عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-2022, 08:19 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

والجواب عن هذا الإشكال:

أنه لو تمَّ القول بعدم ظهورها فيما ادعيناه فإنَّ ذلك لا يؤثر على النتيجة التي خلصنا إليها، ذلك لأنَّها لم تكن وحدها الذي تمسَّكنا به حتى يكون إسقاطها منتجاً لسقوط الدعوى، على أنَّ القول بعدم ظهورها في المطلوب ساقط جداً، وذلك يتَّضح بالوقوف على ما هو الشيء الذي كان يُنكره عليُّ بن أبي حمزة على الإمام الرضا (ع) فالذي يظهر من الرواية وما هو المعلوم قطعاً من غيرها أيضاً أنَّ عليَّ بن أبي حمزة كان يُنكر إمامة الإمام الرضا (ع) ويدَّعي عدم موت الكاظم (ع) وقد جاء ومَن كان معه إلى الإمام الرضا (ع) لغرض البرهنة على صوابيَّة إنكارهم لإمامته، لذلك سألوه أولاً كما في الرواية "ما فعل أبوك قال: مضى، قال: مضى موتاً قال: (ع) نعم، قال: فقال: إلى مَن عهِد؟ قال (ع): إليَّ، قال: فأنت إمامٌ مفترضُ الطاعة من الله. قال (ع): نعم.

قال ابن السراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه.." (19)

ثم بدأ ابنُ أبي حمزة بالاحتجاج عليه.. قال: إنَّا روينا عن أبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله.." (20).

فأراد أن يقول أنَّك لم تحضر لتجهيز والدك الذي تدَّعي خلافته، فلو كنتَ إماماً لكنت مَن تولَّى تجهيزه لأنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، وهذه القضيَّة بصغراها وكبراها تقتضي هذه النتيجة وهي أنَّ الإمام الرضا (ع) لم يكن إماماً.

ويكفي لإسقاط هذه النتيجة اعتماد أحد الطرق الآتية:

الطريق الأول: إنكار الكبرى وهي أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، فحيثُ أنَّه (ع) لم ينكرها فذلك تعبيرٌ عن إقراره لها وتأكيده على صدقها، وما قد يقال إنه لم يكن يسعه إنكارها لأنَّهم لن يقبلوا ذلك منه نظراً لعدم إيمانِهم بإمامته فيكون إنكارُه بغير حجَّة بنظرهم، إذ لهم أنْ يردُّوا على إنكاره لو أنكر بأنَّ هذه الكبرى مستندة إلى حجَّة وهي ما نرويه عن آبائك الذين تُؤمن أنت بإمامتهم، فلأنه لم يكن يسعُه الإنكار لذلك اتَّخذ طريق المجاراة معهم ليخصمهم بعد ذلك بقولهم.

لو قيل ذلك فإنَّه يُجاب عنه بأنَّه لو لم يكن يُصحِّح الإمام هذه الكبرى لوسعه أنْ يُكذِّبهم ويُنكر عليهم روايتهم ذلك عن آبائه، بأنْ يؤكد أنَّ قول آبائه وانْ كان حجَّة إلا أنَّ دعواكم أنَّ ذلك ممَّا قد صدر عنهم كذبٌ وافتراء، وحينئذٍ تسقط الكبرى التي أرادوا التمسُّك بها للوصول إلى غرضهم نظراً لكونها غير مبرهَنة ولا مسلَّمة للخصم، فتكذيبُهم لو لم تكن القضية واقعيَّة كان هو الأيسر على الإمام لإسقاط دليلهم.

على أنَّ الإمام لو أنكر عليهم هذه القضية لم يكن من الصعب عليه البرهنة على إنكاره كما فعل ذلك في الحجَّة الأخرى التي احتجُّوا بها على الإمام (ع).

فقد ورد في نفس الرواية أنَّ عليَّ بن أبي حمزة قال للإمام (ع) لقد أظهرت شيئاً ما كان يُظهره أحد من آبائك ولا يتكلَّم به فقال الإمام (ع): بلى والله لقد تكلَّم به خير آبائي رسول الله (ص) لما أمره أن يُنذر عشيرته الأقربين، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً وقال لهم إنِّي رسولُ الله إليكم، وكان أشدَّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمُّه أبو لهب فقال لهم النبيُّ (ص).. إنْ خدشني خدشٌ فلستُ بنبيٍّ، فهذا أول ما أُبدِعُ لكم من آية النبوَّة، وأنا أقول إنْ خدشني من هارون خدشاً فلستُ بإمام فهذا ما أُبدع لكم من آية الإمامة.(21)

فابنُ أبي حمزة في هذه الفقرة احتجَّ على عدم إمامة الإمام بدعوى أنَّ السيرة القطعية للأئمة (ع) كانت جارية على إخفاء إمامتِهم وعدم البوح بها إلى مستوىً يؤدِّي إلى علم السلطان، فلأنَّ الإمام الرضا (ع) قد أظهر إمامته فذلك يُنافي ما عليه سيرة الأئمة (ع)، وهو دليل على عدم إمامته بزعمه.

فكان جواب الإمام (ع) هو إنكاره للكبرى التي تمسَّك بها عليُّ بن أبي حمزة ثم أنَّه تصدَّى للبرهنة على إنكاره بأمرين أحدهما الإشارة إلى الآية وأنذر عشيرتك الأقربين والثانية أنَّه تحدَّاه أنْ يتمكَّن هارون من أنْ يمسَّه بسوء وهو إخبارٌ عن الغيب.

ثم إنَّ من غير المناسب أن يُفترى على آبائه الطاهرين في محضره وفي قضيةٍ هي من الخطورة بحيث يكون عدم تفنيدها موجباً لضلال الكثير من الناس، من غير المناسب أنْ يكون الأمر كذلك ثم لا يتصدَّى لتكذيب هذه الفِرية، خصوصاً وأنَّ واحداً من أهمِّ وظائف الإمام هو ردُّ الشبهات الاعتقاديَّة بنحوٍ ينتفي أثرُها في التضليل، ودعوى عدم ظهور جواب الإمام في التسليم بالقضية لا ينهض لمستوى الإنكار لصدقها وهو خلفُ وظيفته من جهة وإهمالٌ لخطورة الأثر المترتِّب على عدم التصريح بالإنكار من جهةٍ أخرى.

إذن فعدمُ تصدِّي الإمام(ع) صريحاً لإنكار الكبرى وهي أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله يساوقُ الإقرار بها والتصديق بصوابيَّتها.

الطريق الثاني: لإسقاط النتيجة التي يروم البطائني الوصولَ إليها وهي البرهنة على عدم إمامة الإمام الرضا (ع) هو أنْ يتصدى الإمام الرضا (ع) لنفي إطلاق الكبرى بأنْ ينفي أن تكون هذه القضية مطَّردة مع كلِّ إمام، وهو (ع) لم يفعل ذلك فلم ينفِ إطلاق أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، وذلك يقضي الإقرار بتماميَّة إطلاقها.

ولو قيل إنَّ الإمام نفى الإطلاق بواسطة التمثيل بما وقع للإمام الحسين (ع) فكأنَّه أراد القول أنَّ هذه القضية غير مطَّردة بدليل أنَّ الإمام الحسين (ع) كان إماماً باعترافكم ومع ذلك لم يتصدَّ لتولِّي شأنه الإمامُ السجاد (ع) رغم أنَّه الإمام باعترافكم، فتمثيله بالإمام الحسين(ع) تعبيرٌ آخر عن عدم قبوله باطِّراد القضية.

والجواب: إنَّ الإمام الرضا (ع) لو أراد من تمثيله بالإمام الحسين (ع) الطعن في إطلاق الكبرى لأنكر على البطائني دعواه أنَّ الإمام السجاد (ع) كان قد خرج من الحبس من حيث لا يعلمون وتولَّى شأن أبيه ثم عاد إلى الكوفة، فعدمُ إنكاره عليه ذلك يُظهر البطائني في مظهر الغلبة وأنَّ ما أراد الإمام (ع) أنْ يتمسَّك به لإثبات عدم اطِّراد الكبرى لم يكن تامَّاً.

فكان على الإمام (ع) لو أراد نفي الإطِّراد للكبرى أنْ يؤكِّد عدم وقوع ما أدَّعاه من تولَّي السجَّاد (ع) لشأن الحسين (ع) لا أنَّه يُجاريه ليثبت له بعد ذلك إمكانيَّة حضوره إلى بغداد لتجهيز والده الإمام موسى بن جعفر (ع).

إذ أنَّ هذه المجاراة لو كانت كذلك لانتهت إلى نفس الإشكال والذي ذكرناه أولاً وهو التسليم بالكبرى وإطرادِّها أو على الأقل عدم الظهور في الإنكار الموجب لاحتمال التضليل إذ أنَّ الإمام لم ينفِ الكبرى بذلك ولم ينفِ اطَّرادها بعد أنْ لم يُنكر على البطائني دعواه بأنَّ السجاد (ع) خرج من الحبس وتولَّى شأن والده، وكلُّ ما فعله الإمام بناءً على ذلك هو إثبات إمكانيَّة حضوره بعد أنْ أمكن للسجَّاد الحضور إلى كربلاء وهو في الحبس، وهذا المقدار لا يُلغي البحث ولا يُوجب خصم البطائني، لأنَّ من المُستبعَد جداً أنَّ البطائني لا يُدرك إمكانيَّة حضور الإمام إلى بغداد وهو الذي يُؤمن بإمامة الأئمة السبعة واعترف بإمكانيَّة حضور السجاد إلى كربلاء وقد كان في الحبس.


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس