العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم العام > اخبار العراق والعالم
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


ماذا تعرف عن «مبدأ أيزنهاور»… مبرر وجود أميركا العسكري في الشرق الأوسط

اخبار العراق والعالم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-01-2022, 04:33 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

سيد فاضل

الصورة الرمزية سيد فاضل


الملف الشخصي









سيد فاضل غير متواجد حالياً


افتراضي ماذا تعرف عن «مبدأ أيزنهاور»… مبرر وجود أميركا العسكري في الشرق الأوسط

تقرير خاص- في الثامن والعشرين من مارس 1969، ودعت الولايات المتحدة واحدا من أهم رؤسائها في القرن العشرين وهو دوايت أيزنهاور، أو «آيك» كما كان يدلل. وهو رئيس من فصيلة الحزب الجمهوري وحكم أميركا خلال الفترة من عام 1953 الى 1961.



بلغ سدة الحكم خلفا للرئيس هاري ترومان، بفوز كاسح في انتخابات عام 52 . وكان الناخب وقتها يحمل أشهر لافتة تقول: (أحب ايك). فقد اكتسب شعبيته من تاريخه العسكري ، واختاره الأميركيون باعتباره بطلا جلب انتصار الحلفاء على النازية. اذ كان رئيس اركان قوات التحالف خلال الحرب العالمية الثانية، ولعب دوراً بارزاً في تحرير فرنسا واجتياح الأراضي الألمانية. كما أنه أول قائد لقوات حلف شمال الأطلسي »الناتو« في عام 1949.



استهل أيزنهاور حكمه بالعمل على إنهاء الحرب الكورية (يوليو 1953). وبالنسبة للشرق الأوسط، فقد أمر عام 1954 بإصدار كتيب عن السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. جاء فيه أن »إسرائيل ولدت بعد الحرب العالمية الثانية وقامت لتعيش مع غيرها من الدول التي اقترنت مصالح الولايات المتحدة بقيامها«. ورغم ما قيل عن أيزنهاور عن أنه حرص على تخفيف حدة التوتر والمحافظة على السلام العالمي، الا أن اسمه ارتبط بما عرف بسياسة «ملء الفراغ» في الشرق الأوسط، او ما سمي بـ « مبدأ أيزنهاور».



في يناير 1957، وجه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور رسالة للكونغرس تحدث فيها عن أهمية سد الفراغ الناتج عن زوال الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، وهي السياسة التي تعرف بـ«مبدأ أيزنهاور»، وذلك بهدف بسط السيطرة الأمريكية على المناطق التي انسحبت منها فرنسا وبريطانيا.



«مبدأ أيزنهاور»، ليس بالضرورة أن يبقى أمريكياً فهو مبدأ سياسي قد تستخدمه دول طامحة لملء الفراغ الذي أحدثته الولايات المتحدة جراء تراجعها في العديد من الملفات الدولية منذ فترة رئاسة باراك أوباما وحتى اليوم، وقد تكون روسيا والصين الأقرب لهذا التوجه، إذ إن واشنطن تخلت عن دورها في زعامة العالم في العديد من الملفات المهمة، الأمر الذي نتجت عنه زعزعة للسلم والأمن الدوليين.



لمحة عن مبدأ أيزنهاور:

تم تخصيص القول من قبل أيزنهاور أن التهديد السوفييتي، يتضمَّن على القوات الأمريكية بحراسة الحدود الترابية، أيضاً الوحدة السياسية لمثل تلك البلاد التي بحاجة إلى تلك الحمايات ضد العدوان المسلح الواضح، من أي دولة تهيمن عليها الشيوعية الدولية. ومن ناحية النسق السياسي العالمي، لذلك تم تشكيلة للرد على احتمالية حرب معممة، يحسب لها حساب كردة فعل لتجربة الاتحاد السوفييتي لاستعمال العدوان الثلاثي كحجة لدخول مصر. ووفقاً للتزامن مع فراغ السيطرة الذي نتجتة تلاشي النفوذ البريطاني والفرنسي، في المنطقة بعد أن تراجعت الولايات المتحدة عن شريكيها خلال ذلك العدوان، فقد عرف أيزنهاور أن الحاجة لظرف قوي لدعم الظرف، كان ينتج تعقيد المواقف التي يأخذها جمال عبد الناصر، الذي كان ينشئ ركيزة قوة يستعملها لإشعال المنافسة بين السوفييت وأميركا، بأخذة موقف الجانب الإيجابي وقبوله المساعدة من الطرفين.

مشروع أيزنهاور:

إن الهدف الأساسي من مشروع أيزنهاور، هو الوصول الى حل أميركا لتعبئة الفراغ الاستعماري عوضاً من بريطانيا وفرنسا، حيث يحتوي هذا المشروع: تكليف الرئيس الأمريكي سلطة استعمال القوة العسكرية، في المجالات التي تكون ضرورية لكفالة السلامة الإقليمية، أيضاً الدفاع عن الاستقلال السياسي لأي دولة في منطقة الشرق الأوسط، في حال تطلبت هذه الدول مساندة لمواجهة أي هجوم عسكري مباغت، تتعرض له من قبل أي جهة تهيمن عليه الشيوعية الدولية. تكليف الحكومة في تفويض خطط المساندة العسكرية، لأي دولة إذا ما أسهمت استعدادها لذلك، أيضاً تكليفها في مد يَد المساعدة الاقتصادية اللازمة لهذه الدول؛ تعزيزاً لقوتها الاقتصادية وحماية استقلالها الوطني.

وقد أعلنه في الخامس من يناير 1957 في رسالة للكونغرس ركز فيها على أهمية سد الفراغ الذي نتج في المنطقة بعد انسحاب بريطانيا منها. وحدد الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط لمرحلة ما بعد حرب السويس تحت ذريعة احتواء التمدد السوفييتي باتجاه المنطقة. ومطالب أيزنهاور من الكونغرس لتنفيذ هذه السياسة هي:



– تفويض الرئيس سلطة استخدام القوة العسكرية في الحالات التي يراها ضرورية لضمان السلامة الإقليمية، وحماية أي دولة، أو مجموعة من الدول في الشرق الأوسط، إذا ما طلبت مثل المقاومة على أي اعتداء عسكري سافر تتعرض له من قبل أي مصدر تسيطر عليه الشيوعية الدولية.



– تفويض الحكومة الأميركية في وضع برامج المساعدة العسكرية لأي دولة أو مجموعة من دول المنطقة إذا ما أبدت استعدادها لذلك، وكذلك تفويضها في تقديم العون الاقتصادي.



مبدأ أيزنهاور، لاقى معارضة العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر وسوريا، حيث رأت أنه سيؤدي إلى تقسيم الدول العربية إلى فريقين متضاربين : أحدهما مؤيد للاتحاد السوفييتي والآخر خاضع للهيمنة الغربية. وندد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بهذا المبدأ ووصفه بأنه يرمي إلى قمع النضال في المنطقة وربط المنطقة بسياسة واشنطن. ويمكن القول إنه قبل الإعلان عن سياسة ملء الفراغ وبالتحديد خلال العدوان الثلاثي على مصر، كان موقف أيزنهاور غير عدائي تجاه مصر . ويقول «بيتر إل هان» أستاذ التاريخ بجامعة ولاية أوهايو إن أيزنهاور عالج أزمة السويس على أساس ثلاث فرضيات أساسية ومتداخلة:



أولاً- مع أنه تعاطف مع رغبة بريطانيا وفرنسا في استعادة شركة القناة، فإنه لم يعارض حق مصر في السيطرة على الشركة، شريطة أن تدفع تعويضا كافياً كما يقتضي القانون الدولي. وبذلك كان أيزنهاور يسعى إلى تسوية نزاع القناة بالطرق الدبلوماسية قبل أن يستغل الاتحاد السوفييتي الوضع لتحقيق مكاسب سياسية. وكلّف وزير خارجيته جون فوستر دالاس بنزع فتيل الأزمة بشروط مقبولة لبريطانيا وفرنسا عن طريق البيانات العلنية والمفاوضات ومؤتمرين دوليين في لندن وتأسيس مؤسسة لمستخدمي قناة السويس، ومداولات في الأمم المتحدة. إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل بحلول أواخر أكتوبر، واستمرت الاستعدادات الأنجلو – فرنسية للحرب.



ثانياً- سعى أيزنهاور لتجنب استعداء القوميين العرب وضم رجال دولة عرب في مساعيه الدبلوماسية لإنهاء الأزمة. ونتج رفضه تأييد استخدام القوة الأنجلو – فرنسية ضد مصر جزئيا عن إدراكه بأن استيلاء عبد الناصر على القناة حظي بشعبية واسعة لدى الشعب المصري والشعوب العربية الأخرى. بل إن تصاعد شعبية عبد الناصر في الدول العربية أضعفت جهود أيزنهاور لتسوية أزمة القناة بالاشتراك مع الزعماء العرب. ورفض السعوديون والعراقيون الاقتراحات الأميركية بانتقاد إجراء عبد الناصر أو تحدي هيبته.



ثالثاً- سعى أيزنهاور إلى عزل إسرائيل عن نزاع القناة خشية أن يؤدي النزاعان الإسرائيلي – المصري و الأنجلو فرنسي- المصري المتفجران إلى إشعال الشرق الأوسط. لذا حرم وزير دالاس إسرائيل من أي صوت في المؤتمرات التي عقدت لتسوية الأزمة ومنع مناقشة مظالم إسرائيل حول السياسة المصرية خلال مداولات الأمم المتحدة. وشعر أيزنهاور بازدياد حدة موقف إسرائيل المشاكس نحو مصر في شهري أغسطس وسبتمبر (1956 ) وقام بترتيب إمدادات محدودة من الأسلحة لإسرائيل من الولايات المتحدة وفرنسا وكندا أملا في الحد من إحساس إسرائيل بعدم الأمن وبالتالي تجنب نشوب حرب مصرية – إسرائيلية.



وبوجه عام، يقال إن أيزنهاور قبل مغادرته منصبه في يناير1961، حث خليفته ( جون كيندي) على ضرورة الاحتفاظ بقوة عسكرية ملائمة، وفي الوقت نفسه، حذر من أن النفقات العسكرية الضخمة المستمرة لأمد طويل يمكنها أن تولد أخطاراً للمجتمع الأميركي.



وبما أن العدوان الثلاثي على مصر كان قد نقص البيان الثلاثي* لعام 1950 القاضي بالمحافظة على الوضع الراهن في الشرق الأوسط فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تطويق مضاعفات انحسار النفوذ البريطاني والفرنسي من المنطقة العربية مدعية مواجهة اجتمالات غزو سوفييتي، فأعلنت منفردة تحملها مسؤولية المحافظة على الوضع الراهن، وأذاعت مشروع أيزنهاور الذي قصد منه أساساً أن يعالج ما يسميه “احتمالات الغزو الشيوعي المباشر وغير المباشر”. وعلى الرغم من أن أيزنهاور وصف أحداث العدوان الثلاثي بأنها “حرب” و”هجوم إسرائيلي كبير نسبياً فقد رأى أنها ليست بذات بال إذا قيمت بما أسماه بخطر الهجوم الشيوعي الدولي.



والمشروع الأمريكي يهدف إلى ملء الفراغ “الذي تركه العرب في الشرق الأوسط على صعيدين: اقتصادي بمساعدة أية دولة شرق أوسطية على تنمية أحوالها الاقتصادية، وعسكري باتخاذ تدابير عسكرية تشمل استعمال القوات الأمريكية المسلحة “لضمان وحماية “الكيانات الإقليمية والاستقلال السياسي للدول التي تطلب هذا العون في سبيل “مواجهة أي عدوان مسلح مكشوف من قبل أية دولة تسيطر عليها الشيوعية الدولية”.



في 9/3/1957 صادق الكونغرس الأمريكي على مشروع أيزنهاور، وجرى تصنيف دول الشرق الأوسط بحسب موقفها من المشروع إلى موالية للغرب وغير موالية له.



وفي 23 آذار أعلنت واشنطن أنها ستضم إلى اللجنة العسكرية لحلف بغداد* وأرسل أيزنهاور مبعوثه جيمس ريتشارد إلى الشرق الأوسط فاستطاع أن يكتسب لصالح المشروع بعض الحكومات العربية ودول المنطقة. فأعلنت ليبيا وتونس والمغرب وباكستان وإيران وتركيا موافقتها على المشروع، وقبل العراق به على أن تكون المساعدة غير مشروطة، وهاجمته سورية، ورفضته مصر. وكان لبنان في عهد رئاسة كميل شمعون الدولة العربية الوحيدة التي التمست المساعدة العسكرية في إطار مشروع أيزنهاور عندما تفاقمت الاضطرابات فيها.

أما (إسرائيل) فقد أعلنت يوم 21/5/1957 تأييدها للمشروع، ورحبت بالعون الأمريكي وبوجوب بذل كل جهد لتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط وفي العالم. ولهذه الغاية تتعاون مع الولايات المتحدة والحكومات الصديقة، وتعبر عن تقديرها للحكومة والشعب الأمريكي لاهتمامهما بتقدم حكومة (إسرائيل) وبذل المساعدة لها. ونوهت الحكومة الأمريكية في اليوم نفسه بالبيان الإسرائيلي المساند لمقترحات أيزنهاور، وأعلنت أنها تشارك في المبادىء والأهداف التي وردت في البيان المذكور وتؤيدها.



وبذلك أدمجت الإدارة الأمريكية (إسرائيل) صراحة بأهداف سياستها تحت ستار التركيز على تهديد شيوعي مزعوم في الشرق الأوسط متجاهلة نزعة (إسرائيل) العدوانية وتهديدها للسلم والأمن في المنطقة.



إلى جانب ذلك قامت الولايات المتحدة بحملة ضغط وتحريض على سورية ومصر للحيلولة دون سيرهما في طريق التحرر والوحدة.



أما الاتحاد السوفييتي فقد نظر إلى مشروع أيزنهاور بوصفه محاولة لنسف قواعد النفوذ البريطاني- الفرنسي في الوطن العربي وإحلال النفوذ الأمريكي الاقتصادي والعسكري محله. وأرسلت موسكو إلى واشنطن مذكرة تحتوي على ستة مبادىء تصلح أساساً لعلاقات الدول الكبرى مع بلدان الشرق الأوسط، وتستند إلى تسوية النزاعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والكف عن محاولات زج بلدان الشرق الأوسط في التكتلات العسكرية، وإزالة القواعد العسكرية، وسحب الجيوش الأجنبية وحظر شحن السلاح، وتنشيط التطور الاقتصادي دونما شروط عسكرية ملحقة به. وقد رفضت الولايات المتحدة هذه المبادىء.



تجاهل مشروع أيزنهاور أسباب النزاع العربي – الصهيوني وجوهره قضية فلسطين، فنجح مؤقتاً في تثبيت الوضع الراهن في المنطقة وأخفق في حل القضية الفلسطينية على أي نحو معقول يعيد إلى الغرب اعتباره في نظر الدول العربية. وبما أن الاستعمار الغربي هو المسؤول عن غضب حقوق العرب في فلسطين وتمزيق الوطن العربي عموماً فلم يكن التلويح بالخطر الشيوعي مفيداً للغرب ولا مقبولاً لدى العرب.



ونجم عن التجاهل الأمريكي لأصول قضية فلسطين تزايد التقارب العربي – السوفييتي، وبالمقابل توثق التقارب الإسرائيلي الأمريكي الذي تجلى بالدعم الأمريكي للكيان الصهيوني ديبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً بداعي موازنة السلاح الذي اشترته بعض الدول العربية من الكتلة الاشتراكية للدفاع ضد الغزو الصهيوني والإمبريالية الداعمه له.



لم ينقض زمن طويل على مشروع أيزنهاور حتى إنهار في المنطقة في إثر الهبة الشعبية العربية ضد المشاريع الغربية الاستعمارية (مثل حلف بغداد ومشروع أيزنهاور)، وقيام الوحدة بين مصر وسورية في شباط 1958، وانسحاب العراق من حلف بغداد بعد إنهيار النظام الملكي وظفر الثورة في 14/7/1958.



مبدأ أيزنهاور كان قد أسس للولايات المتحدة كقوة عالمية أولى، عبر توسيع مفهوم أمنها القومي، ليتجاور الأمن القومي التقليدي للدول “الإقليمية”، التي لا تتعدى مجالات انشغال وانخراط أمنها القومي حدودها الجغرافية. مبدأ أيزنهاور كان الأُس السياسي والروحي لتشييد وعي الولايات المتحدة لنفسها، كأمة “استثنائية” والدولة “الضرورة” و”سيدة العالم” ومركز تطلعه.



كان الوجود العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط امتدادا لتلك الاستراتيجية الأميركية العالمية، التي كانت ترى بأنه لا يُمكن فرض نفوذ سياسي واقتصادي وأيديولوجي أميركي في المنطقة دون حضور عسكري.



كانت حماية الأمن العسكري لإسرائيل، والتدخل لصالحها في أي سيناريو يشبه الحروب التقليدية التي اندلعت بينها وبين واحدة من الدول المُعادية لها؛ والحفاظ على استقرار تدفق النفط من المنطقة، بالذات الحفاظ عليه خارج التجاذبات والصراعات الإقليمية؛ والتدخل لصالح الأنظمة والقوى السياسية الحليفة إذا تطلب الأمر، خصوصا في وجه الانقلابات والتوترات السياسية أثناء مرحلة الحرب الباردة؛ وكذلك مواجهة التنظيمات المُتطرفة التي تنتشر في المناطق الخارجة عن السيطرة، كما في الصومال واليمن والعراق…إلخ. كانت مجموع تلك التفاصيل قد تمركزت في وعي الفاعلين العسكريين والسياسيين الأميركيين في منطقتنا، واستمرت في التعمق لعقود كثيرة.



راهنا، فإن مجموع تلك الأحوال مهددة بسلسلة من الانهيارات المتتالية، التي ستعقبها تحولات جوهرية في نمط العلاقات والتوازنات السياسية في منطقتنا.



ليس الانسحاب الأميركي من منطقة شرق الفرات هو الحالة المعيارية لهذا التوجه الأميركي الجديد، بل هو المؤشر الواضح لعدد هائل من توجهات أميركية مشابهة، تدل بمجموعها على نمط الاستراتيجية الأميركية في منطقتنا.



فالوجود الأميركي في شرق الفرات كان الأقل كلفة بكافة المعايير، بالذات المالية وسلامة الفاعلين على الأرض، وكانت المنطقة الأكثر نجاعة وفاعلية لخلق نفوذ وجمع المكاسب للطرف الأميركي.



لكن مع كل ذلك، وفي ظل مخاطرة كبرى من إمكانية مس الانسحاب على الأمن القومي الأميركي، قررت الولايات المتحدة إخلاء تلك الساحة.



ثمة انسحاب عسكري أميركي من الكثير من مناطق العالم، حتى أن الانسحاب صار جزءا من العقيدة السياسية والعسكرية للإدارة الأميركي الراهنة. فالرئيس الأميركي يُهدد بأن المعسكرات الأميركية في كل من كوريا الجنوبية وألمانيا وأفغانستان لا طائل منه، وأن الجهد العسكري الأميركي في حلف الناتو مبالغ فيه، مقابل عزوف أوروبي عن المساهمة الجادة، المالية والعسكرية في ذلك الحلف.



ربما لم تعد الإدارة الأميركية الحالية، بالذات البيت الأبيض، لم تعد تعتقد بأن منطقة الشرق الأوسط ذات ثقل استراتيجي. فبناء على حسابات الإدارة الأميركية صارت إسرائيل قادرة على حماية أمنها الوطني، والنفط يتدفق بأمان تام دون إعاقة، وبطرح يتجاوز في الكثير من المرات حاجات الأسواق العالمية.



مبدأ أيزنهاور كان قد أسس للولايات المتحدة كقوة عالمية أولى

​​فوق ذلك، تعتقد الإدارة الأميركية بأن الاضطرابات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط لا تمس الأمن القومي الأميركي المباشر، بقدر ما تمس الأمن القومي الأوروبي، لذا فإن دول الاتحاد الأوروبي يجب أن تقوم بالجهد العسكري والأمني الرئيسي في هذه المنطقة.



تذهب الحسابات الأميركية إلى الاعتقاد بأن منطقة شرق آسيا، بالذات مثلث الصين الهند ودول النمور الآسيوية، هي التي تشكل ثقل الاقتصاد والنفوذ والتأثير على الاقتصاد والتنمية والأدوار العالمية الأميركية، وأن تركيزها في تلك المنطقة إنما تتطلب تخفيفا للثقل الأميركي في باقي المناطق.



كما تعتقد الإدارة الأميركية بأن مهمتها في مواجهة “داعش” قد انتهت، والتي تمثلت في القضاء على الهيمنة الجغرافية لـ”داعش” على مناطق واسعة من سوريا والعراق. وأن ما تبقى من مهام، مثل المواجهة الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، التي ستمنع “داعش” من العودة، إنما يجب أن تتولاها دول المنطقة، بمساندة ودعم من مختلف دول العام، وأن الولايات المتحدة يجب أن تكون مجرد داعم لذلك، ليس أكثر.



ليس لأحد أن يعرف المدى التي ستحتاجه الإدارات الأميركية القادمة لأن تدرك أن مستوى تشابك الولايات في أنسجة العالم الحيوية يمنعها من هذا المستوى من الانسحابية من قضايا العالم، بالذات منها تلك تبدو أكثر عولمة وأشد حيوية من أن تكون في حدود منطقة أو مجتمع محلي ما، وأن الولايات المتحدة بموقعها ومعناها وأدوارها ومكانتها، أضعف من أن تتصرف كدولة إقليمية.



ربما هذا قدر الولايات المتحدة وشعوبها، وربما هذا قدر الآخرين، مستضعفو الأرض اليباب.



واشنطن لم تقم بدورها في أزمات دولية كبيرة مثل الأزمة السورية والإيرانية والليبية، وفي الأزمات الثلاث كانت روسيا حاضرة لملء هذا الفراغ، الأمر الذي عزز الشكوك حول قدرة واشنطن على مواصلة قيادة النظام الدولي نتيجة تراجعها عن الاشتباك الجدي في قضايا محورية وذات تأثير كبير على المشهد العالمي.



العالم اليوم يشهد بؤراً ساخنة قد تتحول إلى نزاعات عسكرية تجر العالم إلى وحل صراعات متعددة الأطراف، فيما الولايات المتحدة غارقة في قضاياها الداخلية ومكتفية بإصدار التصريحات والتحذيرات دون أي اشتباك فعلي يوازي حجمها كقوة تتزعم العالم وتقود نظامه الدولي.



البعض يرى أن فيروس كورونا وضع زعامة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم على المحك، وأن مخاض ولادة نظام دولي جديد بدأ بالفعل، إلا أن الواقع يقول بأن نكوص أمريكا عن القيام بدورها في الملفات الدولية هو المسبب الحقيقي لزعزعة مكانتها الدولية، فبقدر ما تترك واشنطن فراغاً في أي ملف فهناك دول طامحة لملء وسد هذا الفراغ.



وباختصار، الولايات المتحدة لم يعد يراهن عليها أحد في حل النزاعات الدولية، وإذا ما جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل بجو بايدن رئيساً، فقد يشهد 2021 النهاية الفعلية للزعامة الأمريكية، وقد يكون عام ولادة النظام الجديد الذي سيكون نظاماً متعدد الأطراف ولو لفترة زمنية مؤقتة حتى تملأ دولة ما الفراغ الذي تركته أمريكا بمحض إرادتها.

المنابع: صحف ومواقع


التوقيع :
من مواضيع سيد فاضل » ان الميت ليفرح
» المرتد سلمان رشدي يتعرض للطعن في نيويورك
» عزاء ركضة طويريج.. كيف نشأ ولماذا منع؟!
» مسجد الحنانة.. موضع رأس الإمام الحسين عليه السلام
» مختارات من رثاء لقتيل كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) 2
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أميركا, ماذا, مبرر, أيزنهاور»…, وجود, الأوسط, الشرق, العسكري, تعرف, «مبدأ

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من هم الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط؟! سيد فاضل اخبار العراق والعالم 2 10-09-2021 08:00 PM
شاهد عيان عن مطلق النار: شكله بدا أنه من الشرق الأوسط مراسلنا السياسي اخبار العراق والعالم 0 08-11-2018 04:23 PM
السعودية تستقبل أول سباق فورمولا إي في الشرق الأوسط مراسلنا الرياضي احباب الحسين للشباب والرياضة 0 24-09-2018 10:42 AM
جولة داخل أول منشأة لإعادة تدوير غاز co2 في الشرق الأوسط مراسلنا العلمي احباب الحسين للعلوم والتكنولوجيا 0 15-11-2016 10:33 AM
بناء أول فندق مائي في الشرق الأوسط ** خـادم العبـاس ** احباب الحسين للسياحة والسفر 9 15-07-2012 04:00 PM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين