من المؤسف حّقًا ان كثيرا من الناس يعاني معضلة الفهم لقضية أساسية في الدعاء: وهي
لماذا لا تستجاب كل الدعوات ولماذا يُرد بعضها في أشد ظروف الإنسان محنة وحراجة؟
.
وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نفهم: أن هناك شروطًا ذاتية ترتبط بالإنسان االداعي نفسه، وأخرى ربانية تتعّلق بحكمة الله وعلمه بمصلحة الخلق، وثالثة موضوعية ترتبط بذات
الأسباب والظروف الطبيعية للقضية التي يدعو الإنسان لتحقيقها، فهذه الشروط جميعًا ذات
علاقة وتأثير على إجابة الدعوة من قبل الله سبحانه، أو عدم إجابتها، فليس كل ما يدعو به
الإنسان هو الحقيقة التي يجب أن تكون وتتحّقق في عالم الوجود لأن إرادة الإنسان ليست هي
الإرادة التي تسير العالم، ورغبته في حدوث الأشياء دائمًا لا تكشف عن حقيقة ما يجب أن
يكون، وليس ضروريا أن تتطابق هذه الرغبة دائمًا مع منطق الخير وأهدافه المطوية في
ضمير القدر، لذا فان رغبة الإنسان وطلبه من الله سبحانه تحقيق أمنية، ليست كافية لتحقيق
الشيء وإيجاده، إذ لو جرت الأحداث ولوقائع وفق رغبة الإنسان وأمانيه الذاتية لاختفى تأثير
قوانين الوجود، وتوارى دور الإرادة والحكمة الإلهية، ولغات دور الإنسان التكليفي، وانتهت
مسؤولية كقوة محركة في عالم الحوادث والأسباب، إذ كثيرا ما يدعو الإنسان لتحقيق شيء
وهو لا يحسن تقدير نتائجه، ولا طبيعة آثاره في الحياة، وقد يلح بالطلب، ويرفع صوته
بالضراعة والابتهال في التخلص من شيء، وهو لا يعلم ان مصلحته فيما يرفض، وخيره فيما
يدعو الله للخلاص منه، فكل ذلك خاف على الإنسان، ومغيب عنه، لعدم قدرته على اختراق
حجب الغيب، أو الاطلاع على حقائق الأمور، كشف نتائج الحاضر والمستقبل.
وما أصدق تعبير الدعاء المأثور، وهو يشخص هذه الحقيقة، ويكشف سطحية المسار الذي
تتحرك فيه الإرادة الإنسانية وضيق الأفق الذي تتصرف فيه، وقصور الرؤية عن استبطان
حقائق الأشياء، وكشف مطوياتها، يقول الدعاء:
( ...فإن أبطأ عّني عتبت بجهلي عليك، ولعل الذي أبطأ عّني هو خير لي لعلمك بعاقبة
الأمور
...).
لذلك كانت استجابة الدعاء متوقفة على أمور أسياسية - كما بينا آنفا -
وهي:
1-الشرط الرباني: ويقصد به عدم مخالفة الدعاء للحكمة الإلهية أو معاكسة قضاء المشيئة
الربانية التي قدرت سير العالم، ورتبت تتابع الأسباب والنتائج والمصالح فيه.
فالرغبة الإنسانية ليست هي التي تقرر سير الحوادث، أو تحدث ما تشاء بعيدة عن تقديرات
الحكمة والتوجيه الإلهي، فلكي يكون الدعاء مؤه ً لا للإجابة يجب أن لا يخرج على حدود
المصلحة المقدرة في علم الله سبحانه
.
2-الشرط الذاتي: ويقصد به الكيفية الروحية والنفسية التي يتوجه بها الإنسان إلى الله
سبحانه، من صدق التوجه، والإخلاص في الدعاء، والثقة بالله، واستشعار الحاجة والفقر إليه،
واشتداد الضيق والاضطراب، وارتفاع موانع الذنوب والمعاصي التي تحول بين الإنسان وربه. . الخ.
.
ففي هذه الحالة تكون الذات الإنسانية على درجة من العلاقة والارتباط بالله سبحانه، تؤهلها
لتكون طرفًا في رفع الدعاء، والتعامل مع فيوضات الرحمة الربانية، واستقبالها بدرجة تجعل
من الداعي مستحقًا للإجابة، متوفرًا في شرط
القبول والقرب من الله سبحانه
3-الشرط الموضوعي: ويقصد بالشرط الموضوعي: تعامل الإنسان مع الأسباب والوسائل
الطبيعية التي جعلها الله سبحانه سببًا في تنظيم الحوادث وسير الأمور . وبعبارة أخرى: ان
على الإنسان واجبًا ومسؤولية، عليه أن يؤديها إذا ما أراد انجاز شيء، ودعا الله سبحانه
للإعانة على ذلك فقد جعل الله بحكمته علاقة بين الأشياء وأسبابها، ويأتي دور العون الإلهي
في هذه الحالة متمث ً لا بتوفيق الله الإنسان لإصابة الأسباب الملائمة، وتأهيلها لإعطاء النتائج
المرجوة
.
فالمريض الذي يدعو الله سبحانه بالشفاء، لا يحق له أن يترك مسؤولية العلاج ويكتفي
بالدعاء، والذي يهدده الظالم، لا يجوز له أن يخنع ويستكين لإرادة الظالم، ثم يدعو الله لكشف