في زيارة للإمام الحسين سلام الله عليه يرويها ابن قولويه القمّي رحمه الله في كتابه ((كامل الزيارات))؛ عن الإمام الصادق (سلام الله عليه) مخاطباً جدّه الإمام الحسين (سلام الله عليه): (وضمَّنَ -أي الله تعالى- الأرضَ ومَن عليها دمَك وثارَك)(1) ماذا تعني هذه العبارة؟
الجواب:
الفقرة المذكورة تحتملُ أكثرَ من معنى:
الاحتمال الأول: أنَّ المراد من قوله (ع): "ضمَّن الأرض ومَن عليها" هو أنَّه تعالى ألزَمَ الأرضَ ومَن عليها الأخذَ بثأر الحسين (ع) فالفعل "ضمَّن" يعني التحميل والإلزام كما يُقال ضمَّنتُ الجاني عِوَضَ جنايتِه أي أداء وضمان عوَض جنايتِه أو ضمَّنتُ الأبَ ما أتلفه ولدُه أي حمَّلته مسئوليَّة ضمان عوض المال الذي أتلَفَه.
وعليه فمفادُ الفقرةِ المذكورة هو تكليفُ الأرض ومَن عليها الأخذَ بثأر الحسين (ع) فالمراد من الدم هو ذاتُه المراد من الثأر كما يُقال أطالب زيداً بدم، أي أطالبُه بثأر أو يُقال بيني وبينه دمٌ، أي بيني وبينه ثأر، ولذلك فعطفُ الثأر في الرواية على الدم من عطف التفسير.
وأمَّا معنى تضمين الأرض دم الحسين (ع) وثأره فلعلَّ المقصود من ذلك تكليفُها تكويناً بإيقاع العذاب على قتلة الحسين (ع) بأن يكون تعالى قد كلَّف الأرض بإيقاع العقوبة على قتلَة الحسين (ع) بعد موتِهم في قبورهم إلى قيام الساعة، فعذابُهم يبدأ بإيداعِهم في قبورهم، ولا يُنتظر بهم إلى يوم القيامة.
وأمَّا معنى تضمينه تعالى مَن على الأرض بدم الحسين (ع) فهو تكليفُهم شرعاً بالأخذ بثأر الحسين (ع) وذلك بالقصاص مِن قتلتِه والمحاربةِ أبداً لأعدائه ومناوئيه إلى قيام الساعة.
وبهذا يكون معنى التضمين هو أنَّه تعالى جعلَ أخذَ الثأرِ والقصاص لدم الحسين (ع) في عُهدة الأرض ومَن عليها، كلٌّ بحسبه.
الاحتمال الثاني: أنَّ المراد من قوله (ع): "ضمَّن الأرض ومَن عليها دمَك وثارَك" هو أنَّه تعالى أودعَ ميثاقَ العهد بأخذ ثأرك عالَمَ هذه النشأة أي عالم الدنيا، فالأرضُ ومَن عليها تعبيرٌ آخر عن عالَمِ هذه النشأة، ومفادُ الفقرة بناءً على هذا الاحتمال هو أنَّ الله تعالى قد تعهَّد بالانتقام والانتصار للحسين (ع) ومبادئه وأهدافِه في عالَم الدنيا.
ولعلَّ ممَّا يؤيِّد هذا المعنى هو الفقرة التي تلتْ هذه الفقرة وهي قوله (ع): "اشهد انَّ لك مِن الله ما وعدَك من النصرِ والفتح، وأنَّ لك مِن الله الوعدَ الصادق في هلاكِ أعدائك، وتمام موعد الله إيَّاك"(2).
وبحسب رواية أبي بصير: " أشهدُ أنَّ لك مِن الله ما وعدَك من النصرِ والفتح، وأنَّ لك من الله الوعدَ الحقَّ في هلاكِ عدوِّك وتمامَ موعدِه إيَّاك"(3).
وبهذا يكون معنى التضمين هو أنَّه تعالى تعهَّد بأنْ يكون هو المتكفِّل بالانتقام والانتصار لسيد الشهداء(ع) في هذه الدنيا كما هو مفاد التعبير في الكثير من المأثورات بأنَّ الحسين (ع) هو ثأر الله وأنَّه، وترُ اللهِ الموتور، وأنَّه قتيل الله، كما في الزيارة المأثورة عن أبي عبد الله الصادق(ع): السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا قَتِيلَ اللَّه وابْنَ قَتِيلِه السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللَّه وابْنَ ثَارِه السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَتْرَ اللَّه الْمَوْتُورَ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ .. وأَشْهَدُ أَنَّكَ قَتِيلُ اللَّه وابْنُ قَتِيلِه وأَشْهَدُ أَنَّكَ ثَائِرُ اللَّه وابْنُ ثَائِرِه وأَشْهَدُ أَنَّكَ وَتْرُ اللَّه الْمَوْتُورُ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ .."(4).
فثأر الله معناه أنَّ الله تعالى هو وليُّ الأخذ بثأره، وهكذا فإنَّ مفاد قوله (ع): "قتيل الله هو أنَّ الله وليُّ دمِه كما هو معنى قولهم مثلاً إنَّ فلان قتيل بني تميم فإنَّ معنى ذلك أنَّ بني تميم هو أولياء دمِه".
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
---------------------------
1-كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص387
2-كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص361.
3-كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص387
4- الكافي -الكليني- ج4 / ص576.