منطق فهم القرآن الكريم (2)

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-01-2022, 11:40 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

سيد فاضل

الصورة الرمزية سيد فاضل


الملف الشخصي









سيد فاضل غير متواجد حالياً


افتراضي منطق فهم القرآن الكريم (2)

منطق فهم القرآن الكريم (2)؛ بقلم الراحل الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي


شفقنا العراق-شروط فهم القرآن الكريم؛ الشرط الأوّل: بما أن القرآن هو: (لسان عربي مبين)(2) فإن الأصول العقلية تستوجب على كل من يريد فهم النص القرآني بصورة صحيحة معرفة اللغة العربية وآدابها بصورة جيدة; وعلى هذا فعليه أن يعرف جيداً معاني الكلمات وقواعد الصرف والنحو والبيان والتشبيه والاستعارة والكناية وأقسامها وأنواعها، وإذا لم يكن يعرف كلّ هذا فهو لا يستطيع الوثوق بأن إدراكه للقرآن إدراك صحيح أم لا؟ لا سيّما أنّ بعض الكلمات تكون معانيها دقيقة جداً، وإذا لم يكن يعرف جذر الكلمة بصورة صحيحة فسيكون لديه لَبس في فهم معنى تلك الكلمة، إذاً فالشرط الأول لفهم القرآن فهماً صحيحاً هو المعرفة الجيدة بأدب اللغة العربية أي قواعد الصرف والنحو… الخ، وهذا الشرط شرط عقلي، فمن كانت لغته انجليزية ولم يكن لديه معرفة بأدب اللغة الفارسية ثم أراد تفسير نص فارسي واستخلاص معنى معين منه، دون رعاية أصول الأدب الفارسي فإن العقلاء لن يسمحوا له ـ بدون رعاية تلك الأصول ـ أن ينسب شيئاً إلى صاحب النص، وهذا الكلام صحيح أيضاً بالنسبة للقرآن.

الشرط الثاني: هو أنه في كلّ اللغات تقريباً قد استخدمت صناعات مختلفة في الكلام وتكون في بعض الحالات سبباً للتشابه. وتحوي عدة معاني لا نعرف أيّاً منها حقيقي وأيّاً منها مجازي; ولذا يجب الاستفادة من القرائن المتعلقة بنفس هذه الكلمات والرجوع إلى صدر وذيل تلك الآية والآية السابقة لها، والآية اللاحقة تلك المجموعة التي يمكن أن نسميها سياق الكلام، وبلاشك فإنّ السياق يتّخذ أحياناً معنى خاصاً مفاده: أن مجموع مقطع من النص يتكون من عدة أجزاء أصغر ويطلق عليه سياقاً أيضاً، ولكن إذا وسّعنا هذا المعنى وأخذنا صدر وذيل الآية فإننا نستطيع فهم كلام المتكلم (جلّ وعلا)، ولكننا لو أخذنا جملة قصيرة من احدى الآيات ولم ندقق في صدرها وذيلها وما قبلها وما بعدها فإننا لن نستطيع أن نتأكد أننا فهمنا الآية بصورة صحيحة، وقد وصل الينا كثير من هذه المغالطات; وذلك عندما يؤخذ قسم من الآية ويستند عليه دون العناية بصدرها وذيلها أدى ذلك إلى انحراف في الأذهان.

الشرط الثالث: وهذا الشرط يشبه الشرط الثاني، وهو كون القرائن اللفظية منفصلة عن الآية، فالنظر إلى أن قائل كلّ آيات القرآن حكيم لا يتطرق إليه اللهو والنسيان والغفلة… الخ فعليه يمكن وضع الكلمات المختلفة في آيات أخرى قرينة لفهم آية ما; أي أننا لو أردنا أن نعرف أننا حصلنا على فهم صحيح لآية ما، وأن هذا الفهم هو نفسه وليس غيره يجب أن نراجع الآيات المختلفة المشابهة للآية المطلوب تفسيرها أو الآيات التي يحتمل أن تكون مفسّرة (وموضحة) لهذه الآية بصورة من الصور، أي أن نأخذ في اعتبارنا كلّ القرآن من أجل تفسير آية واحدة، وطبعاً أن القول بوجوب مراجعة القرآن كلّه لفهم آية واحدة فيه مبالغة، ولكن على الأقل نأخذ نصب أعيننا الآيات المماثلة لتلك الآية والتي تستطيع مساعدتها في فهم تلك الآية المقصودة، وهو الأمر الذي ذكره أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) عندما قال: (إن القرآن يفسر بعضه بعضاً)(3) وعلى هذا الأساس فإن الاستناد على كلّ كلمات القائل من أجل فهم عبارة خاصة (من حديثه) هو منحى عقلي وليس تعبديّاً، ويكون الأمر على هذا الشكل في القرآن أيضاً، لأن قائله جلّ وعلا لا يغفل أبداً، أما المتحدثون الآخرون فقد ينسون ما قالوا أو يجدّدون نظرهم أو يحدث لهم اختلافاً في الرأي يبدّل نظرهم السابق، ولكن هذه الاحتمالات ليست موجودة في القرآن. (أما قضية الناسخ والمنسوخ فهي ترتبط بالحدود الزمنية لمعنى خاص) وعلى أية حال فإن الرجوع إلى سائر الآيات لفهم معنى آية ما استناداً إلى القرائن اللفظية المنفصلة هو أيضاً أحد الأصول التي يجب مراعاتها لأجل فهم القرآن.

الشرط الرابع: الاستفادة من القرائن التاريخية: يعتبر هذا الأمر مهماً; لأنّه جزء من الجوانب العقلية لا التعبدية، فإنّ كلّ متكلم عندما يتحدث مع مخاطبه فإن لديهما اتفاقاً مشتركاً بمعنى أنهما التزما بفرض أن اللفظ الفلاني يفيد المعنى الفلاني، ويدركان أيّ موضوع يعني هذا الحديث، وما هي الخصوصيات التي جاء بها المتكلم لتوضيح ذلك الموضوع.

إنّ الجملة التي تقال في جو خاص يفهم منها شيء قد لا يفهم من نفس هذه الجملة في جو آخر، ففي قصة سليمان عليه السلام وبلقيس مثلا وردت بعض الخصوصيات فيما يخص ملك بلقيس منها: «وأوتيت من كل شيء» فلو أننا اخذنا هذه الجملة فقط في إعتبارنا لا ستوعبت دائرة واسعة من الجوانب المادية وغير المادية أيضاً، وان كل ذلك يندرج ضمن كلمة كل شيء، ولكن هل كانت بلقيس فعلا تملك كل ذلك؟ كثيرة الاشياء التي لم ترها بلقيس ولم تسمع بها أبداً، ناهيك عن استخدامها لها، ولكن عندما نأخذ جو الحديث بنظر الاعتبار نفهم أن لديها امكانات الملك والحكم وأن جو الخطاب يؤشر على أن معنى ( وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْء)(4) ليس المعنى العام الذي يلقيه اللفظ في الذهن، ولكن كيف نعرف ذلك الآن في الوقت الذي ليس هناك جملة سابقة ولا جملة لاحقة تقدم لنا أي خصوصية في فهم المعنى؟ ولكن جو الحديث يفهمنا أنه عندما نقول عن ملك بأن ملكه لانقصان فيه; فأن ذلك يعني أن لا نقص لديه في كل ما يحتاجه من أجل أدائه سلطته وملكه وأنه لا يملك (بالطبع) كل امكانات هذه الدنيا.

إن الاهتمام بزمان نزول الآيات وخصوصياته يندرج ضمن هذا الاطار أيضاً، إن من يدقق في صدور النص والمفهوم الذي يستخلصه العقلاء من ذلك النص سوف يؤشر على دقة فهمه له طبعاً، ففي كل هذه المواضيع هناك مزالق، فمن الممكن ان يحمل أحد ما بصورة اعتباطية شيئاً إلى معنى النص لا وجود له في الواقع أو يغفل عن امور تكون مهمة لفهم كلام الخالق… الخ، وبلا ريب ففي كل قاعدة افراط وتفريط والتباسات أيضاً، ولقد جاء المنطق لكي لا نخطىء في الاستدلال العقلي، ولكن هل أن كل من يعرف المنطق تكون استدلالاته سليمة؟ والجواب هو النفي لأنه قد يغفل عن أمر ما وقد لا يستخدم القواعد بصورة صحيحة، غير أن هذا الكلام لا يعني عدم جدوى المنطق. وعلى هذا فإن احدى اتجاهات الفهم الأدق هي العناية بجو التخاطب او سبب النزول والظروف التاريخية التي صدر كلامه (عز وجلّ) فيها.

اذاً فكل موضوع يبدو واضحاً امام العقل، ولا يتردد العقلاء أدنى تردد حول معناه في الظروف العادية فإنه يمكن قبوله. وطبعاً فقد كانت هناك شكوك مطروحة حول كل بديهية من البديهيات على طول التاريخ; حتى وصل الأمر بهم إلى القول بعدم وجود بديهيات مطلقة وإن كل شيء نسبي.

طبعاً إن هذه الشكوك منحرفة ولا يعتقد ـ ابتداءاً ـ أي عاقل ابداً، أن هذه الامور تتولد على اثر الشبهات، أن أي عاقل ذي ذهنية خالية من أي شك خاص ولم يتلزم بموقف مسبق وغرض معين عندما يواجه أمراً فإنه يعتبره امراً قطعياً; فمثلا عندما اتحدث الآن واقول إن المصابيح مضاءة فإن أصلا لا يعتريه الشك بهذه الحقيقة (وهو يرى المصابيح مضاءة أمامه) ولكن السوفسطائيين يعتبرون أن كل ذلك قابل للشك، او كما يقول ديكارت في مذهب شكه المعروف: (كيف أعرف أني لا أرى حلماً؟ لعل كل الذي أراه هو حلم).

قد يكون كل هذا الواقع (مجرّد) حلم، إن مثل هذه الشكوك موجودة ولكن العقلاء لا يهتمون بهذه الشكوك المنحرفة، فلو أن احداً استخلص فهماً معيناً لنص ما يخالف ما يقبله الافراد سليمو الفطرة وما تقبله عقولهم في جو عقلي فإن فهمه هذا سيكون مرفوضاً لدى جمع هولاء العقلاء، إن معنى هذا هو أن القرائن العقلية يمكن ان تكون مؤثرة لفهم المعنى من الكلام، طبعاً هناك مكان لأن يتحمّل الكلام معنين مختلفين أحدهما موافق للعقل والآخر مخالف له وإن كان احدهما ظاهراً والآخر أظهر، أحدهما نصاً والثاني ظاهر النص، وعلى أية حال إذا صدر الكلام من عاقل حكيم كالخالق جل وعلا ثم استخلصنا منه نتيجة معارضة لبديهيات العقل فإن هذا الاستخلاص خاطئ، ولهذا فالشواهد العقلية مع الشواهد اللفظية والشواهد التاريخية وظروفها تكون مهمة لفهم بعض الآيات، وإذا استخلصت فهماً من احد النصوص وتصورنا أن هذا الفهم واضح ايضاً ولكنه نقيض البرهان العقلي فإن البرهان العقلي نفسه سيكون دليلا على خطأ هذا الفهم، فعلى سبيل المثال: الآيات التي تبدو حسب ظاهرها ليتصورها الإنسان أنّها تدل على جسم الخالق سبحانه مثل: (وَجَآءَ رَبُّكَ وَا لْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(5) (الرَّحْمَـنِ عَلَى اَسْتَوَى )في الوقت الذي وصف فيه الخالق نفسه بأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ)(6) وعندما يقال: (جَآءَ رَبُّكَ) فإن تصوراً بدنياً ليتبادر إلى الذهن; ولذا علينا أن نترك فهمنا الأول ونقول: إن لدينا شاهداً عقلياً يناقض هذا الفهم، وعلى هذا الشكل تساعدنا الشواهد اللفظية والتاريخية على الفهم.

إن الشواهد العقلية يمكنها مساعدتنا على الفهم الصحيح، ولكننا يجب ايضاً أن ندقق فيما تعنيه الشواهد العقلية.

إن الشواهد العقلية هي وبصورة عامة ما يقبلها كل العقلاء، فإذا قال أحد إني أفهم الأمر بهذه الصورة، وقال الآخر كلا إني أفهم الأمر بتلك الصورة فالواضح أن فهم كلّ منهما ليس صحيحاً، فإنّ ما فيه اختلاف لا يمكن للعقل ان يستند عليه، إن الفهم إذا كان عقلياً فإن كل عاقل يستطيع ادراكه إلا إذا لم يتصور القضية بصورة صحيحة.

وفي الموقع الذي توجد فيه قرينة عقلية نستطيع ان نفهم المعنى باستخدام الضوابط العقلية، تلك الضوابط التي يستخدمها العقلاء في تفاهمهم، ونقاشهم.

لقد بيّن القرآن الكريم أن مهمة الرسول (صلى الله عليه وآله) تندرج في عدة امور هي تلاوة القرآن، وتعليم الآيات، وأمر آخر هو التزكية (يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ا لْكِتَابَ وَا لْحِكْمَةَ)(7) ومن هنا ندرك أن التعليم هو من واجبات الرسول (صلى الله عليه وآله) وأن هناك اموراً يجب ان يوضحها الرسول لنا ولا نستطيع ادراكها لو اكتفينا بفهمنا لها فقط، فالملاحظ هنا حاجتنا لمن يعلمنا: والآيات المجردة لا تكفي لوحدها فقط. ولو كانت مهمة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي فقط تلاوة القرآن لحددت في (يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) ،فقط غير أنه توجد آية اكثر صراحة من هذه الآية وهي (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَانُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(8) أي أن ما انزله الله فقد أنزله جل وعلا إلى الناس ونحوهم، وبعبارة اخرى أن هذه الآيات ـ فهماً ـ يجب ان ينتهي اليهم أما: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَانُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فهو يعني توضيح (وتفسير) ما أنزل للناس، وهذه الآية دليل قاطع على أن الرسول هو مفسر للقرآن الكريم، وتدل على أن القرآن بحاجة إلى من يفسره، ذلك التفسير الذي يجب أن يتكفل له الرسول(صلى الله عليه وآله). إذاً وبصورة عامة فإننا لا نستطيع أن نفهم كل آيات القرآن الكريم فهماً كاملا دون العودة إلى الرسول او على الاقل في بعض المواضيع التي يجب فيها وبصورة قطعية العودة إلى كلام الرسول (صلى الله عليه وآله)والاستعانة به.

ان اكثر وأوضح الموارد في هذا المجال هو تفصيل المجملات، أي أن هناك في القرآن بعض المواضيع التي طرحت بصورة اجمالية كليّة، ولكن هذا البيان الإجمالي لا يرشد إلى الطريق ولا يبين الهدف والقصد النهائي بصورة جلية، ويجب الاستعانة بالتوضيح والتفصيل (لأجل فهمه). فهناك مثلا آيات كثيرة حول الصلاة، غير أن أي من هذه الآيات لا تتناول كيفية الصلاة وعدد ركعاتها، وهذا الأمر الذي اشار اليه الائمة الأطهار في الرواية التي فيها: إن احد اصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) قد سأله عن السبب في عدم وجود اسماء الائمة الإثني عشر في القرآن الكريم ولم يذكر في القرآن الكريم أن الإمام عليّاً عليه السلام هو الخليفة من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ فرد عليه الإمام الصادق عليه السلام بأن الله قد قال في كتابه: (َأَقِيمُواْ الصَّلاةَ) فهل ذكر عدد ركعات صلاة الصبح؟ فقال السائل: كلا فقال: الإمام (عليه السلام) اذاً فمم عرف الناس كيف يقيمون صلاتهم، لقد عرفوا ذلك من الرسول(صلى الله عليه وآله) ثم سأل الإمام محدثه، لقد ذكر القرآن (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) فهل وضح عن أي شيء وما هو مقداره، وكيف يحسب مقداره؟ فقال: كلا، فقال الإمام(عليه السلام): فكيف عرف الناس بم تتعلق وما حد نصابها؟ ثم قال(عليه السلام): اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر مثل أقيموا الصلاة، فإن على الناس واجباً أن يذهبوا إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)ويسألوه، ولقد ذهبوا وسألوه صلوات الله عليه، وبيّن لهم ان اولي الأمر هم الائمة الأطهار، وكان من جملة من سأل الرسول جابر بن عبد الله الأنصاري الذي سأل الرسول الكريم عن تفسير اولي الأمر ومن هم؟ ومن الذي تجب علينا طاعته؟ فعرفه الرسول بالائمة الإثني عشر(9).

إذاً فقد صار واضحاً ونفرض ذلك أيضاً بصورة الموجبة الجزئية أنه ولفهم بعض المواضيع من القرآن الكريم فإن الأمر يتوقف على الرجوع إلى اهل البيت (عليه السلام) لأجل فهمها. لا سيما في الموارد التي يوجد فيها اجمال وابهام فيلزم منه لبيان أوضح وجوب سؤال المعصوم، وهذا الباب هو تخصيص العام وتقييد المطلق.

ولكن هل طرح في اصولنا أن السنة الشريفة يمكن أن تكون مخصصة للامام أو مقيدة للمطلق في كتاب الله ام لا؟

لقد استخدمت أنا نفسي مثالا في بعض الحالات، وأتصور على الأقل أن من لديه انصاف سيعتبره توضيحاً مقنعاً، فقبل عدة سنوات التقيت بأحد ممثلي الفرق المنحرفة، وقال في خلال نقاشنا بأن علي ان استخدم القرآن فقط ولن يقبل بشيء لم يرد في القرآن قلت: أسألك سؤالا ثم افعل وما تريد وسألته هل إن لحم الكلب حلال أم حرام؟ فقال: إنه حرام، فقلت اعطني دليلا من القرآن فقال: إن هذا من الأمور الواضحة، وكل المسلمين يعرفون ذلك، وعجز عن اعطاء الجواب فقلت: هل تريد أن أثبت لك من القرآن الكريم ان لحم الكلب حلال؟ فقال: وبأي دليل؟ قلت: ان القرآن الكريم يقول: (قُل لاَ أَجِدُ فِي مَاأُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ)(10) إن هذه الآية تشير إلى ان كل شيء حلال عدا هذه الموارد الأربعة: ـ ولذا فإن لحم الكلب حلال استناداً إلى هذه الآية! إن سرّ الموضوع هو أن القرآن قد بين ان توضيح المجملات يقع على عاتق الرسول الاكرم صلوات الله عليه، وأن حديثه حجة في هذا ويمكن لنا الاستدلال بحديثه.

إذاً فالقاعدة الأخرى التي يمكن استخدامها لفهم القرآن هي: أن حديث الرسول صلوات الله عليه ـ وبالنسبة للمسلمين الشيعة حديث الائمة الأطهار أيضاً. هو حجة في توضيح مجملات القرآن وتفسير كل ما يحتاج إلى تفسير، ولن نستطيع التأكد من صحة ما نسبناه إلى القرآن دون الرجوع إلى أحاديثهم.

القسم الثالث: هو أنّ الردود التي طرحت للردّ على الشبهات (في الموضوع الذي سنتطرق اليه) هي ردود مفصّلة، ولكني أتطرق هنا للرد على شبه عامة موجودة، وهي أنّنا قد شاهدنا على طول التاريخ أنّ هناك تبايناً كثيراً في وجهات نظر المفسرين يصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان، فيقول أحدهم: إن هذه الآية تعني هذا فيما ينفي الآخر ما جاء به الأول نفياً صريحاً، وإذا كان علينا العودة إلى القرآن ونطالع التفاسير فأي رأي نقبل من هذه الآراء المختلفة؟ وسأعرض جواباً شمولياً لهذا السؤال فأقول: إنّه ولكي نفهم مواضيع من القرآن فيجب علينا وبصورة قاطعة رعاية القواعد التي ذكرت في البحث، وأحياناً بعض القواعد الاخرى التي يجب اضافتها لأجل هذا الفهم، والدليل هو أنه عندما نوضحها لأي عاقل محايد ونبيّن له كيفية استخدامها فإنه سيصل إلى نفس تلك النتيجة، أي أن مثل ادراكنا هذا سيكون حجة وبصورة قطعية ومؤكدة.

أما في المواضيع ذات الشك والتي فيها اختلاف في وجهات النظر فإن الموضوع سيكون مثل مواضيع الشك الاخرى في بقية فروع العلوم، ففي كل فرع من فروع معرفة الإنسان هناك جانب يقيني وجانب ظني، والجانب اليقيني هو مورد القبول من الكل وممكن للجميع الركون اليه، اما القسم الظني فإن اصحاب الخبرة ومن لديه الصلاحية الكافية للاجتهاد في هذا العلم فإن لديهم الحق في بيان وجهات نظرهم.

وإذا رغب الآخرون فعل ذلك فعليهم أيضاً وطبقاً للأصول العقلية العودة إلى الأعلم في هذا العلم وأخذ، رأيه، وإذا كانوا بحاجة عملية لذلك فلا بد من القبول بقول احد الطرفين المتناقضين، ولكن إذا كان الأمر اعتقادياً وليس له ارتباط بالعمل فليس هناك الزام بأن يعتقد الإنسان أن أحد أطراف هذه القضية صحيح أو أن طرفها الآخر هو الصحيح وأن شخصاً آخر يمكن أيضاً أن يقول: إن ظني هو هكذا ولكن دون أن ينسب معنى اعتقادياً خاصاً للقرآن الكريم، ففي قضية الحياة البرزخية مثلا وطريقة السؤال والجواب في القبر وكيفية الاجابة… الخ وهي قضية طرحها كل المتكلمين فيجب النظر فيما إذا كان إلزاماً علينا وواجبا أن نختار نظرية خاصة أم لا؟ لأنه لا دخل لهذه القضية بالعمل فيكفي هنا الأخد بقول الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّ كلما يقوله الائمة الأطهار في هذا الموضوع هو الصحيح، ومن الممكن ان يستند شخص ما في بحثه على ادلة عقلية أو لفظية، ويرجح رأياً على الآخر، فإن الاسلام يقول لابأس في ذلك ولا يلزم منه حتمية نسبته إلى القرآن الكريم، ويجب عليه القول إن ظني هو أن هذه الآية تعني هذا المفاد، وبما أنه لا يملكدليلاً قاطعاً فعليه القول (أيضاً) أن ما بيّنه الائمة الأطهار(عليهم السلام) هو الشيء الصحيح، إذاً ففي مثل هذه الموارد وعلى الرغم من وجود اختلاف في وجهات النظر فإننا نحترم كل هذه الآراء ولا نتّهم أحداً في غير الضروريات بالكفر والزندقة، لأن تلك الضروريات هي من القسم الأول، ولأنها قطعية، ويستطيع الكل الاستناد عليها، واُسلوب العقلاء هو أنهم يعتبرون أن هذه الضروريات حجة، اذاً فلا وجود للقراءات المختلفة، بللا وجود للاجتهادات المختلفة كذلك، إذ أن الجميع يفهمون الضروريات على صورة واحدة، وليس هناك أي احتمال إضافي فيها إلاّ إذا كان لأحد غرض ما.

أما الجوانب الظنية حيث توجد وجهات نظر متباينة فإن أصحاب الرأي ـ وهم الذين امتلكوا الصلاحية العلمية الكافية ـ فلهم الحق في طرح وجهة نظرهم مع نسبة احتمال وجود الخطأ، أي أنّه يمكنهم القول بأن تصورنا هو كذا، ولكننا لا ننسب ذلك بصورة قطعية إلى الله لاحتمال أن يكون هناك معنى آخر، وأن اعتقادنا القلبي على أية حال هو ما قاله الأئمة الأطهار(عليهم السلام) وهو سند معتبر عندنا.

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

المصدر: موقع الجامعة الاسلامية


التوقيع :
من مواضيع سيد فاضل » ان الميت ليفرح
» المرتد سلمان رشدي يتعرض للطعن في نيويورك
» عزاء ركضة طويريج.. كيف نشأ ولماذا منع؟!
» مسجد الحنانة.. موضع رأس الإمام الحسين عليه السلام
» مختارات من رثاء لقتيل كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) 2
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منطق, الكريم, القرآن

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الوصي مع القرآن الكريم والحق والقرآن الكريم والحق معه ! أسد الله الغالب منتدى الوصي المرتضى (سلام الله عليه) 1 19-02-2021 04:55 AM
العقائد الإسلامية في القرآن الكريم -3) أصناف خلق الله تعالى في القرآن الكريم العلوية ام موسى الاعرجي المنتدى الاسلامي العام 2 07-08-2015 10:39 PM
العقائد الإسلامية في القرآن الكريم -3) أصناف خلق الله تعالى في القرآن الكريم العلوية ام موسى الاعرجي المنتدى الاسلامي العام 2 07-08-2015 10:35 PM
القرآن الكريم كبش الكتيبه احباب الحسين للتصميم والجرافكس 1 12-07-2015 08:13 PM
كود القرآن الكريم محـب الحسين احباب الحسين لتطوير منتديـــــvb3.0.0ــات 7 27-12-2012 06:43 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين