ظلم دائم: إن في تعابير أهل البيت (عليهم السلام) هناك عبارة "الإقامة على الظلم"!.. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ).. الإقامة على الظلم، هو الظلم المستمر: كأن يظلم الإنسان خادمته يومياً، أو يظلم الشريك شريكه، والزميل زميله.. هذا العمل هو من موجبات تعجيل الانتقام من الإنسان؛ لأنه أقام على الظلم!..
رابعاً: انتقام رب العالمين.. إن رب العالمين له صبر عجيب، ولكن إذا أخذ فإن أخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾.. عن الإمام الباقر (عليه السلام): (أملى الله عز وجل لفرعون ما بين الكلمتين أربعين سنة، ثم أخذه الله نكال الآخرة والأولى، وكان بين أن قال الله عز وجل لموسى وهارون: ﴿قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾، وبين أن عرّفه الله الإجابة أربعين سنة.. ثم قال: قال جبرائيل: نازلت (أي سألته مرة بعد مرة) ربي في فرعون منازلة شديدة فقلت: يا رب!.. تدعه وقد قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾؟.. فقال: إنما يقول هذا عبد مثلك).. هذه الرواية فيها مطلبان مهمان:
-(وكان بين أن قال الله عز وجل لموسى وهارون: ﴿قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾، وبين أن عرّفه الله الإجابة أربعين سنة).. إن رب العالمين لا يعجل؛ لأنه (إِنَّمَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ)، بين دعوة النبي (عليه السلام) وبين الاستجابة أربعين سنة.. بينما هناك من يدعو الآن ويتوقع الإجابة غداً، موسى (عليه السلام) انتظر أربعين سنة، وموسى هو كليم الله ولكن الله عز وجل لم يعجل له الاستجابة!..
-(قال جبرائيل).. إن جبرائيل (عليه السلام) هو سفير الله عز وجل، ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾.
-(نازلت ربي في فرعون منازلة شديدة).. أي أخذ يسأل ويصر في السؤال.
-(يا رب!.. تدعه)؟.. أي إلى متى تصبر على فرعون؟.. فالملائكة لهم حق السؤال، كما في خلقة آدم (عليه السلام) ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
-(وقد قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾).. قال جبرائيل (عليه السلام): إلى متى تصبر على فرعون، وقد قال كلمة لم يقلها أحد على ما نعلم إلا المجانين.. ففرعون لم يقل: أنا ربكم المتوسط -مثلا- بل قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾؛ أي أعلى من كل عالٍ!..
-(فقال: إنما يقول هذا عبد مثلك).. رب العالمين جوابه محكم، قال لجبرائيل: يا جبرائيل!.. أنت عبد وأنا رب، أنا أتصرف!.. أي نحن نصبر على ظلم فرعون، ولكن في الساعة المؤاتية نقتلعه من جذوره!.. رب العالمين تركه آية للعالمين، يقول تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾، وهذه أهرامات مصر تدل على أولئك الفراعنة.
الدرس العملي..
1. عدم تعجل استجابة الدعاء.
2. إن رب العالمين يُمهل ولا يهمل.
3. إن الإنسان يسأل الله عز وجل ألا يحلل عليه غضبه؛ لأن الآية مخيفة ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾!.. فبعض أهل المعاصي بعد سنوات من ارتكاب المحرمات المختلفة، وإذا به يرى انقلاباً في قلبه: فيشك في دينه، وفي المبدأ والميعاد.. ما ذلك إلا بسبب تراكم المعاصي، فينتهي به الأمر إلى الكفر؛ لأن رب العالمين يسلط عليه الشيطان ليسلب منه كلمة "لا إله إلا الله".
4. إن الإنسان عليه أن يحذر الظلم قليله وكثيره!..
5. إن الإنسان عليه أن يدعو ربه قائلاً: يا رب، إن كان ولابد من العقوبة -هذا دعاء طريف قد تضحك منه الملائكة- يا رب، عذّبني بالأقساط لا بالجملة.. أنا الآن ارتكبت ظلماً، فلأبتلَ بصداعٍ هذا اليوم، كي تصفي الحساب معي، ولا تجعل الحسابات متراكمة، فتأخذني ﴿أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾.. هب لي الصبر على بلائك، فأنا أتحمل العقوبات الخفيفة، ولا تعمل فيَّ بقولك: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾!..