العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام
المنتدى الاسلامي العام يختص بكل مواضيع الثقافة الإسلامية على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


/:/ تأملات وعبر من حياة النبي يوسف عليه السلام /:/

المنتدى الاسلامي العام


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-06-2009, 12:47 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

خادم الباقرع


الملف الشخصي









خادم الباقرع غير متواجد حالياً


افتراضي /:/ تأملات وعبر من حياة النبي يوسف عليه السلام /:/

اللهم صل على محمد وآل محمد
////////////////////////////////////////////

تأملات وعبر من حياة النبي يوسف عليه السلام .. الجزء الأول
::::::::::::::::::::::::::::
لم يمر على البشرية -منذ أن خلق الله تعالى آدم (ع) إلى هذا اليوم- عصر انتشر فيه الفساد: كمّاً، وكيفاً، وصوراً، كما هو في عصرنا اليوم.. ففي زاوية من زوايا الأرض، كان هناك قوم يمارسون الرذيلة والشذوذ، وقد عُرفوا في التأريخ، وقلبت مدينتهم جزاء بما كانوا يعملون.. والقرآن يذكرهم بذكرٍ منفرٍ: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ}.. بينما أصبحت هذه المعصية من المعاصي التي تُمارس هذه الأيام، بشكل مستساغ عند البعض، ومفلسف، وبلا نكير.. فهذه الفاحشة كانت سمة من سمات بعض الأمم.
إن شتى أنواع المنكر الظاهري والباطني، الشاذ وغير الشاذ، أصبح منتشرا في هذا العصر.. حقا إنه عصر عصيب!.. إذ أشارت بعض الروايات إلى مسألة امتلاء الأرض جورا، فنحن نعيش -على الأقل- بدايات هذا العصر.. وعلى كلٍّ فإن التأمل في سورة وقصة يوسف –عليه السلام- من موجبات الاعتبار في هذا المجال.. فهو من الأنبياء الذين يمكن أن نجعلهم قدوة في حياتنا اليوم، وخاصة بالنسبة للشباب الذين يواجهون شتى صور المغريات.
إن قصة يوسف –عليه السلام- من القصص التي ذكرت بتفصيل في القرآن الكريم: منذ صغره، وذلك المنام الذي رآه، إلى قصة الهمّ بقتله، ثم بيعه، ثم السجن، ثم إلى أن صار على خزائن الأرض.. فيوسف (ع) من الأنبياء الذين تناولهم القرآن الكريم بشيء من التفصيل.
ونلاحظ أن القرآن ينقل قصة، ولكن يعبر عن هذه القصة بأنها من أحسن القصص.. فهنالك قصة تقال للتسلية، ولإظهار شخصية خرافية، كما هو في كل الأمم.. ولكن هذه القصة من الوحي، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}.. حيث أن هنالك نوع منّة من الله عز وجل، في ذكر قصص الغابرين من أنبيائه العظام.
إن هذه الحروف المقطعة في سورة البقرة {الم}.. وفي سورة يوسف {الر}.. وفي سورة آل عمران {الم}.. إلى آخره من السور، فقد كثرت الأقاويل في هذه المقطعات القرآنية، التي لم تعهد في أي مؤلف.. حيث أننا لا نرى مؤلفا في حياة الشعوب، تبتدأ بهذه الحروف المقطعة، حتى لعله في الإنجيل والتوراة الحقيقيين، قد لم تكن هذه القضية متكررة؛ ولكن في القرآن نرى هذه الظاهرة.. فهناك رأيان أساسيان حول هذه المسألة:
الرأي الأول: أنها رموز بين الله عز وجل، وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هم كالنبي.. فالله عز وجل يريد أن يخاطب أولياءه ببعض الرموز، وهم يعلمون هذه الرموز.
الرأي الثاني: وهو أن الله عز وجل يريد أن يقول: بأن القرآن مركب من هذه الحروف.. ولكن بالنسبة إلى هذا القول الثاني: فلماذا تكرار بعض المقطعات: {الم} مثلا؟.. ولماذا اختيار هذه الأحرف؟.. ولماذا اختيار حرف {ص} أو {ن} أو ما شابه ذلك؟..
وعليه، فإن مسألة الرمزية هي الأقرب، والبعض قال: الله أعلم بمراده.. فجعل نفسه في زاوية الجهالة المطلقة، وقال: نحن لا نفقه تفسيرا لهذه الكلمات.. إن القرآن معظمه بيّن وظاهر، ما عدا هذه المقطعات، والآيات المتشابهة.
إن في قصة يوسف صلوات الله وسلامه عليه، بعض الدروس المهمة:
يلاحظ من سياق سورة يوسف (ع)، أن أخوة يوسف (ع) لم يكونوا من الكافرين، بل كانوا مؤمنين بالله عز وجل.. ولهذا تراهم يقسمون بالله عز وجل: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}.. فإن قال قائل: بأن هذه التعابير كانت متأخرة، وعندما همّوا بقتل يوسف –عليه السلام- لم يكونوا مؤمنين.. فإن هذا القول تدفعه هذه الآية: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}.. والغريب أن هؤلاء كان بودهم أن يقعوا في قلب أبيهم موقعا حسنا، ويريدون أن يتوجه إليهم يعقوب كتوجهه إلى يوسف!..

وعليه، فإن على الأب أن لا يظهر التمييز في مقام التعامل مع أولاده، فالشيطان في المرصاد، والحسد من المعاصي الأولية على هذه الأرض.. ويبدو أن هؤلاء اكتشفوا بأن هنالك توجها من يعقوب لهذا النبي العظيم.. ويوسف (ع) كما نعلم، لم يكن جماله جمالا طارئا، وإنما كان جماله معه منذ الصغر: جمال ظاهري، وروح تحمل مقدمات تلقي النبوة.. فيا له من جمال ظاهرٍ وباطن!.. فمن الطبيعي أن يميل إليه يعقوب، ويبدو ذلك من تصرفه.
إن قولهم: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}.. أي بعد ذلك نتوب إلى الله عز وجل، ونصبح من الصالحين.. وهذه هي حالة الاستهزاء بالتوبة، إن البعض منا يرتكب الفواحش، ويعمل بعض المنكرات، أو قد يتوغل في عالم الشهوات المحللة، على أمل أن يصل يوما من الأيام، ويعود إلى جادة الحق.. ولكن أنّى له ذلك؟!..
فإذن، إن هذا المنطق ذكره القرآن الكريم.. وهو منطق لا يمكن أن يقبل، أي أن يُقدم الإنسان على المعصية، على أمل أن يوفق للتوبة في يوما من الأيام.. فالإنسان مادام لم يخرج من هذه الدنيا سالما، ومادام لم تختم له بالعاقبة الحسنة، فليتوقع في نفسه كل شيء.. فالشيطان بالمرصاد، وهو الخبير بإغواء الأمم.. وهكذا دخل في نفوس أخوة يوسف، الذين تربوا في حضن نبي من الأنبياء.. وما قاموا به، لم يكن مقابل رجل كبير.. فقابيل قتل هابيل، ولكن كانوا في مستوى بعضهم البعض.. أما بالنسبة إلى طفل صغير كيوسف، هذا الولد البريء، والجميل، وذو الصفات الحسنة.. فكيف طاوعت لهم أنفسهم محاولة قتله؟.. فهذا يكشف أنه لا أمان من شر الشيطان، من أن يجر الإنسان إلى أعظم المعاصي.. ويقال بأنهم كانوا عشرة، وكلهم أجمعوا على قتل يوسف.. فعشرة مقابل يوسف وأخيه، وهما ولدان صغيران، وفي المقابل عصبة متشكلة!.. ونحن نعلم أن الانحراف قد يأتي لولد، أو لولدين، أو لثلاثة، أما أن أولاد نبي يجمعون على كبيرة من الكبائر، وكبيرة شرعية، وكبيرة لا إنسانية!.. فإذن، إن النفس الإنسانية معرضة لكل كبيرة، لولا العصمة الإلهية، والأمان من شر الشيطان اللعين الرجيم.
إن هذا الشيطان العدو اللدود، له خبرة عريقة.. فقد حاول مع أبناء يعقوب، وأوصلهم إلى هذه الدرجة المتدنية من الميل إلى الجريمة.. فما بالنا نحن الذين لسنا في مستوى المواجهة مع هذا العدو اللدود؟!..
إن من المحطات الملفتة في حياة نبي الله يوسف -صلوات الله وسلامه عليه- هي ملاحظة أن اليد الإلهية هي التي تسوق الأنبياء، فمثلا: إبراهيم (ع) وإخراجه من النار.. وموسى (ع) وإخراجه من النيل.. ويونس (ع) وإخراجه من بطن الحوت.. فهذه اليد أيضا تعاملت مع يوسف (ع) بنفس المعادلة، فلو أن السيارة أو القافلة، قد تأخرت يوما أو بعض يوم، لمات جوعا، وهو في أعماق ذلك البئر.. ولكن تأتي السيارة في الوقت المناسب، فيدلي دلوه، ويرون هذا الغلام.. وبالتالي، يأتي رب العالمين بالمدد الغيبي، ليستخرج وليه من أعماق البئر.. إن هذه اليد عولوا عليها.
إن الإنسان المؤمن لا يحسب حساباته، فهناك ورد ما مضمونه: (يا عبدي ادعني ولا تعلمني).. أي أنت اطلب مني الهدف، أما ما هي الوسيلة؟.. وما هي المراحل؟.. فاترك الأمر إليَّ!.. فيوسف -عليه السلام- وهو في أعماق البئر، من المؤكد أنه كان يدعو إما بلسان حاله، أو بلسان مقاله.. ولم يكن يتوقع أن تكون النجاة بهذه الطريقة، والنجاة من أين؟.. وإلى أين؟.. من أعماق البئر، إلى ذلك المكان الفرعوني، إلى بيت العزيز، حيث الترف، وحيث الراحة!.. وإذا به وخلال فترة قصيرة، ينتقل من العالم الضيق، إلى ذلك العالم المترف.
ثم انظروا إلى تصرفات الله عز وجل في قلب الملوك!.. إن البعض يظن أن الله عز وجل يتصرف في قلوب الصالحين فقط.. فعندما يبتلى الإنسان ببلية، ويكون علاج هذه البلية بيد ظالم، فعليه أن لا ييأس من روح الله عز وجل.. فالذي قلّب قلب فرعون، الذي يقتل الأولاد الصغار، والرضع، لئلا يلد فيهم مثل موسى.. وإذا بهذا القلب يتحوّل، ويحتضن القاتل، وهو موسى.
وانظروا إلى هذا العزيز!.. {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}.. ومن المعروف بأن عاطفة الأبوة والبنوة، تحتاج إلى جذور فطرية.. فالإنسان يحنُّ إلى ولده الذي من صلبه، وهذا ولدٌ استُخرج من البئر، لا يعرف حسبه ولا نسبه.. وإذا بهذه العاطفة التي تأتي من خلال سنوات، من البنوة والأبوة، توجد في قلب هذا الرجل، وفي قلب زوجته.
{وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ}.. إذا أراد الله عز وجل أن يهيأ الأسباب هكذا يهيئ.. {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين}.. {بَلَغَ أَشُدَّهُ}.. أي مرحلة النضج والشباب، فالشاب الذي له وعي والتفات، حتى لو كان دون العشرين، يمكن أن يعبّر عنه بأنه بلغ أشده.. فإذن، إن سن الأربعين هي سن ما بعد بلوغ الأشد.
{آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}.. إن العلم الذي يعطيه رب العالمين، هذا العلم لا يتخلف عن الواقع.. فنحن نجد في أنفسنا علما، أي ينكشف لنا الواقع من خلال صورة ذهنية.. ولكن لم نصل إلى الواقع، وإنما صورنا الواقع في أنفسنا تصويرا، وقد يطابق الواقع، وقد لا يطابقه.. وعلماء الفلك هذه الأيام، يدّعون العلم بالمجرّة الكذائية، بالأوصاف الكذائية، وذلك من خلال المعادلات والتحاليل، يصلون إلى مرحلة العلم المبدعة، بينما الواقع محجوب عنهم.. ولكن العلم الذي يأتي من قبل الله عز وجل، فهذا العلم يكشف الواقع.. وعليه، فنحن علماء، ولكن بجهل مركب: أي نحن جاهلون، ولكن لا نعلم أننا من الجاهلين.
فإذن، إذا أراد الله عز وجل، أن يمنّ على عبدٍ فتح له باب الانكشاف الباطني، وفتح له كما فتح للقمان باب الحكمة، فيرى الأمور بحقائقها.. فبالنسبة للأنبياء إن دائرة هذا العلم واسعة، ويعرفون كثيرا من الأشياء: تأويل الرؤى، وما وراء الغيب، وما وراء الجدر إلى آخره.. والمؤمن يسأل الله عز وجل، أن يعطيه انكشافا بمقدار ما يحتاج إليه.. صحيح أن العلم لا يأتيه بكل أبعاده، ولكن يعطيه من العلم ما يرى به طريقه اليوم، مثلا: كيف يتعامل مع زوجته؟.. وكيف يربي ابنه؟.. وكيف يصل أرحامه؟.. وأين يسافر؟.. وأين يلقي عصا الاستقرار؟.. واختيار مواطن المعيشة؟.. ومواطن الهجرة؟.. وأسباب الرزق؟.. فإن كل ذلك من الأمور الخافية علينا.. فأين رضا الله؟.. وأين المصلحة؟.. فنحن لا نعلم، لذا على الإنسان أن يسأل الله تعالى أن يفتح له هذه الأبواب.
والجميل في الآية أنها تقول: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، فهذا العلم يُعطى، ولكن ليس جزافيا، وإنمل يحتاج إلى أرضية: الإحسان، والعلم، والجهاد الدائب.. فإذا كنت على هذا المستوى من الالتزام في الشريعة -ظاهرا وباطنا- فقد رشحت نفسك لهذا العلم الإلهي.
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ}.. إن هذه الأساليب الثلاثة، هي التي تستعملها النساء اللواتي، يردن إيقاع الفريسة في فخوخهن:
أولا: {وَرَاوَدَتْهُ}.. راودته، أي كان الكلام بلين، وبرفق.. فالمرأة التى تريد أن تصطاد فريستها من الشباب، من الطبيعي أن تلجأ إلى الكلام المعسول، وإلى رقة القول.. فالله عز وجل خلق المرأة، وجعل فيها هذه القابلية.. ويمكن تمييز صوت الرجل من المرأة، من خلال حروف، ومن وراء الهاتف –مثلا- فالرقة سمة كلام المرأة.. وهذه المرأة استعملت هذه الرقة، للإقاع بيوسف.
ثانيا: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ}.. أيضا من مكائد النساء: الخلوة، وعدم وجود الرقابة الاجتماعية، وعدم الخوف من الفضيحة، والابتعاد عن الأضواء، والذهاب إلى الظلمات، حيث لا يمكن أن تراقب.
ثالثا: {وَقَالَتْ هَيْتَ}.. أي ما بقي إلا أن تقدم، فهي تأمر أمراً بإصرار وبإلحاح، بعد المقدمتين السابقتين: المراودة برفق، واللينة في القول.. وتخلية الأجواء، بطرد الرقباء.. ثم تقول: الآن ما بقي إلا أن تقدم على ذلك الأمر.
إن ليوسف (ع) عبارات جميلة وبليغة، فقد قال هذه العبارات في تلك الخلوة، ومن وراء الأبواب المغلقة.. وإذا بعد آلاف السنين رب العالمين يكشف ما قاله يوسف في تلك الغرف المغلقة.. نعم، هكذا إذا أراد أن يظهر فضيلة يظهرها!.. وإذا أراد أن يكشف عن فضيحة كشفها أيضا.. {قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.. إن أول جواب قاله يوسف: {مَعَاذَ اللّهِ}.. فلم يقل: هذا حرام، وهذا لا يجوز، وهذا يدخل نار جهنم.. لم يذكر ذلك أبدا، إنما {قَالَ مَعَاذَ اللّهِ}.. الاستعاذة بالله عز وجل، وكأن يوسف (ع) بهذه العبارة تبرأ من حوله وقوته، أي يا رب!.. أنت الذي أستعيذ بك، وأنت الذي ألتجأ إليك.
{إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}.. أي يا زليخة!.. هذا جواب نعم الله عز وجل!.. وقد أخرجني من الجب!.. وأكرمني في أحضان أبي يعقوب!.. وجعل محبتي في القلوب!.. وجعل هذا الرجل يتخذني ولدا!.. وأعطاني هذا الجمال!.. وبعد ذلك، ولأجل لحظات من الشهوة، أنكر هذا الجميل من رب العالمين!..
فإذن، هذا درس للشاب عندما يتعرض لهذا الموقف، فليتذكر الكم الكبير من النعم الإلهية المتوجهة إليه، وليحذر هذه الصفقة الخاسرة، وأن تسلب منه هذه النعم بدقائق معدودة: هذا العلم المعطى، وهذه الحكم، وهذا الامتياز، وهذا القرب.. هل يبيعه الإنسان في هذا الموقف؟.. أبدا!.. {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.. هو الفلاح بيده، والفوز بيده.. والذي ظلم نفسه، فإن رب العالمين لا يمكن أن يفتح له أبواب التوفيق.
يتبع


من مواضيع خادم الباقرع » انتر ويونايتد يسعيان للتعويض وريال للفوز
» متى يكون التواضع قيمة أخلاقية ؟
» موت القلب
» عجبا لك يابن ادم
» ابداع تجاوز الجنون
رد مع اقتباس
قديم 21-06-2009, 01:00 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

خادم الباقرع


الملف الشخصي









خادم الباقرع غير متواجد حالياً


افتراضي

اللهم صل على محمد وآل محمد
////////////////////////////////////////////

تأملات وعبر من حياة النبي يوسف عليه السلام .. الجزء الثاني
::::::::::::::::::::::::::::

لا زلنا في رحاب سورة يوسف (ع)، وما جرى على هذا العبد الصالح، هذا الصدّيق الذي أُبتلي.. ولكن خُتمت عاقبته في الدنيا بخيرٍ، ورئاسةٍ، وتمكّنٍ في الأرض، وما أعده الله له من الأجر في الآخرة أعظم وأعظم.
لم يكفها عامل المراودة، وإغلاق الأبواب، وما شابه ذلك من عوامل الإثارة.. بل قرنت الإثارة بالتهديد أيضا: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ}.. أي إن لم تقبل ما آمرك به، فإن مصيرك هو السجن.. وأدوات التأكيد: اللام، والنون {لَيُسْجَنَنَّ} كل ذلك يدل على عزمها على ذلك.
يقول يوسف (ع) في جواب هذا الاقتراح: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.. فيوسف (ع) لم يطلب من الله السجن، فلم يقل: ربي أدخلني السجن.. لأن العافية خير للمؤمن، فالإنسان المبتلى في بدنه، وفي أمنه، وفي رزقه ليس من المعلوم أنه يثبت على الابتلاء.. وعليه، فإن طلب العافية خير من غير العافية، ولهذا قال يوسف (ع):{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}.. ولم يطلب من الله السجن.
{وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}.. فإنه لا زال يثبت ويبين لربه، أنه بحاجة إلى مدد دائم.. وإلا وقع فيما لا يحمد عقباه.. ولعل في الآية إشارة لطيفة جدا، قد لا تمر على الأذهان الساذجة البسيطة.. فيوسف (ع) يريد أن يقول بأنه: يا رب!.. أنت لك مدد، وأنواع من المدد يأتيني من قِبلك.. فإذا انقطع هذا المدد، سوف أكون من الجاهلين.. فلم يقل هنا: من الظالمين، بل قال:{مِّنَ الْجَاهِلِينَ}.. معنى ذلك: أن المدد الإلهي تارة يكون إيقاعا للعزم في القلب، أي تثبيتا للفؤاد.. وتارة المدد الإلهي من قبيل العلم، والعلم مدد من الله عز وجل.. فيقول يوسف: لو قطعت عني المدد، لبقيت في زمرة الجاهلين.
فإذن، إن رب العالمين له أنواع من الرزق، منها: تثبيت الفؤاد، والعلم الذي يُلقى في فكر الإنسان، فيزداد علما.. فمثلا: إن موسى (ع) هو كليم الله، ومن أنبياء أولي العزم، وله تاريخ عريق في التوحيد والدعوة إلى الله تعالى، ومقارعة فرعون.. ومع ذلك فإن هناك نوعا من العلم -العلم اللدني- أوتيه الخضر، ولم يؤتَه موسى.. ولهذا لم يكن يستوعب حقيقة ما يجري مع ذلك العبد الصالح.
{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.. أيضا استعمل كلمة العلم هنا، لأن الله عليم.. وهنا –بالمناسبة- نقرر قاعدة مهمة: وهي أن الله عز وجل فياض، لا يمنع فيضه إلا موانع العبد.. فهو عليم، يريد أن يمنَّ بعلمه على من يشاء بمقدار ما يشاء.. ولكن العبد بخطئه، وبجرمه، وجريرته، يُوجد هذه الحجب.
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}..فمن أجل الحفاظ على وجاهة المرأة -زليخا- ودفع التهمة عن البيت الملكي، حُكم على يوسف (ع) بالسجن، رغم أنهم رأوا علامات البراءة: القميص قُدّ من دبر، وشهد شاهد من أهلها.. فعلامات الصدق موجودة، والنسوة قطعن أيديهن.. ومع ذلك جعلوا يوسف في السجن، لأجل الحفاظ على ماء وجه البلاط، الذي كان يحكم في مصر.
ومن الطريف أنهم رموا بيوسف في السجن إلى أن تهدأ الأوضاع، ولكن يبدو أنهم نسوا يوسف في غياهب السجون.. ولهذا عندما خرج ذلك السجين قال له يوسف: اذكرني عند ربك، واطرح مشكلتي مع الملك.. فأنا في زوايا سجون مصر منذ سنوات ولا ذنب لي!.. نعم، {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.. كما يقول القرآن الكريم، فديدنهم الإفساد إلا من خرج بالدليل.
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}.. تنقل الآيات قصة المنام، وهنا أيضا لا بد أن نسجل كلمة حول المنامات.. مع الأسف نلاحظ أن بعض الناس يبني أفكاره، وتصوراته، وتقييمه للأمور على أساس الرؤيا.. فمثلا: إنسان يرى مؤمنا أو مؤمنة، في هيئة غير حسنة في منام من المنامات التي لاحجية لها، ويبني على ذلك موقفا، ويحكم بالسلب على ذلك الإنسان؛ وهذا انحراف في التصور.. فالمنام عبارة عن صور تمر على النفس عند خروج الروح، وانفصال الروح عن البدن، كما يعبر القرآن {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
فإذن، إن ما يُرى في حال النوم قد يكون حقا، وقد يكون باطلا.. حتى إذا رأيت المعصوم في المنام، لا يمكنك الجزم بأنه هو المعصوم.. ولهذا قال العلماء: أن المعصوم لو أمرك في المنام بأمر، لا يجب امتثال ذلك الأمر.. وفي نفس الوقت أيضا المنام الصادق تفسيره، يحتاج أيضا إلى قدرة غيبية، لأن الأحلام رموز، وعبارة عن حركات لها مغزى.. إن كان المنام صحيحا، فإنه يحتاج إلى من أوتي العلم في هذا المجال.. فليس كل إنسان له التخويل في أن يفسر المنام.. وعليه، فإن من رأى مناما وأسره، كفاه الله خيره وشره.. فما على الإنسان إلا أن يدفع صدقة، ليُدفع عنه البلاء.. وأما أن يلهج به أمام هذا وذاك، ليفسر له أيضا تفسيرا يبعث فيه أملا أو خيبة أمل، فلا داعي لمثل ذلك.
ولهذا فإن القرآن الكريم يذكر بتفصيل قصة المنام، وكيف أن يوسف عبّر ذلك المنام بإلهام من الله سبحانه وتعالى.. ولكن أيضا من الدروس العملية في هذه القضية بعد أن ذكروا المنام قالوا: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ}.
فالدرس الأول: هو أنه إذا أردت أن توصل فكرة إلى إنسان، وتقنعه بأمر من الأمور، فإن الخطوة الأولى، هي أن تجلب ثقة ذلك الشخص، إذا كان لا يعرفك، ولا يقدرك.. وإلا، فكيف لك أن تؤثر فيه؟.. فيوسف عليه السلام قال: أنا ذلك الشخص الذي أخبركم بالطعام قبل أن يأتيكما.. فإذن، أنا إنسان مرتبط بالغيب، وأنا إنسان غير عادي.. وعليه، فإنه قد عرّف نفسه، لجلب الثقة.. وليس هذا من المديح المذموم.. فالفخر والمديح، وأن يبين الإنسان خواصه الذاتية في حدّ نفسه، هو من مصاديق العجب المذموم.. وأما إذا كانت القضية مقدمة للتبليغ، فلا مانع من ذلك.. فمثلا: إنسان له تخصص في الحياة، وهذا التخصص محترم في العرف، وأراد أن ينصح إنسانا، فلا بأس أن تذكر مستواه العلمي، ومستواه الثقافي، والشهادات الأكاديمية من باب أن يعرِّفه أنه إنسان خبير في بعض الأمور، وعاش الدنيا وما فيها.
فإذن، لا بأس في المديح، ومديح الذات.. فالقرآن يقول في مكان آخر: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.. بينما هنا يوسف (ع) يزكي نفسه مقدمة للإرشاد.. وأيضا كان بإمكان يوسف أن يجيب على المنامين، وانتهى.. ولكن يوسف يريد أن يستغل الموقف لصالح الدين، فأخذ يبلّغ الدين والدعوة الإلهية في زمانه قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.. وهذه العبارة {الْقَهَّارُ}ذهبت مثلا من يوسف؛ أي إذا أراد شيئا قهر الوجود وفق ما يريد، خيرا كان أو شرا، في الإنسان أو الطبيعة.
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}.. أي أنتم تعبدون الأوهام، فقد جعلتم للماء إلها، وللفلك إلها، وللشمس إلها، إنها أسماء مخترعة لا مسميات.. فأنتم تركضون وراء السراب، وتركتم الرب الواحد القهار.. ونحن في حياتنا اليوم كالكفار والمشركين، نعبد -بمعنى نطيع- عناوين وهمية: الفوقية، وعنوان الرئاسة، وعنوان السيطرة، وعنوان الغلبة، وعنوان التحكم في المنزل وخارج المنزل، فإننا نعبد هذه الأمور.. فهذه الأيام ألا تقام الحروب والقتال لأجل أن يكون الإنسان رئيسا، والرئاسة عنوان اعتباري في المجتمع؟.. فيوسف عليه السلام يقول: أنتم أسراء الأسماء، وأنا عبد للمسمى الواحد، ذلك المسمى الواحد القهار.
{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.. هذه الواحدية، وهذا التوحيد؛ ليس في عالم الذهن فقط، وليس في عالم الحب القلبي فقط.. وإنما في عالم الممارسة في الحياة {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}.. إن الأنبياء منذ آدم، إلى الخاتم، إلى القائم صلوات الله عليهم، كلهم يلهجون بذكر الله والتوحيد.. فالبركات كل البركات في التوحيد: فروع الدين مستقاة من التوحيد، وفروع الدين من آثار التوحيد، والأخلاق في التعامل مأخوذ من التوحيد.. فالذي لا يرى في الوجود مؤثرا إلا الله عز وجل، من الطبيعي أن يؤمن بالرسالات، وبالإمامة، وبالمعاد، وبفروع الدين، وبالخلق الإسلامي القويم.. فإن كل ذلك فرع التوحيد؛ فأول التوحيد معرفة الجبار، وآخر التوحيد تفويض الأمر إليه.
ثم في ختام هذا التعبير أيضا، لا مانع من أن يسعى المؤمن لتحسين وضعه.. أولا زكى نفسه، ثم عرف نفسه، ودعا إلى التوحيد، وبلّغ الدين، ثم ذكر تعبير المنام، ثم استفاد من الفرصة.. فليس من الحرام، أن يخلّص الإنسان نفسه من ضيق الحياة الدنيا؛ صحيح أن الرب هو المدبر، وهو المؤثر.. ولكن له وسائط، فيوسف وهو النبي الصديق، ذلك الملهم، ليس عنده مانع أبدا أن يجعل هذا الإنسان وسيلة خير، لأن ينقل تظلمه وشكواه، وما وقع عليه من الظلم عند الملك قائلا: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}..هناك قول آخر: بأن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه، ولكن هذا لا ينسجم مع المخلَص.. فيوسف -بشهادة القرآن- أُعطي وسام المخلَصين، فكيف ينسى ذكر الله عز وجل، ويتخذ من ذلك العزيز المنجي في قبال الله سبحانه وتعالى؟!..
{فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ}..إن الذي خرج من السجن ذهب عند أهله، واشتغل معهم، ونسي صاحب الحق، هذا الصديق الودود، والنبي الذي كان معهم في السجن، فالشيطان أنساهم ذلك.. وهنا أيضا وقفة مؤثرة في أن الشيطان يحارب المؤمن حتى في هذه الزاوية.. إذا أريد أن يصل إليك خير من أحد، ويرى الشيطان بأن هذا الخير من دواعي قربك إلى الله عز وجل، قد يتدخل في نفس ذلك الإنسان، وينسيه ذكرك.. لئلا يصل إليك خير من الخيرات..فالشيطان سلطانه قد يتجاوز مسألة الوسوسة إلى مثل هذه التصرفات.
{فلبث في السجن بضع سنين}.. البضع يقال لما دون العشرة، فيوسف (ع) بقي في السجن هذه المدة.. فمن هوان الدنيا على الله عز وجل، أن يوسف صاحب هذا الجمال البشري، وذلك الجمال الروحي، والذي أوتي من العلم الغيبي هذه العفة، وهذه النزاهة، أن يعيش في زوايا السجون.. وذلك العزيز الظالم، الذي جعل هذا الإنسان البريء في غياهب السجون، يسرح ويمرح على وفق مراده!.. ولهذا فإن البعض عندما يصل إلى ذكر الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه يشبهه بيوسف.. هناك شبه بين يوسف وبين إمامنا المغيب: فهو في هذه الدنيا، وبين ظهرانينا.. ولكنه مسجون في سجن الغيبة، ولم يؤذن له بإظهار أمره، فيرى الأمور بيد الظالمين والمنحرفين عن طاعة الله عز وجل، وينتظر فرجه في كل يوم.. ولكن الله عز وجل مسبب الأسباب.
ولكن الله عز وجل سلط على الملك مناما مرعبا مقلقا، {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}.. إنها حركة جيدة، وحركة علمية نزيهة.. فالبعض يريد أن يتودد إلى السلطان، بدعوى علم ما لا يعلم.. ولكن هؤلاء {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ}.. شيء جيد أن يعترف الإنسان بجهله، ولو كان في ادعاء العلم بعض المزايا والتزلف من السلاطين مثلا.
وهنا تذكر ذلك السجين السابق صاحبه {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}.. تذكر يوسف هذا الذي كان يعبّر الرؤى في السجن، فهو الشخص المناسب لهذه الحركة، فأرسلوا وراء يوسف {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.. ويا للعجب!.. عندما خرج من السجن نسي هذا الصديق، والآن عندما احتاجه أصبح صدّيقا؟.. ولكن يوسف (ع) لم يكتم علمه، بل بيََّنه {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.
ولكن قبل ذلك عندما جاءه الرسول -يبدو والله العالم من سياق الآيات- وقبل أن يؤول طالب بحقه: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}.. أي اسألهم قبل أن أفسّر الرؤيا، واثبتوا براءتي،وأعطوني حقي هذا الذي سُلب مني.
وبالفعل {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ}.. وبعد سنوات -يريد الله عز وجل أن يظهر براءة وليه- فـ{قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.. الآن ظهر الحق.
فخرج يوسف (ع) من السجن، وأُعفي عنه، واتخذ موقعا من البلاط، ومن قلب الملك.. وظهرت البراءة، وتبين الحق.. ومع ذلك تراه يتواضع لله عزوجل، فيقول: {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.. فهناك يقول: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}.. وهنا مرة أخرى وثالثة يقول: {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.. إنها حالة التذلل الدائم مع رب العالمين.
{وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ}.. هنا لفتة جميلة يقال هنا: أصبُ إليهن، أي أعملُ أعمال الصبيان، فالذي يتوجه إلى الشهوات، هو صبي في نفسه، وصبي في عقله، حتى لو بلغ من العمر ما بلغ.. وهو ما نلاحظه من إقبال بعض كبار السن على شهوات الدنيا.. يقول يوسف: هذه الحركة الغريزية، هي حركة صبيانية، وحركة لا تنم عن بلوغ باطني.. فهي لفتة جميلة في هذا المجال،حيث ربط الحركة الغرائزية بالحركات الصبيانية.. وقال الملك: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ}.. فالآن بدأت مرحلة الفرج لهذا النبي العظيم.

نسألكم الدعاء..
منقول من شبكة السراج للفائدة ..


من مواضيع خادم الباقرع » انتر ويونايتد يسعيان للتعويض وريال للفوز
» متى يكون التواضع قيمة أخلاقية ؟
» موت القلب
» عجبا لك يابن ادم
» ابداع تجاوز الجنون
رد مع اقتباس
قديم 23-06-2009, 09:34 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

خادم الائيمه


الملف الشخصي









خادم الائيمه غير متواجد حالياً


افتراضي

أحسنت ياأخي وبارك الله فيك وجعله الله في ميزان أعمالك.


من مواضيع خادم الائيمه » ** أَمثالِهم لا يُحتَملونْ ..!
» هل من احد هناااااااااااا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
من, السلام, النبي, تأملات, حياة, يوسف, or or, عليه, وعبر

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تأملات وعبر من حياة أيوب (عليه السلام ) حسينية فاطمية منتدى النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) 5 13-02-2012 01:37 PM
قصة النبي يوسف عليه السلام حبيبة الزهراء المنتدى الاسلامي العام 3 11-11-2009 12:41 PM
بين النبى يوسف عليه السلام والإمام موسى الكاظم عليه السلام ابن المرجعية منتدى أهل البيت (عليهم السلام) 2 22-10-2009 12:53 PM
تأملات وعبر من حياة نوح (ع حبيبة الزهراء المنتدى الاسلامي العام 0 22-07-2009 11:14 PM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين