العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه) العباس - ابو الفضل - قمر العشيره - ساقي العطاشى - الكفيل - كفيل زينب - سبع القنطره - عليه السلام


سيرة العباس في ظل أخيه الإمام الحسين “عليهما السلام”

منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)


إضافة رد
قديم 28-03-2020, 07:53 PM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
سيد فاضل
 
الصورة الرمزية سيد فاضل

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
سيد فاضل غير متواجد حالياً

المنتدى : منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
افتراضي سيرة العباس في ظل أخيه الإمام الحسين “عليهما السلام”

سيرة العباس في ظل أخيه الإمام الحسين “عليهما السلام”

الاجتهاد: يدخل العَبّاس عليه السلام (الرابعة والعشرين) من سنيّ عمره في بداية إمامة أخيه السِبط أبي عَبْدالله الحسين عليه السلام ويعيش في ظلّه (عشر) سنوات. بقلم المحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


وهُنا أيضاً يَضَنّ التاريخُ بِالحديث عنه، وعن دورِهِ وأثرِهِ طيلةَ هذه المدّة، ولا بدَّ أن يكونَ كما كان في عهد الإمام الحسن عليه السلام مُطيعاً لإمامه، مُخلصاً له، كما هو شأن كلّ مؤمنٍ ؛ بلهَ العارف الواقف على الأُمور عن كَثَبٍ، كما كان العباس.

لكن الأحداثَ الّتي جرتْ في آخر أيّام الإمامة الحُسينية من (رجب سنة 60 ـ حتّى عاشوراء سنة 61 هـ) احتوتْ على مجرياتٍ مهمّةٍ كانَ للعبّاس فيها الدورُ الكبير، ممّا يكشفُ عن أبعادٍ واسعةٍ من سيرة العَبّاس عليه السلام ومواقفه الإيمانيّة والعمليّة وما كان عليه من إيمانٍ صلبٍ، وبصيرةٍ نافذةٍ، وعملٍ صالحٍ مُستميتٍ، وإخلاصٍ ووفاءٍ وشجاعةٍ.

ونستعرض هُنا أهمّ العناصر الّتي رصدناها التي تكشفُ عن مدى ما أدّاهُ عليه السلام في ظلّ الإمام عليه السلام وهو معهُ في مسيره العسير، وفي الزمن القصير، على أثر الحضور في مدرسة الإمام واستلهام المعرفة منه، فقد اتّفق الرجاليّون على أنّه عليه السلام روى الحديث الشريف عن أخيه الإمام عليه السلام:

رواية العبّاس عن الإمام الحسين عليه السلام:
قال الشيخ الطوسيّ في (تسمية من روى عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام) في «باب أصحاب الإمام أبي عَبْد الله الحُسين بن عليّ عليهما السلام» ما نصّه:

العَبّاسُ بنُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام قُتِلَ معهُ عليه السلام وهو السقّاء. قتله حُكيم ابن الطُفيل. أُمّهُ أُمُّ البَنِيْنَ بنت حرام (1) بن خالد بن ربيعة بن الوحيد، من بني عامر (2).

وقد كرّر هذا النصّ كلُّ من تأخّر عن الشيخ الطوسيّ من علماء رجال الحديث في كتبهم الكثيرة.

والكلام عن نصوص رواية العَبّاس عليه السلام عن أخيه الإمام الحُسين عليه السلام هو بعينه كما مرّ في روايته عن أبيه أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام يحمل على ذمّة البحث والتنقيب في كتب التراث، والحديثيّ منه خاصّة.

مع أنّ كثيراً من الحوار الواقع في النهضة الحسينية، والحديث عن المواقف الواقعة في السيرة الحسينيّة الّتي تناقلتها كُتُبُ المقاتل والتواريخ عن الإمام الحسين، يُمكن اعتبارُهُ من رواية العَبّاس عليه السلام نفسه لكونه من أقرب الناس إلى صاحبها الإمام الحسين عليه السلام.

ومهما يكن، فإنّ أهمّ ما يمكن عرضه من سيرة العَبّاس عليه السلام في عهد أخيه الإمام الحسين عليه السلام ممّا يدخل في عنوان (آثار المعرفة) هو ما يلي:

1 ـ خروجه مع الإمام عليه السلام:

كان العَبّاس عليه السلام في مَنْ رافق الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه من المدينة، وقد نصّ على ذلك خصوصاً، وعموماً في ذكر مَنْ خرجَ مَعَهُ من أهل البيت عليهم السلام.

قال الدينوري: فلمّا أمسوا واظلمَّ الليل مضى الحسين رضي الله عنه ـ أيضاً ـ نحو مكّة ومعه أُختاه أُمّ كلثوم وزينب، وولد أخيه، وإخوته أبو بكر، وجعفر، والعَبّاس، وعامّة من كان بالمدينة من أهل بيته عليهم السلام إلاّ أخاه محمّد ابن الحنفيّة فإنّه أقام (3).

وذكر الصدوق في من خرج مع الحسين عليه السلام فقال: ثمّ سارَ في أحد وعشرين رجلاً من أصحابه وأهل بيته، منهم أبو بكر بن عليّ، ومحمّد بن عليّ، وعثمان بن عليّ، والعَبّاس بن عليّ، وعَبْد الله بن مسلم بن عقيل، وعليّ بن الحسين الأكبر، وعليّ بن الحسين الأصغر (4).

وقال الشيخ المفيد: فخرج عليه السلام من تحت ليلته ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيتا من رجب ـ متوجّهين نحو مكّة، ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه، وجلّ أهل بيته، إلاّ محمّد ابن الحنفية (5).

إنّ الخروج مع الإمام الحسين عليه السلام والتزام ركبه المقدّس في مثل هذه السفرة الّتي هي هجرة مقدّسة، في ظلّ إمام عصره، يعتبر من مفاخر العَبّاس عليه السلام، ولا بُدّ أن يكون عمله نابعاً عن عزمٍ وإرادة بعيدة عن مجرّد العواطف البشرية أو الرغبات والنزوات الدنيوية، ويشهد لكلّ هذا ما صدر منه من المواقف المشرّفة على أرض المعركة في كربلاء.
فهذا الخروج مع الحسين عليه السلام شارة مجدٍ وكرامةٍ للعبّاس عليه السلام في سيرته المُثْلى.

2 ـ الانقياد والطاعة:

إنّ العَبّاس عليه السلام وهو في ركب الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكّة، ثمّ من مكّة إلى كربلاء، ثمّ يقوم في كربلاء ذلك المقام المشرِّف، لم يسمع عنه ما يدلّ على التقاعد عن طاعة إمامه، على طول المسير، ولا التقاعس عن تلبية ندائه واستجابة طلباته.

ثمّ حضوره في المعركة وأيّامها الحرجة إلى جانب الحسين، وقائماً برسم أوامره وخدمته، حتّى الشهادة في سبيله، فكلّ ذلك دليلٌ على الانقياد المُطلق، والطاعة المُطلقة له.

ثمّ المشاهد المنقولة في سيرته أيّام كربلاء كلّها تُنادي بهذه الحقيقة، حيث اختاره الإمامُ عليه السلام للقيام بأصعب المُهمّات وأخطرها، وقد أدّاها العبّاسُ أفضل أداءٍ.

3 ـ الوفاء:

إذا كان الوفاء هو: ملازمة طريق المواساة ومعاهدة عهود الخلطاء (6) فإنّ العَبّاس عليه السلام قد طبّق ذلك حرفيّاً، وبأفضل ما يمكن من التطبيق.

وسنعرفُ على عدد الفُرَص الّتي أُتيحتْ لهُ للخُروج من المعركة، ولكنّه عليه السلام وقف منها موقفَ الرفض، بل كان فيها يعلنُ عن التزامه بواجب الحفاظ على الحسين سيّده وإمامه قبل وبعد أن يكون أخاه وابن أبيه.

وبذلك كانت الأُسرة الحسينيّة من رجال ونساء وأطفال تستقرّ وتركن إلى الطمأنينة ما دام العَبّاسُ لا زال على العهد، والوفاء والمواساة. وهكذا كان «الوفاءُ» من الأوصاف الّتي لهجتْ به نصوصُ زياراته الّتي سنتلوها في الملاحق.

4 ـ اعتماد الحسين عليه السلام عليه في المهمّات:

تقرأ في السيرة الحسينية، وفي ساحة كربلاء بالخصوص ـ منذ ورود الإمام عليه السلام وحتّى مقتل جميع الشهداء، وانفراد العَبّاس بالمثول بين يديه ـ مواقع حسّاسة كان الإمام عليه السلام يدعو العّبّاس فيها بالقيام بالمهمّات اللازمة والخاصّة، فشأنه في ذلك هو شأن الوزير المعتمَد.

ولا ريب أنّ مثل ذلك الإمام عليه السلام على خصوص العَبّاس دون من حولَه من أبنائه وأصحابه الكثيرين، والكبار عُمراً، لهوَ الدليلُ على تقدّم العَبّاس عنده عليه السلام واللياقة لهذا المقام الرفيع.

5 ـ اصطحابه في الجلسات الخاصّة:

ومن تلك المواقف: أنّ الإمام عليه السلام إتماماً للحجّة على الأعداء، وعلى أمير جيش الكوفة، صمّم قبل احتدام المعركة وشدّة الأزمة على اللقاء بعمر بن سعد، فاصطحب إلى محلّ الاجتماع أخاه العَبّاسَ وابنَه عليّاً الشهيد (7) ولمّا التقيا أمر الحُسين أصحابه، فتنحُوا عنه وبقي معه أخوه العَبّاس وابنُه عليّ الأكبر (8).

وقد حدّد المؤرّخون ذلك قبل اليوم السابع من المحرّم، أي قبل منع الماء عن الحسين عليه السلام وأصحابه. وفي تنحية الأصحاب وبقاء العَبّاس معه دلالةٌ واضحةٌ على العناية الخاصّة الّتي عنونّاها هُنا.

6 ـ القيام بِشُؤون الأسرة:

إنّ من أهمّ جوانب السيرة الحسينيّة هو وجود الأُسرة الشريفة العلويّة الحسينيّة الفاطميّة، مع الحسين عليه السلام في ساحة الوغى، فمن أصعب الأثقال على قلب البطل المقدام الغيور، وجود مجموعةٍ من النساء والأطفال في مثل موقف كربلاء، وفي ساحة الحرب بحيث تتطلّع الأسرةُ إلى ما يُقال، وتنظر إلى ما يقعُ من مشاهد صغيرةٍ وكبيرةٍ، فذلك أثقلُ على قلب صاحب المعركة الّذي يُواجه العدوّ، وهو ممّا يكبّل يديه، ويزيد من تقيُّده، ويمنعُه من الانطلاق نحو عدوّه، وهذا أمرٌ واضحٌ لمن يتأمّل مثل ذلك الموقف.

وكان هذا أمراً واقعاً على قلب الحسين عليه السلام ويستقطب مساحة كبيرة من اهتمامه، وهو القائدُ لمعركةٍ مصيريّة إلهيّة كانت على عاتقه، لأنّ الإسلام ـ بكلّه ـ ينتظر نتائجها. فنقرأ في السيرة: لمّا دنا القومُ من الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ؛ خطبَ خطبته الأُولى ـ ذلك اليوم ـ وقال فيها:

«أيّها الناسُ، اسمعوا قولي، ولا تعجلوني، حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليَّ، وحتّى أعتذرَ إليكم من مقدمي إليكم، فإنْ قبلتُم عُذري وصدّقتُم قولي وأعطيتُموني النَصَفَ كُنتُم بذلك أسْعَدَ، ولم يكن لكم عليَّ سبيلٌ، وإنْ لم تقبلُوا منّي العُذرَ، ولم تُعطوا النَصَفَ من أنفسكم: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ) يونس 81 (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) الأعراف: 196».

فلمّا سمعنَ أخواتُه كلامه هذا ـ وهو لم يُتمّ بعدُ خطبته ـ صِحْنَ وبكينَ، وبكتْ بناتُه، فارتفعت أصواتهنّ! فلمّا بلغهُ بُكاؤهنَّ وأصواتُهنَّ: أرسلَ إليهنّ أخاهُ العَبّاسَ بن عليّ، وعليّاً ابنه، وقال لهما: أَسْكِتاهُنَّ، فلَعَمْري لَيَكْثُرنَّ بُكاؤُهنَّ (9).

إنّه لمن أصعب المواقف وأكثرها حساسيّةً، أنْ يقع مثل هذا لشخصٍ عظيمٍ مثل الإمام عليه السلام وفي موقفٍ خطيرٍ مثل هذا، حيثُ هو في خطابٍ مهمٍّ، يُتمّ فيه الحُجّة على الأعداء، وإنّه لممّا يُوهن عزمَ صاحب الموقف ويفُتّ في عضد الخطيب!

ولكنَّ الحسين عليه السلام وقيامه ومجريات عاشوراء كلّها أُمورٌ خارقةٌ للعادة، وقد تمكّن الإمام عليه السلام أن يُحقّقَ أهدافه، ويُعلنَ مظلوميّته حتّى في هذا الجانب الفريدِ في نوعه في تاريخ الإسلام وبعد انتشار الرسالة، بل هذا الأمر إنّما هو جزءٌ من مكوّنات عظمة الحركة الحسينيّة وركائزها العميقة لإحياء الإسلام الّذي أماته الخلفاء بتدابيرهم المُعادية، وقد بلغ تنفيذه على يد معاوية أبلغ مداه، وانتهى بمثل هذا الموقف الرهيب الفجيع على يد ابنه يزيد.

والحسين عليه السلام لم يخضع للضغوط العسكريّة ولا النفسيّة وإنّما استمرَّ على ما أُمرَ به، فأخذ أسرتَه معه، ولمّا التَمَسَهُ ابن عبّاس أن لا يُخرجهنَّ معه، قال الإمام في جوابه: «شاءَ اللهُ أن يراهُنَّ سبايا».

إنّه الإمام عليه السلام الّذي يسير وفق المشيئة الإلهيّة، فلا يمنعه شيءٌ عن الاستمرار في تحقيق أهدافه.
لكنّ الإمام عليه السلام استعان بالعَبّاس وابنه عليّ، ليُسْكتا الأُسرةَ، فإنّ الرسالة الّتي أخذهنَّ معه لأجلها، يتوقّف تبليغها، وستُبَلَّغُ بعد عاشوراء، بإعلانِهِنَّ عن ظُلامة أهل البيت ومظلوميّة الحُسين بخاصّة.

وهذه المهمّةُ الداخليّة لم يكن ليؤدِّيَ وظيفَتَها غيرُ من هو من محارم الأُسرة، فلم يكن غير العَبّاس وعليّ.
وأمّا الحُسين عليه السلام فكانت عليه المهمّة الاكبر، وهي إتمام الحجّة في خطبته، فلمّا سكتن، استمرّ في خطبته العظيمة تلك (10).
ويعرف الملاحظُ ما في مثل هذه المهمّة الّتي قام بها العَبّاس من الصعوبة، كما فيها من الحرج والقلق ما هو معلوم.

7 ـ رسولُ الإمام عليه السلام إلى القوم:

قال الشيخُ المُفيدُ: ونهضَ عمرُ بن سعد إلى الحُسين عشيّة الخميس لِتسعٍ مضينَ من المُحرّم، …، ثمّ نادى: يا خيلَ الله اركبي، وأبشري …!.

فركبَ الناسُ، ثمّ زحف نحوَهم بعدَ العصر، وحسينٌ جالسٌ أمامَ بيته، مُحْتَبٍ بسيفِهِ، إذْ خفقَ برأسهِ، وسمعتْ أُختُه الصَيحَةَ، فَدَنَتْ من أخيها فقالتْ: يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت!؟
وقال لهُ العَبّاسُ بن علي رحمة الله عليه: يا أخي، أتاك القومُ!

فنهضَ وقال َ:
«يا عبّاسُ، اركبْ ـ بِنَفسي أَنْتَ يا أخي ـ حتّى تلقاهُم، وتقول لهم: ما لَكُمْ؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟».
فأتاهُمُ العَبّاسُ في نحوٍ من عشرين فارساً، منهم زُهير بن القَيْن، وحبيبُ بن مُظاهِر. فقال لهم العَبّاسُ: ما بدا لكم؟ وما تُريدون!؟
قالوا: جاءَ أمرُ الأمير أنْ نعرضَ عليكم أنْ تنزِلُوا على حُكمه، أو نُناجِزكم!
قال: فلا تعجلُوا، حتّى أرجعَ إلى أبي عَبْد الله، فأعرضَ عليه ما ذكرتُم.

فوقفوا وقالوا: إلقَهْ وأَعْلِمْهُ، ثُمَّ الْقِنا بِما يقولُ لك.
فانصرفَ العَبّاسُ راجعاً يركُضُ إلى الحُسين عليه السلام يُخبرُهُ الخَبَرَ، ووقفَ أصحابُه يُخاطِبُون القومَ ويَعِظُونَهم ويَكُفّونَهُم عن قتال الحسين.
فجاء العَبّاسُ إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما قال القوم. فقال:
«ارجعْ إليهم، فإن استطعتَ أنْ تُؤخّرَهُم إلى الغُدْوة، وتدفَعَهم عَنّا العشيّةَ، لَعَلّنا نُصلّي لِربّنا الليلةَ وندعُوَه ونستغفِرَهُ، فهوَ يعلمُ أنّي قد أُحبُّ الصلاةَ لهُ وتلاوَةَ كِتابه والدُعاءَ والاستغفارَ».

فمضى العَبّاسُ إلى القوم (11) وقال الطبري: فعاد العَبّاس يُركض فرسه حتّى انتهى إليهم فقال لهم:
يا هؤلاء، إنّ أبا عَبْد اللله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر، فإنّ هذا أمر لم يجرِ بينكم وبينه فيه منطق (12).
ورجع من عندهم ومعه رسولٌ من عمر بن سعد يقول:
إنّا قد أجّلناكم إلى غدٍ، فإن استسلمتم سرّحناكم إلى أميرنا عُبَيْد الله بن زياد، وإنْ أبيتُم فَلَسنا بِتاركيكم.
وانصرفَ.

إنّ اختيار العَبّاس لهذه المهمّة الخطيرة، فيه الدلالةُ الكبيرةُ على الاعتماد والركون، لما هو معلومٌ من شأن الرسول أن يكون من أفاضل الأصحاب وأعقلهم وأوفاهم، ومهما كان الرسولُ أقربَ نَسَباً إلى المُرْسِل كانَ لهُ ولرسالتهِ الوقعُ الأقوى والأتمّ في الثِقة، وتحقيق المقصود.

وما نقل عن العَبّاس من الكلام مع جيش الكوفة، حيثُ عبّر عن أخيه مهما ذكره بأبي عَبْد الله، بالكُنية الّتي إنّما تستعمل في الثقافة العربيّة وعرف العرب للتعظيم والتكريم فيه ـ في ذلك الموقف ـ دلالةٌ على مُنتهى رعاية العَبّاس عليه السلام للآداب مع أخيه وسيّده وإمامه، وهذا في تلك الظروف يكشفُ عن ثُبوت هذه الرعاية في ضمي العَبّاس لا يغفل عنها رغم الظروف تلك.

8 ـ الاستنجادُ به لإنقاذ الأصحاب:

وفي يوم عاشوراء لمّا نَشَبَت الحربُ، تقدّم أربعةٌ من أصحاب الحسين عليه السلام من الّذين التحقوا بركب الحسين من الكوفة، لمّا كان محاصَراً من قبل الحرّ بن يزيد الرِياحي في كربلاء، ففي وقت الحرب شدّ هؤلاء ـ وهم جابر بن الحارث السلمانيّ، ومجمّع بن عَبْد الله العائذيّ، وعمرو بن خالد الصيداويّ الأسديّ، وسعد مولى عمرو ـ فشدّوا على عسكر ابن سعد بأسيافهم، وأوغلُوا فيهم، فعطفَ عليهم العسكرُ حتّى قطعوهم عن أصحاب الحسين (13).

فَنَدَبَ الإمامُ عليه السلام لهم أخاهُ العَبّاسَ، فحملَ على القوم وَحْدَهُ، فضربَ فيهم بسيفه حتّى فرّقهم، وخَلَصَ إليهم، فسلّموا عليه، (فاستنقذَهم وقد جُرِحُوا) (14) فأتى بهم لكنّهم عاوَدُوا القتالَ وهو يدفعُ عنهم، حتّى قُتِلُوا في مكانٍ واحدٍ.
فعادَ العَبّاسُ إلى أخيه وأخبرهُ خَبَرَهم (15).
إنّ انتخابَ العبّاس لهذِهِ المهمّةِ وقيامَه وحدَهُ بِها، إنّما يَنُمُّ عن الاعتماد الكامل بهمّتِه وشجاعتِه وقدرتِه عليها.

أبا الفضل العباس

9 ـ حمل الراية:

إنّ للراية شأناً في الحروب، لأنّها شارة الجيش، وقيامها دليل على استقامته واستمرار نضاله، ولذلك فإنّما تُوضع في يَدِ مَنْ ينوءُ بحملها من أُولي الأيْدِ والقُوّة والنجدة والشهامة والإقدام والحميّة.
ولم يجد الحُسين عليه السلام في مَن حوله أولى من أخيه العَبّاس مَنْ يستحِقُّ حملَها ؛ فلمّا قام عليه السلام بتعبئة جيشه «أعطى رايتَهُ العَبّاسَ بن عليّ أخاهُ» (16). ولذلك لُقِّبَ العَبّاسُ عليه السلام بـ «صاحب الراية» و«صاحب اللواء» (17).

10 ـ بعثه لطلب الماء:

لعلّ من أهمّ الحوادث وأمضّها أَلَمَاً وفجيعةً في وقعة الطفّ المؤلمة هو قضيّة العَطَش وقد منع جيش الكوفة الماءَ عن الحُسين وأهله وأصحابه عليهم السلام وبينهم الشيوخُ والنساء، والصغار والرُضّع والمُرضِعات، حتّى تلظّوا من العَطَش في لظى هجير ذلك الوادي، وفي حرّ أيّام ذلك الفصل الحارق المُلتهبة، وفي حصار الفزع والخوف، وحيث كان الماء يُساوي الحياة الّتي جعلها الله في الماء لكلّ شيء حيّ.

فاختيار العَبّاس عليه السلام لِطَلَب الماء، والجيش الأموي قد شدّد المنع من الورود، دليل على مقامه الرفيع عند الحسين عليه السلام وقد قام العَبّاس عليه السلام بهذا الواجب الإنسانيّ والإلهيّ، فسمّي «السقّاء» و«أبا قربة» (18).

وأخيراً:

فإنّ قيام العَبّاس عليه السلام بأداء هذه المُهمّات الصعبة، بأفضل ما حصل، فيه الدلالةُ الواضحةُ على الكفاية الكاملة لديه، مع ما تقتضيه من خاصيّات الشجاعة للإقدام على مخاطرها، حيث لا يُقدمُ على مثلها سوى الأفذاذ من الرجال. وكذلك الطاعة المُطلقة الّتي لا توجد إلاّ عند الأوحدي من المخلصين بل كُمّليهم. والوفاء والنصيحة الّتي قلّ أن تحصل عند أحدٍ من غير المؤمنين الصُلْبي الإيمان، والنافذي البصيرة.

ولاجتماع هذه كلّها عند العَبّاس عليه السلام كان الحقّ في أن يَختاره الإمام الحسين عليه السلام للاعتماد عليه والركون إليه.
فهذه شارةٌ كبيرةٌ في سجلّ مكارم أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام.
كما ظلّ الأئمّة المعصومون عليهم السلام يكرّرون ذكرها ويُعلنونها ويتلونها في ما يَتْلُونَ من زيارات أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام.

ولقد انتشر الذكرُ الخالدُ للعبّاس عليه السلام في ضمير المسلمين كافّة، وفي تراثهم، ومنهم الطائفة الزيديّة، فنجدُ عندهم ـ وعلى مدى القُرون من تاريخهم المجيد ـ للعبّاس عليه السلام وُجوداً مُستمرّاً بالأُسَر العلويّة الشريفة من ذرّيته العبّاسيّة الكريمة، وفيهم من الأعلام عددٌ كبيرٌ، سنذكرهم في الملحق الثاني الخاصّ بذريّته.

كما أنّ أئمّتهم قَدَّسوا العبّاسَ عليه السلام فهذا المنصور بالله، عبد الله بن حمزة (ت 610 هـ) أنشأ للعبّاس عليه السلام زيارةً خاصّةً ملؤُها الثناءُ العاطر، والإشادةُ بالأمجاد الأثيلة، والمآثر العظيمة الّتي ازدانَ بها الشهيدُ أبو الفضل عليه السلام سنوردها في عنوان: «زياراته عليه السلام».



الهوامش

(1) التزمنا في ضبط هذه الكلمة على ما اختاره الحجّة السيّد الشبيري الزنجاني في تعليقه على رجال الطوسي، كما ذكرنا ذلك في عنوان والدة العَبّاس عليه السلام في هذا الكتاب.
(2) رجال الطوسي (بعد الرقم 598) من النسخة المخطوطة الّتي كتبها الحجّة المحقّق الشبيري الزنجانيّ دام ظلّه.
(3) الأخبار الطوال (ص 228).
(4) أمالي الصدوق (ص 217) المجلس الثلاثون / الحديث رقم (239) وعنه البحار (44 / 2 ـ 313).
(5) الإرشاد للمفيد (2 / 32).
(6) التعريفات للجرجاني (ص 174).
(7) الفتوح لابن أعثم الكوفي (5 / 4 ـ 166) ومقتل الخوارزمي (1 / 247).
(8) الخوارزمي مقتل الحسين عليه السلام (1 / 245).
(9) تاريخ الطبري: (5 / 424).
(10) تاريخ الطبري (5 / 424 ـ 426) وانظر الكامل لابن الأثير (4 / 61).
(11) الإرشاد للشيخ المفيد (2 / 89 ـ 91) وفيه: فركب العبّاس في إخوته رضي الله عنهم ومعه أيضاً عشرة فوارس حتّى دنا من القوم. ومقتل الخوارزمي (1 / 4 ـ 354) والفتوح لابن الأعثم (5 / 176).
(12) تاريخ الطبري (5 / 417).
(13) تاريخ الطبري (5 / 446).
(14) هذه الجملة وردت في رواية الكامل لابن الأثير (4 / 74).
(15) تاريخ الطبري (5 / 446).
(16) تاريخ الطبري (5 / 422) وأنساب الأشراف (3 / 187).
(17) وقد مضى في بحث (ألقابه عليه السلام) ما يتعلّق بذلك.

(18) كما شرحنا في «ألقابه عليه السلام» وذكرنا مواقفه العديدة، وفصّلناها في الباب الثالث من هذا الكتاب.



المصدر: كتاب: العباس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته للمحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي












توقيع : سيد فاضل

عرض البوم صور سيد فاضل   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2020, 08:31 PM   المشاركة رقم: 2
معلومات العضو
محـب الحسين
 
الصورة الرمزية محـب الحسين

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
محـب الحسين غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : سيد فاضل المنتدى : منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
افتراضي

سلام الله عليهما
أحسنت اخي العزيز












توقيع : محـب الحسين

عرض البوم صور محـب الحسين   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2020, 09:35 PM   المشاركة رقم: 3
معلومات العضو
عاشقة ام الحسنين

مراقـــبة عـــــامة

 
الصورة الرمزية عاشقة ام الحسنين

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
عاشقة ام الحسنين غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : سيد فاضل المنتدى : منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
افتراضي

اللهم صل على محمد وآل ومحمد وعجل فرجهم ياكريم
مجهود رائع
جزاك الله خير












توقيع : عاشقة ام الحسنين

عرض البوم صور عاشقة ام الحسنين   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2020, 10:02 PM   المشاركة رقم: 4
معلومات العضو
سيد فاضل
 
الصورة الرمزية سيد فاضل

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
سيد فاضل غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : سيد فاضل المنتدى : منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
افتراضي

سلمكم الله












توقيع : سيد فاضل

عرض البوم صور سيد فاضل   رد مع اقتباس
قديم 05-04-2020, 10:17 AM   المشاركة رقم: 5
معلومات العضو
صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

 
الصورة الرمزية صدى المهدي

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صدى المهدي غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : سيد فاضل المنتدى : منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
افتراضي


اللهم صل على محمد وال محمد
احسنتم
بارك الله بكم
شكرا لكم كثيرا












عرض البوم صور صدى المهدي   رد مع اقتباس
قديم 05-04-2020, 04:00 PM   المشاركة رقم: 6
معلومات العضو
سيد فاضل
 
الصورة الرمزية سيد فاضل

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
سيد فاضل غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : سيد فاضل المنتدى : منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه)
افتراضي

سلمكم الله












توقيع : سيد فاضل

عرض البوم صور سيد فاضل   رد مع اقتباس
إضافة رد


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
زيارة أبي الفضل العباس المروية عن الإمام الصادق عليهما السلام سيد فاضل منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه) 4 01-10-2019 12:21 PM
العباس بن الإمام علي (عليهما السلام). خادم العباس 313 منتدى أبو الفضل العباس (سلام الله عليه) 2 22-04-2019 09:45 AM
العباس بن الإمام أمير المؤمنين عليهما السلام العلوية ام موسى الاعرجي المنتدى الاسلامي العام 1 01-07-2016 03:51 PM
المسافة بين الصفا والمروة هي نفس المسافة بين ضريح الإمام الحسين و أخيه العباس (ع) ؟ شموخ أمبراطورة منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 3 24-06-2013 06:23 PM
ولادة العباس بن الإمام علي ( عليهما السلام ) محـب الحسين منتدى أهل البيت (عليهم السلام) 11 29-07-2009 02:46 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين