8 شهر ذي الحجة الحرام :ذكرى شهادة سفير الإمام الحسين مسلم بن عقيل
الثامن من شهر ذي الحجة الحرام ذكرى شهادة سفير الإمام الحسين السيد الجليل مسلم بن عقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه وكنيته ونسبه: السيّد الجليل أبو عبد الله، مسلم بن عقيل بن أبي طالب .
تاريخ ولادته : ولد سلام الله عليه عام 22 هجرية في المدينة المنوّرة على مشرفها صلوات الله عليه واله. أُمّه الجليلة السيّدة عليّة، وهي جارية، وزوجته السيّدة رقية بنت الإمام علي .
منزلته الاجتماعية وصفاته النبيلة: كان من أجلّة بني هاشم،متصفاً بصفات الكمال الإنساني فكان عاقلاً عالماً شجاعاً، وكان الإمام الحسين يلقّبه بثقتي، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة. ولشجاعته اختاره عمُّه أمير المؤمنين في حرب صفّين، ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين . وقد أخبر النبي بقتله وشهادته حيث قال الإمام علي لرسول الله ): «يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً»؟ قال: «أي والله إنّي لأحبّه حُبّين، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون». ثمّ بكى رسول الله حتّى جرت دموعه على صدره، وقال: «إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي».
إرسال الإمام الحسين مسلماً الى الكوفة: تميز مسلم بن عقيل عليه السلام بصفات أهلته ليكون سفير الإمام في الكوفة يهيّئ له الأجواء، وينقل له واقع الأحداث؛ ليستطيع أن يقرّر الموقف المناسب، فخرج من المدينة المنوّرة متوجّهاً إلى الكوفة في الخامس عشر من شهر رمضان العظيم عام 60 من الهجرة المباركة، ويصحبه قيس بن مسهر مع دليلان يدلّانه الطريق. فخرج حاملاً رسالة الإمام الحسين إلى أهل الكوفة، جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين، أمّا بعد: فإنّ هانياً وسعيداً قدما عليَّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، وأمرته أن يكتب اليَّ بحالكم ورأيكم، فإن كتب إليَّ أنّه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».
السيد الجليل مسلم في مدينة الكوفة: وصل الكوفة في الخامس من شهر شوال عام 60ﻫجرية، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وأقبلت الناس تختلف إليه، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة، قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين وهم يبكون، وبايعه الناس، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألف رجلٍ. فكتب مسلم كتاباً إلى الإمام الحسين ، جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وأنّ جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا، والسلام». وفي ذات الوقت راسل عملاء البلاط الأموي يزيد بن معاوية ـ لعنهما الله عزّ وجلّ ـ حول مجيء مسلم(عليه السلام) الى الكوفة والأحداث والتطورات من مبايعة الناس له، منها: «أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ينفّذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يستضعّف». وعلى إثر ذلك راسل يزيد واليه في البصرة عبيد الله بن زياد؛ يأمره بالذهاب إلى الكوفة ليسيطر على الوضع فيها، ويقف أمام مسلم وتحرّكاته. ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة، أخذ يتهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد، ويحيك المؤامرات ويدبر الخطط للقضاء على مسلم ونهضته المباركة. ومع تطور الاحداث وانقلاب بعض الكوفيين على اعقابه من مبايعة سيد الشهداء رأى مسلماً ان يخرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة ليستقرّ بها، ولكنّ جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه.
إعلان مسلم النهضة المباركة بوجه الطاغية الاموي: لمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم، أمر() أن ينادى في الناس: «يا منصور أمت»، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة. فلمّا رأى ابن زياد ذلك، دعا جماعة من رؤساء القبائل، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذلوا الناس عن مسلم، ويُعلموهم بوصول الجند من الشام. فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول: انصرف الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ؟! فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى مسلم وحيداً، ليس معه أحداً يدلّه على الطريق.
مسلم أمام بيت طوعة رضوان الله عليها: مضى في أزقّة الكوفة، حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها، فسلّم عليها وقال: يا أمة الله أسقيني ماءً، فسقته وجلس. فقالت: يا عبد الله، قم فاذهب إلى أهلك؟ فقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل، فهل لك في أجرٍ ومعروف ولعلّي أكافئك بعد اليوم؟ فقالت: ومن أنت؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، فأدخلته إلى دارها. وفي الصباح عرف ابن زياد مكان مسلم()، فأرسل جماعة لإلقاء القبض عليه، ولكنّ مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال وهو يقول: أقسمت لا أُقتل إلّا حرّا *** وإنّ رأيت الموت شيئاً نكرا كلّ امرءٍ يوماً ملاق شرّا *** أو يخلط البارد سخناً مرا ردّ شعاع النفس فاستقرا *** أخاف أن أكذب أو أغرا حتّى أُثخن بالجراحات، فألقوا عليه القبض وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد.
الثائر في مجلس الطاغية: أخذ ابن زياد يشتم مسلماً ويشتم الإمام الحسين وعلياً وعقيلاً ، ومسلم لا يكلّمه. ثمّ قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده. فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله، ومسلم يكبّر الله ويستغفره، ويصلّي على النبي وآله ويقول: «اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا». ثمّ أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقُتل، وجُرّت جثتاهما بحبلين في الأسواق. مرقده المطهر عليه السلام: دفن بجانب مسجد الكوفة المعظم ومزاره اليوم معروف مشهور يقصده المؤمنون من أصقاع الدنيا وظهرت منه كرامات كثيرة حتى عرف بأنه باب الحوائج. فسلام عليه يوم ولد ويوم نهض ويوم استشهد.