منتدى الوصي المرتضى (سلام الله عليه) أمير المؤمنين - وصي الرسول - سيد البلغاء - قائد الغر المحجلين - امام الانس والجان - أبو الحسن - أبو الحسنين - امام المتقين - عليه السلام
كاشفية أقوال الإمام علي (عليه السلام) عن تنوع المعتقدات قبل البعثة ودواعي نشوئها. الحلقة الأولى: محددات عقائد العرب قبل البعثة في خطاب الإمام علي (عليه السلام) وجهود النبي (صلى الله عليه وآله) في إخراج الناس من الوثنية الى التوحيد.
إنَّ من البداهة بمكان أن يحتاج الإنسان في عملية البناء القيّمي للنفس والأسرة والمجتمع على وفق المنهج القرآني والنبوي، إلى كشف التاريخ وقراءتهُ قراءةً علمية ومنهجية، وذلك (أن التاريخ هو الماضي الحاضر، أي مجموع عوارض الماضي حاضرة بأخبارها، وأن فحص تلك الأخبار عملية تنجز دائماً في الحاضر؛ والتاريخ حاضر بمعنين، الأول: بشواهده، والآخر: في ذهن المؤرخ.
فكثيراً ما نقرأ: لا بد من مقارنة الماضي بالحاضر، والحاضر بالماضي، والعلة في هذه الدعوة والقراءة هي أن موضوع التاريخ هو استخلاص القوانين والعِبْر من الأحداث وآثار الماضي، وهو بهذا يكون، أي التاريخ مدرسة الأخلاق والسياسة:
من هنا: نجد أنّ الحاجة الى خطاب الإمام علي (عليه السلام) في معرفة جهود النبي (صلى الله عليه وآله) في إصلاح الأنسان والمجتمع بعد أن عصفت به الوثنية المختلطة بالأسطورة العالمية من الشرق والغرب ليست حاجة عقدية وشرعية فحسب، وإنّما حاجة أخلاقية وتربوية وبنائية للنفس والأسرة والمجتمع، فضلاً عن كاشفية هذا الخطاب العلوي في جعل المسلمين ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110].
إلا أنّ هذه الخيرية التي تحدث عنها القرآن لا تتكشف للباحث إلا عِبْرَ معرفة حال العرب قبل الإسلام، وأن الوصول الى هذه المعرفة يتحقق عِبْرَ طريقين، الأول: خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي شاهد الحدث ونقله الى المسلمين، والثاني: عِبْرَ المؤرخ الذي تحكمت فيه الأحداث والسياسة وغيرها.
ومن ثم لم يكن جميع ما نقله المؤرخ مطابقاً للواقع وكاشفا للحقائق، وهو أمر صرّح عنه ابن شهاب الزهري لما طلب منه ملوك بني أمية كتابة السيرة وغيرها من العلوم التي حفظها، لاسيما سنام هذه العلوم وهو الحديث النبوي الشريف، فيقول:
(كنا نكره كتابة العلم، حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا أن لا نمنعه أحدا من المسلمين)[1].
وفي لفظ آخر: (استكتبني الملوك فأكتبتهم، فاستحيت الله إذ كتبتها للملوك ولا أكتبها لغيرهم)[2].
أما خطاب الإمام (عليه السلام) فقد كشف عن جهود النبي (صلى الله عليه وآله) في إصلاح المجتمع العربي، بعد أن مني العرب بقيم الجاهلية والبؤس والتردي الأخلاقي والاجتماعي والعقائد المختلفة المرتكزة على الوثنية والمشوبة بالخوف من الجن والشياطين فضلا عن الصلف والجلف في وسائل العيش في مختلف المناطق لاسيما أرض مكة.
4ـ وقال (عليه السلام):
« َأرْسَلَه عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الأُمَمِ واعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ، وانْتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ وتَلَظٌّ مِنَ الْحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ، عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا واغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى وظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْه طَالِبِهَا ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ، وطَعَامُهَا الْجِيفَةُ وشِعَارُهَا الْخَوْفُ ودِثَارُهَا السَّيْفُ.
فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللَّه، واذْكُرُوا تِيكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ وإِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ، وعَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ، ولَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ ولَا بِهِمُ الْعُهُودُ، ولَا خَلَتْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمُ الأَحْقَابُ والْقُرُونُ، ومَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلَابِهِمْ بِبَعِيدٍ ..».[8]
وغيرها من النصوص الشريفة التي وردت في كتاب نهج البلاغة والتي تكشف عن محددات عقائد العرب قبل الإسلام لاسيما في مكة والحجاز .
الهوامش:
[1] سنن الدارمي، باب: التسوية في العلم: ج1 ص110 .
[2] جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر: ص77.
[3] ورد في البحار: (جنادل).
[4] في نهج البلاغة: ((تشربون الكدر وتأكلون الجشب)).
[5] هذه الفقرة في نهج البلاغة فقط.
[6] الغارات، الثقفي: ج1 ص303؛ نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة 26؛ شرح نهج البلاغة، المعتزلي: ج6 ص94.
[7] نهج البلاغة، الخطبة:95 بتحقيق صبحي الصالح: ص140.
[8] نهج البلاغة، الخطبة: 89 بتحقيق صبحي الصالح: ص122.
ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام ، السيد نبيل الحسني: ص66-68 ، أصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة / ط1 دار