العُجب رؤية قرآنية (4)

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-04-2021, 11:37 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

سيد فاضل

الصورة الرمزية سيد فاضل


الملف الشخصي









سيد فاضل غير متواجد حالياً


افتراضي العُجب رؤية قرآنية (4)

العُجب رؤية قرآنية (4)؛ بقلم الشيخ محمّد مهدي الآصفي

شفقنا العراق-الانحراف المركب؛ والانحراف على شكلين: بسيط ومركب. وأما البسيط فهو أن ينحرف الإنسان عن صراط الله تعالى عالماً بانحرافه، وأمر هذا الانحراف أهون من غيره، فإن فرص الاستقامة تبقى قائمة للإنسان عندما يكون انحرافه بسيطاً. أما إذا كان صاحب الانحراف يؤمن بأنه يحسن صنعاً ويسير على الصراط المستقيم فذلك من الانحراف المركب (تركيب من الانحراف والجهل)، وهذا أخطر من الانحراف الأول. فإن الإنسان المنحرف يعتقد في هذه الحالة أنه ليس بمنحرف، وهذا التصور يفوت عليه فرص العودة والاستقامة.

و”العجب” من أهمّ مصادر هذه الحالة من الانحراف المركب، فإن الإنسان عندما يأخذه العجب بنفسه يرى القبيح الذي يصدر منه حسناً والسيئة التي يرتكبها حسنة، ولا يسمح لأحد أن يراجعه في شيء من ذلك، ولا يسمح لنفسه الشك والتردد في سلامة شيء من مواقفه وأعماله، ويرى لنفسه ما يشبه العصمة، وهذه الحالة كما ذكرنا أخطر حالات الانحراف وإلى هذه الحالة من الانحراف المركب تشير الآية الكريمة:

(قُل هَل نُنَبّئُكم بِالأخسَرِينَ أعمالاً، الذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَوةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعاً، أُولَئِكَ الذينَ كَفَرُوا بآيَتِ رَبّهِم وَلِقَائِهِ فَحَبطت أعمالُهُم فَلاَ نُقيمُ لهُم يَومَ القِيَمةِ وَزناً) (الكهف:١٠٣ـ١٠٥).

عندما يبلغ الإنسان هذه الدرجة من الانحراف تحترق عنده الرؤية بشكل كامل، فيتصور قبائح أعماله وسيئاته حسنات، “وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً”.

وهذه حالة من حالات عمى العقل والقلب والبصيرة، يفقد فيها الإنسان القدرة على التمييز بين الحق والباطل، كما يفقد المصابون بعمى الألوان القدرة على تمييز بعض الألوان، بل “العمى” في حالة العجب أخطر، حث لا يفقد فيها الإنسان الرؤية فقط، وإنما تنعكس فيها الرؤية فيرى القبيح منه حسناً، ويرى الحسن من غيره قبيحاً. وتسبب هذه الحالة من العمى وفقدان القدرة على التمييز إنقلاب المقاييس عند الإنسان في حالة “العجب”.

فإن الإنسان في حالة الرشد والاستواء يجعل من الحق مقياساً لنفسه وأعماله ومواقفه ويطبق نفسه وأخلاقه وسلوكه ومواقفه دائماً على هذا المقياس، فيستقيم ويصحح أعماله ومواقفه كلما تعرض لخطأ أو انحراف.

وكلما يتقدم الإنسان في “العجب” أكثر تتعمق في نفسه هذه الحالة من انقلاب المقاييس أكثر من ذي قبل، حتى ينقلب الإنسان فيكون هو مقياساً كاملاً للحق، فما يعمله هو الحق وما يتركه هو الباطل وما يريده هو الحق، وما يعارضه ويرفضه هو الباطل ويكون “الأنا” هو المقياس للحق، وليس “الحق” هو المقياس للانا.

والقرآن يصف هؤلاء بأوصاف عجيبة، تستوقف الإنسان، وتدعو إلى كثير من التأمل والتفكير.

فهو يقول لهم أولاً: (الذي ضلَّ سعيهم في الحيوة الدنيا)، وهذه حالة تخص الحياة الدنيا، فيضيع سعيهم، وضياع السعي بانتفاء الأثر والفائدة المترتبة على السعي، فإن السعي كالحرث يؤتي ثماره طيبة شهية، إذا أراد الله تعالى لها الخير وبارك فيه، ويكون مبتوراً عقيماً إذا سلب الله تعالى منه الخير والبركة، كذلك “السعي” و”الحركة” إذا سلب الله تعالى منه الخير والبركة كان جهداً ضائعاً وسعياً ضالاً.

ويعبر القرآن عنهم ثانياً بـ: (الأخسرين أعمالاً)، وهذه أيضاً حالة تخص الدنيا، والخسارة هي أن يفقد الإنسان جهده وحياته وحركته دون أن يأتي له ذلك بنتيجة أو ثمرة، وجهد الإنسان وحركته وعمره هو “رأس ماله” الذي يتاجر به ويحوله إلى “مرضاة الله” و”قرب الله” و”ثواب الآخرة”. وكل جهد وحركة وساعة من عمر الإنسان لا يتحول إلى هذه النتائج فهو خسارة العمر والجهد، وكان مثل هذا الإنسان مثل التاجر الذي ينفق رأس ماله دون أن يعود عليه بأي شيء، وهذه هي الخسارة الكبيرة التي تشير إليها سورة العصر: (وَالعَصرِ، إِنَّ الإِنسانَ لَفِي خُسرٍ).

ولكن القرآن الكريم لا يقتصر هنا في تصوير مأساة الإنسان على هذا الحد، وإنما يتجاوز ذلك ويصف مأساة الإنسان في هذه الحالة بـ”الأخسرين أعمالاً” بصيغة أفعل التفضيل. وسبب تكريس حالة الخسارة هذه أن جهد الإنسان وسعيه وحركته ليس فقط يضيع، وإنما يتحول إلى ضده، فيتحول جهد الإنسان إلى عذاب الله وعقابه وغضبه عوض أن يتحول إلى رحمة الله وقربه ورضوانه وجنّته. كمن ينفق ماله في ارتكاب جريمة فيعاقب ويغرم، فإن هذا الإنسان ليس فقط يخسر رأس ماله، وإنما ينقلب رأس ماله إلى وبال عليه.

ثم يقول القرآن الكريم عنهم ثالثاً: (فحبطت أعملُهم فلا نُقيم لهم يوم القيمة وزناً)، وهذه الحالة تخص يوم القيامة وهي حالة “الحبط” الكامل في الآخرة وحالة “انعدام الوزن”، (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزناً).

وحالة “الحبط” في مقابل أصل لله “البقاء” و”الثبات” للأعمال في يوم القيامة، والذي يشير إليه القرآن في كثير من آياته:
(فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ، وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:٧ـ٨).

(وَوُضِعَ الكِتَبُ فَتَرَى المُجرِمِينَ مُشفِقِينَ مَمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَوَيلَتَنا مَالِ هَذَا الكِتَاب لا يُغَادرُ صَغِيرَةً وَلاَكَبِيرَةً إلاّ أحصَياهَا وَوَجدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظلمُ رَبُّكَ أحَداً) ( الكهف:٤٨).

وبموجب هذه الحالة لا ينعدم شيء من العمل من خير أو شر يصدر عن الإنسان يوم القيامة. وهذا أصل كوني من الاصول الكونية التي يشرحها القرآن في تبيان سنن الله تعالى.

إلا أن “الكفر” و”الانحراف المركب” النابع من العجب يؤدي إلى حبط الأعمال يوم القيامة: (فحبطت أعمالُهم)، وأصل “الحبط” في مقابل أصل الثبات.

كما يؤدي الكفر والانحراف المركب إلى حالة “إنعدام الوزن” يوم القيامة: (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزناً). وبالوزن يوم القيامة يستقر الإنسان في رحمة الله ورضوانه، وإذا فقد الإنسان الوزن يوم القيامة فلا يستطيع أن يستقر في رحمة الله.
أرأيت لو أن الإنسان فقدَ “الوزن الفيزياوي” في الدنيا على وجه الأرض هل يستطيع أن يستقر فيها أو يبني لنفسه حياة فيها؟ كذلك انعدام الوزن يوم القيامة.

يتبع…


التوقيع :
من مواضيع سيد فاضل » ان الميت ليفرح
» المرتد سلمان رشدي يتعرض للطعن في نيويورك
» عزاء ركضة طويريج.. كيف نشأ ولماذا منع؟!
» مسجد الحنانة.. موضع رأس الإمام الحسين عليه السلام
» مختارات من رثاء لقتيل كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) 2
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
العُجب, رؤية, قرآنية

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العُجب رؤية قرآنية (3)؛ الشيخ محمّد مهدي الآصفي سيد فاضل قسم القرآن الكريم 4 11-04-2021 02:19 PM
العُجب رؤية قرآنية (2)؛ بقلم الشيخ محمد مهدي الآصفي سيد فاضل قسم القرآن الكريم 6 11-04-2021 02:19 PM
العُجب رؤية قرآنية (1)؛ بقلم الراحل الشيخ محمّد مهدي الآصفي سيد فاضل قسم القرآن الكريم 5 07-04-2021 04:04 PM
رأسُ مال الوقت.. رؤية قرآنية صدى المهدي قسم القرآن الكريم 2 08-06-2020 06:00 PM
العُجب رؤية قرآنية محب الرسول قسم القرآن الكريم 4 07-03-2013 07:03 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين