هذه الأيام هي أيام مصاب أهل البيت (ع) ، يفترض أن يُراجع أحدُنا قلبه ، ويرى تأثر قلبه في المناسبات ، هذه القلوب تكشف عَمًّا ورائها . الإنسان الذي يمرُّ عليه شهر رمضان بلا تأثر ، يذهب إلى الحج بلا تأثر ، يمر عليه شهرا محرم وصفر بلا تأثر ... فعليه أن يعيد حساباته إذا كان عدم التأثر مستمرا. عليه أن يتساءل : ماالذي جرى في هذا القلب الذي لا يؤثر فيه ذكرُ الله عزوجل وذكر أوليائه ؟... عليه ألا يمر على هذه الحالة مرور الكرام ... ليتَّهم نفسَه . قد يكون الأمرُ طبيعيا ، عندما يسمع مصائب أهل البيت مرة أو مرتين ولا يتفاعل ، ولكن مع استمرارية عدم التفاعل مع المصائب التي يذكرها الخطيب ، والتي تفت الصخور فليتهمَ نفْسَه . عن الإمام الصادق (ع) : ( الذي يتلى عليه مصيبة وداع جديَ الحسين (ع) ولا يتأثر عليه أنْ يراجع قلبه ).
كذلك الأمر بالنسبة لدعاء كميل ، في كل ليلة جمعة نقرأ دعاء كميل ، ولكن للأسف أصبح دعاء كميل طقسا من الطقوس ، رغم أنه ليس مجرد دعاء ... إنه قمة التفاعل بين رجل هوالثاني في تاريخ البشرية بعد الرسول (ص) وبين الله عزوجل ، فكيف يخاطب أمير المؤمنين (ع) رب العالمين ؟
المعنى : ياإلهي ، لو أدخلتني النار تبقى هذه المحبة ثابتة لا دخل لها بالنار ، فالعلاقة بيني وبينك يارب ثابتة ... علاقة العبودية بالربوبية فأنا عبدٌٌك وأنت ربي ، ولا شأن لذلك بدخولي الجنة أوالنار ، فكون جسمي يحترق بالنار لا ارتباط لذلك بعلاقة القلب مع رب العالمين . هذا هو مفهوم العبودية عند أمير المؤمنين (ع) ، أما أحدنا إذا ركب في الفلك و جاءه الموج من كل مكان إذ هو انسان متضرع ولكن﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ – العنكبوت 65﴾ ، هذه هي العبودية المتأرجحة بين المصائب ؛ عندما يكون في أزمة يناجي أفسق الفاسقين ربه بدموع جارية وكأنه أقدس القديسين ، وإذا زالت الأزمة وانتهت وكأنه لا شيء . كذلك الأمر في حال الأزمات في حياة الأمم والشعوب ، وكأن هذه العلاقة علاقة المصالح ، وكأن لسان الحال يقول : أنا يارب أحبك إذا أدخلتني الجنة ، ولكن لو أدخلتني النار فلا علاقة بيني وبينك ، أهذا منطق أمير المؤمنين ( ع) الذي نتعلمه من دعاء كميل ؟ ... الصورة التي يجسدها أمير المؤمنين (ع) هي العبودية الكاملة ... على وتيرة واحدة في السراء والضراء... في الشدة والرخاء ... في الجنة والنار ... في الحاجة وعدم الحاجة . لماذا نتعلم أن ندعو في وقت الحاجة والأزمات والمصائب فقط ؟ ورد في بعض الروايات عن أمير المؤمنين(ع) : ( ما المبتلى الّذي قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذي لا يأمن البلاء ) الإنسان المبتلى في معرض الرحمة والقرب من رب العالمين وإن لم يدعو ، أما الإنسان المعافى في بدنه المستغني بماله فهو يحتاج إلى حديث مع رب العالمين .
من صور علاقة أمير المؤمنين (ع ) مع رب العالمين عندما يخبر أحدهم الزهراء (ع) أن عليا قد مات في نخيل المدينة ، فتقول ( ع) : ( إنْ هي إلا الغشوات التي تنتاب الأمير في مناجاته مع رب العالمين ) ... يصبح كالميت عندما يناجي رب العالمين . نحن ما عرفنا قدر أئمتنا (ع) ما عرفنا أبعادهم في الوجود ، هذا السجاد والصحيفة السجادية ، وهذا أمير المؤمنين والصحيفة العلوية ، وهذا الصادق والصحيفة الصادقية ، أين فهمُنا لأئمتنا (ع) ؟ ... والبعض يتحرج من أن ينسب لهذه الذوات المقدسة ، وشرفنا وشرفكم أن نكون تراب أقدامهم .
يستهل أمير المؤمنين(ع) الدعاء بالثناء على الله عزوجل ، يعرف رب العالمين للمسلمين عندما يقول :
(و بِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء ، وَ بِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ) الإنسان الذي يعتز بعز الله و يركن إلى عزة رب العالمين لا يخاف من شيء ، أي عزيز أي ذليل يقاوم عزة رب العزة والجلال ؟!. (وَ بِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ) ، الإنسان الذي يعتقد بأن الله قوي عزيز ذو قوة متين فعال لما يريد ذو البطش الشديد لا يخاف من مخلوق ، ( لو كادت المؤمن السماوات والأرض إلا جعلت له الفرج والمخرج من بينهم ) أين نحن ومضامين دعاء كميل ؟... لو كانت هذه الفقرة شعارا للأمة الإسلامية لما قاومهم شيء ولما وقف أمامهم شيء، مضامين دعاء كميل أسسٌ لحياة الأمة والفرد معا . ( وبعزتك التي لا يقوم لها شيء ) نكرة في سياق النفي تفيد العموم ، أي شيء يقف أمام عزة رب العالمين ؟.
(وَ بِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء) القوة النووية فيها عظمة رب العالمين ، الجبارون ربهم رب العالمين ، ما الذي تخاف منه وأنت تعلم أن عظمته ملأت كل شيء .