منتدى الوصي المرتضى (سلام الله عليه) أمير المؤمنين - وصي الرسول - سيد البلغاء - قائد الغر المحجلين - امام الانس والجان - أبو الحسن - أبو الحسنين - امام المتقين - عليه السلام
شفقنا العراق-ظلامة اﻹمام علي لم تكن واحدة وإنما كثيرة تعددت بتعدد مراحل حياته عليه السلام. فهو الذي قال:”فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ”. فلم تكن محنة فقط بل محنة شديدة مع طول بقائها، والله العالم بمقدار الالم الذي في نفس الامام بحيث عبر عنه بشدة المحنة.
في المدينة المنورة
لم يكن يرى لنفسه ألماً او يرى عليها جوراً رغم تعرضه لهما ما دام رسول الله (ص) موجوداً وسالماً، وهو الفادي له بنفسه يوم الهجرة بكل اطمئنان وتسليم.
لم يكن ليأبه بتآمر حاقد من المنافقين او حاسد منهم مادام برفقة معلمه العظيم.
كان رسول الله يملأ عليه حياته فلا يجد لنفسه هماً سوى نصرهِ وخدمتهِ وخدمة دينه القويم. وكان ينعم برحمة النبي منذ صباه، وهو القائل في ذلك:
منذ ذلك اليوم الذي اغمض فيه النبي عينه، فتح النفاق شرّه، موجهاً سهامه لنفس رسول الله.
الآن وقد احس علياً بالظلم، لا لذات إمرةٍ او رئاسة يسعى اليها وأُخِذت منه بل للتعدي على مقام وضعه الله ومن ثم رسول الله فيه، فكانت بداية لانحراف الخط عن مساره الاكمل، وبداية فرقة ستحصل للمسلمين، وهو يرى اتعاب النبي وجهاده تتعرض لمحاولة اغتيال، باقصاء وصيه المنصوب من قبل السماء كضامن لصيانة هذه الاتعاب وهذا الجهاد، والاستمرار في جني ثمرات هذه الرسالة العظيمة على الوجه الاكمل الخالي من الخدوش والاورام.
ولم تكتف زمر النفاق ورموزه بسرقة حق الوصي، بل تعدت الى انتهاك حرمة بيته، بيت بضعة النبي، وارتكاب فاجعة الاعتداء الاثيم عليها بكسر ضلعها ولطم عينها واحراق باب بيتها.
تلك الجريمة المروعة وذلك النكران الفظيع لجميل النبي كان بمرأى ومسمع من ذلك الوصي المفجوع المقيد بتكليفه الشرعي بعدم المواجهة باليد.
ظلامة اﻹمام علي هذه جرت على لسانه في يوم دفن الزهراء (ع) مستذكراً برحيلها رحيل رسول الله (ص) الذي فارقه قريباً فاجتمعت عليه مصيبتان يرويها لنا بهذه الكلمات:
هذا التصوير يقف الانسان مفجوعاً امامه، تعبير يفيض بالألم، تأملوا: عين يقع فيها شي ويبقى لا يخرج، هل يستقر الانسان من المها؟!! حلق ويعترض فيه عظم ويبقى معترضا هل يهدأ معه الانسان؟!!
هكذا كان صبر سيد الاوصياء في تلك المحنة.
ولنصغي له مجددا وهو يعبر عن حاله في فترة الغاصب الثاني: “فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ”
فلم تكن محنة فقط بل محنة شديدة مع طول بقائها، والله العالم بمقدار الالم الذي في نفس الامام بحيث عبر عنه بشدة المحنة.
وقبل ان يفارق هذا الغاصب الحياة، كان قد صَيَّر الامر في جماعة يصفهم الامام ويصف موقعه منهم :
فاي ظلامة ان يُوضع الامام الوصي بين هذه النماذج، وماهو مقدار الحسرة المتصورة لهذه العبارة: “مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إلَى هذِهِ النَّظَائِرِ” ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
فلما عزموا على منح حق الوصي الى الغاصب الثالث، قال الوصي في كلام آخر له: “لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ.”(٦)
وقال في كلام آخر بعد مهزلة الشورى المخطط لنتيجتها مسبقاً:
انظروا حجم الظلامة وهو يحاول ان يدفع الناكثين عن الاستمرار في تمردهم تجنبا للحرب، بحيث يقترح عليهما ان يكون اهل المدينة حكماً بينه وبينهما لتحديد فيما اذا كان صادقا او لا!
بعد هذا العمر وهذه المنزلة يتهم بالقتل غيلة، فاذا قال اني بريء يكذبونه، وممن؟ من شخصين كان احدهما ابن عمته وكان ناصراً له فيما مضى!
ورحم الله تعالى مهيار الديلمي حين انشد:
أطــاع أولـهـم في الغـدر ثـانـيـهـم
و جـاء ثـالـثـهـم يـقــفــو و يـتـبـع
واسـألهم يـوم (خم) بعـد ما عـقـدوا
له الولايـة لِم خانـوا ولِم خلعـوا ؟!
قـول صحـيـح ونـيـات بـهـا نـغـل
لا ينفع السـيف صقـل تحتـه طـبع
إنـكـرهم يا أمـيـر المـؤمنـيـن لهـا
بعـد اعـتـرافـهـم عار بـه ادرعـوا
ونـكـثـهم بـك ميـلاً عن وصـيـتهم
شرع لعـمرك ثان بعده شـرعوا
تـركت أمراً ولـو طالـبـتـه لدرت
معاطـس راغـمته كـيـف تـجـتـدع
صبرت تحفـظ أمر الله ما اطرحوا
ذباً عن الدين فاسـتيقظت إذ هجعوا
لـيـشــرقـن بـحـلـو الـيـوم مـر غـد
إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا
في الكوفة
قال أمير المؤمنين(ع): “أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الله لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ”(٩).
هذا الحديث ذكره الفريقان، و وجوده في مصادر العامة اكثر من مصادر الخاصة.
هذا النص لوحده يكفينا في فهم مظلومية الوصي (ع) والتي سنرى شيئا يسيراً منها بلسانه فيما عاناه في فترة حكمه بالكوفة، يضاف الى ما مَرَّ سابقاً من ظلامته في المدينة طوال حياته فيها بعد رحيل النبي الاكرم (ص).
ولنبدأ بأمثلة حثه للناس على الجهاد، فهذا تصريح من الامام (ع) بظلامته لفظا ومعنى حيث قال:
وظلامة اخرى من نوع آخر فريد، حيث يدعوهم لرد اعتداء من جيش معاوية على احدى المناطق التي لا تستوجب خروج الامام بنفسه، فيسكتون في بادئ الامر، فيقول الامام لهم:
“مَا بَالُكُمْ أَ مُخْرَسُونَ أَنْتُمْ ؟!”
فيقوم اليه احدهم وبكل وقاحة يقول له: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَكَ” فيجيبه الامام عليه السلام:
“مَا بَالُكُمْ لَا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَلَا هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ أَ فِي مِثْلِ هَذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَالْمِصْرَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَجِبَايَةَ الْأَرْضِ وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرَ فِي حُقُوقِ الْمُطَالِبِينَ ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ… هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ الرَّأْيُ السُّوءُ، وَاللَّهِ لَوْ لَا رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ وَلَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلَا أَطْلُبُكُمْ ماإخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمَالٌ”(١٢)
هذه الجرأة وسوء الادب والشرط على الامام بانهم لا يخرجون الا ان يخرج هو معهم، ماكانت لتحدث مع حاكم ممن سبق الامام لانهم يعرفون البطش الذي سيلاقيهم.
وليس حادثة العبد الصالح مالك بن نويرة (رحمه الله) ببعيد، لم يفعل شيئا لغاصبي الخلافة سوى انه امتنع عن دفع الزكاة الا للامام (ع) لانه هو الخليفة الشرعي بعقيدته، ففعلوا به ما فعلوا من قتل وتمثيل وانتهاك لعرضه.
اما الامام (ع) فانه مأمون الشر، فان غاية مايرد به هو الكلام والدفاع عن نفسه. وكذلك ما فعلوه بأبي ذر(رحمه الله) فانه اشهر من ان نذكره.
والامام لم يكن ضعيفاً بل هو قادر على لجمهم وادخال الرعب في نفوسهم، وقد صرح لهم بذلك، حيث قال:
وموضوع آخر تعرض فيه الامام (ع) لظلم مجحف من قبل جيشه، وهو مسألة التحكيم في صفين، فموقفه كان رافضا للتحكيم، لانه يعرف بانها خدعة، وان النصر قريب، فثار عليه قسم كبير من جيشه واجبروه على الموافقه بعد ان هددوه (ع) بالقتل، ولم يكن ليأبه بتهديدهم فهو علي.
ولكن برفضه ستدب الفتنة في جيشه ويتفرقون ويتقاتلون فيكون الضرر برفضه اكبر من موافقته، فلما اضطر للموافقة اراد ان يكون طرف التحكيم الذي يمثله هو عبدالله بن عباس، لثقة الامام بانه لايخدع من قبل عمرو بن العاص، فخالفوه مرة اخرى وارادوا تنصيب ابي موسى الاشعري المنحرف عن خط الامام، فجرى ما جرى من خداعه، ثم بعد ذلك حملوا الامام الفشل الذي احدثوه هم بمخالفتهم للامام ؟!
فهل يوجد مظلومية كهذه؟!
لنرى الامام (ع) كيف نطق وعبر عن مظلوميته تلك ببعض الامثلة:
فقال بعد اجباره على التحكيم: “لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً وَكُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَقَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ”(١٤)
فلما وافق على التحكيم وابلغ جيش معاوية بالموافقة جاؤوا الى الامام (ع)، وقالوا: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فلم ندر أي الأمرين أرشد!!
ونختم بهذا النص المفجع حيث الامام (ع) يشعر بغربة كبيرة في آخر ايام حياته بعد استشهاد المقربين منه واصحابه الخلص فصار يناديهم باسمائهم بلوعة تبكي الصخر الاصم
فكان حقاً له ان يصدع صوته بـ “فزت ورب الكعبة” فرحاً بلقاء ربه بعد هذه المعاناة التي لقيها صلوات الله تعالى وسلامه عليه.
وكان حقاً لاهل الارض ان يسمعوا تعزية جبريل (ع) لأمام عرفوا بعض حقه بعد حين بعد ان عاش غريبا بينهم: تهدمت والله اركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى.
ورحم الله تعالى السيد محمد جمال الهاشمي، حين قال:
رزء له الاسلام ضج وحادث
من وقعه قلب الهدى يتصدع
الله أكـبـر أي جــرم ذكـره
يدمي القلوب فتستهل الأدمع
يا ليلة القدر اذهبي مفجوعة
فلقد قضى فيك الامام الأنزع
فالسلام على شهيد المحراب أمير المؤمنين ومولى المتقين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
واعظم الله تعالى اجوركم
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.