08-02-2020, 07:36 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المنتدى :
منتدى أهل البيت (عليهم السلام)
|
ألقابُ الإمامِ عليِّ بن الحسين (عليه السلام) المتعلِّقة بالسجود دراسةٌ لغويَّةٌ تاريخيَّةٌ
يُعدُّ الإمامُ عليُّ بن الحسين (عليه السلام) مدرسةً خالدةً في معرفةِ طُرُقِ الوصولِ إلى عبادةِ اللهِ سُبحانَهُ وتعالى، فهو أنموذجٌ للعبدِ الصالحِ، والمؤمنِ الحق، لذا لا غرابةَ في أن يُلقَّبَ بـ(زينِ العابدين، وسيد الساجدين، والخاشع، والمتهجّد، والزاهد، والعابد، والسَّجَّاد، وذي الثفنات، وغير ذلك)، فهي ألقابٌ تعبُّديَّةٌ، لم يُلقَّب بها أحدٌ قبله، ولا بعده . وقد ارتبطت معظمُ الألقابِ المذكورةِ آنفًا بالسلوك العبادي للإمامِ عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ولا سيَّما سجودُهُ، إذ عُرِفَ عنه كثرةُ السجود حتى لُقِّبَ بالسَّجاد، وسيِّد الساجدين، من هنا شرعتُ بجمع ألقابه التي ارتبطت بالسجود، وقسمتها على مبحثين، سبقهما تمهيدٌ تناولتُ فيه عبادةَ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وأثرها في تعدد ألقابه. أمَّا المبحثُ الأولُ، فقد جاء بعنوان: (ألقاب السجود المركبة)، الذي تضمن ألقاب: "ذي الثفنات، وزين العابدين، وسيد الساجدين أو العابدين". في حين جاء المبحث الثاني بعنوان: (ألقاب السجود المفردة)، وتضمن ألقاب: "السجاد، الزاهد، الخالص". فكانت دراستي لهذه الألقاب دراسة لغوية تاريخية، معتمدًا على جملة من المصادر اللغوية والتاريخية، للوقوف عند الدلالة القطعية لكل لقب. وقد ختمتُ البحث بخلاصة بينت فيها أهم ما جاء في البحث. وأخيرًا أسألُ اللهَ أن أكون قد وفقت في ما عرضتُ له، فهو الموفق لكلِّ خير. التمهيد: عبادة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وأثرها في تعدد ألقابه الإمامُ زينُ العابدين عليُّ بن الحسين (عليه السلام) هو الإمامُ الرابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهب اللهُ عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا، لذا لا غرابةَ في أن يكونَ مِثالًا في التَّعَبُّدِ؛ إذ أُخذتْ ألقابُهُ من عبادتِهِ، فصار يُعرفُ بها، فمن زين العابدين إلى سيد الساجدين، وسيد العابدين، والسجاد، وذي الثفنات، وغير ذلك، قال عبد العزيز سيد الأهل: ولمَّا لم يصبح في الأرض مثله في العبادة والزهد، سمَّاه النَّاس (زين العابدين)، وحين رأوه لا يقوم من سجوده إلّا إلى سجود سمَّوه (السَّجاد)، وحين ارتفعت علامات السجود في جبهته سمَّوه (ذا الثفنات)([1]) . ومن هنا تعددت ألقابُهُ (عليه السلام) حتى صار يُعرفُ بها، دون سواها، ومن الأخبار المأثورة التي تناقلها المؤرخون في عبادته وتقواه ما يأتي:
وسنتناولُ دلالةَ ألقابِهِ (عليه السلام) المتعلِّقة بالسجود - كما عُرِفَ بها عند المؤرخين - من جهتين، أولاهما: الدلالة اللغوية، وثانيهما: الدلالة التاريخية، وعلى النَّحو الآتي: أولًا: ألقابُ السجود المركَّبة: يشتملُ الحديثُ في هذا المبحث على الألقاب المتلازمة من حيث التركيب، وهو في الغالب يكونُ تركيبًا إضافيًّا؛ والتركيبُ هو "جعلُ الكلمتين كلمة واحدة، وقد يقعُ بين فعلٍ واسم، وبين اسمين، أو حرفين، أو بين حرفٍ وفعل"([9])؛ لذا سنقفُ من جهة الدلالة اللغوية عند السمات التركيبية لهذه الألقاب من تعريفٍ وتنكيرٍ، وإفرادٍ وتثنيةٍ وجمع، وتأنيثٍ وتذكير، وضبطٍ إعرابيٍّ، وجمودٍ واشتقاقٍ، يُزادُ على ذلك دراسة الدلالة التاريخية لهذه الألقاب المركبة وعلى النحو الآتي: (1)-(ذُو الثَّفَنَات): يُعدُّ لقبُ (ذي الثفنات) من الألقاب المشهورة للإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد ذكره عددٌ من المؤرخين، واللغويين، والمفسرين، فضلًا عن الشعراء في مواقفَ مختلفة، وقبل الشروع في ذكر هذه المواقف نذكر معنى (الثفنات) في لغة العرب . فالثفناتُ لفظٌ مشتقٌّ من الفعل (ثَفَنَ)، ومفردُهُ: (ثَفِنَةٌ)، و"الثَّفِنَةُ: واحدة ثَفِناتِ البعير، وهي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ وغَلُظ، كالركبتين وغيرهما"([10])، والفعلُ (ثَفَنَ) معناه: "مُلَازَمَةُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ. قَالَ الْخَلِيلُ: ثَفِنَاتُ الْبَعِيرِ: مَا أَصَابَ الْأَرْضَ مِنْ أَعْضَائِهِ فَغَلُظَ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا"([11]). ويفهمُ من معنى الفعل وهو ملازمةُ الشيءِ الشيءَ أنَّ هذه الملازمةَ يترتَّبُ عليها ظهور ما يسمى بـ(الثفنة)، وهو ما يؤكِّدُ سبب إطلاقِ هذا اللقب على الإمامِ عليٍّ بن الحُسين (عليه السلام)؛ إذ إنَّ كَثْرَةَ ملازمتِهِ الأرض للصلاة، أدَّى إلى ظهورِ هذه الثفنات التي تشبه ثفنات البعير من هذه الجهة. وهذه المشابهةُ ذكرها اللغويون، وصرَّحوا باسم الإمام (عليه السلام)، وإن ذكروا معه أشخاصًا أُخَر، قال أبو منصور الثعالبي (ت429هـ): "كَانَ يُقَال لكل من علي بن الْحُسَيْن بن علي وعَلي بن عبد الله بن الْعَبَّاس ذُو الثفنات لما على أعضاء السُّجُود مِنْهُمَا من السجادات الشبيهة بثفنات الْإِبِل وَذَلِكَ لِكَثْرَة صلاتهما"([12])، وقال الفيروز آبادي (ت817ه): "وذُو الثَّفِناتِ: علِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، وقيل: هو عَلِيُّ بنُ عبدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ، وكانَتْ له خمسُ مئةِ أصلِ زَيتونٍ، يُصَلِّي عند كُلِّ أصْلٍ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ يومٍ، وعبدُ اللهِ بنُ وهْبٍ رَئيسُ الخوارِجِ؛ لأَنَّ طولَ السُّجودِ أثَّرَ في ثَفِناتِه"([13]). وقال الزَّبيدي (ت1205ه): "(ذُو الثَّفِناتِ) هُوَ لَقَبُ [أبي]([14]) محمدٍ (عليُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عليَ) المَعْروف بزَيْنِ العَابِدِيْن والسَّجَّاد، لُقِّبَ بذلِكَ؛ لأَنَّ مَساجدَهُ كانَتْ كثَفِنَةِ البَعيرِ مِن كثْرَةِ صَلاتِه، رضِيَ اللَّهُ تعالَى عَنهُ"([15]) . ويبدو أنَّ هذا اللقب اشتُهرَ للإمام (عليه السلام) أكثر من غيره؛ وذلك لتقدُّمِ اسمه على غيره ممَّن ذكره اللغويون والمفسرون والمؤرخون([16])، فضلًا عن شهرة الإمام بألقابٍ مرادفةٍ لمعنى هذا اللقب كـ(السَّجاد)، و(سيَّد السَّاجدين)، و(زين العابدين) . ولو ألقينا نظرةً على تركيبِ (ذي الثَّفناتِ) نحويًّا، لوجدناهُ يتألَّفُ من مضافٍ، ومضافٍ إليه، ففالمضاف (ذي) هو من الأسماء الستة، التي تُلازمُ الإضافةَ، وتُعربُ بالحروف([17]). ويُضاف إلى اسم ظاهر، ولا يُضافُ إلّا إلى اسمِ جنسٍ ظاهر غير وصف([18])، نحو قوله سبحانه وتعالى: ï´؟وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِï´¾ [سورة البقرة/ من الآية ظ،ظ*ظ¥]، وفروعه هي: (ذوا وذوات وذات وذوات)، وتلحق بها (أولو وأولات)([19])، واختُلِفَ في بناء (ذو)، قال المرادي: "مذهب سيبويه أن "ذو" بمعنى صاحب وزنها فَعَلَ بالتحريك، ولامها ياء، ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة. وقال ابن كيسان: محتمل للوجهين جميعا"([20]). أمَّا المفسرون، فكان لقبُ (ذي الثفنات) شاهدًا لهم في تفسيرِ قولِهِ تعالى: ï´؟ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِï´¾ [سورة الفتح/ من الآية ظ¢ظ©]؛ قال الزمخشري (ت538ه): "والسيمياء، والمراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود، وقوله تعالى: (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يفسرها، أي: من التأثير الذي يؤثره السجود، وكان كل من العليين: علي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك، يقال له: ذو الثفنات؛ لأنَّ كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير. وقرئ: من أثر السجود، ومن آثار السجود، وكذا عن سعيد ابن جبير: هي السمة في الوجه"([21]). وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "هو السهر في الصلاة"([22]). وقال الفرَّاء (ت207ه): " وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ. وهي الصفرة من السهر بالليل"([23]). ونقل أبو حيَّان (ت745ه) أقوالًا مختلفةً في معنى (سيماهم)، منها قولُهُ: "قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: كَانَتْ جِبَاهُهُمْ مُنِيرَةً مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ فِي التُّرَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَخَالِدٌ الْحَنَفِيُّ، وَعَطِيَّةُ: وَعْدٌ لَهُمْ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: السَّمْتُ: الْحُسْنُ وَخُشُوعٌ يَبْدُو عَلَى الْوَجْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَطِيَّةَ: بَيَاضٌ وَصُفْرَةٌ وَبَهِيجٌ يَعْتَرِي الْوَجْهَ مِنَ السَّهَرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: حُسْنٌ يَعْتَرِي وُجُوهَ الْمُصَلِّينَ"([24]). ويُلاحظُ أنَّ المعاني المذكورة في هذه الآية توافقُ – جميعها – السيرةَ الحسَنَةَ التي عُرِفَ بها الإمامُ عليُّ بن الحسين (عليه السلام)؛ إذ كان "أفضلَ أهلِ زمانه، وأحسنهم طاعة"([25]) ، وقال عنه ابن حجر العسقلاني (ت852ه): "علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين [ذو الثفنات]، ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيًّا أفضل منه"([26]) . أمَّا أهلُ الأدبِ، فأوَّلُ من ذكر هذا اللقب، هو الشاعرُ دعبل الخزاعي (ت246ه)، عندما دخل على الإمام علي بن موسى الرِّضا (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا بْنَ رَسُول الله إِنِّي قلت فِيكُم (أهل الْبَيْت) قصيدة وآليت على نَفسِي لَا أنشدها أحدًا قبلك، فَقَالَ لَهُ الرِّضَا: هَاتِهَا فَأَنْشد([27]): (من الطَّوِيل) ذكرتُ مَحلَّ الرَّبْعِ مِنْ عَرَفَاتِ فأَجْرَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ بالعَبَرَاتِ وقَدْ عَزَّنِي صَبْرِي وهاجَتْ صبابتي رُسُومُ دِيَارٍ قَفرةٍ ةٍ وَعِرَاتِ مَدَارسُ آياتٍ خلَتْ من تلاوةٍ وَمَنْزل وَحْىٍ مُقْفِر العَرَصَاتِ لآلِ رَسُولِ اللهِ بِالخيفِ مِنَّ مِنّى وبَالبَيْتِ والتَّعْرِيفِ والجَمَرَاتِ ديار عليِّ والحسينِ وجعفرٍ وحمزةَ والسجادِ ذِي الثفناتِ دِيَارٌ لعَبْدِ اللهِ والفَضْلِ صِنْوِهِ نَجِيِّ رَسُولِ الله فِي الخلواتِ إذ ورد هذا اللقب في البيت الخامس من القصيدة، ذاكرًا قبله لقبًا آخرَ من ألقاب الإمام (عليه السلام)، وهو لقبُ (السجاد)، وقد كان في صددِ ذكرِ عددٍ من بيوتِ آلِ محمدٍ في المدينة. وفي خبر آخر نُقِلَ عن دعبل الخزاعي ذَكَرَ فيه لقبَ (ذي الثفنات) في أبياتٍ قالها في عمر بن عاصم الكلابي (ت)، وعندما سُئلَ: ممَّن أنت؟ كره أن يقول لهم من خزاعة فيهجوهم، فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذي يقول فيهم الشاعر:([28]) أناس علي الخير منهم وجعفر وحمزة والسجاد ذو الثفنات إذا فخروا يوماً أتوا بمحمد وجبريل والفرقان والسورات فوثب الأعرابي وهو يقول: مالي إلى محمد وجبريل والفرقان والسورات مرتقى، ما إلى هؤلاء مرتقى. وورد ذكرُ هذا اللقب على لسان الفضل بن الحسن الطّبرسيّ في أبياتٍ نُسِبت له نظمها في عهد الصبا، منها هذه الأبيات: ([29]) إلهي بحقّ المصطفى ووصيّه وسبطيه والسجّاد ذي الثّفنات وباقر علم الأنبياء وجعفر وموسى نجيّ الله في الخلوات وبالطّهر مولانا الرضا ومحمد تلاه علي خيرة الخيرات وبالحسن الهادي وبالقائم الذي يقوم على اسم الله بالبركات أنلني إلهي ما رجوت بحبهم وبدّل خطيئاتي بهم حسنات أمَّا ذكرُ هذا اللقب عند المؤرخين، فقد أكَّد معظمهم أنَّ ولدَهُ الإمامَ الباقر (عليه السلام) قال: "كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة يقطعها في كل سنة من طول سجوده، وكثرته"([30]). وفي رواية الصدوق عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "كان أبي (عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات سمّي ذو الثفنات لذلك"([31]). ومن ثَمَّ أصبح هذا اللقب مشهورًا عند المؤرخين بنسبته إلى الإمام (عليه السلام)، بل إنَّ بعضهم لم يشرك معه أحد([32]). قال يوسف بن عبد الرحمن أبو محمد القضاعي الكلبي المزّي (ت742هـ): " ذو الثفنات: علي بْن الحسين بْن علي بْن أَبي طالب زين العابدين سمي بذلك؛ لأنه كان يصلى كل يوم ألف ركعة، فصار في ركبتيه مثل ثفنات البعير"([33]) . وقال ابن حجر العسقلاني: "علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي زين العابدين [ذو الثفنات] ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور"([34]) . (2)-زينُ العابدين: هو من أشهر ألقابه على الإطلاق، قال ابن الخشاب: "وألقابه كثيرة أشهرها زين العابدين، وسيد العابدين، والزكي، والأمين، وَذُو الثفنات"([35])، وقال ابن عساكر: "وكان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول زين العابدين"([36]) . وهذا اللقبُ يصدقُ عليه أن يكونَ نعتًا للإمام (عليه السلام)؛ لأنَّ معنى (زين العابدين) إجمالًا: هو أحسنُ مَنْ يعبدُ الله، و(الزَّينُ) في اللغة هو: "نقيضُ الشَّيْنِ. زانه الحُسْنُ يزينه زَيْنا. وازدانتِ الأرضُ بعُشبِها، وازَّيَّنَتْ وتَزَيَّنَتْ. والزّينة جامعٌ لكُلِّ ما يتزيّن به"([37])، وقال الأزهري (ت370ه): "وسمعتُ صبيّاً من بني عُقَيل يَقُول لصبيّ آخَر: وجهِي زَيْن ووجهُك شَيْن، أَرَادَ أَنه صَبيحُ الْوَجْه، وَأَنَّ الآخر قبيحُه، وَالتَّقْدِير: وجهِي ذُو زَيْن، ووجهُك ذُو شَيْن، فنعتهما بالمَصْدَر، كَمَا يُقَال: رجلٌ صَوْم وعَدْل، أَي: ذُو عَدْل"([38]) . ولفظُ (زَيْن) مصدرٌ مشتقٌّ من (زَانَ الشيءَ)، وجَمعُه: (أَزْيانٌ)، وهو من أكثر المصادر استعمالًا في اللغة العربية؛ إذ عدَّه اللغويون الأصلَ فيها، ينقل أبو عثمان المازني(ت249ه) عن الخليل (ت175ه) أنَّه قال في مصدر الثلاثي المتعدي: "إنَّ أصلَها (فَعْل)، نحو: ضربَ ضربًا، وقَـتَلَ قَتْلًا، وجعل ما خالفه ليس بأصل لاختلافه"([39]). ويفسر ابن جني (ت392ه) قول الخليل، فيقول: "إنَّما كان الأصل في مصادر بنات الثلاثة المتعدية عند الخليل (فَعْلا) بعد كثرته في السماع؛ لأنَّ كلَّ فعل ثلاثي، فالمرة الواحدة منه (فَعْلَة) نحو: (ضربته ضَرْبة، وقتلته قَتْلة، وشتمته شَتْمة). فكأنَّ قولَك في المصدر: (شَتْم، وقتل، وضرب) إنَّما هو جمع فَعْلَة, نحو: (تَمْرَة وتَمْر، ونخلة ونخل)؛ لأنَّ المصدرَ يدلُّ على الجنس، كما أنَّ التمر والنخل يدلان على الجنس, فـ(ضربة) نظيرة (تمرة) و(ضرب) نظير (تمر)"([40]) . والمصدرُ (زَيْن) أُضيفَ إلى اسم الفاعل (العابدين)، الذي جُمعَ جمع مذكر سالمًا، وهذا النوع من الإضافة يسمى إضافةً (غير محضة)؛ لأنَّها على نية الانفصال، وفائدتها تخفيف الكلام([41]). وقد استشهد النحويون بهذا اللقب، للدلالة على رفعة المُلَقَّب؛ وذلك عند تعريفهم (اللقب)، قال ابن هشام (ت761ه): "واللقب: كل ما أشعر برفعة المسمى أو ضعته، كـ(زين العابدين) و(أنف الناقة)"([42]) . و(العابدين) جمع عابد، المشتق من الفعل (عَبَدَ)، و"العبدُ: الإِنسانُ حرًّا أو رقيقاً. هو عبد الله، ويجمع على عباد وعبدين. والعبد: المملوك، وجمعه: عَبِيد، وثلاثة أعْبُد، وهم العباد أيضاً. إنّ العامّة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله، والعبيد المملوكين. وعبدٌ بيّن العبودة، وأقرّ بالعبوديّة، ولم أسمعهم يشتقون منه فعلاً، ولو اشتُقّ لقيل: عبُد، أي: صار عبداً، ولكنْ أُمِيتَ منه الفعل. وعبد تعبيدة، أي: لم يزل فيه من قبل هو وآباؤه. وأمّا عبَد يعبُد عِبادة فلا يقال إلا لمن يعبد الله. وتعبَّد تعبُّداً، أي: تفرّد بالعبادة. وأمّا عبدٌ خدَم مولاه، فلا يقال: عَبَدَه ولا يعبُد مولاه. واستعبدت فلاناً، أي اتخذته عبداً. وتعبَّد فلان فلانًا، أي: صيّره كالعبد له وإن كان حرًّا"([43]) . وقال ابنُ الأنباري (ت328ه): "وقولهم: رجل عابِدٌ...: معناه رجل خاضع ذليل لربِّه. من قول العرب: قد عبدت الله أعبده: إذا خضعت له، وتذللت، وأقررت بربوبيته. وهذا مأخوذٌ من قولهم: طريق معبد: إذا كان مذللاً، قد أثر الناس فيه"([44]). وقد أجمع المؤرخون على أنَّ سببَ تسمية الإمام بـ(زين العابدين) جاء لكثرة عبادته([45])، وذكر الصدوق بإسناده إلى عمران بن سليم قال: كان الزُّهريُّ إذا حدَّثَ عن علي بن الحسين قال: حدَّثنيزين العابدين علي بن الحسين . فقال له سفيان بن عُيينة: وَلِمَ تقولُ له: زين العابدين؟ قال: لأنِّي سمعتُ سعيد بن المُسيَّب يُحدِّث عن ابن عباس أنَّ رسولَ الله (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم) قال: إذا كان يومُ القيامة ينادي مُنادٍ: أين زين العابدين، فكأنِّي أنظرُ إلى ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف يعني يتمايل في مشيتِهِ كالمعجب بنفسه([46]). وقيل: كان سببُ لقبه (زين العابدين) أنَّه كان ليلة في محرابِهِ قائمًا في تهجّده، فتمثل له الشيطان في صورة ثعبان؛ ليشغله عن عبادتِهِ، فلم يلتفت إليه، فجاءه إلى إبهامِ رجلِهِ، فالتقمها فلم يلتفت إليه، فآلمه فلم يقطع صلاته، فلمَّا فرغ منها، وقد كشف الله تعالى له، فعلمَ أنَّه شيطان، فسبَّه ولطمه، وقال: (اخسأ يا ملعون)، فذهب وقام إلى إتمام وِرْدِهِ، فسمع صوتًا ولا يرى قائله، وهو يقولُ له: أنت زينُ العابدين ثلاثًا. فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقبًا له([47]). (3)-سيد الساجدين أو العابدين: هو من الألقاب التي سُمعت من رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم)، كما سيتبينُ ذلك لاحقًا، ولفظُ (السَّيِّد) في اللغة من سادَ قومَه يَسودُهُمْ سِيادَةً وسُوْدَداً وسَيْدُودَةً، فهو سيِّدُهُم. وهم سادةٌ([48]) . وقد ذكر اللغويون معاني متعددة للفظ (السَّيِّد)، منها: "السَّيِّدُ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَضَبه"([49]). و"هُوَ الْعَابِدُ الوَرِع الْحَلِيمُ"([50]). وقيل: "سُمِّيَ سَيِّدًا؛ لأَنَّه يَسُودُ سَوَادَ النَّاسِ أَي: عُظْمهم"([51]). و"الْعَرَبُ تَقُولُ: السَّيِّدُ كُلُّ مَقْهورٍ مَعْمُور بِحِلْمِهِ"([52]). و"السَّيِّدُ: الّذي فاقَ غيرَه، ذُو العَقْل والمالِ والدَّفْع والنَّفْع، الْمُعطِي مالَه فِي حُقُوقه، المُعين بِنَفسِهِ، فَذَلِك السّيّد"([53]). ويظهرُ ممَّا تقدَّم أنَّ معاني لفظ (السَّيِّد) محمودةٌ كلُّها، وهي مناسبةٌ تمامًا إلى ما يتَّصفُ به الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) من صفاتٍ محمودةٍ، حتى إنَّ بعضَ اللغويين ذكرمن معاني (السيد) هو (الإمام)، جاء في (تهذيب اللغة): "قَالَ ابْنُ الأَنباري: إِن قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ سَمَّى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، يَحْيَى سَيِّدًا وَحَصُورًا، وَالسَّيِّدُ هُوَ اللَّهُ، إِذ كَانَ مَالِكَ الْخَلْقِ أَجمعين، وَلَا مَالِكَ لَهُمْ سِوَاهُ؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ يُرِد بِالسَّيِّدِ هَاهُنَا الْمَالِكَ، وإِنَّما أَراد الرئيسَ والإِمامَ فِي الْخَيْرِ"([54]). وهذه الكلمة على وزن (فَيْعِل) مِنْ فعلٍ واوي، أي: ساد يسود، وهذا قولُ أهل البصرة([55])، وإنَّما جمعوه على (سادة) على وزن (فَعَلَة) التي لا يجمع عليها إلا (فاعل)؛ لأنَّهم قدروا أنهم جمعوا (سائد) كقائد وقادة، وذائد وذادة، والجمع القياسي لـ (فيعل): (فياعل) ولذلك جمعوا (سيد) على (سيائد) وهو قياس؛ لكنَّه قليل الاستعمال . وقيل: وزنه على (فَعْيِل) ولذلك جمع على (سادة) قياسا، كما في (سَرِي) و(سَراة) ولا نظيرَ لهما، يدل على ذلك أنه يجمع على سيائدة ـ بالهمز ـ مثل: أفيال وأفائلة، وتبيع وتبائعة([56]). والذين قالوا: إن أصله (سَيْود) على وزن (فَيْعِل) قالوا: إنَّ الواو فيه قُلِبَت إلى ياء؛ لأجل الياء الساكنة قبلها، ثم أدغمت([57]) . وسيِّد صفة مشبهة، وفيه معنى أقوى من اسم الفاعل المجرد (سائد) . وهناك أدلَّةٌ متعددةٌ على جوازِ إطلاقِ لفظ (السَّيِّد) على المخلوقين، خلافًا لما ذهب إليه بعض العلماء([58])، ومن هذه الأدلة ما جاء في القرآن الكريم من استعمال ذلك، قال الجصاص: "وقوله تعالى: ï´؟ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَï´¾ [سورة آل عمران/ من الآية ظ£ظ©] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سمى بـ(يحيى) سَيِّدًا"([59]) .يُزادُ على ذلك ما ورد على لسان الرسول (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم) بحق الحسن والحسين (عليهما السلام)، عندما قال: ((الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ))([60]) . وقال في حديثٍ آخر عن الإمام الحسن (عليه السلام): ((إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ أُمَّتِي))([61]). فلا حُجَّةَ لِمَنْ أنكرَ إطلاقَ هذا اللقب على المخلوقين، ولا سيَّما إذا كان المُلقَّبُ به أحد المعصومين (عليهم السلام) وقد صرَّح الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بلقبه هذا، فقد جاء عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَبَّلَهُ وَأَقْعَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: يُولَدُ لِابْنِي هَذَا ابْنٌ يُقَالُ لَهُ عَلِيٌّ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: لِيَقُمْ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ هُوَ"([62]) . وروى ابن المديني عن جابر أنه قال للإمام الباقر (عليه السلام)، وهو صغير: ((رسول الله يسلّم عليك)) فقيل له: وكيف ذاك؟ قال : كنتُ جالسًا عنده، والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيّد العابدين، فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته ـ يا جابر ـ فأقرئه منّي السلام([63]). ورواه الشهيد المحلّي؛ إذ قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيّد العابدين، فيقوم عليّ بن الحسين([64]). وجاء في (تذكرة الخواص)، لابن الجوزي(ت597ه)، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سمَّاه بهذا الاسم([65]) . ثانيًا: ألقابُ السجود المفردة: تعدَّدت ألقابُ الإمامِ عليِّ بن الحسين (عليه السلام) المفردة بسبب تعدُّد الأحداث المختلفة في حياته (عليه السلام)، ولا سيَّما أحداثُ كربلاء؛ لذا ستكونُ لنا وقفةٌ لغويَّةٌ وتاريخيَّةٌ عند كلِّ لقبٍ منها، وعلى النَّحو الآتي: (1)-السَّجَّاد: لقبٌ تعبُّديٌّ اتَّصَفَ به الإمامُ علي بن الحسين (عليه السلام)، والسَّجَّاد: بِفَتْحِ أوَّلِهِ وَالْجِيم الْمُشَدّدَة وَبعد الْألف دَال مُهْملَة - على وزن (فَعَّال) صيغة مبالغة للدلالة على كثرة السجود . وهي من صيغ المبالغة الكثيرة الاستعمالفي اللغة العربية؛ فقد جاءت في المرتبة الثانية بعد صيغة (فعيل) في القرآن الكريم، وبلغ عددُها (اثنين وأربعين) موضعًا من دون تكرار، عشرًا منها في صفات الله تبارك وتعالى، وما تبقى في صفات عباده من البشر([66]) . وتدلُّ صيغة (فعَّال) على أنَّ الشيءَ قد حدث مرةً بعد مرة، قال ابنُ السَّرَّاج: "ألا ترى أنك إذا قلت: زيد قتّال، أو: جرّاح، لم تقل هذا لمن فعل فعله واحدة كما أنك لاتقل: قتّلت إلا وأنت تريد جماعة، فمن ذلك قوله تعالى: ï´؟وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَï´¾ [سورة يوسف/ من الآية ظ¢ظ£]، ولو كان باباً واحداً لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرة . ومن كلام العرب: أما العسل فأنت شرّاب"([67]). و(السّجودُ) في اللّغةِ: الطَّاعةُ والخضوع, وَسَجَدَ الرَّجُلُ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ([68]) . وأمَّا (السّجود) في الاصطلاحِ, فحقيقتُهُ: وضع الجّبهةِ, وباطن الكفَّين، والركبتين، وطرفي الإبهامين من القدمين على الأرض([69])، بقصد التعظيم([70]) . وروي عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنَّه قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): "أُمِرْتُ أنْ أسجُدَ على سبعةِ أعظُم: على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين"([71]) . وأمَّا الذِّكْرُ في السّجودِ, فَعَنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلّم), كَانَ يَقولُ في سجودِهِ: ((سبحانَ رَبّيَ الأَعلى))([72]). ولأنَّ الإمامَ السَّجَّادَ كثيرُ السجودِ على الأرضِ لُقِّبَ بـ(السَّجَّاد)، والروايات التاريخية التي قيلت في سجودِهِ كثيرة، ومنهاما جاء في كتاب (علل الشرائع) عن الإمام الباقر (عليه السلام): إنَّ أبي علي بن الحسين ما ذكر لله (عزَّ وجل) نعمةً عليه إلّا سجد، ولا قرأ آيةً من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلّا سجد، ولا دفع اللهُ عز وجل عنه سوءًا يخشاه، أو كيدَ كائدٍ إلّا سجد، ولا فرغ من صلاةٍ مفروضةٍ إلّا سجد، ولا وُفِّقَ لإصلاحٍ بين اثنين إلّا سجد، وكان أثرُ السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد لذلك([73]) . وكان (عليه السلام) يسجد على تربة الحسين (عليه السلام)؛ لأنَّ السجودَ عليها يخرق الحجب السبع، ويقبل الله صلاة من سجد عليها ما لم يقبله من غيرها([74]). ونقل صاحبُ (التدوين في أخبار قزوين) روايةً قائلًا: ((حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ ثنا أَبِي قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدًا بِالْكُوفَةِ فَإِذَا أَنَا بِشَابٍّ يُنَاجِي رَبَّهُ وَهُوَ فِي سُجُودِهِ يَقُولُ سَجَدَ وَجْهِي مُتَعَفِّرًا فِي التُّرَابِ لِخَالِقِي وَحَقَّ لِي فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ فَلَمَّا انْفَجَرَ الْفَجْرُ نهضت إليه فقلت يا ابن رَسُولِ اللَّهِ تُعَذِّبُ نَفْسَكَ وَقَدْ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِمَا فَضَّلَكَ فَبَكَى))([75]) . وقد أثبت هذا اللقبَ للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) عددٌ كبيرٌ من المؤرخين، منهم: ابن داود، والكشي، والطبرسي، والطبري الإمامي، ومحمد التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (المتوفى: بعد 645هـ)، وتاج الدين العاملي (من أعلام القرن الحادي عشر)، وغيرهم ([76]). وممَّن ذكروا هذا اللقب أيضًا دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التائية التي رثى بها آل البيت (عليهم السلام)؛ إذ قال:([77]) ديارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ ... وحمزةَ والسجَّادِ ذي الثَّفِناتِ (2) - الزَّاهد الزُّهدُ لفظٌ استعملَ في الدِّينِ بخاصَّةٍ، وأَزْهَد الرَّجُل إزهاداً فهو مزهد، لا يرغب في ماله لقلته([78]). وهو خلافُ الرَّغْبَة، تقولُ: زَهَدْتُ فِي الشَّيْء أزهَد فِيهِ زُهداً وزَهادة. والزّاهد فِي الدُّنْيَا: التارك لَهَا وَلما فِيهَا، وَالْجمع زُهّاد. والزَّهيدُ: الْقَلِيل من كل شَيْء يُقَال: مَالٌ زهيدٌ وَشَيْءٌ زهيد، أَي: قَلِيل([79]). قال أبو بكر الأنباريّ: الزَّاهدُ: القليلُ الرَّغبة في الدنيا. والمُزْهد: القليل المال. قال النبيّ: ((أفضلُ الناسِ مؤمنٌ مُزْهِدٌ))([80]). معناه: قليل المال. يقال: قد أزهد الرجل يزهد إزهادًا: إذا قلَّ مالُهُ([81]). و(الزَّاهدُ) اسمُ فاعلٍ من (زَهَدَ). أمَّا الزُّهدُ في الاصطلاح، فهو بغضُ الدنيا والإعراض عنها، وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلبًا لراحة الآخرة، وقيل: هو أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك([82]). وعرَّفه بعضهم أنَّه: "الانصراف عن الدُّنيا ومفاتنها، والتمسك بالتقوى والعمل الصالح مع الكسب والعمل"([83]). وسأل رجلٌ الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): ما الزهد؟ فقال: الزهد عشرة أجزاء: فأعلى درجات الزهد، أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، وإن الزهد في آية من كتاب الله: ï´؟لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْï´¾ [ سورة الحديد/ من الآية 23] ([84]) . وسُئلَ الإمام الصادق (عليه السلام) عن الزاهد في الدنيا، فقال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عقابه([85]). وقد تحلَّى الإمامُ عليّ بن الحسين (عليه السلام) بأوصاف الزُّهدِ المذكورة آنفًا؛ لذلك لُقِّبَ بالزَّاهد؛ قال العلّامة الحلّيّ: "ذو الثفنات لُقِّبَ به؛ لأنَّه كان من طول سجوده، وشدة عبادته، يخفى غضون جبهته فتصير ثفنات، فيقصها إذا طالت لتستقر جبهته على الأرض في سجوده، والخالص، والزاهد، والخاشع، والبكاء، والمتهجد، والرَّهبانيّ"([86]). وقد ذكر هذا اللقب عددٌ من المؤرخين([87]). (3) - الخالص اسمُ فاعلٍ من خَلصَ الشيء خُلوصًا، وخَلاصًا. وخلَّصته أَنا تخليصًا إِذا صفَّيْته من كَدَرٍ أَو درن. والخَلاصُ يكون مصدراً كالخلوص، للناجي، ويكون مصدراً للشيء الخالص... وأخْلصتُ لله ديني: أمحضته، وخَلَص له ديني. قال تعالى: ï´؟إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَï´¾ [سورة يوسف: من الآية ظ¢ظ¤]، والمخلَصون: هم المختارون. والمُخْلِصون: الموحدون. والإخْلاصُ أيضاً في الطاعة: تَرْكُ الرياء. وقد أَخْلَصْتُ لله الدينَ. وَشَهَادَة الْإِخْلَاص: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله لِأَنَّهَا أخلصت الْإِيمَان([88]). والمعنى الأخير هو المعنى المناسب للقب الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)؛ إذ إنَّه أخلص العبادةَ للهِ سبحانه وتعالى، فكان مُخْلَصًا من قبل الله تعالى، ومُخلِصًا الإيمانَ له. والمعنى القريب للخالص ما ورد من معانٍ في قوله تعالى: ï´؟أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُï´¾ [سورة الزمر/ من الآية 3]؛ قال النَّحاس: "أي يعبد وحده لأن من الناس من له دين ولا يخلصه لله جل وعز وروى معمر عن قتادة ألا لله الدين الخالص قال: لا إله إلا الله"([89]). وقال الزمخشريُّ: "أي: هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة من كل شائبة كدر، لاطلاعه على الغيوب والأسرار، ولأنه الحقيق بذلك، لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها. وعن قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله. وعن الحسن: الإسلام"([90]). وقال الرَّاغبُ (502ه): "الخالصُ كالصَّافي إلّا أنَّ الخالصَ هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه، والصّافي قد يقال لما لا شوب فيه"([91]). غير أنَّ هذا المعنى قد يكونُ في الأشياء الماديَّة، لا المعنويَّة، والإمامُ (عليه السَّلام) لا شائبةَ فيه، فهو معصومٌ عن الزَّللِ والخطأ. وقد تمثَّل هذا اللقب في سلوك الإمام (عليه السلام)، وخيرُ دليلٍ على ذلك أدعيتُهُ الخالصة العبودية لله تعالى، حتى أضحت تلك الأدعية تراثًا ربَّانيًّا فريدًا للسالكين طريق الله، ومصدر عطاء وهداية لكلِّ من ينشد الحق ويرغب في معرفة الله حقّ معرفته. وقد لقَّبَ الإمامَ بهذا اللقب عددٌ من العلماء والمؤرّخين، قال العلّامة المجلسيّ: "ولقبه (عليه السلام): ذو الثَّفنات، والخالص، والزاهد، والخاشع، والبكاء، والمتهجد، والرهبانيّ، وزين العابدين، وسيد العابدين، والسجاد، وكنيته: أبو محمد، وأبو الحسن"([92]). المصادر والمراجع -القرآن الكريم
التعديل الأخير تم بواسطة عاشقة ام الحسنين ; 08-02-2020 الساعة 07:44 PM
|
|
جميع الحقوق محفوظة : للمصمم محمد الحاج |