حفل تاريخ كربلاء بالرموز العلمية والأدبية التي أبقت شعلة العلم والأدب متوقدة عبر مراحل تاريخ هذه المدينة المقدسة التي تشرفت باحتضان جسد سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وسارت على طريقه في منهج الشهادة ومن هؤلاء الأعلام العالم والأديب والخطيب السيد الشهيد صدر الدين الشهرستاني الذي غيّبته يد الجريمة البعثية إبان الإنتفاضة الشعبانية المباركة.
وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ولد السيد صدر الدين محمد علي بن محمد حسن بن مهدي بن خليل بن إبراهيم بن محمود بن عبد الإله بن عمران بن جعفر بن إدريس الموسوي الشهرستاني الحكيم في كربلاء عام (1929) من أسرة علمية علوية شريفة تنتمي إلى السيد إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
ولهذه الأسرة مكانة في الأوساط الدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية، وعميد هذه الأسرة السيد المرجع الكبير محمد مهدي الموسوي الشهرستاني الذي كان من أجلِّ تلامذة الوحيد البهبهاني، ومن أعلام هذه الأسرة أيضاً: أبو القاسم بن محمد مهدي الشهرستاني، والسيد محمد حسين بن محمد مهدي الشهرستاني.
يقول السيد سلمان هادي آل طعمة عن هذه الأسرة: آل الحكيم الشهرستاني أسرة علوية جليلة الشأن عظيمة المنزلة كان لرجالها معرفة تامة بالطب اليوناني والتداوي بالأعشاب لذا عرفوا بآل الحكيم ولها مصاهرة بأسرة السادة الشهرستاني فلحق بها هذا اللقب ومن أبرز رجالها السيد مهدي السيد خليل الحكيم المتوفى سنة (1318 هـ) وكان طبيباً حاذقاً وعالماً جليلاً مطبوعاً وأديباً شاعراً له آثار قيمة مخطوطة ومحفوظة في خزانة كتبه).(1)
ويقول الشيخ نور الدين الشاهروردي عن هذه الأسرة: (إحدى الأسر العلمية العريقة التي حُظيت بشهرة واسعة تخطّت مدينة كربلاء وحدود العراق، إذ برز فيها علماء ورؤساء وسياسيون احتلوا مكانة مرموقة في الوسط الاجتماعي والديني والعلمي، ورأس هذه الأسرة هو السيد الميرزا محمد مهدي الموسوي الشهرستاني، الذي كان من مشاهير العلماء والفقهاء ومراجع التقليد في زمانه، وكان أحد المهادي الأربعة: (مهدي الشهرستاني ــ مهدي بحر العلوم ــ مهدي النراقي ــ مهدي الطوسي) الذين كانوا من أجلِّ وأشهر وأنبه تلامذة العالم الأصولي المؤسس الوحيد البهبهاني في كربلاء ...) (2)
وكان السيد محمد مهدي الموسوي الشهرستاني هذا هو أول من هاجر مع أسرته إلى كربلاء في أواسط القرن الثاني عشر الهجري، واستوطنها وتوفي فيها سنة 1216 هـ، وقبره بالحائر الشريف.
وتاريخ هذه الأسرة حافل بالمآثر والمنجزات فقد خرج منها أفذاذ العلماء الذين تصدروا منابر العلم والأدب منهم:
السيد الميرزا أبو القاسم بن الميرزا محمد مهدي الشهرستاني
السيد الميرزا محمد حسين بن الميرزا محمد مهدي الشهرستاني المعروف بآغا بزرك ــ سبط الوحيد البهبهاني ــ
السيد الميرزا محمد جعفر بن الميرزا محمد حسين الموسوي الشهرستاني المتوفى سنة 1260هـ
السيد الميرزا صالح الشهرستاني
السيد خليل بن السيد إبراهيم الشهرستاني.
في ظل هذه الإشراقات العلمية والأجواء الأدبية نشأ السيد صدر الدين الشهرستاني فحضر في صغره عند الكتاتيب ثم دخل المدرسة الرضوية التي كان يقام فيها الدروس الدينية.
ثم درس الشهرستاني على يد كبار علماء الحوزة العلمية الأفاضل في كربلاء فدرس البلاغة والمنطق والمعاني والبيان على يد الشيخ جعفر الرشتي، ودرس الفقه على يد الشيخ محمد الخطيب، والأدب على يد الشاعر الكبير عبد الحسين الحويزي، وتعلم الخطابة على يد خطيب كربلاء الشيخ محسن أبو الحب.
ثم اتسع نشاطه العلمي والأدبي من خلال خطبه ومحاضراته وشعره ونثره وكان ينشر قصائده ومقالاته في المجلات والدوريات الثقافية والأدبية كما كان يشارك بقصائده في المناسبات الدينية ومواليد ووفيات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وفي عام (1954) أسس (الهيأة العلوية) ثم أسس مجلة (رسالة الشرق) عام (1956) وفي عام (1962) أسس (الجمعية الخيرية الإسلامية). وللشهرستاني كتاب اسمه (التبرج).
وتعد مجلة (رسالة الشرق) التي أسسها الشهرستاني الرائدة في مجالها في كربلاء. يقول الدكتور علي حسين يوسف: (صدر العدد الأول من مجلة رسالة الشرق في 20 جمادي الثانية من عام 1373هـ. وتعد هذه المجلة من أوائل المجلات التي أولت الأدب العربي والأدب عموماً أهمية استثنائية إذ أن صاحب المجلة السيد صدر الدين الشهرستاني كان ذا ملكة أدبية جيدة فقد مارس الخطابة الدينية وكتابة الشعر وهو شخصية فذة متوقد الذهن بحسب ما يصفه معاصروه، وعلى الرغم من صغر حجم المجلة وتوقفها بعد سنة من صدورها إلّا أن أعدادها العشرة التي أصدرتها كانت حافلة بالموضوعات المنوعة في التاريخ والأدب والفوائد العلمية ...) (3)
ومن الجدير بالذكر والاهتمام أن هذه المجلة تمت طباعتها حديثاً بأبهى صورة ــ وبأجزائها العشرة ــ في مجلد واحد بإشراف الأستاذ إحسان خضير عباس مسؤول مركز إحياء التراث التابعة للعتبة الحسينية المقدسة الذي أولى طباعتها اهتماماً كبيراً حرصاً منه على حفظ التراث، والتراث الكربلائي بشكل خاص ونشره وهو جهد مبارك منه يستحق الإشادة والشكر.
وقال الأستاذ حسين الشاكري عن دور الشهرستاني في الخطابة ونشر الفكر الديني من خلال نشاطه المسموع والمقروء:
(تعلم الخطابة الحسينية عند أستاذه المعروف الشيخ محسن أبو الحب وغيره من رجالها ثم أصبح أحد أكفائها المعهودين، إضافة إلى مشاركته في النشر والتأليف من خلال المجلات والدوريات الثقافية والأدبية حتى إصداره مجلة (رسالة الشرق) في كربلاء المقدسة، وارتياده لمحافل الشعر ومنتدياته، وإدارته لمدرسة الإمام الصادق الأهلية، ثم انضوائه في سلك دورة رجال الدين التربوية التعليمية حيث عمل إثرها معلماً في المدارس الرسمية إضافة إلى استمراره على الخطابة الحسينية حيث له حضور حافل ومجالس حاشدة... اعتقل عام 1411 ه مع غيره من العلماء والخطباء إثر القضاء على الانتفاضة الشعبانية المباركة ولم يعلم خبره حتى هذا اليوم، له عدة مؤلفات أغلبها مخطوط ومنها ديوان شعر).(4)
ويقول عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (وذاع صيته في الخطابة حتى عد من الخطباء المفوهين الذين نذروا أنفسهم لخدمة المجالس الحسينية) (5)
ويقول عن شاعريته: (يمتلك السيد صدر الدين موهبة أصيلة وطبع رقيق وحس مرهف ووجدان ملتهب حافظ على مقومات الشعر العربي وأصوله ولم يخرج عن الشعر العربي الأصيل في بنائه وتركيبه ولغته). (6)
اعتقل السيد صدر الدين الشهرستاني في أعقاب الإنتفاضة الشعبانية المباركة (1991) التي اندلعت ضد حكم البعث الصدامي الكافر ولم تعلم أسرته بوفاته إلّا بعد سقوط النظام سنة (2003)
شعره
قال الشهرستاني في مولد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
وارفـعـوا رايــتَــكــمْ خــفــاقــةً فـلـكـمْ لا شـكَّ نــصـرٌ وغـلابُ
وقال من قصيدة تبلغ (52) بيتاً بمناسبة مولد إمام العدل والإنسانية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ألقيت في المهرجان السنوي الذي كان يقام في كربلاء بهذه المناسبة المباركة: