عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-2022, 08:16 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

والجواب عن هذا الإشكال:

هو أنَّه من غير المحتمل وجود خصوصيَّة في التغسيل تقتضي لزوم وقوعه من الإمام دون سائر مراسم التجهيز فإنَّ الظاهر عرفاً من الروايات المذكورة أنَّ ذلك كان وِساماً للإمام المتوفَّى ومنصباً للإمام الذي يليه ولا نحتمل خصوصيَّة للتغسيل دون الصلاة مثلاً خصوصاً وأنَّ الصلاة أجلُّ شأناً في مرتكز المتشرَّعة من التغسيل.

لذلك يتقدَّم لإمامتها -عندما يكون المتوفَّى وجيهاً- الأُمراء وكبار العلماء، وعليه فالمستظهَر عرفاً من الروايات المذكورة هو أنَّه لا يلي أمر الإمام إلا إمامٌ مثله وأنَّ القاعدة لا تختصُّ بالتغسيل فحسب.

ويمكن تأكيد هذا الاستظهار ببعض من القرائن:

القرينة الأولى: دعوى الإجماع على أنَّه لا يلي أمر الإمام إلا إمام مثله رغم أنَّ أكثر الروايات لم تتحدَّث إلا عن التغسيل، وذلك يُعبِّر عن أنَّ المتشرعة فهموا من الروايات المذكورة المعنى الذي استظهرناه (8).

القرينة الثانية: تصريح بعض الروايات بذلك.

منها: رواية الكشي حيث ورد فيها أنَّ عليَّ بن أبي حمزة البطائني قال للإمام الرضا (ع) إنَّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله فقال له أبو الحسن الرضا (ع) فأخبرني عن الحسين بن علي (ع) كان إماماً أو كان غير إمام؟ قال: كان إماماً، قال (ع): فمن وليَ أمره؟ قال: عليُّ بن الحسين (ع). قال كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد. قال: خرج وهم لا يعلمون حتى وَليَ أمر أبيه ثمَّ انصرف. فقال أبو الحسن (ع): إنَّ هذا أمكن عليَّ بن الحسين (ع) أنْ يأتي إلى كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يُمكِّن صاحب هذا الأمر أنْ يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمَّ ينصرف وليس في حبسٍ ولا أسر(9).

فالرواية المذكورة صريحةٌ في أنَّ التغسيل ليس وحده الذي يجب وقوعه من الإمام وإلا كان أيسر على البطائني أنْ يُجيب الإمام الرضا (ع) بأنَّ الإمام الحسين (ع) لم يكن قد غُسِّل فلا يجب حضور السجاد (ع) في تجهيزه.

فالرواية وإنْ كان في سندها اشكال إلا أنَّها تصلح قرينةً وشاهداً على ما استظهرناه، وسنقف عندها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

ومنها: ما رواه الكليني في روضة الكافي بسنده عن عبد الله بن القاسم البطل عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)(10) ورد في ذيلها (ولا يلي الوصي إلا الوصي)(11).

واشتملت هذه الرواية على أنَّ الذي يليه الإمام من الإمام ليس هو التغسيل فحسب بل هو مضافاً إلى التكفين والتحنيط والإيداع في اللحد، وهو يؤكِّد ما استظهرناه من الروايات موردَ الاستدلال.

ومنها: ما رواه ابن شهراشوب في المناقب قال: وقد روي أنَّا أهل بيت النبوة والرسالة والإمامة... وإنَّ الإمام لا يتولَّى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلا إمام مثله".(12).

وبما ذكرناه نخلصُ إلى هذه النتيجة وهي إمكانيَّة التمسُّك بإطلاق ما دلَّ على أنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام مثله لإثبات أنَّ من تولَّى شأنَ تجهيز الإمام الحسين (ع) ودفنِه هو الإمام السجاد (ع).

وثمة دليلٌ آخر يُمكن التمسُّك به لإثبات هذه الدعوى، وهو مكوَّن من عدة أمور يحصل بمجموعها الوثوق بأنَّ الذي كان قد تصدَّى لتجهيز الإمام الحسين (ع) ودفنه هو نجلُه الإمام السجاد (ع).

الأمر الأول: ما ورد من رواياتٍ خاصَّة تنصُّ على تصدِّي الإمام السجاد (ع) لتجهيز والده الحسين الشهيد (ع)، وما وقفنا عليه في ذلك روايتان.

الأولى: رواية الكشي والتي ذكرناها سابقاً وتقريب دلالتها على الدعوى هو أنَّ الإمام الرضا (ع) أقرَّ البطائني على دعواه وأنَّ الذي وليَ أمر الإمام الحسين (ع) هو السجاد (ع)، ولو كان الواقع على خلاف ما ادَّعاه البطائني لكان المناسب تفنيد الإمام لدعواه.

هذا ما يتَّصل بالدلالة -ولنا عودة للرواية- وأما ما يتصل بالسند فهي ضعيفة السند بالإرسال واشتمالها على أحمد بن سليمان وإسماعيل بن سهل إلا أنَّ ذلك لا يمنع من اعتبارها شاهداً على الدعوى.

الثانية: ما رواه العلامة المجلسي في البحار عن بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد وأحمد بن إسحاق عن القاسم بن يحيى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: لما قُبض رسول الله (ص) هبط جبرئيلُ ومعه الملائكة والروح الذين يهبطون ليلة القدر قال: ففُتح لأمير المؤمنين بصرُه فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يُغسِّلون النبيَّ معه ويُصلُّون معه عليه ويحفرون له، واللهِ ما حفر له غيرُهم حتى إذا وُضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلَّم، وفُتح لأمير المؤمنين على سمعِه فسمعه يُوصيهم به فبكا، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنَّما هو صاحبنا بعدك إلا أنَّه ليس يُعايننا ببصره بعد مرَّتنا هذه، حتى إذا مات أميرُ المؤمنين (ع) رأى الحسنُ والحسينُ مثلَ ذلك الذي رأى ورأيا النبيَّ (ص) أيضاً يُعيين الملائكة مثل الذي صنعوا بالنبيِّ حتى إذا مات الحسنُ رأى منه الحسينُ مثل ذلك ورأى النبيَّ (ص) وعليَّاً (ع) يُعيينان الملائكة، حتى إذا مات الحسينُ رأى عليُّ بن الحسين منه مثل ذلك ورأى النبيَّ وعليَّاً والحسن يعينون الملائكة، حتى إذا مات عليُّ بن الحسين (ع) رأى محمَّدُ بن عليٍّ مثل ذلك ورأى النبيَّ وعليَّاً والحسن والحسين يُعينون الملائكة، حتى إذا مات محمد بن عليٍّ رأى جعفرٌ مثل ذلك ورأى النبيَّ وعليَّاً و الحسنَ والحسين و عليَّ بن الحسين يُعينون الملائكة حتى إذا مات جعفر رأى موسى منه مثل ذلك، هكذا يجري إلى آخرنا(13).

هذه الرواية كما تلاحظون صريحة في تصدِّي الإمام عليِّ بن الحسين (ع) لتجهيز والده الشهيد الحسين بن علي (ع) إلا أنَّها ضعيفة السند، فلتكن مؤيِّداً آخر على الدعوى.

الأمر الثالث: ما ورد من أنَّ الإمام الحسين (ع) دُفن في قبرٍ مستقلٍّ ودُفن ابنُه عليُّ ابن الحسين الأكبر (ع) ممَّا يلي رجليه، ودُفن الشهداء من بني هاشم في قبرٍ واحد ودُفن الشهداء من غير بني هاشم في قبورٍ جماعيَّة أو في قبرٍ واحد ممَّا يلي رجلي الحسين (ع) وأمَّا العباس بن علي (ع) فدُفن في الموضع الذي قُتل فيه على طريق الغاضرية(14).

وهذا التفصيل والذي هو موردٌ لتسالم العلماء ومؤرِّخي الشيعة لا يتناسبُ مع دعوى تصدِّي أهلِ الغاضرية من بني أسد بنحو الاستقلال لتجهيز الحسين (ع) ومَن كان معه من الشهداء خصوصاً مع الالتفات إلى أنَّ رؤوس الشهداء قد فُصلت عن أجسادهم، فمن أين لبني أسد العلم بهويَّات الشهداء، وهم من أهل البادية ولم يشهدوا المعركة، وقد لا يكون منهم من تشرَّف برؤية الإمام الحسين (ع) فضلاً عن بقية الشهداء (ع).

فحينئذٍ كيف يُقال إنَّهم أفردوا للحسين (ع) قبراً ودُفن الأكبر قريباً منه ممَّا يلي رجليه، ولو تجاوزنا ذلك فكيف نتجاوز عن سبب دفنهم للعباس (ع) وحده، وهم لا يعرفونه قطعاً وقد كان أيسر عليهم أنْ يضعوه مع سائر الشهداء في القبر الجماعي الذي حفروه لهم، فليس ثمة ما يقتضي دفنه مستقلاً بعد افتراض جهلهم بهويَّته، فلم يكن من البُعد بحيث يكون دفنُه مستقلاً أيسر عليهم من حمله ووضعه مع سائر الشهداء.

إنَّ كلَّ ذلك يُعبِّر عن أنَّ الدفن بالكيفيَّة المذكورة لم يكن اتفاقيَّاً وجزافيَّاً بل كان عن تخطيط لا يناسب واقع أهل الغاضريَّة من بني أسد، وذلك ما يُؤكِّد ما ادَّعيناه من أنَّ الإمام السجاد (ع) هو الذي كان قد باشر الإشراف على تجهيز الإمام الحسين (ع).

ثمَّ إنَّ هنا رواية ينقلها السيِّد ابن طاووس في كتابه مصباح الزائر ورد فيها أنَّ جابر بن عبد الله الأنصاري جاء لزيارة قبر الإمام الحسين (ع) يوم العشرين من صفر بصحبة (عطا) عطية العوفي وبعد أن اغتسل وتطيَّب وقف على قبر الحسين (ع) وكبَّر ثلاثاً ثمَّ خرَّ مغشياً عليه، ولمَّا أفاق سلَّم على الحسين (ع) ولمَّا انتهى من السلام عليه وصلَّى ركعات جاء إلى قبر عليِّ بن الحسين (ع) فقال السلام عليك يا مولاي وابن مولاي لعن الله قاتلك لعن الله ظالمك أتقرب إلى الله بمحبتك..) ثمَّ قبَّله وصلَّى ركعتين والتفت إلى قبور الشهداء وقال: (السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله، السلام عليكم يا شيعة الله وشيعة رسوله..)(15).

ثمَّ جاء إلى قبر العباس بن أمير المؤمنين (ع) فوقف عليه وقال: " السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عباس بن علي، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين...".


من مواضيع صدى المهدي » الإستفتاءات … أسئلة بشأن البيع والشراء
» أنَّ الدين هو وسيلة اخترعها الأقوياء والأثرياء لتخدير الفقراء
» تحت شعار (من نهج الزهراء حجابي وبزينب اقتدائي)
» زيارة حمزة بن عبد المطلب (ره) في أحد
» حمزة بن عبد المطلب .. وفاء وفداء
رد مع اقتباس