منتدى الوصي المرتضى (سلام الله عليه) أمير المؤمنين - وصي الرسول - سيد البلغاء - قائد الغر المحجلين - امام الانس والجان - أبو الحسن - أبو الحسنين - امام المتقين - عليه السلام
لا أحسب كتابا على امتداد التأريخ، وعبر القرون والأحقاب...منذ أن تدرّج الإنسان على الأرض... وضعت حول جوانبه ومفاهيمه وبحوثه ومطالبه ومواضيعه امّهات الكتب والدراسات والشروح، بعد القرآن الكريم مثل كتاب ( نهج البلاغة ) فهولاحتوائه على " ٢٤٢ خطبة وكلاما، و٧٨ كتابا ورسالة، و٤٩٨ كلمة، من يواقيت الحكمة ودرر البيان، وجوامع الكلم... أشغل الشخصية الاسلامية... وحوّل نحوه الجامعات والأكاديميات العلمية والأدبية والفلسفية... وأخذ بمجامع العقول والأفكار والقلوب... منذ أن قالها وأنشأها وصاغها وارتجلها، عملاق الفصاحة، وعبقريّ البلاغة، وسيّد البيان، وأمير الأدب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه سلام اللّه ورحمته وبركاته.
والواقع أنّ الكتاب هذا... في حروفه... كلماته... جملاته... سطوره... جاذبيّة خاصة... والكثير من قوّة الجذب التي لا عهد لنا بها إلاّ في القرآن الكريم... فهوكالمسك ما كرّرته يتضوّع، ولذلك نجد بينه وبين القرآن تشابها، وترادفا في الهدف، والغاية، والغرض، واللفظ، والمعنى، والسياق، والبيان، والشكل... ولهذا يعتقد الكثير من أئمة البيان والكلام، أنّ نهج البلاغة وليد القرآن فحسب.
ولا غرو، ولا مغالاة في القول هذا، بعد أن وجدنا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حفظ القرآن كلّه، فوقف على أسراره، وإعجازه، وحكمه، وظاهره، وباطنه، وناسخه، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، وكافة جزئياته وكلياته، وسار القرآن في جسمه، واختلط به لحمه، ودمه، ومشى في عروقه، ثم وجدنا الجميع في نهج البلاغة... مع تبيانه الصريح، وإعلانه الرصين في عدّة مواضع صارخا: سلوني قبل أن تفقدوني... سلوني عن كتاب اللّه، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل[١].
أوما رواه المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه، عن علي بن العباس، عن عبد اللّه بن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كفوّا عن ذكر علي ابن أبي طالب، فلقد رأيت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فيه خصالا لأن تكون لي واحدة منهن في آل الخطاب أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا، وأبوبكر، وأبوعبيدة، في نفر من أصحاب رسول اللّه ( ص ) فانتهيت إلى باب امّ سلمة، وعليّ قائم على الباب، فقلنا: أردنا رسول اللّه ( ص ) ؟ فقال: يخرج إليكم، فخرج رسول اللّه ( ص ) فثرنا اليه، فاتّكأ على علي بن أبي طالب، ثم ضرب بيده على منكبه، ثم قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيام اللّه، وأوفاهم بعهده وأقسمهم بالسويّة وأرأفهم بالرعية وأعظمهم رزية، وأنت عاضدى وغاسلي ودافني، والمتقدّم إلى كل شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافرا، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي، ثم قال ابن عباس من نفسه: ولقد فاز عليّ عليه السلام، بصهر رسول اللّه ( ص )، وبسطة في العشيرة، وبذلا للماعون وعلما بالتنزيل وفقها للتأويل ونيلا للأقران[٢].
ومن هنا نرى الغزالي[٣] بعد تلاوته الحديث هذا، يقول: قد علم الأولون والآخرون، أنّ فهم كتاب اللّه منحصر إلى علم عليّ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع اللّه عن القلوب الحجاب، حتى يتحقق اليقين الّذي لا يتغير بكشف الغطاء[٤].
هذا بالاضافة إلى عشرات الأحاديث، والروايات الصحيحة الثابتة عن النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلم، في علم عليّ عليه السلام وقضائه وأدبه وحكمته ودينه وإيمانه وتكامله في كافّة الجوانب العلميّة والاخلاقيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، فهونسيج وحده بعد المشرّع الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلم، في جميع المثل والقيم الانسانيّة، ولذلك يمكن القول بصراحة أنّ نهج البلاغة... وليد القرآن، من دون منازع ومن غير افتقار إلى دليل وحجة وبرهان، ولم يكن القول هذا بابتداع واختلاق منبعث عن التعصّب والانحياز، والغلووإنّما هوعقيدة أئمة الأدب وفقهاء البيان والبلاغة وأحبار الحكمة، والفلسفة، وجهابذة النحووالمنطق واللغة، منذ إنشاء نهج البلاغة وصوغه وإنشاده وتكوينه.
لقد تلقّت رجالات الفصاحة وفقهاء البيان وأحبار الحكمة والفلسفة كتاب نهج البلاغة، بالإكبار والتجليل، ووقفت خاشعة ذاهلة أمام اسلوبه الرصين وبيانه السّحريّ ونهجه البليغ وسبكه العذب ومعنويته الحيّة، وراحت تدرسه وتحلّله، وتضع له شروحا وتفاسير جمّة، وترجمته إلى اللغات الحية، ووضعت حوله دراسات وبحوث شتّى، فبلغ ما ينيف على ٣٥٠ شرحا وترجمة باللغتين العربية والفارسية[٥]، وعلى هذا يمكن القول: أنّ المؤلّفات والكتب الخاصة، بكتاب نهج البلاغة تشكل وحدها مكتبة عامرة[٦] ولعلّ اللّه يوفّق من يجمع هذه الدراسات والكتب في خزانة خاصّة، أويضع لها ثبتا ومعجما خاصا، خدمة للعلم والأدب والتأريخ:
كتاب كأنّ اللّه رصّع لفظه
بجوهر آيات الكتاب المنزّل حوى حكما كالدّر ينطق صادقا
ولا فرق إلاّ انّه غير منزل
هذا ومن الذين شرحوا كتاب نهج البلاغة، فقيه الحكماء وفيلسوف الفقهاء وفخر العلماء والأدباء وأفضل المتقدّمين والمتأخّرين، كمال الدين ومفيد الدين الشيخ ميثم ابن علي بن ميثم البحراني... رضي اللّه عنه، فقد صنّف لهذا الكتاب شروحا ثلاثة، بأسلوب علمي بليغ ونهج فلسفي قويم، كانت موضع التقدير والإكبار والبحث والتدريس.
ولد ونشأ هذا العليم النّحرير في البحرين، وترعرع في أحضان العلم والفقه، لأنّ أسرته كانت من الأسر الشهيرة العريقة، فنشأ في حجر أبيه المقدّس وبذل في تربيته الجهد، واستفرغ في تأديبه وتهذيبه وسعه وبوّأه من علمه وحكمته في تثقيفه مبوّأ صدق مبارك، يفتح له سبل الحجى ويدفعه إلى أوج الهدى والتقى، فأخذ أولا علوم اللّغة والصرف والنحووفنون اللسان، وحصل في الصرف والنحووالمعاني والبيان والبديع وعلم المنطق، على درجة وامتياز رفيع.
لقد أخذ هذه العلوم عن أساتذة مهرة بررة من علماء البحرين، اختارهم له والده، وكان يقف على دروسه معهم لا يألوجهدا في تشويقه وتشجيعه وتنشيطه وتمرينه، ولا يدّخر وسعا وفراغا في إرهاف عزمه واغرائه في الامعان بالبحث والمناقشة.
وكان منذ نعومة أظفاره وأوّل نشأته بعيد الهمة، توّاقا إلى المعرفة والكمال، ونزّاعا إلى الفضيلة والعبقرية، فحسر عن ساعد الجدّ والاجتهاد وجنّد نفسه في التحصيل، حتى بزّ أقرانه وزملائه، وجلى وفاز دونهم في جميع المجالات بالقدح المعلى، وفشى ذكره في التحصيل على ألسنة الخاصّة والعامّة، من أهل بلده، وخالط صيته العقل والفضل والهدى والرأى وحسن السمت في تلك الأرجاء وعند الجميع، فكان المثل الأعلى في الحوزات العلمية وأوساط الشبيبة في حمد السيرة وطيب السريرة وجمال الخلق وكمال الخلق وحبّ الخير.
غير أنّه آثر العزلة واختارها وأحبّها وهام بها لأنّه بلغ مقام الأنس على حدّ قول علماء الاخلاق، وقد قالوا: إنّ من بلغ مقام الأنس غلب على قلبه حبّ الخلوة والعزلة عن الناس، لأنّ المخالطة مع الناس تشغل القلب عن التوجّه التام إلى اللّه، فلا بدّ من بيان أنّ الأفضل من العزلة والمخالطة أيّهما، فإنّ العلماء في ذلك مختلفون والأخبار أيضا في ذلك مختلفة، ولكل واحد منهما أيضا فوائد ومفاسد، وقد أجمعت كلمتهم على تفضيل العزلة على المخالطة مطلقا، لوجود فوائد، منها، الفراغ للعبادة، والذكر والفكر والاستيناس بمناجاة اللّه والإشتغال باستكشاف أسرار اللّه في ملكوت السماوات والأرض والتخلّص عن المعاصي الّتي يتعرّض الإنسان لها غالبا بالمخالطة[٧].
ومهما يكن من أمر فإنّ المترجم له... آثر العزلة إلى أن تخلّص منها على أثر مكاتبات جرت بينه وبين علماء العراق، فغادر مسقط رأسه متوجّها إلى العراق وايران، بغية زيارة الأعتاب المقدّسة ومراقد أهل البيت الطاهرين عليهم السلام في النجف الاشرف، وكربلاء، والكاظمية، وسامراء، وخراسان، وقم، ومن ثمّ الاجتماع بالعلماء والفقهاء في الحوزات العلمية آنذاك.
لقد استغرقت رحلته هذه، سنين عدّة وعاد إلى البحرين، وكانت أوقاته منقسمة حتى في السفر بين المحراب والمطالعة والتدريس والكتابة والبحث والارشاد، ففي سفره صنّف الشروح الثلاثة لكتاب نهج البلاغة، كما كانت مجالس تزاوره في رحلته مدارس سيارة، يجد الطالب فيها ما يبتغيه من فنون العلم، والحكمة والأدب وما إلى ذلك من مواعظ تسموبالانسان إلى حيث الملكوت والروحانية... وهوفي كل هذا كما يشهد عليه بيانه، واضح الأسلوب، فخم العبارة، مشرق الديباجة، يعبّر عن كوامن نفسه بأبلغ بيان، ويعبّر عن ضميره بأجلى العبائر الحسان، فيبلغ بقوله وكلامه أعماق القلوب من خواصّ الناس وعوامهم، يخاطب كلاّ منهم بما يناسب مع شعوره، ويتّفق مع عقليته ومبلغه من الفهم والعلم والإدراك بكلام هوأندى على الأفئدة من زلال الماء... فكان منتجعوروّاد مجالسه على اختلاف طبقاتهم، ينقلون عنه بما إلتمسوه من ضوال الحكمة وجزيل الفوائد العلمية وجليل العوائد العملية.
إنّ الشيخ ميثم... كرّم اللّه وجهه، كان رحلة في العلم، كما كان قبلة في العمل والعبادة، وإماما في الحكمة والفقه، وعلما في الشريعة، تمّت به النّعمة، وهاديا إلى اللّه وجبت به الحجّة، ومفزعا في العلم تلقى إليه المقاليد، ومرجعا في أحكام اللّه وقوانينه يناط به التقليد، وثبتا في السنن وحجّة في الأخبار، وجهبذا في الوقائع وحوادث السنين وأحوال الغابرين، طويل الباع في الحكمة، وبحرا في الاخلاق وتهذيب النفس، لا يسبر غوره ولا ينال دركه.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على شخصيّة شيوخه ومناعة أساتذته الفطاحل، في العلوم الإسلامية إلى جانب شدّه للعلم حيازيمه، وإرهافه له عزائمه، وإرصاده الأهب لأخذه بجميع فنونه عن تلكم الجهابذ، وخوضه عباب البحار، ولذلك عنت أساتذته بأمره إلى الغاية، واهتمّت بشأنه كل الإهتمام. شيوخه:
يكتنف حياة هذا العملاق... الكثير من الغموض مع الأسف الشديد، ولم يتوصّل المؤرّخون إلى جذور حياته ومراحل دراسته بصورة وافية، ليضعوا أمام القارىء صورة صحيحة عنه، فالجوانب من حياته مجهولة، ومنها شيوخه وأساتذته الذين تخرّج عليهم، إذ لا مشاحة أنّه تتلمّذ على فحول الفقه وعمالقة الكلام وأساطين الفلسفة والحكمة وأرباب الجدل والمناقشة، فهوفي الواقع حصيلة وخميرة أدمغة الفطاحل، وعصارة الحكماء ومجموعة ثقافات الفقهاء والمجتهدين، بيد أنّ المؤرخين لم يذكروا منهم غير إثنين أو ثلاث وهم:
١- أبوالسعادات أسعد بن عبد القاهر بن أسعد الإصبهاني المتوفى بعد ٦٣٥.
من كبار المحققين والفقهاء والمتضلّعين في الدراية والحديث والفقه وأصوله، وكانت له حوزات تدريسيّة غاصّة بالعلماء والأدباء، منهم الخواجه نصير الدين محمد الطوسى، والسيد رضي الدين على بن طاوس وأمثالهما وقد ترجم له أصحاب المعاجم وأثنوا عليه.
من تصانيفه الكثيرة: " إكسير السعادتين "، فيه الكثير من الكلمات القصار لأمير المؤمنين عليه السلام. " توجيه السؤلات في حلّ المشكلات ". " منبع الدلائل ومجمع الفضائل ". " رشح الولاء في شرح الدعاء ". " مجمع البحرين ومطلع السعادتين ".
" مجمع الدلائل[٨] ".
٢- جمال الدين علي بن سليمان بن يحيى بن محمد بن قائد بن صباح البحراني مات...
الفقيه والحكيم الربّانى والعالم الصمدانى، أستاذ العلوم العقليّة والنقليّة، والمتضلّع في الحكمة والفلسفة، ومن مؤلفاته " الإشارات " في علم الكلام، شرحه تلميذه الشيخ ميثم. شرح قصيدة ابن سينا " العينيّة " في النفس. " مفتاح الخير في شرح رسالة الطير " لابن سينا، وقد أرسل الشرح هذا، إلى تلميذه الخواجه نصير الدين محمد الطوسي، وطلب منه شرحه، فأجابه نصير الدين الطوسى إلى ذلك بعد أن افتتح شرحه بالأبيات والمقدمة التالية:
أتاني كتاب في البلاغة متنه
إلى غاية ليست تقارب بالوصف فمنظومه كالدّر جاد[٩] نظامه
ومنثوره مثل الدراري في اللطّف دقيق المعاني في جزالة[١٠] لفظه
تجرّد في نظم الغموض إلى الكشف كغانية حار العقول بحسنها
تمرّض عيناها وملثمها يشفي أتى عن كبير ذي فضائل جمّة
عليم بما يبدى الحكيم وما يخفي فأصبحت مشتاقا إليه مشاهدا
[١١]بقلبي محيّاه وإن غاب عن طرفي رجا الطرف أيضا كالفؤاد لقاءه
وان لا يوافى قبل إدراكه حتفي قرأت من العنوان حين فتحته
وقبلّت تقبيلا يزيد على ألف ولمّا بدالي ذكركم في مسامعي
تعشقكم قلبي ولم يركم طرفي فصادفت هذا البيت في شرح قصّتي
وايضاح ما عاينته جملة يكفي
وردت رسالة شريفة ومقالة لطيفة مشحونة بفرائد الفوائد، مشتملة على صحائف اللطائف، مستجمعة لعرائس النفائس، مملوّة من زواهر الجواهر من الجناب الكريم السيّدي السندي العالمي العاملي الفاضلي المفضلي المحققي المدقّقي[١٢] الجمالي الكمالي، أدام اللّه كماله وحرس اللّه جماله...
إلى الداعي الضعيف المحروم اللهيف محمد الطوسي، فأقتبس من شرار ناره نكت الزبور، وآنس من جانب طوره أثر النور، فوجدها بكرا حملت حرّة كريمة وصادفها صدفا تضمنت درّة يتيمة، هي اوراق مشتملة على رسائل في ضمنها مسائل أرسلها، وسأل عنها من كان أفضل زمانه وأوحد أقرانه الذي نطق الحق على لسانه ولاحت الحقيقة من بيانه ورأيت المورد أدام اللّه أفضاله قد سألني الكلام فيها وكشف القناع عن مطاويها وأين أنا من المبارزة مع فرسان الكلام والمعارضة مع البدر التمام وكيف يصل الأعرج إلى قلّة الجبل المنيع، وأنّى يدرك الظالع شأوالضليع، لكنى لحرصي على طلب التوصّل الروحاني إليه، بإجابة سؤاله وشغفي بنيل التوسّل الحقيقي لديه، بإيراد الجواب عن مقاله، إجترأت فامتثلت أمره، واشتغلت بمرسومه، فإن كان موافقا لما أراده، فقد أدركت طلبتي، وإلاّ فليعذرني، إذ قدمت معذرتي، واللّه المستعان وعليه التكلان[١٣].
٣- الخواجه نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الجهرودي المتوفى ٦٧٢.
الفيلسوف المحقق، أستاذ البشر وأعلم أهل البدووالحضر، سلطان العلماء والمحقّقين وأفضل الحكماء والمتكلّمين، ممدوح الآفاق ومجمع مكارم الأخلاق الّذي لا يفتقر إلى التعريف لغاية شهرته، مع انّ كل ما يقال فيه فهودون رتبته.
له مؤلّفات: منها، " تجريد الكلام ". " التذكرة النصيريّة " في علم الهيئة.
" تحرير المجسطي ". " تحرير أصول الهندسة لاقليدس ". " تلخيص المحصّل ". " حلّ مشكلات الإشارات لابن سينا ". إلى غيره من الحواشي والرسائل والأشعار بالفارسيّة والعربيّة.
أجمع المؤرخون أنّ الخواجه نصير الدين الطوسي، تتلمّذ على كمال الدين ميثم في الفقه وتتلمّذ كمال الدين على الخواجه في الحكمة.
وقد صرّح بهذا المترجم له... في نسخة إجازته الكبيرة لسادات بني زهرة، فقال عند ذكر اسم مولانا الخواجه ما لفظه:
وكان هذا الشيخ أفضل أهل عصره في العلوم العقليّة، وله مصنّفات كثيرة في العلوم الحكميّة والشرعيّة على مذهب الإماميّة، وكان أشرف من شاهدناه في الأخلاق ( نورّ اللّه ضريحه ) قرأت عليه ( إلهيّات الشفاء ) لأبي علي بن سينا وبعض التذكرة في الهيئة تصنيفه، ثم أدركه الأجل المحتوم.
ومن شعره قوله:
لو أنّ عبدا أتى بالصالحات غدا
وودّ كل نبيّ مرسل وولي وصام ما صام صوّاما بلا ملل
وقام ما قام قوّاما بلا كسل وحجّ كم حجّة للّه واجبة وطاف
بالبيت حاف غير منتعل وطار في الجولا يأوى إلى أحد
وغاص في البحر مأمونا من البلل وأكسى اليتامى من الديباج كلّهم
واطعمهم من لذيذ البرّ والعسل وعاش في الناس آلافا مؤلّفة عار
من الذنب معصوما من الزلل ما كان في الحشر يوم البعث منتفعا
الاّ بحبّ أمير المؤمنين علي[١٤]
[١] . الغدير ٣: ٩٥ الاحاديث الواردة في علم أمير المؤمنين ورأي الصحابة فيه وان اول من اعترف له بالاعلمية نبي الاسلام صلى اللّه عليه وآله وسلم. مستدرك الصحيحين ٣: ٤٩٩. كنز العمال ٦: ١٣. جمع الجوامع كما في ترتيبه ٦: ٣٩٨. مسند احمد بن حنبل ٥: ٢٦. الرياض النضرة ٢: ١٩٤. مجمع الزوائد ٩: ١٠١، ١١٤. مناقب الخوارزمي: ٤٩.
[٢] . حلية الاولياء ١: ٦٦. الرياض النضرة ٢: ١٩٨ عن الحاكمي. مطالب السئول: ٣٤. كنز العمال ٦: ٣٩٣. كفاية الطالب: ١٩٧. اسد الغابة ٥: ٥٢٠. مجمع الزوائد ٩: ١١٣. الاستيعاب ٢: ٤٦٢ بسنده عن سعيد بن وهب. ذخائر العقبى: ٦١ وقال: اخرجه الطبراني.
[٣] . أبوحامد حجة الاسلام محمد بن محمد بن محمد الغزالي الشافعي الطوسي المتوفى ٥٠٥. هـ.
[٤] . فيض القدير ٣: ٦٤.
[٥] . الغدير ٤: ١٨٦.
[٦] . هذا وقد ترجم نهج البلاغة الى اللغات الحية كالانكليزية والفرنسية والهندية والتركية وغيرها.
هناك في طوايا معاجم السير والتاريخ، قصة أوحكاية تطرّق إلى ذكرها كلّ من تصدّى لترجمة شيخ الحكمة والعلوم الشرعية كمال الدين ميثم... كرّم اللّه وجهه... وهي تنّم ؟ ؟ ؟
عن عقيدته الراسخة، وإيمانه الصادق، وعدم اغتراره بزخارف الدنيا وزينتها، وفراره ونفرته من الشهرة والجاه، لأنّهما من المهلكات العظيمة، وطالبهما طالب الآفات الدنيوية والاخروية، ومن اشتهر اسمه وانتشر صيته، لا يكاد أن تسلم دنياه وعقباه، إلاّ من شهره اللّه لنشر دينه، من غير تكلّف، طلب للشهرة منه، ولذا ورد في ذمّهما ما لا يمكن إحصاؤه من الآيات والأخبار فقال اللّه سبحانه: ( مَن كانَ يُريدُ الحيوةَ الدُّنيا وزِينَتَها نُوَفِّ اِليْهِمْ أَعمالَهُمْ فيها وهُمْ فيها لا يُبْخَسُونَ. اُولئكَ الّذينَ لَيس لَهُمْ في الآخِرَةِ إلاّ النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فيها وباطِلٌ ما كانوا يَعْمَلُونَ )[ظ¤].
وهذا بعمومه متناول لحبّ الجاه، لانّه أعظم لذّة من لذات الحياة الدنيا، وأكبر زينة من زينتها.
وقال رسول اللّه ( ص ): حبّ الجاه والمال، ينبتان النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل.
وقال: ما ذئبان ضاريان ارسلا في زريبة غنم، بأكثر فسادا من حبّ الجاه والمال في دين الرّجل المسلم.
وقال: حسب امرئ من الشرّ الاّ من عصمه اللّه، أن يشير الناس إليه بالأصابع.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: تبذل ولا تشتهر، ولا ترفع شخصك لتذكر، وتعلّم واكتم، واصمت تسلم، تسرّ الأبرار وتغيظ الفجار.
وقال الإمام الباقر عليه السلام: لا تطلبنّ الرياسة، ولا تكن ذنبا، ولا تأكل الناس بنا فيفقرك اللّه.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: إيّاكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأّسون، فواللّه ما خفقت النعال خلف رجل الاّ هلك وأهلك.
وقال عليه السلام: ملعون من ترأّس، ملعون من همّ بها، ملعون من حدّث بها نفسه[ظ¥].
والأخبار بهذه المضامين كثيرة، ولكثرة آفاتها لا يزال أكابر العلماء، وأعاظم الأتقياء، يفرّون منها فرار الرجل من الحيّة السوداء، ومنهم المترجم له رضي اللّه عنه...
فقد ذكر أرباب المعاجم والتاريخ، انّه في أوائل الحال كان معتكفا في زاوية العزلة والخمول، مشتغلا بتحقيق حقائق الفروع والأصول، فكتب إليه فضلاء الحلّة والعراق، صحيفة تحتوى على عذله، وملامته على هذه الأخلاق، وقالوا: العجب منك أنّك مع شدّة مهارتك في جميع العلوم والمعارف، وحذاقتك في تحقيق الحقائق، وإبداع اللّطايف، قاطن في ظلوع الاعتزال، ومخيّم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال... ؟
فكتب في جوابهم هذه الأبيات:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى
فقصّر بي عمّا سموت به القل تبيّن لي أنّ المحاسن كلّها
فروع وأنّ المال فيها هوالأصل
فلما وصلت هذه الأبيات إليهم، كتبوا إليه: إنّك أخطأت في ذلك خطأ ظاهرا، وحكمك باصالة المال عجب، بل اقلب تصب.
فكتب في جوابهم هذه الأبيات، وهي لبعض الشعراء المتقدّمين:
قد قال قوم بغير علم ما
المرء إلاّ بأكبريه فقلت قول امرىء حكيم
ما المرء إلاّ بدر هميه من لم يكن درهم لديه
لم تلتفت عرسه إليه
ثم إنّه عطّر اللّه مرقده، لما علم أنّ مجرد المراسلات والمكاتبات لا تنفع الغليل، ولا تشفي العليل، توجّه إلى العراق لزيارة الأئمة المعصومين عليهم السلام، وإقامة الحجّة على الطاعنين، ثم انّه بعد الوصول إلى تلك المشاهد العلية، لبس ثيابا خشنة عتيقة، وتزيّأ بهيئة رثّة بالاطراح والإحقار خليقة، ودخل بعض مدارس العراق المشحون بالعلماء والحذّاق، فسلّم عليهم فردّ بعضهم عليه السّلام بالاستقسال والانتقاع التام، فجلس عطّر اللّه مرقده، في صفّ النّعال ولم يلتفت إليه أحد منهم، ولم يقضوا واجب حقه، وفي أثناء المباحثة وقعت بينهم مسألة مشكلة دقيقة، كلّت فيها أفهامهم، وزلّت فيها أقدامهم، فأجاب روّح اللّه روحه، وتابع فتوحه، بتسعة أجوبة في غاية الجودة، والدقّة، فقال له بعضهم بطريق السخرية والتهكّم: أخالك طالب علم ؟ ثمّ بعد ذلك أحضر الطعام، فلم يواكلوه قدّس سره... بل أفردوه بشيء قليل على حدّة، واجتمعوا هم على المائدة، فلما انقضى ذلك المجلس، قام قدّس سره.
ثم إنّه عاد في اليوم الثاني إليهم، وقد لبس ملا بس فاخرة بهية، وأكمام واسعة، وعمامة كبيرة، وهيئة رائعة فلما قرب وسلّم عليهم، قاموا تعظيما له، واستقبلوه تكريما، وبالغوا في ملاطفته، ومطايبته، واجتهدوا في تكريمه، وتوقيره واجلسوه في صدر ذلك المجلس المشحون بالأفاضل، والمحقّقين، والأكابر المدقّقين، ولما شرعوا في المباحثة والمذاكرة تكلّم معهم بكلمات عليلة، لا وجه لها عقلا ولا شرعا، فقابلوا كلماته العليلة بالتّحسين، والتّسليم، والإذعان على وجه التّعظيم، فلمّا حضرت مائدة الطعام، بادروا معه بأنواع الأدب، فألقى الشيخ قدّس سره... عن كمه في ذلك الطعام، مستعبا على اولئك الأعلام، وقال: كلى يا كمّي... فلمّا شاهدوا تلك الحالة العجيبة، أخذوا في التعجّب والاستغراب، واستفسروه قدّس سره... عن معنى ذلك الخطاب ؟ فأجاب عطّر اللّه مرقده...
بأنّكم إنّما أتيتم بهذه الأطعمة النفيسة، لأجل اكمامي الواسعة، لا لنفسي القدسيّة اللاّمعة، وإلاّ فأنا صاحبكم بالأمس، وما رأيت تكريما ولا تعظيما، مع أنّي جئتكم بالأمس بهيئة الفقراء، وبتحية العلماء، واليوم جئتكم بلباس الجبّارين، وتكلّمت بكلام الجاهلين فقد رجحتم الجهالة على العلم، والغنى على الفقر، وأنا صاحب الأبيات التي في إصالة المال، وفرعية الكمال التي أرسلتها إليكم، وعرضتها عليكم، وقابلتموها بالتخطئة، وزعمتم انعكاس القضية.
فاعترف الجماعة بالخطأ في تخطئتهم، واعتذروا بما صدر منهم من التقصير في شأنه قدّس سره.
ذكر القصة هذه، بعض من المؤرخين، وبعضهم أشار إليها بالقول بأنّ له حكاية لطيفة... كلي يا كمّي... وانّي أشكّ في حقيقتها، وأصلها بصورة عامة، لأنّ العلماء على الإطلاق بعيدون كل البعد، عن مثل هذه الخلّة والسّنة والسّيرة، سيّما علماء العراق وفي طليعتهم، علماء الشيعة الإمامية في الحلة، وبقية العواصم العلمية في العراق... فالقصّة مختلقة للحطّ من كرامة العلماء فحسب، ولكن بشكل أدبي... وقيمة كل امريء عند العلماء ما يحسنه ويعلمه ويتقنه، وإنّي أدرجت القصّة للتأريخ، والإعلام بأنها مصطنعة، ولا مكانة لها من الصّواب. مصادر ترجمة المترجم له...
[ظ،] . هوالشيخ محمد رضا بن الشيخ حسن البروجردي المتوفى ظ،ظ¤ظ*ظ، ه. كان عالما جليلا مجتهدا ورعا زاهدا ومن اساتذة الفقه والاصول، له كتابات ورسائل. معجم رجال الفكر والأدب في النجف: ظ،ظ¤ظ¦.