العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)
منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) سنة الرسول - اخلاق الرسول - صفات الرسول - أعمال الرسول - افعال الرسول - غزوات الرسول - فتوحات الرسول - احاديث الرسول - زوجات الرسول - صلى الله عليه وآله
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


عالمية رسالة النبي صلى الله علية وأله وخاتميتها

منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-03-2012, 06:55 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

دمعة الكرار


الملف الشخصي









دمعة الكرار غير متواجد حالياً


عالمية رسالة النبي صلى الله علية وأله وخاتميتها

بسم الله الرحمن الرحيم
اللَهٌمَ صَل ِعَلى مُحَمْدٍ وَآل ِ مُحَمْدٍ الْطَيّبْينَ الْطَاهِرّيْنَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عالمية رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وخاتميتها

ملامح الشريعة الإسلامية تمتاز الشريعة الإسلامية بنقطتين رئيستين: الأولى: عالميتها وشموليتها. الثانية: كونها خاتمة الشرائع. أما الأولى: فمعناها أن دعوتها عالمية لا تنحصر بإقليم معين، وهي من أبرز الملامح التي يستهدفها القرآن في دعوته ورسالته. يقول سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (1). ويقول أيضا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (2).


وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...} (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفرقان: 1.
(2) سبأ: 28.
(3) الأعراف: 158. (*)
لقد بعث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) سفراءه إلى أنحاء المعمورة لنشر دعوته فيها وبيد كل واحد منهم كتاب يعبر عن عالمية دعوته، فقد بعث إلى قيصر الروم، وكسرى فارس، وعظيم القبط، وملك الحبشة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، وحوزة بن علي الحنفي ملك اليمامة، وغيرهم من ملوك العرب وشيوخ القبائل والأساقفة، والمرازبة، والعمال، وهذه المواثيق أوضح دليل على أن رسالته عالمية لا تحد بحد، بل تجعل الأرض كلها ساحة لإشاعة دينه وتطبيق شريعته.
هذا والبراهين على عالمية دعوته كثيرة لا مجال لذكرها.
نعم ربما قد تظهر بعض المغالطات من النصارى القدامى في هذه النقطة، حيث حاولوا تحجيم أمر الرسالة وتخصيصها بمكان وعنصر خاصين، وليست شبهاتهم قابلة للذكر.
كيف وبيانات القرآن وخطاباته للبشر كافة ومواثيق الرسول ودعواته المتجاوزة حدود الجزيرة العربية، واجتياح جيوش المسلمين ورجالهم أرض غير العرب، واستقرار الأمة الإسلامية في أكثر مناطق المعمورة بل معظمها يومذاك، أبطلت هذه المغالطات وجعلتها في مدحرة البطلان، ولذلك نعود إلى الملمح الثاني من ملامح الشريعة الإسلامية، في بحثنا وهو خاتميتها، وهي تعني: أنها آخر الشرائع، وأن المبعوث بها هو خاتم الأنبياء، فشريعته خاتمة الشرائع، وهذا ما نحاول دراسته في هذه الرسالة، ونستدل عليه عن طريق الكتاب والسنة ونحلل الإشكالات المثارة حوله كل ذلك في ضمن فصول.
الخاتمية في الذكر الحكيم: اتفقت الأمة الإسلامية - عن بكرة أبيها - على أن نبيهم محمدا (صلى الله عليه وآله) خاتم النبيين، وأن دينه خاتم الأديان، وكتابه خاتم الكتب والصحف، فهو (صلى الله عليه وآله) آخر السفراء الإلهيين، أوصد به باب الرسالة والنبوة، وختمت به رسالة السماء إلى الأرض.
لقد اتفق المسلمون كافة على أن دين نبيهم دين الله الأبدي، وكتابه كتاب الله الخالد ودستوره الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد أنهى الله إليه كل تشريع وأودع فيه أصول كل رقي، وأناط به كل سعادة ورخاء، فاكتملت بدينه وكتابه الشرائع السماوية التي هي رسالة السماء إلى الأرض.
توضيحه: أن الشريعة الإلهية الحقة التي أنزلها الله تعالى إلى أول سفرائه لا تفترق جوهرا عما أنزله على آخرهم، بل كانت الشريعة السماوية في بدء أمرها نواة قابلة للنمو والنشوء، فأخذت تنمو وتستكمل عبر القرون والأجيال، حسب تطور الزمان وتكامل الأمم، وتسرب الحصافة إلى عقولهم، وتسلل الحضارة إلى حياتهم.
ويفصح عما ذكرنا قوله سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا...} (1) فقد وصى نبينا محمدا بما وصى به نوحا، من توحيده سبحانه وتنزيهه عن الشرك، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والتنديد بالجرائم الخلقية، والقضاء على أسبابها، إلى غير ذلك مما تجده في صحف الأولين والآخرين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى: 13. (*)
وتتجلى تلك الحقيقة الناصعة، أي وحدة الشرائع السماوية من مختلف الآيات في شتى المواضع، قال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (1) وظاهر الآية يعطي أن الدين عند الله - لم يزل ولن يزال - هو الإسلام في طول القرون والأجيال، ويعاضدها قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} (2).
وقال سبحانه في مورد آخر مخطئا مزعمة اليهود والنصارى في رمي بطل التوحيد إبراهيم باليهودية والنصرانية قال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (3).
فحقيقة الشرائع السماوية في جميع الأدوار والأجيال كانت أمرا واحدا وهو التسليم لفرائضه وعزائمه وحده جل وعلا.
ولأجل ذلك كتب الرسول إلى قيصر عندما دعاه إلى الإسلام، قوله سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (4).
وقد أمر سبحانه في آية أخرى رسوله بدعوة معشر اليهود أو الناس جميعا إلى اتباع ملة إبراهيم قال سبحانه: {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران: 19.
(2) آل عمران: 85.
(3) آل عمران: 67.
(4) السيرة الحلبية 2: 275، مسند أحمد 1: 262. والآية هي الرابعة والستون من سورة آل عمران.
(5) آل عمران: 95. (*)
وصرح سبحانه بأن كل نبي جاء عقب نبي آخر، كان يصرح بأنه مصدق بوجود النبي المتقدم عليه وكتابه ودينه، فالمسيح مصدق لما بين يديه من التوراة ومحمد (صلى الله عليه وآله) مصدق لما بين يديه من الكتب وكتابه مهيمن عليه، كما قال سبحانه: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} (1)، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة: 46.
(2) المائدة: 48. (*)
وهذه النصوص كلها تعبر عن وحدة أصول الشرائع وجذورها ولبابها.
وعلى هذا فرسالة السماء إلى الأرض، رسالة واحدة في الحقيقة مقولة بالتشكيك، متكاملة عبر القرون جاء بها الرسل طوال الأجيال وكلهم يحملون إلى المجتمع البشري رسالة واحدة، لتصعد بهم إلى مدارج الكمال، وتهديهم إلى معالم الهداية ومكارم الأخلاق.
نعم كان البشر في بدايات حياتهم يعيشون في غاية البساطة والسذاجة، فما كانت لهم دولة تسوسهم، ولا مجتمع يخدمهم، ولا ذرائع تربطهم، وكانت أواصر الوحدة ووشائج الارتباط بينهم ضعيفة جدا، فلأجل ذاك القصور في العقل، وقلة التقدم، وضعف الرقي، كانت تعاليم أنبيائهم، والأحكام المشروعة لهم طفيفة في غاية البساطة، فلما أخذت الإنسانية بالتقدم والرقي، وكثرت المسائل يوما فيوما، اتسع نطاق الشريعة واكتملت الأحكام تلو هذه الأحوال والتطورات. فهذه الشرائع (مع اختلافها في بعض الفروع والأحكام نظرا إلى الأحوال الأممية والشؤون الجغرافية) لا تختلف في أصولها ولبابها، بل كلها تهدف إلى أمر واحد، وتسوق المجتمع إلى هدف مفرد، والاختلاف إنما هو في الشريعة والمنهاج لا في المقاصد والغايات كما قال سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} (1).
وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
وخلاصة القول: إن السنن مختلفة، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، ولكن الدين هو الأصول والعقائد والأحكام التي تساير الفطرة الإنسانية ولا تخالفها واحدة منها. وهاتان الآيتان لا تهدفان إلى اختلاف الشرائع في جميع موادها، ومواردها اختلافا كليا بحيث تكون النسبة بينها نسبة التباين، كيف وهو سبحانه يأمر نبيه بالاقتداء بهدى أنبيائه السالفين ويقول: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (3).
نعم جاءت الرسل تترى، وتواصلت حلقات النبوة في الأدوار الماضية إلى أن بعث الله آخر سفرائه فأتم نعمته وأكمل به دينه، فأصبح المجتمع البشري في ظل دينه الكامل، وكتابه الجامع، غنيا عن تواصل الرسالة وتعاقب النبوة، وأصبح البشر غير محتاجين إلى إرسال أي رسول بعده، إذ جاء الرسول بأكمل الشرائع وأتقنها وأجمعها للحقوق وبكل ما يحتاج إليه البشر في أدوار حياتهم وأنواع تطوراتهم، وفي الوقت نفسه فيها مرونة تتمشى مع جميع الأزمنة والأجيال، من دون أن تمس جوهر الرسالة الأصلي بتحوير وتحريف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة: 48 أي جعلنا لكل من موسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام) أو لكل من أمم التوراة والإنجيل والقرآن شريعة وطريقا خاصا إلى ما هو الهدف الأقصى من بعث الرسل ومنهاجا واضحا، والاختلاف بين الكتب والشرائع جزئي لا كلي، والنسخ في بعض الأحكام لا في جميعها.
(2) الجاثية: 18.
(3) الأنعام: 90. (*)
وإليك أدلة خاتميته من الكتاب أولا، والسنة ثانيا، أما الكتاب ففيه نصوص:
النص الأول: قوله سبحانه: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (1).
توضيح الآية: تبنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) زيدا قبل عصر الرسالة، وكانت العرب ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في أحكام الزواج والميراث، فأراد الله سبحانه أن ينسخ تلك السنة الجاهلية، فأمر رسوله أن يتزوج زينب زوجة زيد بعد مفارقته لها، فلما تزوجها رسول الله أوجد ذلك ضجة بين المنافقين والمتوغلين في النزعات الجاهلية والمنساقين وراءها، فرد الله سبحانه مزاعمهم بقوله {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} من الذين لم يلدهم ومنهم زيد {وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ} وهو لا يترك ما أمره الله به {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وآخرهم ختمت به النبوة، فلا نبي بعده، ولا شريعة بعد شريعته، فنبوته أبدية، وشريعته باقية إلى يوم الدين.
الخاتم وما يراد منه: لقد قرئ لفظ الخاتم بوجهين: الأول: بفتح التاء وعليه قراءة عاصم، ويكون بمعنى الطابع الذي تختم به الرسائل والمواثيق، فكان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى باب النبوة كالطابع، ختم به باب النبوة، وأوصد وأغلق فلا يفتح أبدا.
الثاني: بكسر التاء وعليه يكون اسم فاعل، أي الذي يختم باب النبوة، وعلى كلتا القراءتين فالآية صريحة على أن باب النبوة أو بعث الأنبياء ختم بمجئ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأحزاب: 40. (*)
قال أبو محمد الدميري: والخاتم الفاعل قل بالكسر * وما به يختم فتحا يجري وأنت إذا راجعت التفاسير المؤلفة منذ العصور الأولى إلى يومنا هذا ترى أن عامة المفسرين يفسرونها بما ذكرنا ويصرحون بأن وصفه (صلى الله عليه وآله) وتشبيهه بالخاتم (بالفتح) لأنه كان الرسم الدائر بين العرب هو ختم الرسالات بخاتمهم الذي بين أصابعهم، فكانت خواتيمهم طوابعهم، فكأن النبي الأكرم بين الأنبياء هو الخاتم ختم به باب النبوات، ولك أن تستلهم هذا المعنى من الآيات الكثيرة التي وردت فيها مادة تلك الكلمة، فترى أن جميعها يفيد هذا المعنى، كالآيات التالية:
1 - قال سبحانه: {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ} (1) أي مختوم بابه بشئ مثل الشمع وغيره دليلا على خلوصه.
2 - وقال سبحانه: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (2) أي آخر شربه تفوح منه رائحة المسك.
3 - وقال سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} (3) أي يطبع على أفواههم فتوصد، وتتكلم أيديهم.
إلى غير ذلك من الآيات التي وردت فيها مادة تلك الكلمة، والكل يهدف إلى الانتهاء والانقطاع. وفي مورد الآية.. انتهاء النبوة وانقطاعها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المطففين: 25.
(2) المطففين: 26.
3)) يس: 65. (*)
النص الثاني: قوله سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (1).
والآية صريحة في أن الغاية من تنزيل القرآن على عبده (النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)) كون القرآن نذيرا للعالمين من بدء نزوله إلى يوم يبعثون، من غير فرق بين تفسيرها بالإنس والجن أو الناس أجمعهم، وإن كان الثاني هو المتعين، فإن العالمين في الذكر الحكيم جاء بهذا المعنى.
قال سبحانه حاكيا عن لسان لوط: {قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2).
فإن المراد من العالمين في كلامهم هم الناس، إذ لا معنى لأن ينهونه عن استضافة الجن والملائكة، ونظيره قوله سبحانه حاكيا عن لسان لوط: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} (3) فالمراد من العالمين في كلتا الآيتين هم الناس.
وبذلك يعلم قوة ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) من أن العالمين عنى به الناس وجعل كل واحد عالما، ولا يعدل عن ذلك الظاهر إلا بقرينة، وبما أنه لا قرينة على العدول من الظاهر فيكون معنى قوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} أي نذيرا للناس أجمعهم من يوم نزوله إلى يوم يبعثون.
النص الثالث: قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفرقان: 1.
(2) الحجر: 68 - 70.
(3) الشعراء: 165.
(4) فصلت: 41 - 42. (*)
وجه الدلالة على الخاتمية، أن المراد من الذكر هو القرآن بقرينة قوله سبحانه: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (1).
والضمير في {لَا يَأْتِيهِ} يرجع إلى الذكر ومفاد الآية أن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلا من أي جهة من الجهات، فلا يأتيه الباطل بأية صورة متصورة، ودونك صوره.
1 - لا يأتيه الباطل: أي لا ينقص منه شئ ولا يزيد عليه شئ.
2 - لا يأتيه الباطل: أي لا يأتيه كتاب يبطله وينسخه وأن يجعله سدى فهو حق ثابت لا يبدل ولا يغير ولا يترك.
3 - لا يأتيه الباطل: لا يتطرق الباطل في إخباره عما مضى ولا في إخباره بما يجئ، فكلها تطابق الواقع.
وحاصل الآية أن القرآن حق لا يداخله الباطل إلى يوم القيامة، فإذا كان حقا مطلقا مصونا عن تسلل البطلان إليه ومتبعا للناس إلى يوم القيامة يجب عند ذلك دوام رسالته وثبات نبوته وخاتمية شريعته.
وبتعبير آخر أن الشريعة الجديدة إما أن تكون عين الشريعة الإسلامية الحقة أو غيرها، فعلى الأول لا حاجة إلى الثانية، وعلى الثاني: فإما أن تكون الثانية حقة كالأولى، فيلزم كون المتناقضين حقا، أو أن تكون الأولى حقا دون الأخرى، وهذا هو المطلوب، وشريعة الرسول الأعظم جزء من الكتاب الحق الذي لا يدانيه الباطل، وسنته المحكمة التي لا تصدر إلا بإيحاء منه كما قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (2) فالآية صريحة في نفي أي تشريع بعد القرآن وأية شريعة بعد الإسلام، فتدل بالملازمة على عدم النبوة التشريعية بعد نبوته.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران: 58.
(2) النجم: 3 - 5. (*)
النص الرابع: قوله سبحانه: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ...} (1).
وظاهر الآية: أن الغاية من نزول القرآن تحذير من بلغه إلى يوم القيامة وبذلك يفسر قوله سبحانه في آية أخرى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...} (2).
فإن المراد {وَمَنْ حَوْلَهَا} جميع أقطار المعمورة، وعلى فرض انصرافها عن هذا المعنى العام فلا مفهوم للآية بعد ورود قوله سبحانه: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}.
النص الخامس: قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (3).
والمتبادر من الآية كون {كَافَّةً} حالا من الناس قدمت على ذيها وتقدير الآية وما أرسلناك إلا للناس كافة بشيرا ونذيرا.
وإليك محصل الآيات الخمس: أما الأولى فهو: أن باب الإخبار عن السماء الذي كان هو النبوة قد أوصد، وبإيصاده تكون النبوة مختومة، وبختمها تكون الشريعة المحمدية أبدية، لأن تجديد الشريعة فرع فتح باب النبوة، فإذا كان التنبؤ بإخبار السماء مغلقا، فلا يمكن الإخبار عن السماء بوجه من الوجوه، ومنها نسخ الشريعة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأنعام: 19.
(2) الشورى: 7.
(3) سبأ: 28. (*)
وأما الآيات الأربع الباقية فهي صريحة ببقاء الشريعة الإسلامية بعموميتها، فمجموع الآيات يركز على أمر واحد: غلق باب النبوة وأبدية الشريعة الإسلامية.
هذه هي النصوص، ومع ذلك ففي القرآن إشارات إلى الخاتمية بعناوين أخرى نشير إلى بعض منها: الأولى: {أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (1).
إن دلالة قوله سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ...} على إيصاد باب الوحي إلى يوم القيامة واضحة بعد الوقوف على معنى الكلمة، فإن المراد منها الدعوة الإسلامية، أو القرآن الكريم وما فيه من شرائع وأحكام، والشاهد عليها الآية المتقدمة حيث قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} (2) فالمراد من قوله {أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ} هو القرآن النازل على العالمين، ثم يقول: بأن الذين آتيناهم الكتاب من قبل كاليهود والنصارى إذا تخلصوا من الهوى يعلمون أن القرآن وحي إلهي كالتوراة والإنجيل، وأنه منزل من الله سبحانه بالحق، فلا يصح لأي منصف أن يتردد في كونه نازلا منه إلى هداية الناس.
ثم يقول في الآية التالية: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} بظهور الدعوة المحمدية، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب، وصارت مستقرة في محلها بعدما كانت تسير دهرا طويلا في مدارج التدرج بنبوة بعد نبوة وشريعة بعد شريعة (3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأنعام: 114 - 115.
(2) الأنعام: 114.
(3) الطباطبائي، الميزان 7: 338، الطبرسي، مجمع البيان 2: 354.
وهذه الكلمة الإلهية - أعني: الدعوة الإلهية المستوحاة في القرآن الكريم - صدق لا يشوبه كذب وما فيه من الأحكام من الأمر والنهي، عدل لا يخالطه ظلم، ولأجل تلك التمامية لا تتبدل كلماته وأحكامه من بعد (1).
هذه نظرة إلى القرآن حول الخاتمية ومن أراد التفصيل والتحقيق فليراجع التفاسير، وكما أن الكتاب الحكيم اهتم بالخاتمية، فهكذا اهتمت بها السنة النبوية وروايات العترة الطاهرة ولو حاولنا أن نذكر ما وقفنا عليه في ذلك المجال من المآثر لطال وقوفنا مع القراء، ولذلك نقتصر على اثنتي عشرة رواية مع أن المأثور يتجاوز المائة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد استعملت الكلمات في القرآن الكريم في الشرائع الإلهية قال سبحانه واصفا مريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ...} التحريم: 12. (*)







الشيخ جعفر السبحاني
شبكة الشيعة العالمية




من مواضيع دمعة الكرار » معالم الشخصية السماوية للزهراء (عليها السلام)
» ثلاث دعواتٍ مستجابات لا شكّ فيهنّ
» عَلى قَدر عَطآئكْ يَفتقدك الـ آخرون ..!
» أثمرت وروديوقتلتني جروحها
» عبادة الامام الحسين علية السلام
رد مع اقتباس
قديم 03-03-2012, 08:41 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

غربتي طالت


الملف الشخصي









غربتي طالت غير متواجد حالياً


افتراضي

بارك الله بكِ على الطرح القيم
جعله الله في ميزان اعمالكِ
حياكِ الله


من مواضيع غربتي طالت » اسامي البنات حسب علم النفس
» ليست صورة وليست فيديو
» شاب يتصور على حافة الموت
» حديقة في اليابان تضم نماذج مصغرة من شتى انحاء العالم .
» سأغيب عن المنتدى والوداع
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الله, النبي, رسالة, سمي, علية, عالمية, وآله, وخاتميتها

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من تعاليم النبي صلى الله علية وأله لمن أرادخيروسعادة الدنيا والاخرة دمعة الكرار منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) 4 12-01-2012 09:58 PM
القياس عند رسول الله صلى الله علية وأله له وسلم دمعة الكرار منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) 2 10-01-2012 04:47 AM
النبي (صلى الله علية وأله)أشرف الخلق دمعة الكرار منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) 4 30-11-2011 03:47 PM
تغير القبلة في صلاة رسول الله صلى الله علية وآله الحيران منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) 6 25-09-2011 02:33 PM
قيل أن جبريل علية السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تراب البقيع قسم الادعيه والزيارات والأذكار 8 04-12-2008 03:09 AM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين