ذكرى ولادة النورين النبي محمد والإمام الصادق (ع)
الإمام والاحتكار :
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) الحكرة ( الإحتكار ) في الخصْب أربعون يوماً وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد على ثلاثة أيام في العسر فصاحبه ملعون
وكان يقول لخادمه في أوقات حاجة الناس : اشترِ لنا شعيراً واخلطْ به طعامنا فإنّي أكره أن نأكل جيداً ويأكل الناس رديئاً
ذات ليلة ، وكان الظلام يغمر المدينة رأي المعلّى بن خنيس الإمامَ الصادق ( عليه السلام ) يشقّ طريقه في المطر والظلام وهو يحمل كيساً مليئاً بالخبز ، فتبعه ليعرف أين يذهب ، فسقطت بعض أرغفة الخبر فجمعها ومضى في طريقه حتى وصل إلى مساكين كانوا نائمين ، فوضع عند رأس كل واحد منهم رغيفين فدنا منه المعلّى ، وسلّم عليه وسأله : أهم من شعيتك ؟
فقال الإمام : لا
وكان الإمام يعول كثيراً من الاُسر . . يحمل إليهم الطعام في الليل وهم لا يعرفونه ، حتى إذا توفّي انقطع ما يأيتهم في الليل ، فعرفوا أنّه الإمام
وأصاب المدينة قحط ، واختفى القمح من أسواقه ، فسأل الإمام غلامه " معتب " عنه ، فقال معتب : عندنا ما يكفينا شهوراً ، فأمره أن يبيعه ويعرضه في الأسواق
روى بشار المكاري ، قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) وكان بين يديه طبقٌ من رطب وهو يأكل ، فقال : يا بشار ، اُدنُ فكل . فقلت : هنّأك الله قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي . . . أوجع قلبي .رأيت جلوازاً "شرطياً" يضرب امرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي : المستغاث بالله ورسوله
فسألتُ ، فقال الناس : إنّها عثرت في طريقها ، فقالت : لعَن اللهُ ظالميكِ يا فاطمة
فقطع الإمام الأكل وبكى حتى ابتلّ منديله ، ثم نهض إلى المسجد ودعا لها، فلم تلبثْ في الحبس إلاّ قليلا ، ثم بعث لها بصرّة فيها سبعة دنانير ، وكانت امرأة فقيرة
الجامعة الإسلامية :
سعى الأمويون ، ومن ورائهم العباسيون ، في القضاء على أهل البيت (عليه السلام ) وطاردوا شيعتهم في كل مكان ، وكان الناس يتداولون الروايات عن أهل البيت سرّاً ، خوفاً
وعندما أتيحت القرصة إلى الإمام الباقر ثم ابنه الإمام الصادق ( عليهما السلام ) انصرفا إلى نشر علوم الدين ، وتحكيم اُسس الإيمان في قلوب الناس
وفي عهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) راجت العقائد المنحرفة والضالّة ، فسعى الإمام إلى محاربتها ، فتأسّست على يديه جامعة إسلامية كبرى تضمّ أكثر من أربعة آلاف عالم تخرّجوا على يديه ، في علوم الدين والرياضيات والكيمياء ، وحتى الطب
وكان جابر بن حيّان الكيميائي المشهور يبدأ مقالاته في هذا العلم بقوله : حدّثني سيّدي " جعفرُ بن محمدٍ الصادق ( عليه السلام ) "
كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يحترم العلماء المؤمنين ويشجّعهم ويوضّح لهم الطريق الصحيح للبحث والحوار لخدمة الدين وتعميق أساس الإيمان ، وكان يشعر بالحزن لدى رؤيته المنحرفين الضالّين الذين يسعون إلى بلبلة عقائد الناس ونشر الضلال
واجتمع أربعة من هؤلاء الضالّين في مكة وراحوا يسخرون من الحُجّاج وهم يطوفون بالكعبة ، ثم اتّفقوا على نقض القرآن بتأليف كتابٍ مثله ، فتعهّد كلّ واحد منهم بربع القرآن ، وقالوا ميعادنا العام القادم
ومرّ العام ، واجتمعوا مرّة أخرى
قال الأول : قضيت العام كلَّه أفكّر في هذه الآية :
{ فلّما استيأسوا خلصوا نجيّاً}
وقد حيّرتني فصاحتها وبلاغتها
قال الثاني : فكّرت في هذه الآية :
{يا أيها الناس ضُرِب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له }
فلم أقدر أن آتي بمثلها
وقال الثالث : وأنا فكّرت في هذه الآية :
{ لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا }
فلم أستطع أن آتي بمثلها
وقال الرابع : انه ليس من صنع البشر . لقد قضيت العام كلّه أفكّر في هذه الآية :
{وقيل يا أرض ابلعي ماءكِ ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين }
ومرّ بهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) فنظَر إليهم وتلا قوله تعالى :
{لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }
المذهب الجعفري :
انتشر مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) في زمن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وأصبح له أتباع كثيرون ، حتى أطلق الناس على مذهب التشيع اسم المذهب الجعفري نسبة إلى جعفرٍ الصادق ( عليه السلام )
وبالطبع لا يختلف المذهب الجعفري ، فهو مذهب علي ( عليه السلام ) الذي اغتيل في المحراب على يد الخوارج ، وهو المذهب الذي مات عليه الحسن ( عليه السلام ) مسموماً على يد معاوية ، وهو المذهب الذي استشهد من أجله الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء
لقد أوصى رسول الله المسلمين بكتاب الله وعترته (أهل البيت ) ولكن المسلمين – ومع الأسف – غفلوا عن وصية النبي ( عليه السلام ) فغصب المنحرفون حقّهم ، وانتشر الفساد والظلم ،وكان الحكام يطاردون آل النبي وشيعتهم ، بل تجرّأوا على قتلهم وارتكاب أبشع الجرائم بحقّهم كما حصل في كربلاء
وأدرك الناس أنّهم قد خسروا خسارة كبرى بتضييع وصية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكنهم كانوا يخافون سطوة الحاكمين ، حتى كان بعضهم يخفي ولاءه لأهل البيت خوفاً على حياته
الإمام والمنصور :
ضجّ الناس من حكم بني أمية وظلمهم ، واستغلّ البعض عواطف الناس و ولاءهم لأهل النبي ، فبدأوا معارضتهم لبني أمية باسم آل البيت ، وقد نشط العباسيون وراحوا يدعون الناس إلى " الرضا من آل محمد " . وقد ساعد هذا الشعار في انتشار دعوتهم ، وبدأوا ثورتهم في خراسان . وسرعان ما التفّ الناس حولهم ، فانتصروا وانتهت حكومة بني أمية
وبدل أن يُسلّم العباسيون الخلافة إلى أصحابها ، راحوا يطاردون العلويين في كل مكان ، وأمعنوا في قتلهم و تشريدهم
أمسك المنصور بمقاليد الخلافة بقوّة وراح يخطّط للقضاء على معارضيه ، فقتل محمداً وأخاه إبراهيم ؛ وهما من ولد الحسن ( عليه السلام ) وبثَّ الجواسيس في المدن ، وأمر حاكم المدينة المنورة بمراقبة الإمام الصادق مراقبة دقيقة
استدعى المنصورُ الإمامَ مرّة وقال له : لماذا لا تزورنا كما يزورنا الناس ؟
أجابه الإمام : ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك عليه ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوه منك ، ولا أنت في نعمةٍ فنهنئك بها ، ولا في نقمة فنعزيك
فقال المنصور بخبث : تصحبنا لتنصحنا
فأجابه الإمام : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك
كان المنصور يأمر وإليه على المدينة بالحطّ من مكانة علي ( عليه السلام )
وذات يوم صعد الوالي المنبر وراح يذكر أمير المؤمنين وأهل بيته بسوء ، فنهض الإمام وقال :
أما ما قلت من خير فنحن أهله ، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك ( أي المنصور ) أولى به ، والتفت الإمام إلى الناس وقال : ألا أنبئكم بأخفّ الناس ميزاناً وأبينهم خسرانا يوم القيامة وأسوأهم حالاً : من باع آخرته بدنيا غيره ؛ وهو هذا الفاسق
فنزل الوالي من المنبر وهو يشعر بالخزي
وفي مجلس " المنصور " كانت ذبابة لا تنفكّ تحطّ على أنف المنصور وهو يطردها فتعود ، حتى آذته ، فالتفت إلى الإمام وسأله بانزعاج :
لِمَ خلق اللهُ الذباب ؟
فأجابه الإمام : ليذلّ به أنوف الجبابرة
لم يكن المنصور يتحمّل وجود الإمام الصادق ( عليه السلام ) وكان يخطّط للقضاء عليه ، وأخيراً دسّ إليه السم . واستشهد الإمام في 25 شوّال سنة 148 هجرية .حيث دُفن جثمانه الطاهر في مقبرة البقيع
من كلماته المضيئة :
• إحذر من الناس ثلاثة : الخائن والظلوم والنمّام ، لأنّ من خان لك سيخونك ومن ظلم لك سيظلمك ، ومن نمّ إليك سينمّ عليك .
• ثلاثة لا يصيبون إلاّ خيرا : أولو الصمت وتاركو الشرّ ، والمكثرون من ذكر الله ، ورأس الحزم التواضع . فقيل للإمام : وما التواضع ؟ فأجاب : أن ترضى من المجلس بدون شرفك ، وأن تسلّم على من لقيت ، وأن تترك المِراء (الجدل) وإن كنت محقاً
• كان رجل يتردّد على الإمام فانقطع ، ولمّا سأل الإمام عنه قال أحدهم منتقصاً شأنه : إنّه نبطي فقال الإمام : أصل الرجل عقله ، و حسَبه دينه ، وكرمه تقواه ، والناس في آدم مستوون
• اتقوا المظلوم فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء
• الفقهاء أمناء الرسل فإذا رأيتهم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتّهموهم في دينهم
• ثلاثة تكدّر العيش : السلطان الجائر وجار السوء ، المرأة البذيئة ، وثلاثة لا يصلح العالم بدونها : الأمن والعدل والخصب
هوية الإمام :
الاسم :
جعفر
اللقب :
الصادق
الكنية :
أبو عبد الله
اسم الأب :
الباقر ( عليه السلام )
تاريخ الولادة :
المدينة
تاريخ الشهادة :
25 ذي الحجة سنة 148 هجرية
محل الدفن :
البقيع / المدينة المنورة
نسألكم الدعاء