العلماء هم الذين يتولون أمر التزكية والتعليم بعد الأنبياء
العلماء هم الذين يتولون أمر التزكية والتعليم بعد الأنبياء؛ بقلم آية الله الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي
شفقنا العراق-إن الحاجة للتعليم والتربية ـ هذين الهدفين الأساسيين من بعثة الأنبياء ـ ليست لم ترتفع اليوم فحسب، بل ازدادت بتطور الحياة والحضارة البشرية وتفاقم تعقيداتها، فمن كان يريد ـ فيما سبق ـ تعلم ما هو ضروري بالنسبة له في مجال العلوم الدينية ويحصنه من الانحراف الفكري والعقائدي، كان يكفيه التوجه عدة أيام إلى مكتب ليتعلم القرآن وأصول الدين وفروعه بمستوى بسيط، أما اليوم فقد اتسعت حاجتنا لتعلم الامور الدينية الى مدى بحيث لو افنينا العمر بأكمله لتعلمها فلن نغدو قادرين على تعلم جميع ما هو ضروري لتحقيق السعادة.
فاليوم وكما توسعت العلوم المادية وجرى تصنيفها إلى فروع تخصصية متعددة فان العلوم والمعارف الدينية قد تطورت وتوسعت بما يلفت النظر ايضا وصنفت إلى فروع شتی. فقبل قرون مضت كانت هنالك امكانية بان يحيط المرء بكافة العلوم البشرية من خلال دراسة لعدة سنوات، فبعض العظماء والفلاسفة من قبيل الفارابي وابن سينا الذين كان يطلق عليها اسم «المعلم» من بين هؤلاء تعلموا جميع العلوم المهمة في عصرهم خلال فترة وجيزة، أما الآن فلابد من تجرع المشقة عشرات السنين لتعلم فرع واحد من العلوم وفي خاتمة المطاف لا تتيسر الاحاطة بكافة جوانب ومشتقات ذلك الفرع، وهذا ما يصدق بشأن العلوم الدينية ايضا، فلقد تنوعت فروع العلوم الاسلامية اليوم واتسعت بحيث يتعين بذل الجهود لسنوات متمادية من اجل التخصص في فرع من فروع العلوم الاسلامية والحوزوية، اذ تستلزم عشرات السنين كحد متعارف کي ينال المرء درجة الاجتهاد في الفقه والاصول بما يتيسر ابداء وجهة نظره في جميع ابواب الفقه.
ما قلناه يمكن فهمه وتصديقه في مجال التعليم، ولكن هل القضية هكذا في مجال التزكية والتربية ايضأ؟ من الممكن القول بعبارة واحدة وموجزة: من خلال الوضع الذي نشهده حاليا في المجتمع البشري فان الانحطاط الأخلاقي والمعنوي من البروز والظهور ما جعل الكثير من العلماء في شرق الأرض وغربها يعتقدون بأن الانسان يعاني اليوم أزمة في المعنويات، من هنا يمكن القول إن حاجة الإنسان للتزكية والتربية في هذا العصر أكثر بكثير من حاجته للتعليم.
لقد بعث الله الانبياء لغرض تعليم الانسان وتزكيته «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»(1)، فأدى الانبياء واوصياؤهم هذه الرسالة متجرعين الشدائد والمحن ثم مضوا، وكان آخرهم نبي الاسلام (صلى الله عليه وآله) والائمة الاطهارة (عليهم السلام).
واليوم حيث يحرم الناس من حضور الانبياء و اوصیائهم، وكما تقدمت الاشارة من أن الحاجة إلى التعليم والتزكية لا تزال قائمة بل ازدادت كثيرة، من الذي ينهض بهذا العبء الثقيل؟ هل فكّر الله سبحانه وتعالى والنبي (صلى الله عليه وآله) بعلاج لهذه القضية؟ يتضح من خلال التمعن بالروايات أن هذا الواجب ألقي على عاتق علماء الدين. فقد ورد في رواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: رحم الله خلفائي، فقيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله(2).
و بالرغم من عدم الاشارة بصراحة إلى التزكية في هذه الرواية وذكرت فيها التعليم فقط، ولكن بما أن التزكية يجب أن تقوم على اساس تعاليم الدين والوحي، فمن الطبيعي أن يتولى علماء الدين هذا الأمر، فضلا عن أن «سنة النبي» لم تقتصر على التعليم، وانما تلازم التعليم والتزكية ـ طبقأ لصريح الآية ـ معا في سنة النبي (صلى الله عليه وآله)، بناء
على هذا فان احیاء سنة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «يحيون سنتي» هو النهوض بأمر التعليم والتزكية معا، أضف إلى ذلك أن مؤسسة أو فئة أخرى غير العلماء والحوزات لم تتصد لمهمة التزكية بشكل عملي على امتداد التاريخ الاسلامي.
على أية حال؛ مثلما تنعدم الحدود بين التعليم والتزكية فيما يخص ذات النبي (صلى الله عليه وآله)، فمن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك فيما يخص خلفائه، وان الترابط وثيق فيما بينهما بحيث يتعذر التفكيك بينهما، وأن التعليم انما يأتي من اجل نيل التزكية والكمالات الروحية والمعنوية.