علــى شــاطئ الكــوثـــر (3)
ولأن فاطمة عليها الصلاة و السلام ومن يرتبط بها بنبوّة أو إمامة مخازن المعنويات والكمالات صاروا مقتدى الناس وأسوتهم..
يستمدّون منهم مختلف العلوم والمعارف كما ينهلون منهم الشجاعة والكرم والعاطفة والطهر والسمو وسائر الفضائل وخصال
الخير، إذ من الواضح أن الإنسان الكامل يجذب القلوب و يشدّ الأرواح ويسوقها نحو الكمال.. ولعل هذا يفسّر لنا بعض
السّر في وجوب محبتهم و الإقتداء بهم و الاستنان بسنتهم عليهم السلام.
إذ أنّ الحب تدور عليه رحى الحياة السعيدة، فإن الأم والأب يعتنيان بأولادهما، والطالب يكتسب علمه، والزارع يزرع نتيجة
المحبة.. لذا كان لزاماً على الإنسان أن ينمّي في نفسه المحبة ويهنو بها ويوجهها الوجهة الصحيحة لكي لا يشط عن خط
نظام الكون الذي خلق بالحب وللحب. فإن المحبة كانت وراء إيجاد الكون كما ورد في الحديث القدسي:«كنت
كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أعرف».
كما لا يشطّ عن خط الدين الذي هو عبارة عن الحب في الرواية الشريفة:«و هل الدين إلا الحب»، لأنّ الحب والمحبة - في
الله و لله و بالله - هي المحرّك الأكبر نحو الفضائل والالتزام.. والغاية الأكبر وراء هذا العالم وجوداً وبقاءً هم عليهم السلام
لذلك صارت محبتهم عليهم السلام ومودتهم مركز الولاية والتشريع والطاعة والغاية من الخلق في نفس الوقت المحطة
التي يأخذ فيه الحب هدفه ويحقق غايته. لأنّهم أكمل خلقه ذواتاً وصفاتاً وأكمل خلقه طاعة وحباً.. وأن المخلوق
محبوب لخالقه حيث ذلك مقتضى الرحمة وقد كتب ربكم على نفسه الرحمة..
صار من أحبهم فقد أحب الله ومن والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله.. كما ورد في حديث الكساء..
«إني ما خلقت سماءً مبنية..» إلى آخر الحديث الشريف إلا لأجلهم و محبتهم. و بكلمة قد نقول يمكن أن يقال: إن
العلّة الغائية لخلقتنا هي محبة الأئمة عليهم السلام ومعرفتهم والعلّة الغائية لمعرفتهم ومحبتهم هي معرفة الله سبحانه،
إذ هم الأدلاّء على الله وهي الكمال الأكبر فمعرفتهم طريق الكمال والإكمال ولعلّ من هنا قال رسول الله صلى الله عليه
وآله:«يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم .. أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن
أحبهم..» و خصوصاً السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام.
و لا يخفى عليك أن الحب له مرتبتان.. مرتبة الحب الناقص وهو مجرّد المحبة القلبية بدون عمل وإتباع، والمرتبة الأكمل
هي المحبة القلبية المقرونة بالعمل والطاعة والإقتداء، و لعلّ الآية الشريفة التي حصرت أجر الرسالة (مودة القربى) تعني
المرتبة الأكمل لأنّ المودة في اللغة المحبة المقرونة بالعمل.. و من هنا فإن كمال الإيمان وكمال الإنسانية بل وكمال
الأعمال أيضاً يكمن في الإقتداء بهم والسير على نهجهم وإظهار محبتهم في الأقوال والأعمال. قال تعالىإن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم) صدق الله العلي العظيم