منتدى الامام الحجه (عجّل الله فرجه الشريف)اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً
- تعد القضية المهدوية من القضايا الإسلامية الثرية المنابع والمصادر والنصوص، وهي من أهم القضايا التي ذكرت مسائلها ونصوصها جميعُ المذاهب الإسلامية بل وغير الإسلامية، بل وحتى غير الدينية السماوية، وهي بذلك تفتح باب البحث العلمي أمام الباحث، إذ يجد فيها ما يسدُّ شغفه العلمي. نعم هي - أي النصوص - لم تشبع جميع المسائل المتعلقة بالبيان التفصيلي، لكنها على كل حال كثيرة ومتنوعة. إن كثرة النصوص المهدوية في الوقت الذي توفر مادة البحث العلمي، هي تضفي تعقيداً من نوع آخر على البحث، من جهة أن التراث الواصل إلينا - مما يتعلق بها، حاله حال عموم التراث الإسلامي - لم يأت عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) فقط، فالكثير - إن لم يكن أغلب - ما ورد فيها في كتب العامة مبتلى بضعف السند، كونه لم يرو عن المعصوم، بل هناك الكثير من النصوص الضعيفة حتّى على مباني القوم، وبعضها موضوع مكذوب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). وهذا يقتضي جهداً استثنائياً من الباحث لفرز النصوص ومعالجتها. إلّا أنه رغم ذلك نجد أن هناك مسائل مهدوية عديدة اتَّفقت النصوص على كلياتها، وإن اختلفت في بعض تفصيلاتها، ومن تلك المسائل هي مسألة (دابة الأرض) التي تخرج في آخر الزمان، وهي الدابة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢). قال في أشراط الساعة الكبرى(١): وخروج هذه الدابة لا مرية فيه فهو ثابت بالكتاب والسنة، أمّا الكتاب فقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢). أمّا الأحاديث فهي كثيرة سبق منها... حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)] علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون»؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات»، وذكر منهن الدابة. وفي المسند من حديث أبي أمامة يرفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم(٢) ثم يعمّرون فيكم حتّى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين»(٣). ٢ - من العقائد الممكنة في حدّ نفسها، والتي دلّ الدليل النقلي على وقوعها فيما مضى، وعلى وقوعها في المستقبل، هي عقيدة الرجعة، والتي تعني باختصار: أن الله تعالى يحيي بعض الموتى ليرجعهم إلى الحياة في هذه الدنيا، لهدف ولآخر، ثم بعد أن يستوفوا الفترة المقررة لهم، يموتون مرة أخرى. هذه العقيدة ليست مستحيلة على قدرة الله تعالى، ولا دليل يدل على امتناعها، بل الدليل على إمكانها بل ووقوعها، وقد بُحثت بالتفصيل في علم الكلام، ونأخذها هنا كأصل موضوعي. ودابة الأرض - على الصحيح المستفاد من نصوص أهل البيت (عليهم السلام) وبقية الأدلة التي سنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى - هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا يعني أنه (عليه السلام) سيكون من الراجعين في آخر الزمان، ولا مانع عقلياً ولا نقلياً من هذا المعنى. ٣ - إن القرآن الكريم لم ينزل بلغة خاصة به، أو بأسلوب لا يعرفه العرب، وإنما هو كتاب نزل باللغة العربية، واستعمل نفس الأساليب العربية، ولذا تجد فيه المجاز، والكناية، والتصريح والإضمار، واعتمد القرائن المتصلة والمنفصلة في بيان مطالبه، وغيرها من أساليب اللغة العربية. وهذا يعني: أن فهمه يقتضي الرجوع إلى اللغة العربية وأساليبها ومعاجمها لفهم ظواهره، بل ومراداته الجدية في بعض الأحيان. ٤ - إن اللغة العربية لغة متحركة، بمعنى أن لفظاً ما قد يكون مستعملاً في معنى، ولكنه يتغير معناه بمرور الزمن، بأن يضيق معناه المدلول له، أو يتسع، أو حتى قد يُستعمل في غير ما وُضع له. وهذا يعني أننا وإن كنا نرجع إلى قوانين اللغة العربية في فهم المعنى المراد من لفظ ما، ولكن علينا أن ننتبه إلى حقيقة، وهي: أن اللفظ قد يكون له معنى لغوي معين نجده في القواميس اللغوية، ولكن وبعد مرور فترة من الزمن، يكتسب ذلك اللفظ معنى جديداً مضافاً إلى معناه اللغوي، أو ربما لا يمتّ إلى المعنى اللغوي بصلة، ومن أمثلة ذلك لفظ (العصابة)، فأي واحد منا اليوم إذا سمع لفظ (عصابة)، فإنه يتبادر إلى ذهنه معنى سلبي تماماً يحكي عن مجموعة من قطّاع الطرق أو المجرمين، ولكن لو رجعنا إلى القواميس اللغوية لوجدنا أن معناها هو فقط: (الجماعة من الناس والخيل والطير)(٤) (والعُصْبةُ والعِصابةُ: جماعةُ ما بين العَشَرة إِلى الأَربعين)(٥). ومن ذلك أيضاً لفظ (الحيوان) حيث إنه وضع للدلالة على كل ما يدبّ على الأرض، ولكن اليوم حصل في معناه زحاف واضح بحيث صار يُستعمل في غير الإنسان، أي أنه حصل تضييق في مفهومه بإخراج الإنسان منه. وهذا يعني: أنه إذا ورد لفظ ما في نص شرعي، فلابد أن نرجع إلى زمن صدور النص لنعرف ما هو المعنى الذي كان يُستعمل فيه اللفظ آنذاك، ونفسّر اللفظ بالمعنى المقصود في ذلك الزمن، والذي قد يكون هو نفس المعنى المستعمل في زمننا، وقد يكون غيره كما أوضحنا. ٥ - إن النصوص التي تعرضت لذكر الدابة كثيرة، والملاحظ فيها أنّ كماً معتداً به ورد في روايات العامة، وهي ضعيفة السند، ولكننا سنتعرض لها لأجل: ١ - أنها على كل حال تمثل تراثاً روائياً لا مانع من الاطلاع عليه. ٢ - أنها تنفع في محاججة الطرف الآخر بطريقة الإلزام. ٣ - أن بعضها يحتوي على تفاصيل لم ترد في رواياتنا الخاصة. ٤ - أنها تتفق مع رواياتنا الخاصة في ذكر أصل مسألة الدابة. بناءً على كل ما تقدم، فإن البحث عن (دابة الأرض) التي ذكرتها الآية الكريمة، يقتضي أولاً البحث في النصوص الواردة فيها، ثم العمل على فهم المقصود منها وبيان ماهيتها بالرجوع إلى النصوص المفسرة، وتقويته من خلال تأييد معاجم اللغة العربية في مدلول لفظ (الدابة). فهنا نقاط عديدة:
إشارة: إنَّ وجود هذين الموروثين لدى دابة الأرض يرمز إلى القوة والحكم، فإن عصا موسى كانت رمز قوته وانتصاره على السحرة، وبها شق البحر، وفجّر من الصخور عيوناً، وحكم سليمان (عليه السلام) الأرض بخاتمه، وهذا المعنى هو ما أشار له الشيرازي في تفسيره بقوله: وهذا التعبير الوارد في الروايات الإسلامية بأن معه عصا موسى (عليه السلام) التي هي رمز القوة والانتصار، وخاتم سليمان (عليه السلام) الذي يرمز للحكومة الإلهية، قرينة على أن دابة الأرض إنسان نشط فعال فوق العادة...(٦٠)! النقطة السادسة: أفعال الدابة: ذكرت النصوص عدة أفعال تقوم بها الدابة، وهي: الفعل الأول: (تكلمهم): نصت القرآن الكريم على أن دابة الأرض تكلم الناس، قال تعالى: ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ (النمل: ٨٢). وفي معنى (تكلمهم) تفسيران: التفسير الأول: أنها تُكَلّمهم: من الكلام، أي المحاججة، فالدابة تخرج تحاجج الناس، وعليه ظاهر القراءة في المصحف. وقد روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «انتهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرَّكه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) برجله، ثم قال: يا دابة الله فقال رجل من أصحابه يا رسول الله أيسمى بعضنا بعضاً بهذا الاسم، فقال: لا والله ما هو إلّا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله تعالى في كتابه: ﴿وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعدائك، فقال الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن العامة يقولون: هذه الآية إنما تَكْلِمُهم، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كلمهم الله في نار جهنم إنما هو تُكَلِّمُهم من الكلام»(٦١). فالرواية صريحة في أن الإمام (عليه السلام) يفسر (تُكَلِّمُهم) من الكلام، لا من الكَلْم وهو الجرح. التفسير الثاني: أنها تَكْلِمُهم أي تجرحهم: قال الفيض الكاشاني: وقرئ تكلمهم بالتخفيف من الكلم بمعنى الجرح(٦٢). وربما تشير إليه النصوص التي نصَّت على أن الدابة تسم المؤمن والكافر، فإنها بذلك تجرحهم، إذ إن الوسم هو الكي الذي يترك علامة على الوجه - كما سيأتي -، ومعه، فإن الدابة تكْلم الكافر وتجرحه. ويمكن الجمع: بأن الدابة تعمل كلا الأمرين، فهي تحاجج الناس، وتكْلم الكافر والمنافق. الفعل الثاني: قتل إبليس: جاء ذلك فيما رواه نعيمٌ بنُ حمّاد بسندِه عنِ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قالَ: «خروجُ الدّابّةِ بعدَ طلوعِ الشّمسِ، فإذا خرجَت قتلَت الدّابّةُ إبليسَ وهوَ ساجدٌ...»(٦٣). روايات عامية أخرى عبرت بأن الدابة تلطم إبليس، (واللَّطْمُ: الضرب على الوجه بباطن الراحة)(٦٤)، من قبيل ما رووه عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه قال: «إذا طلعت الشمس من مغربها... ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا أول خطوة تضعها في أنطاكية فتأتي إبليس فتلطمه»(٦٥). إشارة: من الذي يقتل إبليس؟ دلَّت بعض النصوص على أن الوقت المعلوم الذي أُجِّل له الشيطان ليس هو يوم القيامة، وإنما هو يوم يكون قبله، وقد تعددت النصوص في بيان ذلك اليوم الذي تنتهي فيه مهلة الشيطان ويُقتل فيه: النص الأول: أن الذي يقتله هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عند قيامه: ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ (الحجر: ٣٦ - ٣٨)، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «الوقت المعلوم يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتَّى يجثو على ركبتيه، فيقول: يا ويلاه من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم منتهى أجله»(٦٦). وقريب منه ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله فيه الناس؟ إنَّ الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد وجاء إبليس حتَّى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم»(٦٧). النص الثاني: أنَّ الذي يقتله هو الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الرجعة: وذلك بعد معركة تدور له مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيهرب فيتبعه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فيقتله، فقد روي عن عبد الكريم بن عمر والخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن إبليس قال: ﴿أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ فأبى الله ذلك عليه، فقال: ﴿إِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرَّة يكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)»، فقلت: وإنها لكرات؟ قال: «نعم إنها لكرّات وكرّات، ما من إمام في قرن إلّا ويكر البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن الكافر، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات، يقال لها: الروحا، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله (عزَّ وجلَّ) العالمين، فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مائة قدم، وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات، فعند ذلك يهبط الجبار (عزَّ وجلَّ) في ظلل من الغمام والملائكة، وقضى الأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقري ناكصاً على عقبيه، فيقولون له أصحابه أين تريد وقد ظفرت، فيقول: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله رب العالمين، فيلحقه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فيطعنه طعنة بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله (عزَّ وجلَّ) ولا يشرك به شيئاً، ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ألف ولد من صلبه ذكراً في كل سنة ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله»(٦٨). وروى القُمّيُّ بسندِه عَن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) في قولِ اللهِ تباركَ وتعالى: ﴿فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ قالَ: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ قالَ: «يومُ الوقتِ المعلومِ يومَ يذبحُه رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على الصّخرةِ التي في بيتِ المقدس»(٦٩).