عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2023, 10:13 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

في مواجهة التحريفات:

ومن أهم مهام أئمة أهل البيت عليهم السلام قيام الإمام منهم بمهام الإمامة وقيادة الطليعة والنخبة من الأُمة في مواجهة التحريفات والانحرافات وما يعتبر من الانحطاط الفكري في الإسلام عقيدة أو شريعة، أمرا بالمعروف أو نهيا عن منكر عقيدي أو عملي.

ومن أوائل ذلك في حياة الإمام الحسن بن علي عليه السلام ما روي أنه دخل المسجد النبوي الشريف يوم الجمعة في أوائل عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فرآه على المنبر، ولعله قبل الخطبة فقال له: (انزل عن منبر أبي، وكان الحسنان يقولان لجدهما رسول اللّه: يا أبه. فلم يجد عمر بدا من ذلك دون أن قام فنزل من المنبر وهو يقول للحسن: صدقت يا بني منبر أبيك لا منبر أبي! وتوجه إليه فأخذ بيده وأخذه إلي المنبر فأجلسه إلي جنبه وخطب الناس والحسن جالس معه على المنبر)(31).

وفي عهد عثمان لما سير أباذر الغفاري غفر اللّه له إلي مهاجره في الجاهلية بلدة الربذة ونهي الناس عن توديعه، هذا، وأمير المؤمنين علي عليه السلام يري ذلك خلاف الشرع وأنّ عليه أن ينكر ذلك، فخرج ومعه خواص أصحابه لتوديع أبي ذر قدس سره ومعه الحسنان، وكلّ منهم خاطبه بكلام ينكر فيه ذلك على عثمان ويسلّيه ويصبّره عليه، فقال له الحسن عليه السلام: (يا عمّاه… إن القوم قد أتوا إليك ما قد تري وإن اللّه بالمنظر الأعلى، فدع عنك ذكر الدنيا بذكر فراقها، ودع عنك شدة ما يرد عليك لرجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقي نبيك صلى الله عليه وآله وهو عنك راضٍ إن شاء اللّه تعالى)(32).

وبعد صلحه مع معاوية لما خالف بنود الصلح وثلب أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته، قام إليه وقال له: (يابن آكلة الأكباد، أوَ أنت تسبّ أمير المؤمنين، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله فيه: من سبّ عليا فقد سبّني ومن سبني فقد سبّ اللّه ومن سبّ اللّه أدخله اللّه نار جهنم خالدا فيها وله عذاب مقيم؟!)(33).

وروي منه الجاحظ(34) أنه عليه السلام دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص فقال: (قد جاءكم كذا وكذا وسبّه. فلما أخذ الحسن مجلسه قال لمعاوية: (يا معاوية لا يزال عندك عبد يرتع في لحوم الناس! أما واللّه لئن شئت ليكونن بيننا ما تتفاقم فيه الأُمور وتتحرج منه الصدور ثم أنشأ يقول:

أتأمر يا معاوي عبد سهم * * * بشتمي والملا منا شهود

إذا أخذَتْ مجالسها قريش * * * فقد علمت قريش ما تريد

أأنت تظل تشتمني سفاها؟ * * * لضغن ما يزول ولا يبيد

فهل لك من أب كأبي تسامي * * * به من قد تسامي أو تكيد

ولا جد كجدي يابن حرب * * * رسول اللّه إن ذكر الجدود

ولا أُم كأُمي من قريش * * * إذا ما بين الحسب التليد

فما مثلي يهكم يابن حرب * * * ولا مثلي ينهنهه الوعيد

فمهلاً لا تهج منا أُمورا * * * يشيب لهولها الطفل الوليد)

ومن البدع التي ابتدعتها مدرسة الخلفاء لما أوصدت وسدت باب مدينة علم رسول اللّه صلى الله عليه وآله أن عمدت إلي القُصَّاص فأذنت وسمحت وفسحت لهم المجال في المساجد والجوامع حتى في المسجدين الشريفين أن يقصوا على الناس ما يهوون كبديل كاذب عن الحديث الإسلامي الأصيل، ولا ريب أنّ الإمام الحسن عليه السلام يري ذلك منكرا من القول وزورا، فروي اليعقوبي أنّه عليه السلام: (مرّ يوما وقاص يقص على باب مسجد رسول اللّه فأنكر عليه وقال له: ما أنت؟ فقال: يابن رسول اللّه أنا قاص. فقال عليه السلام كذبت، بل القاص محمد صلى الله عليه وآله إذ قال له اللّه: (فاقصص القصص) فقال: فأنا مذكر. قال: كذبت بل المذكر محمد صلى الله عليه وآله إذ قال له اللّه: (فذكر إنما أنت مذكر) فقال الرجل: إذن فما أنا؟ قال: إنما أنت من المتكلفين)(35).

وبإزاء ذلك ذكر الشؤون الإسلامية للمساجد في حديث عنه في تحف العقول قال عليه السلام: (من أدام الاختلاف إلي المساجد صاحب إحدي ثمان: آية محكمة أو علما مستطرفا أو كلمة تدله على الهدي أو تردّه عن ردي أو أخا مستعادا أو رحمة منتظرة أو ترك الذنوب خشية أو حياء)(36)!

ولم تكن مدرسة الخلفاء تعني بدفع أو رفع آثار الجاهلية ومصطلحاتها بآثار الإسلام ومصطلحاته وتحياته فمن ذلك: أن كان العرب في الجاهلية يجهلون أو يتجاهلون ما للمرأة من مكانة على صعيد الإنسانية بل يكادون يرونها حيوانا خلقت لخدمة الذكور، وأن القيمة كل القيمة للولد الذكر، فإذا ولد هنئوا أباه يتفألون بفروسيته لأبيه ويقولون له: ليهنئك الفارس! فلم تكن مدرسة الخلفاء تغير عليهم مثل ذلك إن لم تكن تساعد عليه، حتى أن بعضهم من قريش بلغهم أن الحسن عليه السلام قد ولد له مولود فدخلوا عليه وقالوا له: يهنئك الفارس. فقال لهم عليه السلام: (ما هذا من كلام؟! بل قولوا: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، وبلغ اللّه به أشده ورزقك برّه)(37).

ومن أنكر منكرات مدرسة الخلفاء خلافهم على رسول اللّه صلى الله عليه وآله أمره وحثه وتشويقه وترغيبه في طلب العلم والفقه والحديث وبثه ونشره وتعليمه وكتابته، فمنعوا من ذلك وشدّدوا فيه وضيقوا على أهله أشد تضييق، بل لم يكتفوا بذلك حتى افتروا عليه أحاديث في النهي عن كتابة حديثه وتدوينه، والحسن عليه السلام يري ذلك أيضا منكرا من القول وزورا، فروي الحرّ العاملي في الفصول المهمة في أُصول الأئمة عنه عليه السلام كان يقول لبنيه: (تعلموا العلم فإنكم صغار القوم اليوم وكبارهم غدا، ومن لم يحفظ منكم فليكتب)(38).

ومن المبادئ الدينية الإسلامية السامية صيام شهر رمضان المبارك للتبرك ببركاته، ولم يشرع عيد الفطر للهو واللعب، ومرّ هو عليه السلام فيه بقوم يلعبون ويضحكون فوقف عليهم وقال لهم: (إنّ اللّه تعالى جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلي مرضاته، فسبق أقوام ففازوا وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه المبطلون، أما واللّه لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته)(39).

وفي نهاية تطوافنا في المجتبى من أحاديث المجتبى عليه السلام في تأصيل العقيدة الإسلامية وترسيخ مبادئه السامية ومواجهته للشبهات والانحطاط الفكري نقف وإياكم على حديث عنه عليه السلام رواه المرحوم المحدث المجلسي في كتابه (جلاء العيون) الذي ترجمه إلى العربية المرحوم السيد عبد اللّه شبّر، كما ذكر ذلك في مقدمته للكتاب، حديث يفيد ترسيخ العقيدة بإمامته أو ولايته للّه وارتباطه به وعلاقته على مستوي سرعة استجابة دعائه، قال:

(استغاث الناس إلي الحسن عليه السلام من كثرة مظالم زياد بن عبيد الثقفي وشدتها وبطشه وقسوته فرفع يديه ودعا وقال: اللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالاً عاجلاً إنك على كل شيء قدير، فخرج خراج في إبهام يده اليمني وتورّم حتى عنقه فمات منها)(40).

والحمد للّه رب العالمين.

المحقق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي/مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصصية في مدينة النجف الأشرف

————————



————————–

الهوامش:

(1) كشف الغمة 2: 199، عن حلية الأولياء.

(2) إرشاد القلوب 1: 96.

(3) إرشاد القلوب: 96.

(4) بلاغة الإمام الحسن عليه السلام: 168، عن مروج الذهب.

(5) مناقب آل أبي طالب 4: 1.

(6) بلاغة الإمام الحسن عليه السلام، عن مروج الذهب.

(7) بلاغة الإمام الحسن عليه السلام عن ينابيع المودة.

(8) المناقب 4: 6، والآية 23 من سورة الشوري.

(9) بحار الأنوار 44: 59، عن المعتزلي عن الإصفهاني.

(10) بحار الأنوار 44: 24، عن الكشي.

(11) كما في الاحتجاج 2: 10.

(12) كفاية الأثر: 226.

(13) كما في الاحتجاج 2: 10.

(14) سليم بن قيس 2: 834 848، وتخريجه في 3: 999.

(15) بحار الأنوار 44: 104، عن مناقب آل أبي طالب: 4.

(16) بلاغة الإمام الحسن عليه السلام: 168، عن مروج الذهب: 3.

(17) رواه ابن عساكر في تاريخه 12: 536.

(18) تنزيه الأنبياء: 17، نقلاً لمضمون كلماته عليه السلام بهذا الصدد، ونقله في المناقب 4: 39.

(19) الأخبار الطوال (للدينوري): 203.

(20) كما في شرح المعتزلي 4: 8، وتاريخ ابن عساكر 2: 225.

(21) الأخبار الطوال (للدينوري): 203.

(22) كما في شرح المعتزلي 4: 8، بل في مناقب آل أبي طالب 4: 41.

(23) مر تخريجه من الاحتجاج 2: 10.

(24) الذرية الطاهرة: 104 حديث 103، وعلل الشرائع 1: 258، عن رسالة الشيباني.

(25) كما في علل الشرائع 1: 258.

(26) الاحتجاج 2: 10.

(27) رجال الكشي: 111، الحديث 178، ومقاتل الطالبين: 44، ط النجف الأشرف.

(28) مناقب آل أبي طالب 4: 26، عن أخبار أبي حاتم.

(29) تحف العقول: 168.

(30) الاحتجاج 2: 11.

(31) مناقب آل أبي طالب 4: 45، عن ثلاثة مصادر، وأكثر تفصيلاً في علل الشرائع 1: 222، عن الصادق عليه السلام.

(32) كما في روضة الكافي: 175، ط النجف الأشرف، وتاريخ اليعقوبي 2: 120، ط النجف، والمعتزلي عن الجوهري.

(33) كما في الاحتجاج 1: 420، ط النجف الأشرف.

(34) في المحاسن والأضداد: 73.

(35) تاريخ اليعقوبي 2: 236.

(36) تحف العقول: 169، ط بيروت بتحقيق الغفاري.

(37) كما في تحف العقول: 169، 170، ط بيروت.

(38) الفصول المهمة: 42، بل في تاريخ اليعقوبي 2: 227، ط بيروت.

(39) تحف العقول: 170، ط بيروت.

(40) كما في مناقب آل أبي طالب 4: 10.


من مواضيع صدى المهدي » الانتظار والصِّراع بين المستضعفين والمستكبرين
» الإستفتاءات … أسئلة بشأن البيع والشراء
» أنَّ الدين هو وسيلة اخترعها الأقوياء والأثرياء لتخدير الفقراء
» تحت شعار (من نهج الزهراء حجابي وبزينب اقتدائي)
» زيارة حمزة بن عبد المطلب (ره) في أحد
رد مع اقتباس