب المصابة بوحيدها، قلب أبيه المذبوح طفله على ذراعيه، اللهم أذقه حر النار، أستجاب الله لك أبا محمد.
مرقد العباس حيث يزار الآن:
بأتفاق الناس لم يخالف في ذلك مخالف لتظافر النصوص الواردة في دفن الشهداء (ع) وأنهم دفنوا كلهم حول قبر الحسين (ع) إلا الحر بن يزيد الرياحي وأخوه العباس (ع) دفن حيث سقط. ودعوى بعض أرباب المقاتل من أنه (ع) حمله على فرسه وجاء به إلى الخيمة فمردود بما ذكرنا من الأتفاق حتى من اهل هذا القول في دفن الشهداء أنه (ع) دفن حيث صرع فالقول بحمله إلى خيمة القتل من الوهم الواضح.
السر في إبقائه حيث سقط:
إن الحسين (ع) لم يحمل العباس (ع) إلى خيمة الشهداء كما حمل إليها بقية الشهداء من أصحابه وأهل بيته لأنه (ع) نصب خيمة في وسط المعركة يحمل إليها كل من أستشهد من اصحابه واهل بيته وإنما أفردها من المخيم وجعلها وسط المعركة لأمرين:
أحدهما شرعي وهو أن الشهيد إذا مات في المعركة جري عليه حكم الشهيد بأن لا يغسل ولا يكفن ويدفن في ثيابه، ولا يغسل عنه دم ليقوم عند الحشر محاججاً قاتليه ومخاطباً لهم على قتله ويكون لون ثيابه لون الدم والريح ريح المسك، ومن جرح ومات خارج المعركة فله أجر الشهيد ومرتبة الشهيد ولا تجري عليه أحكام الشهيد فغسل ويكفن كغيره، فحفظاً لهذا المبدأ ومحافظة على هذا النظام الإسلامي آمر (ع) بنصب تلك الخيمة في وسط المعركة.
ثانيهما عربي حفاظي وذلك أنه (ع) من صميم العرب ولباب أرباب الحفاظ والشيم وسادات أرباب الغير والحمية الذين يغارون على الحرم ويغالون في صونها ببذل المجهود وبكل ما في وسع الجهود وفي جيشه نساء مخدرة وعقائل محترمة مصونة بصيانة الجلالة والعظمة، ومسترة بستر الأحترام والتجلة، مرخى عليها رواق الحشمة والعظمة، والمرأة مهما كانت محتفظة بوقارها مبالغة في التمسك بسترها إذا رأيت بعينها فقيداً عزيزاً تنذهل وتفقد الوعي والشعور، وقد يغلبها الجزع لعظم الصدمة فتلهوا عن الوقار وتذهل عن الأحتشام وربما تبدو حاسرة أو تظهر سافرة مكشوفة الوجه للنظار فإن المذهول المندهش لخوف شديد أو لصدمة جائحة ممضة لا يحتفظ آنات الأمن والسرور.
فمحافظة على هذه المقاصد العليا والغيات الشريفة أبعد اشخاص الشهداء عن أعين العقائل والعادات قاضية بأن مصاب العظيم من الرجال يسبب أنذهال المصونات فيبدين للنظار سوافر ويبرزن للأعين حواسر، وقد قال الربيع بن زياد أحد الكملة من بني عبس ورئيسهم في الجاهلية في رثائه مالك بن زهير العبسي لما قتلته فزارة:
من كان مسروراً بمقتل مالك
فليأتي نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه
يلطمن اوجههن بالأسحار
فالحسين (ع) حافظ تمام المحافظة على عدم إزعاج العقائل من خدورهن كي لا تصاب لمذهولة غرة وتنال من مذعورة غفلة بسقوط خمار أو رفع برقع أو كشف نقاب عن وجه محجبة لا زال تصونه النبوة بقداستها ويستره الوحي بجلاله.
فلم يحمل أخاه العباس (ع) إلى هذه الخيمة التي تجمع الشهداء أنصاره وأهل بيته والتي هي غير بعيدة عن المخيم الحسيني ولا نائية عن أخبية النساء. وراعى في إبقاء العباس (ع) في موضع سقوطه غير ما ذكرنا أمور أخرى تشف لمتأملها عن عظمة شأنه وترمز إلى شموخ محله وسمو منصبه إذ أنه عنوان الفضائل ورمز الجلالة:
  • أحدهما: أنه (ع) قصد بذلك إظهار فضيلته المستقبلة وإبانة جلالته في الأجيال الآتية ليعرف قدره ويستبين تفوقه الذي يلتئم مع شخصيته الفذه ويتفق مع أهليته فأحب لذلك أن يبقى هناك ليدفن في موضعه حتى يكون له قبر مشيد بأنفراده وعلم ظاهر ومرقد مشهور فيمتاز بعد وفاته كما أمتاز في حياته وليبقى ذاك القبر المقدس والضريح المتسامي للضراح والقبة السامعة تفاخر نجوم الثريا شموخاً وأرتقاء ويبقى ذاك المرقد المنيف مقصد العدو الذي يسميه الإمام العباس، والولي الذي يسميه قاضي الحاجات على السواء، وليخضع الجريء في أعتابه فيقول بعاميته: الترهب بيبانه، هذا سر واضح يتجلى لنا نوره متألقاً.
  • ثانيها: أنه (ع) حين صرع أخوه العباس (ع) لم يبقى معه أحد من أنصاره وأهل بيته من يحمله فإن العباس (ع) كان بطلاً ممتازاً بالجسامة ومعروفاً بالضخامة فيحتاج إلى من يحمله ليحامي عن الحسين (ع) ويدفع عنه الأعداء فإنه لو حمله هو بنفسه ما وجد له من يحمي ظهره من العدو الغادر الذي يتحين الفرص في قتله ويتحرى الوصول إلى القضاء عليه بكل ما أمكنه من جهود وحيث لا حي في الخيام ممن له قابلية الدفاع لأنهم قتلوا وجرحوا جراحات تمنعهم من الجلاد وفر الضحاك المشرقي وجبن بعض الأرقاء من الجلاد كعقبة بن سمعان فإذن ليس إلا الإمام العليل الذي أسقط عنه الدفاع عدم التمكن من القيام وعدم الأستقلال بالنهوض وحده إلأ متوكئاً على شيء أو معتمداً على إنسان، ومن كان بهذه الصفة لا يستطيع أن يحمي ظهر المحارب الذي ألهاه الحمل عن الحملة وهناك صبية صغار ونسوة مذاعير فلا مجال لحمله (ع) ولم تسنح فرصه لنقله.
  • ثالثها: إن الحسين (ع) لما وصل إلى أخيه العباس (ع) عقيب ندائه أدركني يا أخي وشق إليه الصفوف العدوانية المتكدسة على مصرعه شقاً وصدع جموعها بجولته ألفاه بآخر رمق من الحياة يكاد ان يلفظ آخر نفسه له وما كلمه تلك الكلمات والوجيزة الحارة اللاذعة إلا ولفظ مع آخرها روحه الزكية وختم بها حياته الطيبة ولا معنى لحمل من يعالج سكرات الموت ويكابد آلام الأحتضار مع أن الغرض الذي يحمل من أجله الشهداء وهو الخوف من أن يجهز العدو على الجريح قد زال بوفاته والغاية الشرعية بموته في المعركة حاصلة فأبقاه في موضعه.
  • رابعها: إن في المخيم من نساء وأطفال وأعبد ضعفاء النفوس وجرحى في خيمة القتلى كانوا جميعاً غير مرتاعين ولا منزعجين وحياة العباس (ع) قائمة، واثقين شبحه قائماً في المعركة يجالد الأعداء فهم في منعة وأملهم وطيد بأنه سيدفع عنهم التعديات العدوانية وإنه يقوم بالدفاع المشترك مع أخيه الحسين (ع) والتعاون معه وبذلك الدفاع الثنائي من الأخوين سيكون المخيم كعرينة الليث وسيبقى المنزل العائلي كغابة الأسود تزأر أمامها السباع الضواري وما دامت الأسود تهدر والنمور تزأر لا تدنو الوحوش فلا تقترب الذئاب الساغبة فيها فإذا هذا الصوت الأسدي الصاخب من ناحية أقتحامها الذئب المخاثل هذا ويرون أن حياة الحسين (ع) مضمونة بضمان السلامة ما قام أبو الفضل ينافح عنه ويكافح دونه وقد جعل نفسه وقاية له وحياته فداء لحياته فإذا حمله إلى الخيمة فإنهم ولا شك إذا رأوه قتيلاً يرتاعون أشد الارتياع ويندهشون أعظم الأندهاش ويخالجهم الرعب والذعر الذي لم يخالجهم وشخصه بالوجود ويحسبون لقتل الحسين (ع) ألف حساب وقد عقدوا فيه آمالهم، فإذا قتل العباس (ع) فإنه سيستقتل ويستهدف للأعداء ويصحر لهم وقد فقد المحامي والمدافع لا ريب في ذلك لأنه مطلوب أهل الكوفة والغاية المقصودة من تحشدهم وقد فتحت الثغرة بقتل العباس (ع) ولاحت الثلمة في الحصّ لرامقها فترك العباس (ع) في موضع سقوط متعين لهذه المصلحة الحربية والحسين (ع) لا تنكر مهارته الحربية ولا خبرته بفنون القتال فهو القائد المحنك والزعيم المجرب فإبقاء الفقيد العزيز في موضعه أقرب للمصلحة الحربية من تهايج النساء المذعورة وهيجان الصبية المرعوبة فإن إزعاجها وقلقها يزعج راحة قلب الغيور ويقلقه ويلهيه عن التفكر في مقدمة الحربي ويشغل حواسه من التبصر بكيفية القتال وملاقات العدو المسرف بهدوء وتفكير.
  • خامسها: إن بعض أهل المقاتل يصرح بمحبة العباس (ع) للبقاء وأنه أختار ذلك لأمرين:
إحدهما: ما ذكرنا في نزول الموت به.
وثانيها: الأستحياء من خلف موعده لسكينة (ع) بإحضار الماء لها ولم يأتها به لحيلولة الأقدار دون ذلك فأقسم على أخيه الحسين (ع) بحرمة جده رسول الله (ص) أن يدعه في مكانه ولا خفاء أن خلف الوعد ولو كان لسبب قهري صعب عند ذوي الشهامة والمروّة، والأعتذار قبيح عند صاحب الإباء والحفيظة، ونفسية العباس (ع) الحرة وشعوره الحي ويقظته الوقادة تأبى أن تتوسم في ملامحه أو ترتسم في أسارير غرته الغراء آثار الخلف وعدم الوفاء بالموعود ولو كان بغير أختيار لغلبة الأقدار وحيلولة القضاء بينه وبين مبتغاه وعرقلة المنية لنجاح مسعاه، وإن أجله المبادر أحبط أمله الذي كان يدعمه ظن الفوز والظفر بموعوده.
هكذا تجد النفوس الزكية والأرواح الطيبة أن نظر الموعد إلى وجه الموعود كسراً وهضماً إذ لم يبلغه الأمل ولم يوصله إلى البغية ولم يمكنه من المراد.
ويظهر من بعض المقاتل ما ينبغي أن نعده سبباً سادساً وهو أن جسد العباس (ع) قد وزعته أسلحة الأعداء توزيعاً وفصلته مفاصلاً وآراباً بحيث لا يمكن حمله لتساقط أعضائه فيحتاج في حمله إلى وعاء (سدية) لتجمع أعضائه الموزعة وهذا غير بعيد عن النظر الدقيق فإن التفكر في قسوة الجيش الكوفي وغلظة أكباد اُمرائه وقواده وجلفيتهم وأخلاقهم الجافية في عموم بني الإنسان فإذا اُضيف إلى هذا بغضهم لآل علي (ع) الذي أباد أسلافهم في حروبه ونظر إلى حنقهم الزائد على العباس خاصة وتأثرهم من حد صارمه الطائش في ساحة الجلاد والذي نثر جماجم أعيانهم وهام أبطالهم على وهاد كربلاء قادهم إلى التشفي الغليظ الشائك منه بتوزيع أشلائه المباركة غيظاً وحنقاً عليه.
وهنا يقول اليزدي في مصائب المعصومين(14): روي في بعض المقاتل أنه لما رأى الحسين (ع) أخاه العباس (ع) قد وقع على الأرض مقطع الأعضاء مزمل بالدماء بكى بكاء عالياً فقال له: هل من وصية؟ قال: يا أخي! وصيتي أن لا تحملني إلى الخيام ما دمت حياً. فسأله عن سببه؟ قال: إني أستحي من سكينة لأني ما قدرت على إتياني لها بشربة من الماء، ثم أرتحل روحنا لروحه الفداء.
وروي في بعض الكتب أن من كثرة الجراحات الحالة عليه لم يقدر الحسين (ع) أن يحمله إلى محل الشهداء فترك جسده الشريف في محل مقتله ورجع (ع) باكياً إلى الخيام، أنتهى.
وتقدم كلام الدربندي في كبش الكتيبة والقائلون من أرباب المقاتل أن الحسين (ع) حمل أخاه العباس كصاحب المنتخب ومن وافقه من أرباب المقاتل فهم خصوم أنفسهم ومحاكموها بما ذكروه من دفنه على ضفاف العلقمي حيث مزاره الآن فإنهم جزموا بذلك ولم ينقلوا أن علي بن الحسين (ع) نقله عند دفن الشهداء إلى هذا الموضع ولا حمله الأسديون: ثم ما الفائدة في النقل إلى هذا الموضع بخصوصه وإبعاده عن مرقد أخيه ولوجب أن يكون لو نقل أقرب الناس إلى الحسين (ع) كما أن أبنه علي الأكبر فلا ينبغي التردد والأرتياب في أنه (ع) بقي حيث سقط على المسناة.
ويلزمنا هنا بيان أمرين:
أحدهما: دفن الشهداء كيف كان؟
ثانيهما: التعريف بكربلاء القديمة وبعض قراها لتعرف من هي الغاضرية ومن نينوى والعقر فقد زلت هنا أقدام فطاحل من العلماء وكبار وآخرون من المؤرخين في هوة الوهم.


مقتبس من كتاب (بطل العلقمي) للعلامة الشيخ عبدالواحد المظفر
</b>


من مواضيع محب الرسول » قصيدة توديع الخيام باسم الكربلائي 2023 حصريا
» قصيدة سفره الى الله للرادود حيدر البياتي 2022
» هوسات مكتوبة للامام العباس عليه السلام
» قصيدة مو فرات الرادود باسم الكربلائي محرم 2021
» حصريا لحظات تسجيل اصدار محرم 2021 باسم الكربلائي
رد مع اقتباس
قديم 01-04-2013, 02:20 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

الـدمـع حـبـر العـيـون


الملف الشخصي









الـدمـع حـبـر العـيـون غير متواجد حالياً


افتراضي

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
وعلى قمر بني هاشم وعلى مولاتنا العقيله زينب
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
ننتظر جديدك...


من مواضيع الـدمـع حـبـر العـيـون » حتى تشرق شمس الله في قلوبنا : الحديقة الرمضانية الثامنة
» الأسد في القرآن الكريم..
» أسباب نزول البسملة..
» ورود واشجار لأركان المنزل
» ازرق في ازرق ... أثاث عصري
رد مع اقتباس
قديم 01-04-2013, 10:34 AM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

حسينية فاطمية


الملف الشخصي









حسينية فاطمية غير متواجد حالياً


افتراضي

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
وعلى قمر بني هاشم وعلى مولاتنا العقيله زينب



بارك الله فيك وجزاك الجنة


من مواضيع حسينية فاطمية » من أسرار مولاتي فاطمة ع وتسبيحها
» الإمام عليّ (عليه السلام) ومهمّة جمع القرآن
» فإنها تهدم الذنوب !!!
» كم مرة بكى الامام الحسين (ع) في كربلاء
» الحسن والحسين حبيبي رسول الله (ص)
رد مع اقتباس
قديم 26-06-2013, 01:41 AM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

نور الزهراء


الملف الشخصي









نور الزهراء غير متواجد حالياً


افتراضي




جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ

بآرَكـَ الله فيكـِ عَ آلمَوضوعْ

آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـِ بآلريآحينْ

دمْت بـِ طآعَة الله ..}


من مواضيع نور الزهراء » وصية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب لكميل بن زياد النخعي
» من روائع وصايا الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
» الشمس ردت للأمام علي بن ابي طالب عليه السلام
» وقفة سريعة بين يدي الزهراء قبل الدنيا وبعدها ....
» عطر الزهراء عليها السلامـ‎
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أمير, المؤمنين, العباس, القتال, وسهاية, كربلاء

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كود يا أمير المؤمنين محـب الحسين احباب الحسين لتطوير منتديـــــvb3.0.0ــات 7 09-09-2012 05:44 AM
يا علي يا أمير المؤمنين ابو الحق احباب الحسين للشعر الحسيني 4 23-03-2011 01:14 AM
من أنت يا أمير المؤمنين عاشقة النور منتدى الوصي المرتضى (سلام الله عليه) 8 18-11-2010 03:25 PM
العباس بطل صفين والنهروان قبل طف كربلاء اريج الجنه منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 3 06-01-2010 02:48 PM
يا أمير المؤمنين عاشق الامام الحسين احباب الحسين للشعر الحسيني 5 27-10-2009 04:41 PM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين