شريعة إبراهيم ( عليه السلام ) في القرآن المجيد

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
قديم 04-03-2021, 07:58 AM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

 
الصورة الرمزية صدى المهدي

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صدى المهدي غير متواجد حالياً

المنتدى : قسم القرآن الكريم
افتراضي شريعة إبراهيم ( عليه السلام ) في القرآن المجيد



بسم الله الرحمن الرحيم



(يَا أَهْلَ ظ±لْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ ظ±لتَّوْرَاةُ وَظ±لإنْجِيلُ إلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِي مَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ظ±لْمُشْرِكِينَ * إنَّ أَوْلَى ظ±لنَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ظ±تَّبَعُوهُ وَهَذَا ظ±لنَّبِيُّ وَظ±لَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ ظ±لْمُؤْمِنِينَ)(1).
بحث تفسيري
تتلخّص المباحث التفسيريّة للآيات الآنفة الذكر، التي تستنطق سيرة النبيّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ بعدّة محاور:
1 ـ احتجاج ومناظرة أهل الكتاب.
2 ـ عدم وجود الارتباط بين إبراهيم ـ عليه السلام ـ واليهود والنصارى.
3 ـ أصل وأساس دين إبراهيم الخليل سلام الله عليه.
4 ـ استدلال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بالآية فيما يتعلّق بمسألة الخلافة.
احتجاج أهل الكتاب
بما أنّ النبيَّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ يُذكر بكلّ عظمةٍ في الكتب السماويّة، وبين اتّباع الأديان الالهيّة كذلك، فإنّ كلاّ من اليهود والنصارى عدّوه ـ عليه السلام ـ منهم، ووصفوه بأنّه مسيحيّ أو يهوديّ، وذهبوا في ذلك إلى مرحلة المحاججة والمناظرة.
محور الاحتجاج
المستفاد من ظاهر الآية: أنّهم كانوا يحاجّون على أمرٍ غير معقول! فهل ذلك كان بسبب ما تقوله اليهود: إنّ النبيّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ كان يعمل بشريعة موسى، أم لما تقوله المسيحيّة من أنّه ـ عليه السلام ـ كان يعمل طبقاً لدين عيسى؟!
من المستبعد أنْ يحصل مثل هذا الاحتجاج؛ لأنّه من الواضح جداً أنّه ـ عليه السلام ـ سبق موسى وعيسى، وعاش قبل هذين النبيّين ـ عليهما السلام ـ بعدة قرون، إذن كيف يمكن أنْ يتّبع ديناً لم يأتِ بعد؟!
قبل البدء بالبحث حول محور احتجاج أهل الكتاب يجب أنْ نعلم أنّ احتجاجهم كان حول دين النبيّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ وشريعته الخاصّة، ولم يكن حول أصل نبوّته أو رسالته أو جهاده، ويجب أنْ نعلم أيضاً أنّهم عندما كانوا يقولون فكان إبراهيم يدين بديننا. كان مرادهم أنّ ديننا استمرارٌ لطريق إبراهيم ونحن ورثته عليه السلام؛ لأنّه ـ كما بيّنا ذلك آنفاً ـ ليس من المعقول أنْ يقول قائل: إنّ إبراهيم الذي عاش قبل عدّة قرون من نزول التوراة والإنجيل عمل وفقاً لذينك الكتابين اللذين شُرِّعا بعده، وكان يعمل وفقاً لهماً، وإنْ كان لا يستبعد القول: إنّه ـ عليه السلام ـ كان عالماً بالشريعة اللاحقة وله اطّلاع بها.
رأي العلاّمة الطباطبائي رضي الله عنه
يمكن تلخيص رأي المرحوم الاُستاذ العلاّمة الطباطبائي في عدّة نقاط:
1 ـ أنّ هذه المناظرة كانت محصورة بين اليهود والنصارى فقط.
2 ـ أنّ اليهود والنصارى احتجّوا بنوعين من المحاجّة والمناظرة:
ألف ـ استدلال علمي ومنطقي؛ حيث إنّ القرآن الكريم يقول بصحّة مثل هذه المحاجّة والاستدلال.
ب ـ احتجاجٌ غير عقلائي واستدلالٌ غير منطقي.
اُسلوب الاحتجاج العلمي لليهود والنصارى
كان النصارى يقولون لليهود الذين يدّعون أنّ دينهم وكتابهم أبدي ولا سبيل إلى نسخِهِ: لقد نُسِخَتِ التوراة بنزول الإنجيل الذي يبيّن شريعة عيسى عليه السلام، ويجب على أتباع الدين السابق الايمان بالدين اللاحق، ويعدوه دينهم الحقّ هذا أوّلاً، وثانياً: أنّ عيسى النبيّ كان طاهراً، وأنْ مريم ـ عليها السلام ـ سيدة طاهرة وعفيفة. وبالمقابل فإنّ اليهود خاطبوا النصارى بقولهم: أنتم على باطل؛ لاعتقادكم بالتثليث، وقولكم المسيح ابن الله.
الاحتجاج غير العقلائي والاستدلال غير المنطقي
أنّ المناظرة غير العقلائيّة لكلّ منهم تتمثّل بقولهم: أنّ إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ منّا؛ ولذا من البديهي أنْ يكون ذم القرآن وتوبيخه لهم في هذا المحور فقط؛ لأنّ مثل هذه المناظرة لا تستند إلى برهان عقلي، ولا يوجد أيضاً في كتابهم السماوي حديث بهذا الخصوص، لكي تستند مناظراتهم إلى الوحي، يقول القرآن الكريم بهذا الخصوص: (ظ±ئتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(2).
أمّا كون المسلمين يعدّون النبيّ إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ منهم، فلأنّهم يستندون في ذلك على القرآن الكريم الذي بيّن قصّته ـ عليه السلام ـ وقصّة أتباعه.
وبناءً على ذلك، فلِمَ تحاجّون وتناقشون فيما ليس لكم به علم واطّلاع، وهذه كتبكم لا تحتوي على مطلبٍ حول النبيّ إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ يدلّ على ارتباطه بكم؟!(3)
تحليل مقولة الميزان
إن حديث المرحوم الاُستاذ العلاّمة الطباطبائي مقابل غيره من المفسّرين وإن كان عميقاً وقابلاً للمناقشة والتأمّل، ولكن من الصعب أوّلاً: إثبات أنّ احتجاجهم كان محصوراً بينهم، وأنّ ذلك يستفاد من ظاهر الآية. وثانياً: أن قوله: (إنّ اليهوديّة أقامت الحجّة العلميّة على المسيحيّة)، يمكن أنْ يكون تامّاً ومحلّ ثناء وتقدير لو كانت الحجّة في غير محور الثقلين، ونبوّة السيّد المسيح عليه السلام؛ لأنّه بامكان المسيحيّة أيضاً إقامة الحجّة على اليهود حول قولهم: إنّ عزيز ابن الله (وَقَالَتِ ظ±لْيَهُودُ عُزَيْزٌ ظ±بْنُ ظ±للهِ)(4)، وبناءً على ذلك فإنّ الطائفة المبتلاة بالشرك لا يمكنها محاججة الطرف المقابل في موضوع الشرك.
ولكن احتجاج المسيحيّة على اليهود المستند إلى نسخ الكتاب السابق بواسطة الكتاب اللاحق احتجاج حقّ وصحيح.
رأي الزمخشري
يعتقد الزمخشري بأنّ الله تعالى يحقّر المتحاججين في كلا الموردين ويوبخهم، وهو يفسّر قوله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ) على هذا النحو: (ها أنتم هؤلاء الجهلاء قد حاججتم فيما لكم به علم، وتحدّث حوله كتابكم أيضاً، فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم، ولم يَرِدْ في التوراة والإنجيل كلامٌ حوله؟!).
تناسب ظاهر الآية مع بيان الزمخشري
بما أنّ الجملة تبدأ بحرفي تنبيه (هَا أنْتُمْ هَؤُلاَءِ) اللذين وضعا لتحذير الغافل فهي إذن أنسب للدلالة على التحقير، إضافة لذلك، هناك آية اُخرى في القرآن الكريم استعملت فيها (هاء) التنبيه للتحقير، كما هو الحال في قوله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَونَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ ظ±للهِ)(5)، كالذي يعدّ نفسه للامتحان في كتابٍ لم يطالعه ولما ينجح في الكتاب الذي قرأه، فيقال له هنا: إنّك لم تفلح في الخروج مرفوع الرأس من امتحان الكتاب الذي طالعته، فأنّى لك أنْ تمتحن في كتابٍ لم تقرأه؟!
ولذا يقال لأهل الكتاب: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم، وتحدّث به كتابكم عن موسى وعيسى ورسول الله ـ عليهم صلوات الله ـ وفشلتم، فكيف تحاجّون في شريعةٍ لا اطّلاع لكم بها اطلاقاً، ولم يَرِدْ لها ذكرٌ في كتابكم.
(مَا كَانَ إبْرَاهِيْمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ حَنِيفاً مُسْلِماً ...)(6).
في هذا الجزء من الآية نلاحظ وجود عدّة جمل سلبيّة وجملة واحدة إثباتيّة، ففي الجزء السلبي منها تبيّن إبراهيم على أنّه منفصلٌ عن اليهوديّة والنصرانيّة، وتنفي ارتباطه ـ عليه السلام ـ بهاتيك المجموعتين؛ لأنّه أوّلاً: مثل هذا الدين الممتزج بالتحريف ينفر منه حتّى موسى وعيسى عليه السلام، وثانياً: مع أنّ الديانتين اليهوديّة والنصرانيّة الأصليتين حقّ، إلاّ أنّ إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ لم يعمل بتعاليم دينٍ نزل فيما بعد أمّا جملتها الإثباتيّة فهي: أنّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ يعدّ مسلماً مستقيماً.
عظمة إبراهيم بين أهل الكتاب
بما أنّ اليهود والنصارى لم يكن بوسعهم انكار حقّ إبراهيم الخليل الذي تحدّثت بعظمته الكتب السماويّة، مثل صحف إبراهيم والقرآن الكريم، فإنّ كلاًّ منهما كان ينسب الخليل ـ عليه السلام ـ له، ويصفه على أنّه يهوديّ أو مسيحيّ، ولكن القرآن الكريم يشطب على جميع هذه الأوهام بخطّ البطلان، وينفي انتسابه ـ عليه السلام ـ لليهود والنصارى (مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ظ±لْمُشْرِكِينَ).
ادّعاء اليهود والنصارى بالأنبياء الإبراهيميّين ورأي القرآن بذلك
ناهيك عن ادّعاء اليهود والنصارى بانتساب إبراهيم إليهم، فإنهم ذهبوا إلى القول بانتساب بقيّة الأنبياء الإبراهيميين إليهم، وقالوا: إنّهم يهودٌ أو نصارى؛ ولذلك فإنّ القرآن الكريم بيّن وجهة نظره ببقيّة الأنبياء الإبراهيميين على هذا الأساس: (أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَظ±لأسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ظ±للهُ ...)(7).
بحث لغوي
(الحنيف) يعني: المائل إلى الوسط، والمستقيم الذي يراد به الميل إلى الحق، فالذي يسير في الشارع مثلاً ويسعى للابتعاد عن الرصيف والانتقال إلى الوسط، يقال عنه: (حنيف)، ويقال كذلك عن الذي رجله مستقيمة ومائلة إلى الوسط بأنّه (أحنف)، ولذلك ومن باب تسمية الشيء باسم ضدّه يقال عن الذي اعوجّت رجله وانحرفت بأنّه (أحنف)، كما يقال عن الأعمى: بصير.
حنيفيّة المشركين
إنّ القرآن الكريم ومن أجل الفصل بين الحنيفيّة بمعناها الآنف الذكر والحنيفيّة المتداولة بين المشركين، فقد قيّدها بكلمة (مُسْلِماً)؛ لأنّهم كانوا يؤدّون مناسك الحجّ والزيارة مع كونهم مشركين، ولهذا السبب فقد كانوا يسمّونهم: حنفاء(8)؛ ولذا ينفي القرآن صفة الشرك الموجودة عند اليهوديّة والنصرانيّة عنه ـ عليه السلام ـ في نهاية الآية من باب التأكيد، (وَمَا كَانَ مِنَ ظ±لْمُشْرِكِينَ).
إبراهيم ـ عليه السلام ـ مسلم:
بعد أن سلب القرآن الكريم اليهوديّة والنصرانيّة عن إبراهيم الخليل، فقد قال عنه: إنّه مسلم (وَلَكِنْ حَنِيفاً مُسْلِماً).
معنى الإسلام
تطلق كلمة الإسلام أحياناً بمعناها الشائع والمتعارف عليه الذي يشمل الاُصول والفروع وما جاء به خاتم الأنبياء وأحياناً يراد بكلمة الإسلام الخطوط العامّة والاًصول الأساسيّة، ويذكر بهذا المعنى في المصطلح القرآني، وإنّ بعض الآيات وردت بلحاظ هذا المعنى مثل قوله تعالى: (إنَّ ظ±لدِّينَ عِنْدَ ظ±لله ظ±لإسْلاَمُ)(9).
المراد بكون إبراهيم ـ عليه السلام ـ مسلماً
أمّا كون المسلمين يعدّون إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ مسلما وينسبونه لهم في مناظراتهم، فإنّ السبب في ذلك يعود أوّلاً إلى أنّهم يستظهرون سيرته ـ عليه السلام ـ من كتابهم السماوي، ويعود ثانياً إلى أنّ مرادهم من كلمة الإسلام هو أنّه ـ عليه السلام ـ منسجم ومتطابقٌ مع الدين الإسلامي في الخطوط الأصليّة والاُصول الأساسيّة وإنْ كان ـ عليه السلام ـ متطابقاً مع الخطوط العامّة للتوراة والإنجيل أيضاً، ولكن بما أنّ ذينك الكتابين ابتليا بالتحريف وبقي القرآن مصوناً منه، لذا يمكننا أنْ نقول: إنّه ـ عليه السلام ـ وبقيّة الأنبياء الإبراهيميين يتوافقون مع اُصول القرآن ودين المسلمين.
ارتباط ثلاثة مجاميع بسيّدنا إبراهيم
(إنَّ أَوْلَى ظ±لنَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ظ±تَّبَعُوهُ وَهَذَا ظ±لنَّبِيُّ وَظ±لَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ ظ±لْمُؤْمِنِينَ)(10).
بعد أنْ نفت الآية الكريمة في الجزء السابق ارتباط سيّدنا إبراهيم باليهود والنصارى، ونفت كذلك انتساب وارتباط تلك المجموعتين به، فقد قدّمت ثلاثة مجاميع على أنّهم ورثته وأتباعه:
1 ـ المؤمنون به من الذين عاصروه واتّبعوه ونصروه (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ).
2 ـ خاتم الأنبياء (وَهَذا النَّبِيُّ).
3 ـ المؤمنون بخاتم الأنبياء (وَظ±لَّذِينَ آمَنُوا).
البحث الأدبي والتفسيري الصحيح
قرأ البعض (هَذَا ظ±لنَّبِيُّ) على النصب، وفسّروه بهذا المعنى: (أنّ أوْلى الناس بإبراهيم لَلّذين اتّبعوه وأتباع خاتم الأنبياء)، إلاّ أنّه ناهيك عن عدم تناسب هذه القراءة مع ظاهر الآية، فإنّ عبارة (وَظ±لَّذِينَ آمَنُوا) ستُلغى أيضاً. وبناءً على ذلك، فإنّ قراءة الرفع هي الأرجح.
القرآن واحترام خاتم الأنبياء
بما أنّ القرآن الكريم ينظر باحترام خاصّ للسيّد الخاتم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، ويرى أنّه أعظم من أنْ يكون تابعاً لأحدٍ؛ لذا فإنّه عندما يذكر الأنبياء الإبراهيميين يخاطبه بالقول: (فَبِهُدَاهُمُ ظ±قْتَدِه)(11)، إلا أنّه يخاطبهم ويخاطب المسلمين أيضاً للاقتداء بملّة إبراهيم ـ عليه السلام ـ: (... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ظ±لْمُسْلِمِينَ ...)(12).
نوح ـ عليه السلام ـ من أوّل الدعاة إلى التوحيد
يعدّ نوح ـ عليه السلام ـ أوّل نبيّ صاحب كتاب وشريعة، وحصل على لقب شيخ الأنبياء؛ لذا عدّه القرآن الكريم من أوّل الدعاة إلى التوحيد، ويسلِّم عليه بكل عظمة وإجلال، ويقول: (سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي ظ±لْعَالَمِينَ)(13)، حيث لم يَرِد مثل هذا التعبير بحقّ باقي الأنبياء، كما في قوله تعالى: (سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)(14)، (سَلاَمٌ عَلَى إبْرَاهِيْمَ)(15).
النبيّ نوح ـ عليه السلام ـ مؤسس التوحيد الإبراهيمي
بعد ذلك عدّ القرآن الكريم سيّدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أتباع نوح عليه السلام، وأنّ التوحيد الذي وضع اُسسه نوح ـ سلام الله عليه ـ أساسٌ لدين إبراهيم، كما في قوله تعالى: (وَإنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ)(16)، أي وإنّ من شيعة نوح إبراهيم الخليل سلام الله عليه.
معنى الشيعة
يسمّى الشيعة شيعة؛ لأنّ رشحات الشريعة تشيع وتنتشر على أثر اتّباع مجموعةٍ ما لصاحب تلك الشريعة.
ولاية الله أساس اتّباع الأنبياء
وتذكر الآية الكريمة في نهايتها السبب في جعل سيّدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ محوراً وهو تمتّعه بالولاية الإلهيّة، حيث تقول الآية الكريمة: (وَاللهُ وَلِيُّ ظ±لْمُؤَمِنيِنَ)، ويتّضحُ من ذلك أنه ـ عليه السلام ـ وأتباعه وأنّ خاتم الأنبياء ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والمسلمين يعدّون من المصاديق الواضحة للمؤمنين، وأنّ امتلاك سيّدنا إبراهيم لمثل هذا المقام يعود إلى تمتّعه بإيمان الولاية الإلهيّة الشامل الذي حباه الله تعالى به.
صفات أتباع إبراهيم عليه السلام
مَن أراد أنْ يكون من أتباعه ـ عليه السلام ـ عليه أنْ يتّخذه اُسوة له، ويعمل وفق تعاليمه؛ (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَظ±لَّذِينَ مَعَهُ)(17).
البراءة من المشركين
من جملة واجبات اتّباع سيّدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ الوقوف بوجه الطواغيت، واعلان البراءة من معتقدات المشركين، كما قال هو ـ عليه السلام ـ والذين آمنوا به: (إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ)(18)، والاقتداء به ـ عليه السلام ـ في قضيّة البراءة من الطواغيت والمشركين، كاقتدائهم به في الجانب الإيجابي من الاقتداء أي المولاة، كمناسك الحجّ والزيارة.
إثبات الإمامة في (نهج البلاغة)
الآية الكريمة: (إنَّ أَوْلَى ظ±لنَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ) من جملة الآيات التي استفاد منها أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لإثبات حقّه كما ورد في (نهج البلاغة)، وجعلها محوراً لاستدلاله على هذا الأمر.
نموذجان من كلام الإمام عليه السلام
النموذج الأوّل: عبارة عن الكتاب الذي أرسله الإمام ـ عليه السلام ـ إلى معاوية، حيث استنطق فيه سمةً من فضائل أهل البيت، ويقول ـ عليه السلام ـ أيضاً: إنّ قوماً يقتلون في جبهات القتال، ولكن قتيلنا يحظى بلقب سيّد الشهداء، وإن قوماً قطّعت أيديهم في المعارك، حتّى إذا قطعت يدُ أحدنا بلغ مقام الطيار في الجنّة وذو الجناحين.
يقول ـ عليه السلام ـ في نهاية الكتاب: ((فإسلامُنا قد سُمع، وجاهليتنا لا تُدفع، وكتابُ الله يجمع لنا ما شَذَّ عنّا))؛ أي أنّ سوابقنا ولواحقنا واضحة، وآيات القرآن الكريم جمعت ما شذّ عنّا؛ ((وهو قوله سبحانه وتعالى: (... وَاُولُو ظ±لأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بَبْعضٍ فِي كِتَابِ ظ±للهِ ...)(19)، وقوله تعالى: (إنَّ أَوْلَى ظ±لنَّاسِ بإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ظ±تَّبَعُوهُ وَهَذَا ظ±لنَّبِيُّ وَظ±لَّذِينَ آمَنُوا)))(20) وطبقاً لما جاء في هاتين الآيتين نحن أولى بالإمامة والخلافة لو كانتا على أساس القرابة، وإنْ كانتا على أساس الطاعة والاتّباع فنحن أولى بالأمر أيضاً، وإنّنا أقرب إلى النبيّ في كلتا الحالتين، فنحن مرّةً أولى بالقرابة وتارةً أولى بالطاعة. بناءً على ذلك وطبقاً لما جاء في الآية الاُولى فنحن أقرب إلى النبيّ وأنتم أبعد، ولما جاء في الآية الثانية نحن المطيعون وأنتم العاصون.
النموذج الثاني: ورد في باب حِكَمِهِ ـ عليه السلام ـ : ((إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به)).
وقد جاءت كلمة ((أعملهم)) بدل ((أعلمهم)) في بعض النسخ والكتب التفسيريّة، ولكن يستفاد من القرائن المستحصلة بأن ((أعلمهم)) هي الصحيحة؛ لأنّ المراد من كلمة العلم في كلامه ـ عليه السلام ـ ليس خصوص العلم النظري؛ لكي يتسنّى لاُولئك الذين يقرؤونها ((أعملهم)) أن يستندوا في ذلك إلى مطابقة الرواية مع الآية القائلة بجعل التبعيّة العمليّة هي المحور الأساس، بل إنّ كلمة العلم يصطلح بها أيضاً على من ينسجم عمله مع قوله، كما جاء في إحدى الروايات: ((العالم من صدّق قوله فعلُه))، وكذلك قوله تعالى: (إنَّمَا يَخْشَى ظ±للهَ مِنْ عِبَادِهِ ظ±لْعُلَمَاءُ)(21)، هذه الآية والرواية تدلاّن على هذه المسألة دلالةً واضحة؛ لأنّ الخوف مرحلة عمليّة ترتبط بالعقل العملي، ولا علاقة له بالعقل النظري.
بعد ذلك يقول الإمام عليّ ـ عليه السلام ـ في استنطاق الآية الشريفة: (إنَّ أَوْلَى ظ±لنَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ظ±تَّبَعُوهُ وَهَذَا ظ±لنَّبِيُّ)؛ يقول: ((إنَّ وليّ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ من أطاع الله وانْ بعدت لُحمته، وعدوّ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ من عصى الله وإنْ قربت قرابته))(22). وبناءً على ذلك، فإنّ الإمام يبيّن للجميع أنّه من كان مطيعاً للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فهو من أقربائه وأوليائه وإنْ بعدت لُحمته، وعدوّه من عصاه ولم يطع أوامره وإنْ كان من أقربائه ولُحمته.
_______________________



سماحة آية الله العظمى الشيخ جوادي آملي





(1) آل عمران: 65 ـ 68.
(2) الأحقاف: 4.
(3) الميزان 3: 276.
(4) التوبة: 30.
(5) محمّد: 38.
(6) آل عمران: 67.
(7) البقرة: 140.
(8) ورد في مكان آخر أنّه لو لم يكن قيد (مُسْلِماً) موجوداً، فإنَ الموضوع كان واضحاً أيضاً، وإنّما جاء القيد لغرض التوضيح ليس إلاّ.
(9) تطرقنا إلى شرحه بالتفصيل آخر الآية.
(10) آل عمران: 68.
(11) الأنعام: 90.
(12) الحجّ: 78.
(13) الصافات: 79.
(14) الصافات: 120.
(15) الصافات: 109.
(16) الصافات: 83.
(17) الممّتحنة: 4.
(18) الممتحنة : 4.
(19) الأنفال: 75.
(20) نهج البلاغة، كتاب رقم 28.
(21) فاطر: 28.
(22) نهج البلاغة، قصار الحكم رقم 96.












عرض البوم صور صدى المهدي   رد مع اقتباس
قديم 04-03-2021, 01:54 PM   المشاركة رقم: 2
معلومات العضو
عاشقة ام الحسنين

مراقـــبة عـــــامة

 
الصورة الرمزية عاشقة ام الحسنين

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
عاشقة ام الحسنين غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صدى المهدي المنتدى : قسم القرآن الكريم
افتراضي

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
مجهود رائع
جزاك الله خير












توقيع : عاشقة ام الحسنين

عرض البوم صور عاشقة ام الحسنين   رد مع اقتباس
قديم 04-03-2021, 08:45 PM   المشاركة رقم: 3
معلومات العضو
محـب الحسين
 
الصورة الرمزية محـب الحسين

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
محـب الحسين غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صدى المهدي المنتدى : قسم القرآن الكريم
افتراضي

بوركتِ اختنا العزيزه












توقيع : محـب الحسين

عرض البوم صور محـب الحسين   رد مع اقتباس
إضافة رد


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل استجار إبراهيم (عليه السلام) بالحسين (عليه السلام) ؟ الشيخ عباس محمد منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 2 09-07-2019 07:58 AM
هذا المآتم أقامه نبي الله إبراهيم عليه السلام محب الرسول منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 7 03-09-2012 11:00 AM
الإمامة في ذريّة إبراهيم (عليه السلام) محب الرسول منتدى أهل البيت (عليهم السلام) 4 26-03-2012 12:13 PM
طير إبراهيم عليه السلام محب الرسول قسم القرآن الكريم 10 18-11-2011 04:01 PM
ترك أكثر الناس قراءة القرآن المجيد @@ عاشقة النور المنتدى الاسلامي العام 3 12-05-2009 10:55 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين