العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه)
منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) الامام - الحسين - سيد الشهداء - أبو الأئمه - الشهيد - المظلوم - العطشان - أبا عبد الله - ابو السجاد - الغريب - ابو الاحرار - عليه السلام
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


التجليات العقدية في زيارة الإمام الحسين -عليه السلام

منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه)


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-03-2023, 09:54 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي التجليات العقدية في زيارة الإمام الحسين -عليه السلام

مقدّمة

حين يستقرئ الناظر في أُفق التأريخ حراك الأُمم والشعوب بعين الناقد البصير، سيكتشف من آثارها مدى الاهتمام البالغ برمزية معتقداتهم، وبتقديس شعائرهم، سواء أكانوا قد اعتنقوا أدياناً سماوية أم تبنّوا أفكاراً مادّية وأُسطورية، وتلك الحقيقة التأريخية هي الحاضرة باستمرار؛ إذ يعتمدها مريدو أغلب نظريات الحداثة المادّية وما بعدها، وأهمّها العلمانية، فضلاً عن الأُصولي المتديِّن؛ لأنّ أهمّ أسباب ديمومة أفكار الأُمم وخلودها هو تقديس رموزها والدفاع عنها.

إنّ النظرية الإسلامية يرتكز بناؤها نظريّاً على محورين، أحدهما متمّم للآخر: فالأوّل يهتمّ بالكمال العلمي والفكري، والآخر يعتني بجهة الكمال الروحي الضامن للخلود الأبدي.

وأمّا الارتكاز العملي في دائرة الدين الإسلامي، فيعتمد في ديمومته على ركنين يكمّل أحدهما الآخر، وهما: الالتزام بالقرآن الكريم، ذلك الكتاب الصامت، والآخر هو اتّباع العترة الطاهرة، وهي الكتاب الناطق بالحقّ إلى يوم القيامة. فأمّا القرآن فقد أُحرز خلوده بإعجازه وانتسابه إلى الله تعالى، سواء على مستوى البيان والفصاحة، أم على غير ذلك من وجوه الإعجاز الأُخرى، وأمّا في مقام الدلالة فلا بدّ له من مفسِّر لآياته ومبيِّن لأحكامه، وهنا يأتي دور النبيّ(صلى الله عليه واله) وأهل بيته(عليهم السلام)، فهم عِدله، قد اختارهم الله تعالى بحكمته، بعد أن شرط عليهم الزهد في الدنيا وزُخرفها، وتحقّق الوفاء منهم بأداء هذه الرسالة الكبرى على أتمّ وجه.

إنّ من أولويات مهامّ النبوّة هو التأكيد على كلّ ما يُفضي إلى توحيد الله(عز وجل)، والحثّ على ذلك، وفي مقابل ذلك التفنيد لكلّ ما يؤدّي إلى الشرك، والنهي عنه، فقد عمد النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله) إلى تحطيم الأصنام يوم فتح مكّة، والنهي عن زيارة قبور المشركين، بعد أن أعرض(صلى الله عليه واله) عن القصاص من زعماء قريش، فهذا خيرُ دالٍّ على أهمّية تلك الرموز في نفوس المشركين، ومقدار تأثيرها في ضلالهم عاجلاً وآجلاً، وفي المقابل ورد الحثّ على زيارة قبور المسلمين والتبرّك بالحجر الأسعد، فالفارق بين التعبّد بحجر الصنم وبين التبرّك بالحجر الأسعد، هو أنّ الأوّل من روح الشيطان ووسوسته، أمّا الآخر فمن وحي الله تعالى وأمره؛ لذا كان الرمز الأوّل يدلّ على الشرك، وكان الرمز الثاني يدلّ على التوحيد.

وقد ترتفع دلالة التوحيد درجة إن كان الدالّ عليه هو جسد وليٍّ اصطفاه الله تعالى لحمل أمانة وحيه، بعد أن اصطنعه لنفسه، حتّى صار مزيجاً من روحٍ قدسية، ونفسٍ زكيّة، مع جسدٍ طاهر، وبينهما علقة خفيّة، ورابطة قويّة، تختلف عمّا سواها من الأجسام البشرية.

لقد أوْلى الإسلام الجانب الروحي عنايةً خاصّة تفوق عنايته بالجانب المادّي، فالبدن محدود القدرة ضمن نطاق (الزمكانية)، أمّا الروح فطاقة حيوية متجدّدة عبر الأجيال، قد اخترقت أسوار المحدودية وكسبت سرّ خلود المبادئ الدينية، وحكمة تشريعاتها؛ ومن هذا المنطلق فقد أضفى الإسلام قدسية على رموزه وشعاراته، وحثّ مريديه على استلهام الدروس والعبر من تلكم الدوال، وأهمّ مصداق لها مراقد الأولياء والصالحين والشهداء، فهم الأحياء بحياة الروح الزاكية، ولهم حقّ الوفاء، وجميل الثناء.

مما تقدّم يمكن أن يقدّم الكاتب جملة التجلّيات العقدية من زيارة مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) خاصّة كأُنموذجٍ لأهمّ الزيارات التي حثّ عليها الشرع الحنيف، وجعلها محطّ رحال أفئدة المؤمنين، فقد جاء مخطّط هذا المبحث مبتدِئاً بالتمهيد لبيان مفاهيم العنوان، وأهمّية الزيارة، مع الاستدلال على استحبابها، ثمّ الحديث بعد ذلك عن أهمّ التجلّيات العقدية من تلك النصوص الشرعية في ثلاثة مطالب، وهي التوحيد، والنبوّة مع لازمها الخلافة، ثمّ المعاد، معتمدين في دراستنا هذه على أهمّ نصوص الزيارات المعتبرة والمشهورة. هذا، ونسأله تعالى التوفيق والسداد إنّه نعم المولى ونعم النصير.

تمهيد

أوّلاً: بيان معاني مفردات الموضوع

معنى التجلّي: وردت معاني غزيرة ومتعدّدة للفظ (جلا)، سأذكر منها ما يخصُّ البحث كما وردت في لسان العرب، فقد قال ابن منظور: «والجَلاء (ممدود): الأَمر البَيِّنُ الواضح. والجَلاءُ (بالفتح والمدِّ): الأَمرُ الجَليُّ، وتقول منه: جَلا لي الخبرُ، أَي: وَضَح... ويقال: أَخْبرني عن جَلِيَّةِ الأَمر، أَي: حقيقته... والجَلِيَّة: الخبر اليقين... والجَلِيَّة: البَصِيرة... وجَلَوْت، أَي: أَوضحت وكشَفْتُ، وجَلَّى الشيءَ، أَي: كشفه»[1].

معنى الزيارة: قال الطريحي: «زاره يزوره زيارة: قصده، فهو زائر وزور وزوّار، مثل سافر وسفر وسفّار»[2]، وورد أنّ «زيارة الله تعالى زيارة أنبيائه وحججه(صلى الله عليه واله)، مَن زارهم فقد زار عرش الله(عز وجل).وفي الدعاء اللّهمّ اجعلني من زوّارك»[3]، أيّ: من القاصدين لك الملتجئين إليك.

من خلال ما تقدّم نحصل على خلاصة مفادها: ظهور حقيقة أُصول الدين وانكشافها من آثار مضمون وطقوس مقاصد المؤمنين لمرقد سيّد الشهداء(عليه السلام).

ثانياً: أهمّية الزيارة وشرعيّتها

تكمن أهمّية الزيارة للأماكن المقدّسة ومراقد المعصومين والأولياء(عليهم السلام) في دلالتها وآثارها؛ فللزيارة أقسام كثيرة، لكلّ واحدة منها فوائد خاصّة، منها زيارة بيت الله الحرام التي تنطوي على فلسفة وآداب خاصّة ذُكرت مفصّلاً في المصادر الفقهية؛ ولا شكّ في أنّ لزيارة قبور المؤمنين ثمرات ذات اتجاهين: منها ما يعود إلى الزائر، ومنها ما يرجع إلى المزور، فبالإضافة إلى الثواب المترتِّب على زيارة المؤمن فإنّ الروايات أكّدت أنّ صاحب القبر يفرح بزيارة قبره، وأنّ هذه الزيارة تترتّب عليها أيضاً فوائد مهمّة أُخرى للمؤمنين، هي: تذكّر الموت، والعبرة، والاستعداد لإصلاح النفس وتهذيبها، فقد ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «زوروا موتاكم؛ فإنّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أُمّه بما يدعو لهما»[4]. وفي الحديث الذي روته صحاح العامّة ومصادرهم عن أبي مويهبة مولى رسول اللهﷺ قال: «أُمر رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أن يصلِّي على أهل البقيع، فصلّى عليهم رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ليلةً ثلاث مرّات، فلمّا كانت ليلة الثانية، قال: يا أبا مويهبة، أسرج لي دابتي. قال: فركب فمشيت حتّى انتهى إليهم، فنزل عن دابته وأمسكت الدابة، ووقف عليهم أو قال: قام عليهم، فقال: ليهنئكم ما أنتم فيه ممّا فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل يركب بعضها بعضاً، الآخرة أشدّ من الأُولى...»[5]، وهذا دليل يُلزِم أتباع مدرسة الحديث والسلفية السماح بزيارة قبور الأولياء والصالحين وإعمارها، لا العكس كما نراه في زماننا، فالموثِّق لهذا الحديث ومصحِّحه هو من كبار علماء مذهب السلفية.

إنّ النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله) والأئمّة الأطهار(عليهم السلام) هم المصداق الأمثل للإنسان الكامل، وإنّهم أحبّ الخلق إلى الله تعالى؛ لِما اتّسموا به من صفات الكمال تقوى وورعاً وعلماً، وقد عصمهم الله من الذنوب ظاهراً وباطناً، وأمر تعالى بحبّهم وولائهم، وإنّ مَن حاربهم فقد حارب الله تعالى، فلا يصل الإنسان إلى مقام القرب الإلهي إلّا بمحبّتهم وقبول ولايتهم.

إنّ الفضل المترتِّب على زيارتهم(عليهم السلام) واضح العلّة؛ باعتبارها تمثّل أفضل الطرق للتواصل مع أئمّة الهدى المعصومين(عليهم السلام)، ممّا يوجب فلاح الإنسان، وترسيخ الجانب المعنوي في شخصيته، بالإضافة إلى ما تنطوي عليه الزيارة من الحظوة بكرامة الأئمّة(عليهم السلام)، وتعزيز الآصرة القلبية بين الزائر والإمام المعصوم(عليه السلام)؛ تجديداً للعهد باستمرار المسيرة الروحية التي يتحرّك فيها المؤمن استلهاماً منهم، وتأسّياً بهم(عليهم السلام).

ومن الآثار المترتِّبة أيضاً على زيارة مراقدهم(عليهم السلام) الشريفة غفران الذنوب، والفوز بشفاعتهم، وإنجاح طلبات الزائرين، وسأحاول هنا الإشارة إلى نماذج من الروايات التي تُشير إلى ثمار الزيارة وما يترتّب عليها:

فقد رُوي عن رسول الله(صلى الله عليه واله) أنّه قال: «مَن زارني إلى المدينة كنتُ له شهيداً وشفيعاً»[6].

ورُوي أيضاً: «مَن زارني بعد وفاتي وسلَّم عليَّ رددت(عليه السلام) عشراً، وزاره عشرة من الملائكة، كلّهم يسلِّمون عليه...»[7].

كما أكّد النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله) شرعية الزيارة عمليّاً، فقد نُقِلَ خبرٌ مفاده: «أنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) حين انصرف من معركة أُحد مرَّ على مصعب بن عمير، وهو مقتول على طريفة، فوقف عليه(صلى الله عليه واله)، ودعا له، ثمّ قرأ هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[8]، ثمّ قال رسول(صلى الله عليه واله): أشهد أنّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده، لا يُسلِّم عليهم أحدٌ إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه»[9]. وعلَّق الحاكم النيسابوري على هذا الحديث بأنّه صحيح على شرط الشيخين (البخاري، ومسلم)، ولكن لم يخرجاه[10]. وما إعراض الشيخين عن إخراج الحديث وغيره من المرويّات الدالة على استحباب الزيارة إلّا لأسباب سياسية عملت عليها الدولة الأُمويّة؛ لغرض إنكار فضل الشهداء، وتقليل شأن الرموز الإسلامية.

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «مَنْ زار قبرَ الحسين(عليه السلام) لله وفي الله أعْتَقَهُ من النار، وآمنهُ يومَ الفزع الأكبر، ولم يسأل الله حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلّا أعطاهُ»[11].

هذا غيض من فيض المتواترات والروايات المستفيضة والمعتبرة الكثيرة في تأكيد شرعية زيارة المعصومين(عليهم السلام) والأولياء والصالحين، ذكرتها المصادر الحديثيّة، وأشبعها العلماء بحثاً وتحقيقاً.

وممّا تقدّم يمكن استنتاج أهمّ ثمرات الزيارة وآثارها، مرتبةً في نقاط عديدة، منها ما يلي:

تنامي معارف الزائر وعلومه الدينية من خلال المفاهيم والقيم التي تنطوي عليها نصوص الزيارات.

معرفة مقام الأئمّة(عليهم السلام)، وتحكيم آصرة الولاء بين الزائر والأولياء الربّانيين.

اختيار النموذج الأمثل لمقام قيادة المجتمع.

توفير الأرضية المناسبة لاجتناب المعاصي واقتراف الذنوب، وكسب محاسن الأخلاق.

تعزيز روحية العمل الجمعي، وصيانة هوية التشيّع من الضياع، ومواصلة التعايش مع ثورات الأئمّة وتحرّكاتهم السياسية والاجتماعية.

إشاعة روح الثورة، وتعزيز الشجاعة والفداء في الوسط الاجتماعي، وبثّ روح المطالبة بالحقّ والعدل والتأكيد على إحقاق حقوق الجماهير كأهمّ شعار يرفعه الشيعة.

تقوية روح التصدّي للظالمين، وفضح جرائمهم التي وقعت على مرّ التاريخ بحقّ المسلمين أئمّة ورعايا، وجعل المجتمع يعيش أمل الحكومة النموذجية، ويُمهِّد لتحقّقها على يد المنقذ الحجّة بن الحسن العسكري(عجل الله فرجه الشريف).

تلك الثمار هي بعض ما يظهر من الآثار المعنوية والاجتماعية لدى المتأمِّل في أهمّية الزيارة وفوائدها، وما يخفى من الأُمور المعنوية والأُخروية أكثر، قد لا يتسنّى لنا إدراكه، والله أعلم بأسرار أوليائه وشريعته.

لقد أولى علماء الإمامية تحقيق نصوص الزيارات الواردة عن المعصومين(عليهم السلام) اهتماماً بالغاً، ووثّقوها في كتبهم، من قبيل (كامل الزيارات) لابن قولويه القمّي، هذا الكتاب الذي يُعدّ من أهمّ الكتب المصنّفة في هذا المجال، ومنها أيضاً: كتاب (المزار) للشيخ المفيد، و(مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي، و(مهج الدعوات) للسيّد ابن طاووس، و(المزار الكبير) للشيخ محمد بن جعفر المشهدي، و(تحفة الزائر) للعلّامة المجلسي، وكتاب (مفاتيح الجنان) المشهور للشيخ عباس القمّي.

وعلى الرغم من الأُصول التأريخية المتينة لشعيرة الزيارة في الفكر الإسلامي عامّة، والشيعي خاصّة، إلّا أنّ هناك طائفة ظهرت في القرن الثالث عشر الهجري تُعرف بالوهابية، رفعت راية المخالفة والرفض لزيارة المراقد المقدّسة وقبور الصالحين، بل وهدمها، بدعوى أنّها من مظاهر الشرك وعبادة الأصنام، وهذا ما لا ينسجم مع السنّة النبوية وسيرتها، مثيرين بذلك الكثير من الشكوك والاستفهامات، فتصدّى للإجابة عنها علماء الفريقين من الشيعة والسنّة بإثبات رجحان الزيارة وشرعيتها.

والملاحِظ لنصوص الزيارات التي وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) يجدّها تتضمّن كمّاً هائلاً من المعارف الإسلامية والعقائدية، وقد اشتهرت من بين تلك الزيارات، بسبب اعتبار أسانيدها وعمق محتواها مجموعة من الزيارات كزيارة (عاشوراء)، وزيارة (الجامعة الكبيرة)، وزيارة (أمين الله)، بالإضافة إلى زيارة (وارث) المشهورة.

تنقسم الزيارات الواردة عن المعصومين(عليهم السلام) إلى طائفتين، هما: الأُولى الزيارات الخاصّة ببعض المعصومين، والثانية الزيارات المشتركة التي يصحّ زيارة أكثر من معصوم بها. وسأعتمد في هذه المقالة على جميع الزيارات المخصوصة بالإمام الحسين(عليه السلام)، بالإضافة إلى بعض الزيارات المشتركة التي يُزار بها جميع المعصومين(عليهم السلام) كما ذُكِرَ أعلاه، وأستنطق مضامينها؛ لمعرفة أهمّ التجلّيات العقدية من تلك الكلمات النورانية، وهي كما يلي بالترتيب.


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس
قديم 27-03-2023, 09:56 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

المطلب الأوّل: تجلّي دلالة التوحيد

تقرّر في علم الاجتماع أنّ الفعل الإنساني يتّصف بالمعنى، أي: الغاية المقصودة بإرادة جادّة، فكلُّ عمل عقلائي لا بدّ أن يصدر عن دافع وواعز، يدعو الإنسان للتحرّك نحو مراده؛ إشباعاً لحاجة في نفسه، فالمؤمن عندما يقصد زيارة مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) يجد في نفسه واعز الميل نحو صرحٍ ممرّد من الرحمة الربّانية الواسعة، تشفي غليله، وتبرّد لوعته من سقم مكابد الدنيا، وخشية هول الآخرة، ويعتقد المؤمن أنّ مُبدئ هذا الصرح ومُبدعه هو الله سبحانه، الذي اصطنعه بقدرته، وكساه بصبغته بأحسن لونٍ من ألوان جميل صنعه، ومصدر هذا المعتقد معرفته بكمال صفات الإمام الحسين(عليه السلام) الخَلقية والخُلقية، فقد أدّى حقّ العبودية لمولاه تعالى، وضحّى بنفسه وأهل بيته وصحبه لأجل إنصاف المظلوم، وإعلاء كلمة التوحيد، وإصلاح ما فسد من أُمور المسلمين؛ حفاظاً على الهويّة الإسلامية من مؤامرات بني أُميّة الرامية لطمسها، تمهيداً لعودة شرك الجاهلية بأساليب شيطانية خفية، فالمتتبّع لسيرة سلاطين بني أُميّة وبني العباس وولاتهم يجد بوناً شاسعاً بين سلوكهم وتعاليم الدين الإسلامي المتمثّلة في سيرة نبيّنا الأكرم(صلى الله عليه واله)، فقد تمظهروا بلباس الإسلام، وأقاموا بعض شعائره؛ لتسيير أُمور سلطانهم، وخشية من ثورة رعيتهم عليهم، وقد بيّن الإمام الصادق(عليه السلام) هذه الحقيقة لأصحابه بقوله: «إنّ بني أُميّة أطلقوا للناس تعليم الإيمان، ولم يُطلقوا تعليم الشرك؛ لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه»[12]. وهو ما يعرف بسياسة التجهيل، وفنّ خداع الرعية بالنكراء والشيطنة.

إنّ عظمة الإمام الحسين(عليه السلام)، وعلوّ شأنه في النفوس الأبيّة، بالإضافة إلى جليل مصابه وأثره البالغ في نفوس المؤمنين قد يشغل ذهن الزائر بعظمة ذلك الكيان شُغلاً ـ وإن ندر ـ قد يجعله في غفلةٍ تذهله عن خالقه ومبدعه (جلّ جلاله)، فقد يقصد من الزيارة ذات المزور، ويطلب منه بذاته، لا بواسطة اعتباره الوسيلة لربّه؛ لأنّ الطبع البشري يتأثّر بالمحسوس بدرجةٍ أقوى من تأثُّره بالغيب، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الغلو بمقام حبيبه ومزوره.

وما كان من أئمّة الهدى(عليهم السلام) أن تغيب عنهم تلك العلل والأسقام المهلكة إلّا ويضعوا لها اللقاح المناسب للوقاية من ضررها؛ وعليه قد لا يجد الزائر نصّاً وارداً عن المعصوم(عليه السلام) ممّا يُزار به خالياً من ذكر الله تعالى، من تكبير، وتهليل، وبسملة، وحوقلة.. وفي بعض الزيارات يُستحبّ للزائر قبل وروده الحرم الشريف أن يُكبّر الله مائة مرّة، ويستغفره سبعين مرّة، ثمّ يحمده تعالى لحسن توفيقه بقوله: «الحمد لله الواحدِ الأحدِ، الفردِ الصمدِ، الذي هداني لولايَتِك، وخصَّني بزيارتك، وسهَّل لي قصدك»[13].

فهذه مقدّمات لترسيخ معنى التوحيد في نفس المؤمن؛ كيلا تذهب به المذاهب بسابح الغفلة والخيال عن أصل الخير وخالق أئمّة الهدى(عليهم السلام)، فالزائر يجد نفسه في بيتٍ أذن الله تعالى أن يُرفعَ ذكرُه فيه؛ لذا يقف متصاغراً أمام تلك العظمة، مناجيّاً حضرته بقوله: «السلام على محالّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سرِّ الله، وحملة كتاب الله...»[14]. حيث تستمرّ تلك السلسة من الذكر التوحيدي تأكيداً لخلوص مراد الزائر في مقصده القربي لله تعالى.

إنّ افتتاح مراسم نصوص الزيارة بالبسملة، وحمد الله تعالى، والثناء عليه، هي السمة الغالبة في تلك النصوص الشريفة، فالزائر يقرأ في نصّ الزيارة وقبل دخول حرم الحائر الحسيني حين يقف مستأذناً للدخول: «الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله»[15]، فالتكبير والحمد والتسبيح قبل الدخول في الحرم غايته هي تأكيد معنى التوحيد الخالص في نفس المؤمن القاصد من زيارته نيّة القربى لله تعالى؛ لأنّ مقصده ومزوره كان عابداً مخلِصاً، لا يرى مؤثّراً خارج قدرة الباري(عز وجل)، ولا يشعر بأثرٍ سوى آثار رحمته تعالى، وقد كبُرَ في نفسه مولاه، فصغُرَ ما دونه من المخلوقين. إنّ المتدبِّر في هذا التكبير والثناء يستذكر تلك العقيدة الراسخة بخالقه الذي جعل منه(عليه السلام) قدوةً للأحرار الذين خافوا الله تعالى، فأخاف منهم كلّ موجود، وأحبّوه سبحانه، فألقى محبّتهم في قلوب الناس.

إنّ التكبير معناه أنّ الله سبحانه هو الواحد المتفرّد بصفات الكمال في هذا الوجود، فهو تعالى أكبر من كلّ شيء في هذا الوجود، وأعظم وأجلّ وأعزّ وأعلى من كلّ ما يخطر بالبال أو يتصوّره الخيال؛ ولذا فإنّ على العبد إذا وقف بين يدي الله تعالى لمناجاته وأداء عبادته وتلفّظ بهذه الكلمات بتدبّر عليه أن يستحضر هذه المعاني الجليلة القدر، والمتوافقة وفطرة النفس التي فطر الله الناس عليها، فقد ورد في الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمَن نازعني واحداً منهما ألقيته في ناري»[16]، فالإنسان المؤمن لا يغفل عن حقيقة التكبير خاشعاً لمولاه، ويسبّحه في جميع أوقاته، وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)[17]، أي: أيّها العبد تواضع وانسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة دوماً اعتقاداً وعملاً في قولك وفعلك، وهو تنزيهه تعالى من أن يعادله أو يفوقه شيء، فلا شيء يشاركه أو يغلبه أو يمانعه، ولا نقص يعرضه، ولا وصف يحدّه؛ ولذا ورد عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) أنّ معنى التكبير هو: أنّ الله أكبر من أن يوصف، فهو تعالى أكبر من كلّ وصف يصفه به خيالنا، حتّى من هذا الوصف، وهذا هو المناسب للتوحيد في الفكر الإسلامي الأصيل الذي يفوق ما نجده من معنى التوحيد في سائر الشرائع السماوية[18].

تجلّي عقيدة التوحيد الإلهي في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)

إنّ الشهادة لله تعالى بالتوحيد لا تفضّ عن فم المؤمن حال أدائه مراسم زيارة سيّد الشهداء(عليه السلام)، مستنداً في خطابه وسلامه على النصّ الوارد عن المعصومين(عليهم السلام)، بما يشتمل عليه من معانٍ جليلة تتسم بشهادة الوحدانية وتعظيم الله تعالى، فالزائر يستقبل القبلة متوجّهاً نحو مرقد المعصوم(عليه السلام)، في إشارة إلى الخطّ التوحيدي المستقيم، ويتلو هذه الشهادة بقلب خاشع، وعين باكية، قائلاً: «أشهدُ أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، كما شَهِد الله لنفسه، وشَهِدت له ملائكته، وأُولو العلم من خلقه، (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)...»[19].

فهذه الشهادة تزيد من ترسيخ معنى التوحيد الخالص في نفس الزائر، حيث تتجلّى له دلالات أُخرى نافية للصفات التي لا تليق بشأنه سبحانه: كالشريك والتحيُّز والمحدودية، فبعد أن أثبت الزائر لمولاه صفة التفرّد بالعظمة ينتقل بخاطره لنفي كلّ شريك له سبحانه في تلك العظمة والعزّة والعلم، ويسبّح مولاه؛ تنزيهاً له تعالى عن كلّ ما لا يليق بشأنه (جلّ وعلا).

فالخالق سبحانه غني مطلق، قد تفرّد بصفات الكمال من جميع الوجوه، وحده لا شريك له؛ لأنّ غيره ـ على سبيل الفرض ـ إمّا مثله في الكمال، وإمّا أنقص منه، فليس بعد الكمال المطلق والمنتهي حدّ يُفترض، ولو فُرضَ جدلاً إمكان وجود الأكمل لما انتهت الفرضيات إلى حدّ، وللزم التسلسل الباطل عقلاً، وإن كان الإله المفترض هو مثله في الكمال، لزم أن يكون نفسه، ولا يتوقّف وجود الشيء على نفسه؛ لحصول الدور الباطل عقلاً، أو لوصلتنا رسله وأنبياؤه، ولرأينا آثاره، وهو غير متحقّق في الوجدان، فالعقل يحكم ببطلان وجود المثل والشبيه، وأمّا فرض الأقلّ من الواجب تعالى كمالاً، فهو مرجوح عقلاً، مغلوب على أمره، فلا حاجة لوجوده، فضلاً عن الاعتقاد به، مع وجود الأرجح في كماله، وهو أحقّ بالعبادة، ولا يستحقّها موجود إلّا الله سبحانه.

لقد أحرز الزائر بشهادة التوحيد هذه الكينونة في مصافّ الملائكة المقرّبين، ومعيّة أهل العلم من الأولياء، وصحبة الأنبياء والمرسلين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم الذين كبّروا الله تعالى، وعظّموه في نفوسهم، وهذا ما يستحضره الزائر حين يقرّ بما يتلوه: «فَعَظَّمْتُمْ جَلَالَهُ، وَأَكْبَرْتُمْ شَأْنَهُ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ، وَأَدْمَنْتُمْ ذِكْرَهُ، وَوَكَّدْتُمْ مِيثَاقَهُ، وَأَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طَاعَتِهِ»[20]، فقد أظهروا سوابغ آلائه، وشكروه عليها، فكانوا من الذاكرين له تعالى على الدوام في الليل والنهار، بلا فتور ولا ملل، بل برغبة وشوق، مع أمل الفوز برضوان الله تعالى.

إنّ من أظهر وجوه الشكر هو الدعوة إلى الإسلام بأُسلوب حكيم يطرق قلوب المريدين بلا تنفير ولا إكراه، ومقابلة الصادّين والمعرضين بموعظة تخرج من قلب سليم بألفاظ حسنة، تُثير عواطف قساة القلوب وتستميلهم نحو الهدى والنجاة في الآخرة، وقد ورد في بعض نصوص الزيارة المخصوصة بالإمام الحسين(عليه السلام) بعد السلام ترديد التلبية لدعوته بصفته الداعيّة للتوحيد: «لبيك داعي الله»، والوجه في التلبية له أنّه(عليه السلام) الداعي الثاني إلى الله تعالى بعد جدّه المصطفى(صلى الله عليه واله) الذي دعا إلى الإسلام والشهادتين.

إذاً؛ ينبغي للمؤمن أن يستوحي من تلك التجلّيات النورانية للزيارة الدروس والعبر، مطبّقاً لما ورد فيها من أوامر إلهية، ومقتدياً بأئمّته في الدعوة لدين التوحيد وفق المنطق السليم، فكما يشهد الزائر لإمامه وقدوته وآبائه بالطهارة والزكاة من دنس الشرك، والسلامة من آثار الجاهلية الأُولى، بقوله: «أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشّامخة، والأرحام المطهّرة، لم تنجِّسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تُلبسك من مدلهمّات ثيابها، وأشهد أنّك من دعائم الدّين...»[21]، لا بدّ له أيضاً أن يقتدي بإمامه في دعم أُصول الدين، وتقويته في نفوس الراغبين، وذلك من خلال التعبّد بآثاره(عليه السلام)، والآثار العلمية والأخلاقية لسائر الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)، وأن يقتدي بمَن أشاروا عليه بوجوب اتّباعه في زمن الغيبة من علماء ربّانيين هم امتداد لأصل الإمامة وحصون للأُمّة من غواية الجاهلية الحديثة، فلا يكتفي بالوصول إلى مقام التوحيد، بل يسعى أن يكون سببَ رحمةٍ للآخرين، كما ورد في زيارة عاشوراء: «اللّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحسَيْنِ(عليه السلام) فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ»[22]، فإنّ الوجيه هو الذي يُقصَد ويُتوجّه إليه من قِبل مجتمعه لحمايته وصيانته، فإنّه المتحمّل لأعباء مسؤوليته، والمؤمن القوي مثله كمثل الماء الكثير المطلق، يكون طاهراً في نفسه من دنس الشرك، فلا تنجّسه الجاهلية بأنجاس شركها، ولا ينفعل بمغرياتها ولا يأتزر بردائها، بل باتّباع إمامه الحقّ يكون مطِّهراً لغيره من رواسب الجاهلية، ودنس الشرك؛ لكي يحقّق بعض كمالاته ويجعل غيره من الفائزين غداً بجوائز الرحمن، ممّا لا عين رأت، ولا أُذن سمعت.

وبعد هذا كلّه ورغم جميع ما تقدّم من نصوص شرعية لمراسم الزيارة، نصوص اتّشحت بأُطر التوحيد الإلهي، نرى أنّ قوماً متأسلمين ـ جُلُّ شغلِهم تكفير كلّ مَن يتبّرك بقبور الأولياء بدعوى الشرك والضلال، وهم من شذّاذ آفاق الأرض ـ
جمعتهم أرض نجد، يقودهم محمد بن عبد الوهّاب (القرن الثاني عشر الهجري)؛ لإعلان تجديد مذهب التكفير باسم مذهب السلف الصالح، إحياءً لفكر أحمد بن تيميّة الحرّاني (القرن الثامن الهجري)، المعروف بولائه الأُموي، ونسبه اليهودي. لقد ادّعى أنّ تشييد المساجد في مراقد الأنبياء والأولياء يُعتبر من أعظم الكبائر، وهو على حدّ الشرك بحسب عقيدته، فضلاً عن حُرمة طلب الحوائج بالدعاء والتضرّع في تلك المساجد، وأنّها تُعَدّ من الكبائر.

لقد تناسى هؤلاء أنّ مرقد رسول الله(صلى الله عليه واله) كان وما زال جزءاً من المسجد النبوي الشريف؛ إذ كان في عهده(صلى الله عليه واله) ذلك البيت المتّصل بالمسجد، وقد أوصى(صلى الله عليه واله) أن يُدفن في هذا المكان مع علمه باتّصاله بالمسجد، والشواهد كثيرة تدلّ على أنّ عقائد الوهابية تخالف الثقلين من كتاب وعترة، وما وصلنا من آثار وشواهد حيّة لا غبار عليها.


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس
قديم 27-03-2023, 09:57 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

المطلب الثاني: تجلّي دلالة النبوّة والخلافة

بعد أن استأذن الزائر في ولوج حرم وليّ الله وحبيبه، متسربلاً برداء التوحيد، ومتحلّياً بصفات الخاشع الوله، للقاء الذي غيّبه الدهر الخؤون في غياهب رمضاء الكرب والبلاء بلهفة وشوق، وبعد أن تجلّت له صفات خالقه بجمالها وجلالها، عاهده على أن يكون من أهل طاعته، والداعية إلى دينه الحنيف متوكّلاً عليه، صابراً محتسباً؛ لكي يكون من حزبه، ويُؤذن له في الدخول في حرم وليّه بنفس مطمئنة، وقلب خاشع، وعين دامعة على مَن سُفِك دمُه ظلماً، وهُتِك حريمُه عدواناً من غير جرم سوى قول كلمة التوحيد، وإرادة الإصلاح في أُمّة جدّه المصطفى.

تستمرّ نصوص الزيارة في بيان مسيرة العقيدة؛ إذ تتجلّى منها أنوار النبوّة في فواتح نصوصها المباركة، فيبتدئ الزائر قبل السلام على إمامه المعصوم بالاعتراف بحقيقة مقام الأنبياء، والتصديق برسالاتهم، فيقول: «لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ»[23]، ثمّ يشرع بالسلام على أنبياء الله تعالى من أوّلهم إلى خاتمهم، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة، وسأقتصر بالذكر على أُولي العزم من الرسل وبعض الأنبياء ممّن وردوا في الزيارة: «السَّلامُ عَلى آدمَ صَفْوةِ اللهِ مِن خَليقَتِهِ... السَّلامُ عَلى نُوح المُجَابِ في دَعوَتِهِ... السَّلامُ عَلى إِبْراهِيم الَّذي حَبَاهُ اللهُ بِخُلَّتِهِ، السَّلامُ عَلى إِسْمَاعيل الَّذي فَداهُ اللهُ بِذِبْحٍ عَظيمٍ مِنَ جَنَّتِهِ... السَّلامُ عَلى مُوسَى الَّذي فَلَقَ اللهُ البَحْرَ لَهُ بِقُدرَتِهِ... السَّلامُ عَلى يَحْيَى الَّذي أزْلَفَهُ اللهُ بِشَهادَتِهِ، السَّلامُ عَلى عِيسَى رُوح اللهِ وَكَلِمَتِهِ. السَّلامُ عَلى مُحمَّدٍ حَبيبِ اللهِ وصَفْوتِهِ»[24].

إنّ السلام من أسماء الله (سبحانه)، وهو تحية الإسلام، وإنّ التسليم لقضاء الله وقدره هو المؤدّي من دون أدنى شكّ إلى تعظيمه(عز وجل) وتكريمه؛ وقد ورد في الأثر استحباب البدء بالسلام وإفشائه، والسلام هنا يعني البشرى بنصرة الدين، وطلب السلامة في الدنيا، والنعيم في الآخرة، فالسلام يعني أنّه لا شكّ في حياة الأنبياء والأوصياء بعد موتهم، فإنّهم أحياء عند ربّهم في مقام القرب، وعرش القدس، يُرزقون بموائد العلم والمعرفة، ويُرون مقام شيعتهم ومواليهم، فيسمعون كلامهم، ويردّون سلامهم، كما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة من الإقرار بحياتهم، والاعتراف بشهادتهم على الخلق: «أنتم الصراط الأقوم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار البقاء»[25] [26]،
فعلى الزائر أنْ يؤمن بحياتهم وحضورهم، وإحاطة علمهم بأحوال مواليهم، وما يصدر عنهم من حركات وأقوال، فينبغي للزائر التزام الأدب عند زيارتهم، والتواضع في حضرتهم بخشوع، كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل، فتلك هي عبودية الطاعة لله تعالى، فمن أطاع أئمّة الهدى فقد أطاع الله (سبحانه)[27].

إنّ وحدة الغاية وهدف الهداية هو الجامع المشترك بين حركة الأنبياء والمرسلين مع حركة الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو جعل إلهي مخصوص بأشخاص قد اصطفاهم الله بحكمته واختارهم بعلمه، وجعلهم نبراساً من نور يهدي إلى الحقّ، وصراطاً مستقيماً كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [28].

مقصد إثبات النبوّة

هناك مقدّمات عديدة لإثبات ضرورة مبدأ النبوّة، وأهميته في حياة الإنسانية، وهي كما يلي:

الأُولى: أنّ الإنسان اجتماعي بطبعه، ويتعذّر استمرار حياته وديمومة نسله وحده، بل لا بدّ له من عائلة تعيش ضمن محيط يوفّر لها احتياجاتها الضرورية.

الثانية: أنّ اجتماع الناس ضمن محيط واحد يُفضي إلى الخلاف والنزاع؛ لاختلاف الأهواء، وتضارب المصالح، فلا بدّ من قانون ينظّم حياتهم ويحلّ مشاكلهم بعدل وإنصاف.

الثالثة: أنّ هذا القانون لا بدّ أن يكون متقناً وحكيماً، ولا يستطيع الإنسان أن يضعه إلّا أن يكون كاملاً ومعصوماً عن الخطأ، وعالماً بجميع أحوال الناس وطبائعهم وما ينفعهم ويضرّهم.

الرابعة: أنّ شرط العدل والعلم المطلق والكمال في الصفات لا يتحصّل إلّا عند خالق الناس، والعالم بجزئيات أحوالهم ودقائقها.

الخامسة: أنّ الخالق تعالى لا يمكن رؤيته ولا تُدركه حواسّ الناس؛ لمحدودية قدرة الحواسّ، وقصورها في إدراك اللامحدود واللامتناهي في وجوده وعظمته، فلا يمكن معها التوصّل إلى قانونه المنظِّم لشؤونهم مباشرة وبلا واسطة.

السادسة: لا بدّ أن يخصّ الله (سبحانه) أفضل عباده وأخلصهم بمهمّة حمل أمانة هذا القانون، وإيصاله للناس بتأييد المعجزات؛ لكي يصل لطف الله تعالى إلى عباده، وتسعهم رحمته بسفارة أنبيائه إليهم[29].

وفي ضوء الرؤية القرآنية يمكن التدرّج مع الآيات الكريمة لبيان تلك المقدّمات المنتِجة لضرورة النبوّة في حياة الإنسانية، فقد أفصح القرآن الكريم عن حقيقة تأريخية كانت بمنزلة العلّة لبعثة الأنبياء، وهي سُنّة الاختلاف بين الناس، ووقوع النزاع بينهم حال اجتماعهم، وهو ما نقرأه في قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ...) [30].

فهنا اختلافان: يخصّ الأوّل أُمور الدنيا (فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) قبل البعثة، ويتعلّق الثاني بمبدأ أُمور الدين والنبوّة (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) بعد البعثة[31]، وكانت الحاجة لبعثة أنبياء من جنس البشر، وليس من غيره من ملائكة أو جن؛ لأجل حصول التماهي، ورفع الغرابة والتردّد من معاشرة غير البشر، وكان من خصوصية النبيّ هو تحمّله الوحي الإلهي، وتلقّيه الشريعة المنظِّمة لحياة الناس، فلا يمكن إدراك الحقائق الإلهية إلّا من خلال طرق ثلاثة قد بيّنها الذكر الحكيم في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)[32].

إنّ من أعظم دلائل صدق دعوة الأنبياء في أقوامهم هي المعاجز والكرامات الخارقة لما اعتاد فعله البشر، فلكلّ رسول أو نبيّ معجزة خاصّة به تناسب ما اشتُهر به أهل زمانه من علم أو عمل، ومن دلائل صدق الأنبياء وحدة دعوتهم إلى التوحيد الإلهي، مع اختلاف أزمنتهم وأماكنهم، وهذا ما يمنع العقل من الحكم بتواطئهم على وحدة المدّعى، واتّفاقهم عليه، وأنّ مصدر دعوتهم واحدة من لدن الواحد الأحد (جلّ جلاله).

إنّ أهمّ دلائل صدق نبيّنا الخاتم(صلى الله عليه واله) هي معجزة القرآن الكريم، الذي تحدّى جميع البلغاء والعلماء بالإتيان بسورة من مثله، محكمة في بيانها، عميقة في دلالتها، وهذه المعجزة قد دلّت أيضاً على صدق جميع الأنبياء والمرسلين الذين سبقوا نبيّنا الأكرم(صلى الله عليه واله)، حيث وثّقت سيرتهم العطرة بقصص الحقّ ومقارعة المستكبرين.

وإذا صحّت نبوّة نبيّنا الخاتم(صلى الله عليه واله) عقلاً صحّت عقيدة التوحيد الإسلامية، ورجُحت على سائر الأديان السماوية، وإنّ سعادة الدارين والنجاة تكمنان في سلوك سبيل الإسلام لا في سواه[33].

مقصد إثبات الخلافة

إنّ هذا الحرم هو حرم وريث بيت النبوّة، وسليل آل رسالة الله تعالى، من لدُن الأب آدم(عليه السلام) إلى الخاتم محمد(صلى الله عليه واله)، وهذا ما يتجلّى في مقدّمة نصّ زيارة وارث المروية عن المعصوم في حقّه(عليه السلام): «ظ±لسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ، ظ±لسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، ظ±لسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، ظ±لسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَىظ° كَلِيمِ اللهِ، ظ±لسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَىظ° رُوحِ اللهِ، ظ±لسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ»[34]، فحركة الثورة الحسينية تنطلق من حركة الأنبياء والمرسلين، وتستمدّ فكرها من وحي عقيدتها نصرةً لرسالتها.

فأصل معنى الإرث لغة هو الميراث‌ المادّي، يَثبتُ حقيقةً بالتبادر الذهني،‌ وهو انتقال‌ التركة للورثة، وهو بذلك يصدق‌ ‌في‌ الأعيان المادّية، ويُستخدم مجازاً في المجد وغيره‌[35]، فإذا استُخدم ‌في‌ العلم‌ ‌كان معناه‌ مجازياً، كالاستعارة في المشهور‌: «العلماء ورثة الأنبياء»[36]، وأمّا معنى الإرث الأعم من الحقيقة والمجاز فيما يتعلّق بما ترك الأنبياء من إرث لأوصيائهم بوجه خاصّ، كما ورد في الشاهد القرآني للتوريث بين أنبياء بني إسرائيل في قوله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)[37]، والشاهد الآخر حكاية عن النبيّ زكريا(عليه السلام) في قوله تعالى: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا)*(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)[38]، فقد اختلف فيه علماء جمهور المسلمين فيما بينهم، فالبعض رأى أنّ المراد من الإرث هو إرث المال، معلّلاً ذلك بأنّ النبوّة عطية مبتدأة ولا تُورث[39]، وتمسّك الأغلب منهم بمعنى المُلك السياسي والخلافة، وذهب الإمامية إلى الجمع بينهما، مع اتفاقهم على أنّ النبوّة لا تُورّث، إنّما هي جعل إلهي.

إنّ أكثر مفسّري جمهور المسلمين يرون أنّ معنى الإرث هو المُلك الذي اختصّ به خليفته دون المال، إذ ورث النبيُّ سليمان(عليه السلام) مقام المُلك خاصّة من أبيه داوود(عليه السلام) من بين تسعة عشر ولداً، وكان داوود أكثر تعبّداً لربّه، وسليمان أحكم قضاءً، وأكثر شُكراً[40]، فلا مانع هنا من الجمع بين المال والملك، مع بيان أهمّية الملك، ولا حجّة لهم في حصر الإرث بالمُلك دون المال سوى ادّعاء وحدة السياق تأويلاً، وخبر آحاد لا يصلح به التخصيص لما ثبت عمومه بالدليل القطعي، أو القول بالنسخ لشريعة من قبلنا اجتهاداً، دون دليل واضح[41].

إنّ النبيّ زكريا(عليه السلام) لم يقصد في قوله: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) معنى توريث ولده يحيى(عليه السلام) المُلكَ، وهو لا مُلك له ولا حُكم وقتها، فكيف أُخِذَ ببعض القرآن تأويلاً وأُعرِضَ عن البعض الآخر، وهذا ما ورد الذمّ فيه صريحاً في كتاب الله المجيد في قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)[42]، وقوله(عز وجل): (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)[43].

إنّ اختلاف مفسّري العامة في حكم إرث أموال الأنبياء بين قلّةٍ مثبتة له، وبين كثرةٍ مُنكرة له بِلَيّ عُنق النصّ، مقتصرةً على توريث العلم والملك دون المال، دافعُه الانتصار لرأي عقيدتهم بالذي منع حقّ فاطمة الزهراء(عليها السلام) من إرث أبيها المختار(صلى الله عليه واله) بروايةٍ مختلقة، فقد صرّح أكابر مفسّريهم أنّ القول بوراثة مال الأنبياء ومُلكهم معاً هو الأسلم، ولا يُبطله سوى المروي «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»[44]، فلقد خالف قناعته المنبثقة عن علم ودراية بخبر آحاد لا يصلح أن يخصّص به عموم القرآن، ولا ينسخه؛ بسبب تعصّبه لمذهبه، بدلَ التجرُّد وعدم الانحياز في منهج بحثه العلمي.


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس
قديم 27-03-2023, 09:59 AM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي


إنّ خلاصة القول، وما يمكن أن يجده المتأمّل فيما تقرّر من تفسير الآية، ما ذكره الشيخ الطوسي: «واختلفوا فيما وَرِثَ منه، فقال أصحابنا: إنّه وَرِثَ المالَ والحكمَ، وقال مخالفونا: إنّه ورث الحكم، لقوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث مالاً... وهو خبر آحاد لا يُخصّص عموماً قد ثبت»[45]، أي: إنّ الإرث والتوارث بين الآباء والأبناء عموماً ثابت بدليل قطعيّ بلا استثناء للأنبياء بدليل معتبر، سوى خبر واحد لا يصلح لتخصيص أخبار متواترة؛ لسقوطه عن الاعتبار الشرعي عند جميع فقهاء الإسلام، ولا ينسخ حُكماً ثابتاً في الإسلام، فقد تسالموا على رفض خبر الآحاد المعارض للنصّ القرآني الصريح، وما تواتر من الأخبار المعتبرة، وإن كان صحيحاً في سنده، فضلاً عن كونه ضعيفاً.

إنّ آيات توريث الأنبياء مطلقة غير مقيّدة، وإنّ الإرث المقصود في الآية المباركة هو إرث المال والملك، وأمّا وراثة النبوّة والعلم فقد يرد إشكال بثبوتهما، خصوصاً بين الأنبياء، وهو أنّ النبوّة لا تقبل الوراثة؛ لأنّها بالتعيين الإلهي لا بالانتقال، والعلم يقبل الانتقال إن كان فكرياً بالاكتساب، والعلم الذي يختصّ به الأنبياء والرسل حضوري، فهو كرامة إلهيّة بالإلهام والهبة، وليس من جنس ما يُكتسب بالفكر، فغير النبيّ كالوصيّ قد يرث العلم من النبيّ لكنّ النبيّ لا يرث علمه من نبيّ آخر، ولا من غير نبيّ[46]، والثابت تاريخياً أنّ نبيّ الله سليمان(عليه السلام)، إذ ورث مقام الملك من أبيه داوود(عليه السلام) من بين تسعة عشر ولداً، وكان داوود أكثر تعبّداً لربّه، وسليمان أحكم قضاءً، وأكثر شكراً[47]، فكان سليمان أعلم في مسائل القضاء والحكم بين الناس، وهو ما نقرأه في القرآن الكريم صراحة: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)[48]، حيث كان حكم النبيّ سليمان أصوب، وملكه أوسع.

وهنا يمكن القول: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) بصفته الوصيّ قد ورث العلم والحكم من جدّه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله)، فأمّا العلم فيكون بالوراثة، بصفته الوصي، أو بالتلقين الخاصّ من لدُن جدّه الخاتم(صلى الله عليه واله) الذي كان يزقّ أهل بيته العلم زقّاً، فقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) قوله: «إنّ الله جمع لمحمّد(صلى الله عليه واله) علم النبيّين بأسره، وإنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين(عليه السلام)»[49]. وأمّا الحكم والخلافة، فقد ثبتا بالوصية المتعيّنة بالأمر الإلهي، بجعله(عليه السلام) حجّة الله على الخلق، فولايته ثابتة بأمر الله تعالى الذي خصّ ذرّية النبيّ إبراهيم(عليه السلام) بالإمامة، وجعلها في الصالحين من ذرّيته دون الظالمين، كما قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [50].

إنّ ما يهمّ الزائر في معنى الإرث هو علمه أنّ صاحب المرقد هو الوصي، والوارث الحقيقي لمقام الحكم، وخلافة جدّه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله) وسائر الأنبياء الآخرين(عليهم السلام)، وعليه فمَن اعتقد بسموّ مقام خلافة هذا الإمام في زيارته التزم عقائدياً بثبوت نبوّة جميع الأنبياء والمرسلين، وأنّه(عليه السلام) وسائر الأئمّة الآخرين(عليهم السلام) ورثوا علم أُولي العزم من الرسل وجميع الأنبياء، وأنّهم أُمناء الله في أرضه، وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب[51].

إنّ تحمّل ثقل مهام النبوّة بصفة الخلافة الشرعية يقتضي لياقة بدنية، وسعة في العلم، ورحابة صدر، وسموَّاً روحيّاً يتناسب وتلك المهام الجسام والخطيرة، فلقد تعرّض الأنبياء والمرسلون لكثير من المخاطر في مسيرتهم الإصلاحية، وكادت تؤدّي بهم إلى القتل، أو أدّت ببعضهم إليه، كالنبيّ يحيى الشهيد(عليه السلام)، فتلك الخلافة لا يتحمّل مهامها الجسام إلّا مَن كان قد تربّى في حجر النبوّة ورضع من ثدي الإيمان، وتغذّى من كفّ جدّه الأكرم.

لقد كان الإمام الحسين(عليه السلام) من أهل بيت النبي(صلى الله عليه واله) حقّاً بالنسب، وبسبب الاتّباع المحض لشريعة الإسلام، والانصهار في بوتقته، فالزائر يشهد بكلّ فخر في سلامه أنّ هذا الإمام هو بضعة من نبيّه الأكرم، وصفوته وحبيبه، فيخاطبه في زيارته قائلاً: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ النبوّة، وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفَ المَلَائِكَةِ، وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ... وَسُلَالَةَ النَّبِيِّينَ، وَصَفْوَةَ الْمرْسَلِينَ، وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ»[52]، أي: إنّ النبيّ(صلى الله عليه واله) منكم، والرسالة نزلت في بيوتكم، فأنتم أعلم بما أُرسل إليه(صلى الله عليه واله)، فإنّ أهل البيت(عليهم السلام) أعرف بما فيه؛ إذ كان النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله) ينفرد بأهل بيته، وهم: الإمام علي، وفاطمة، والحسن والحسين(عليهم السلام)؛ ليهبهم علوماً جمّة[53].

فلقد اقتضت سنّة الله تعالى بحكمته أن يكون أُمناء شرعه وخلفاء أنبيائه على الأُمّة من ذرّيتهم، وكان تكليفهم هو حفظ بيضة الدين، وتسليتهم بما أخبرهم به جدّهم الأعظم(صلى الله عليه واله) الناطق عن وحي السماء من المزايا والمصالح، ولولا التوطين على التضحية لذهب الدين أدراج المنكرات والأضاليل، ولا سبيل إلى معارضتهم فيما أطلعهم الله عليه من السرّ المكنون وعرّفهم تلك الأهمّية الملحوظة لديه (عزّ شأنه)، بل نؤمن بشرعية مواقفهم، وحكمة تضحياتهم، ونسلّم بكلّ ما صدر عنهم تسليماً[54].

لقد ورث الإمام الحسين(عليه السلام) من النبيّ آدم(عليه السلام) الاصطفاء الإلهي لحمل أمانة إحياء الدين بعد أن حاول آل أُميّة طمس آثاره، وهو ما سطّرته الزيارة في نصّها الوارد بقول: «السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله»، وصفوة الله: خيرة الله، أي: مصطفاه ومختاره من خلقه، وفي بعض الأخبار سُمِّي الصفا صفا؛ لأنّ المصطفى آدم(عليه السلام) هبط عليه، فقطع للجبل اسم من أسماء آدم[55]، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) مصداقاً لقوله تعـالى: (إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[56]، فهـو(عليه السلام) الصفوة الباقية من آل إبراهيم، وآخر أصحاب الكساء الخمسة(عليهم السلام)، وقد ورث(عليه السلام) حمل رسالة الدعوة النبوية بعزم واقتدار، كما تصدّى لحملها من قبلُ نبيّ الله نوح(عليه السلام)، كما ورد في الزيارة «السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله»، وهو أوّل أُولي العزم من الرسل، وثاني أب للبشرية بعد حدوث الطوفان العظيم، وكان له مقام عظيم عند الله، ووجاهة كبيرة ورثها منه الإمام الحسين(عليه السلام)، بحيث صار منهجه(عليه السلام) كسفينة نوح، ينجو مَن ركبها، ويهلك مَن تخلّف عنها، وهو ما صرّح به(عليه السلام) في قوله: «مَن لَحِقَ بي منكم استُشهد، ومَن تخلَّف عنّا لم يبلغ مبلغ الفتح»[57].

ثمّ تصل النوبة إلى مستوى عالٍ في مقام الوراثة، حين تنصّ الزيارة على: «السلام على وارث إبراهيم خليل الله»، والخليل: من الخُلَّة، وهي المودّة البالغة في الإخلاص والصداقة، وتعني النبوّة الخاصّة، أو الفقير إلى الله والمحتاج إليه، أو عبداً مصطفى له، وكثير الخلوص والمودّة لله تعالى[58]، فلقد اجتاز الخليل(عليه السلام) جميع الاختبارات الإلهية بنجاح وطمأنينة، وكان مقام الخُلَّة مقدّمة لتسنّم مقام الإمامة؛ والوراثة هنا تدلّ على عمق العلاقة بين الإمام الحسين(عليه السلام) وربّه (جلّ جلاله)، فهو(عليه السلام) الذي ضحّى بنفسه الزكية لأجل ديمومة دين الإسلام حين تقاعس أسياد الجمع عن معارضة طاغوت زمانهم، وكان جُلّ دعائه(عليه السلام) نيل رضا الله، والاحتباء بخُلَّته، كما ورد عنه(عليه السلام): «اللّهُمَّ، أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجائي في كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ»[59].

إنّ سُلّم الكمال الإلهي لا يقنع بمطلق التكامل في قاموس أهل بيت النبوّة(عليهم السلام)، بل يكون مطلقاً بلا حدٍّ لكمالهم، فقد ورث الإمام الحسين(عليه السلام) ـ مضافاً إلى الكمالات المتقدّمة ـ نبيّ الله موسى(عليه السلام) ما بلغه من كرامة التكليم الإلهي، كما ورد في الزيارة «السلام عليك يا وارث موسى كليم الله[60]»، فقد رُوي أنّه(عليه السلام) كان يناجي ربّه عند قبر جدّته خديجة(عليها السلام) بقوله:
يا ربِّ يا ربِّ أنت مولاه فارحم عُبيداً إليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي طوبى لـمَن كنت أنت مولاه
فنُودي:[61]
لبيك عبدي وأنت في كنفي وكلّما قلتَ قد علمناه
صوتُك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه
لقد حبا الله (سبحانه) الإمام الحسين(عليه السلام) منزلة عظيمة يغبطه عليها الأوّلون والآخرون، فكان(عليه السلام) هو الوارث لكرامة أنبيائه ورسله بعد أن أخلص في عبادته وجهاده، ومن هذه الكرامات وراثته للنبيّ عيسى(عليه السلام)، كما ورد في الزيارة «السلام عليك يا وارث عيسى روح الله»، ومعنى الروح أنّه(عليه السلام) كان مُظهِراً للروح الشريفة التي نفخها فيه، أو أنّه مظهر آثار صفات الله وعجيب صنعه في خلقه، أو أنّه مظهر للروح الأعظم (روح القُدس)، الذي كان يتجلّى لأنبيائه بصورته، ولمحمّد وآله بحقيقته[62]، وهذه المنزلة والكرامة لم تكن لتأتي لولا جهاده(عليه السلام) وتضحيته بنفسه وأهل بيته وصحبه في سبيل ديمومة الدين الإسلامي.



ثمّ كانت وراثة جدّه الخاتم(عليه السلام) مسك ختام وراثة جميع الأنبياء والمرسلين، فهو(صلى الله عليه واله) حبيب الله، وخالصته من خلقه، والمخصوص بسلام الله وصلاته، وامتثالاً لإرادته(عز وجل) يكون السلام على وريثه بمنطق «السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله»، فكمالات جميع الأنبياء قد ورثها وصي المختار حقّاً، فهو(عليه السلام) جامع لجميع الكمالات الروحية والجسدية، عدا النبوّة المستعاضة بالولاية والخلافة لخليفة الله في أرضه، وحجّته على عباده[63]، فالخلافة أمرها خطير يكمُن في دورها الريادي الضامن لديمومة الدين الإسلامي، موحِّداً الأُمّة بكلمةٍ سواء، لا طائفية فيها ولا مذهبية، بل كلمة التوحيد ووحدة الكلمة هي السائدة في ساحة فكر المسلمين.

إذاً؛ ينبغي للمؤمن الزائر أن يعترف بفضل أئمّة الهدى من الأوصياء(عليهم السلام)، والاقتداء بسيرتهم، معلناً ولاءه لهم بكلّ ودّ ومحبّة، وراضياً بقضاء الله وقدره فيهم بتسليم وإذعان، فيخاطبهم في زيارته قائلاً: «وَبِمُوَالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطَّاعَةُ الْمفْتَرَضَةُ، وَلَكُمُ المودّة الْوَاجِبَةُ، وَالدَّرَجَاتُ الرَّفِيعَةُ، وَالْمقَامُ الْمحْمُودُ، وَالْمكانُ الْمعْلُومُ عِنْدَ الله(عز وجل)»[64].

فإنّ النعم الحقيقية من العلوم والكمالات رشُحت منهم إلى الأُمّة، والنعم الظاهرة نزلت بسببهم، فهم أولياء كلّ نعمة من نعم الله تعالى على العباد، كما روي في الأخبار المتواترة، أنّ بهم تُنزِل السماء المطر، وبهم تُنبت الأرض بركاتها، وإنّه لم يُعرف ولا يُعرف الإيمان إلّا منهم، ولا يحصل بدون ولايتهم، وهذا يدلّ ـ مضافاً إلى آية التطهير ـ على عصمتهم؛ وذلك لأنّه يقبح من الحكيم الأمر بإطاعة غير المعصوم؛ للزوم التغرير، وتوريط العباد بالمخالفة؛ ومن هنا يكون الرادّ عليهم في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله.
​


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس
قديم 27-03-2023, 10:00 AM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

المطلب الثالث: تجلّي عقيدة المعاد الأُخروي

إنّ العدل والإنصاف من أهمّ أُسس التعامل بين الناس في الإسلام، قال تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)[65]، فلا تسود بلاد ولا تتقدّم، ولا تقوم حضارة أو تخلُد من دون تفشّي العدل والمساواة، وقد أكّد البيان القرآني هذه الدعامة بقوله تعالى: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[66]، فحتّى إذا ضاعت حقوق العباد لفترة، وساد الظالمون، وسُحِقَ المظلومون لحقبة من الزمن، فإنّ من صفات الله الحسنى هو العدل، فلا يظلم أحداً، ويُجازي الظالمين، ويُنصف المظلومين، ولو بعد حين، في يوم لا مفرّ منه، يرجع فيه الحقّ إلى نصابه، وهذا اليوم إمّا أن يكون مقيّداً قبل نهاية الدنيا بقيام دولة الحقّ الإلهي، وإمّا مطلقاً في الآخرة بعد الموت، حيث الحساب الأكبر في يوم القيامة، قال تعالى: (...وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)[67]، وهو يوم الوفاء والحصاد من مزرعة الدنيا، الذي ورد فيه قوله تعالى: (فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [68].

إنّ من دواعي المعاد الأُخروي هو تطبيق مبدأ العدل الإلهي بين الناس في الآخرة بعد رحلة الدنيا الفانية، وهذا الإيمان يمنحنا السعادة في هذه الدنيا؛ وذلك لأنّه يوقفنا على نتائج أعمالنا وأقوالنا، صغيرها وكبيرها، فهي لا تندثر آثارها في الحياة الدنيا، بل تبقى موثّقة لتحتسب في ميزان يوم الآخرة بحسب نظرية تجسّم الأعمال وخلقها، وأنّها سوف تكون أساس سعادة المؤمنين وشقاء الكافرين في تلك الحياة؛ ومن هنا أكّد القرآن الكريم أنّ الإيمان باليوم الآخر أمرٌ ضروري ولازم لسعادة البشر[69].

تستند عقيدة المعاد إلى الاعتقاد بالمبدأ وأصل التوحيد الإلهي أوّلاً، ثمّ الاعتقاد بأصل النبوّة ولازمها الخلافة أو الإمامة ثانياً، فلا يمكن للعقل بذاته الاستدلال على جزئيات عالم الآخرة وحقيقة المعاد من دون الرجوع إلى الثقلين؛ لأنّ العقل حبيس الحواس الخمس التي تتوسّط في حصول المعارف لدى العقل، والحواس محدودة في قدرة إدراكها بعالم الدنيا ضمن إطار المادّة، فلا يمكنها إدراك ما وراء الطبيعة من المجرّدات، فيقتصر دور العقل الاستدلالي على قراءة النصوص المقدّسة وتحليلها لمعرفة جزئيات عالم الآخرة.

إنّ أثر التديّن يستبين بالتوحيد والنبوّة، وهذا الأثر قد يندثر بالغفلة عن لقاء الله تعالى ونسيان الحساب، كما يظهر باستحضار المعاد ودوام تذكّره[70]. إذاً؛ يرتبط الأثر الديني بعقيدة المعاد ارتباطاً وثيقاً، فلا نفع للدين مع إنكار المعاد، وإن اعتقد المرء بأصلي التوحيد والنبوّة وغيرهما من المعارف الإسلامية.

لقد اتّفق جمهور علماء الإسلام على حقيقة مظلومية الإمام الحسين(عليه السلام) الذي لم يخرج في نهضته الكبرى طلباً لدنيا أو منصب، إنّما كانت الغاية من خروجه هي رفض تولّي مثل الفاسق يزيد لمنصب إلهيّ لا يتناسب مع حاله جملة وتفصيلاً، مع أنّ البيعة لا تكون إلّا عن طواعية واختيار، لا بالقوة وعن إكراه وإجبار في حال شرعية ولاية الخليفة.

فالإمام الحسين(عليه السلام) لم يناجز جيش يزيد الحرب، بل طلب منهم أن يتركوه وشأنه يذهب إلى بلاد الله الواسعة، بعيداً عن بيعة سلطانهم الظالم، مع ما له(عليه السلام) من مكانة عظيمة في الإسلام، ومنزلة خاصّة عند رسول الله(صلى الله عليه واله)، فقد حباه الله تعالى بالولاية، واجتباه للخلافة، وجعله حجّة على عباده، فقدّم(عليه السلام) لأعدائه النصح، وألقى عليهم الحجّة البالغة، ما يمنعهم عن التورّط بسفك دمه الطاهر، وهو ما ذكرته نصوص الزيارة الواردة عن المعصوم بقوله: «وَأَعْطَيْتَهُ مَوارِيثَ الأَنْبِياءِ، وَجَعَلْتَهُ حجّة على خَلْقِكَ مِنَ الأَوْصِياء، فَأَعْذَرَ فِي الدُّعاءِ، وَمَنَحَ النَّصِيحَةَ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ، حَتّى اسْتَنْقَذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ»[71]، فلقد انطلق الإمام الحسين(عليه السلام) من موقع مسؤوليته في هداية الأنام، فأعذر إنذاراً، ونصح جهاراً، ولكنّهم أبوا إلّا عدواناً وظلماً، بل وأصرّوا على أن يتخلّى الإمام الحسين عن مبدأه مبايعاً الطاغية، أو يقتلوه وأهل بيته وأصحابه عتوّاً وطغياناً؛ تجاهلاً لمقامه ونسبه الشريف، وإنكاراً ليوم المعاد، واستخفافاً بالحساب والعقاب.

إنّ المؤمن بحقيقة تلك الظلامة يقف متوجّهاً في زيارته لمرقد الإمام الحسين(عليه السلام)، مقرّاً بمنزلته، ومتألماً لمصابه، مخاطباً حضرته بمفردات تدلّ على هذا المعنى فيقول: «لَقَدْ عَظُمَتِ ظ±لرَّزِيَّةُ، وَجَلَّتِ الْمصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَىظ° جَمِيعِ أَهْلِ ظ±لسَّمظ°وَاتِ وَظ±لأَرْضِ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتَالِكَ...»[72]، فإيمان المؤمن بمبدأ المعاد والحساب الأُخروي من أهمّ عوامل تسلية النفس عن جمرة مصابها بإمامها وأهل بيته وأصحابه الكرام، فتراه يكثّف دعاءه وطلبه من الله تعالى متضرّعاً أن ينتقم من تلك الزمرة الظالمة والمجرمة بحقّ أهل بيت النبوّة، ويطلب لعن تلك العصابة التي سفكت تلك الدماء الطاهرة، وطردها من رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، بإذاقتهم العذاب المقيم خالدين فيها، وهو ما نقرأه في زيارة ليالي القدر المباركة: «لَعَنَ اللهُ الظّالِمينَ لَكُمْ مِنَ الْأوَّلينَ وَالآخِرينَ، وَضاعَفَ عَلَيْهِمُ الْعَذابَ الْأليمَ»[73]، فهذه الدعوات تكشف عن رسوخ الاعتقاد بالمعاد، والإيمان بيوم الحساب، ولولا هذا الاعتقاد لكان تلفّظ هذه العبارة إمّا لغواً، وإمّا لا موجب عقلي أو داعي شرعي للنطق به من الأساس، فمَن اقترف هذه الجريمة الكبرى وأحدث تلك الرزية العظمى هم ممّن استولى الشيطان على قلبه، وامتلأ قلبه من حبّ الدنيا وزخرفها، ممّا أنساه عذاب الآخرة وجحيمها، وهو ما يتأمّله الزائر حين يقرأ هذا النصّ من الزيارة: «وقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا، وَباعَ حَظَّهُ بِالأرْذَلِ الأدْنى، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الأوْكَسِ، وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّى فِي هَواهُ، وَأَسْخَطَكَ وَأَسْخَطَ نَبِيَّكَ، وَأَطاعَ مِنْ عِبادِكَ أَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ، وَحَمَلَةَ الأوْزارِ المُسْتَوْجِبِينَ النَّار»[74].

إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) منح الناس والمؤمنين النصح، سواء في السرّ أم في العلانية، كما ورد في الزيارة الجامعة: «ونصحتم له في السرِّ والعلانية»[75]، والمراد بالسرّ : النّصح الخاص الذي ينفرد بأصحابه من دون إعلام الغير، والهداية بما فيه تزكية النفس وتهذيبها في سبيل الله تعالى، والمراد بالعلانية: معاملته مع الناس باعترافهم بالعبودية له تعالى، وتعليمهم سبيل عبوديته، فهو(عليه السلام) فيما يتعلّق بهذا النوع من النُّصح أرشدهم ونصحهم إلى عبودية الله تعالى، وشرائع دينه، وحثّهم على نفي الأنداد والشرك في مواقف وخطب كثيرة؛ لكي ينقذهم من دخول النار وينجيهم من استحقاق العذاب الأليم، راجياً هدايتهم وتحريضهم على طاعة الله(عز وجل) وطاعة رسوله(صلى الله عليه واله)، حتّى اللحظات الأخيرة من حياته(عليه السلام)[76].

كما نجد أنّ المؤمن في مواطن أُخرى من الزيارة يدعو ربّه أن يرزقه صحبة هذه الثلّة الطيبة في دار الآخرة، في ذلك المقام الكريم عنده (جلّ وعلا)، حيث لا عين رأت ولا أُذن سمعت بذلك النعيم المقيم، وقد ورد هذا الدعاء في الزيارة يوم عاشوراء: «وَأَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي ظ±لدُّنْيَا وَظ±لآخِرَةِ... وَأنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ»[77]، فكما كان المؤمن معهم متشبّهاً بأخلاقه وعقيدته في دار الدنيا يرجو أن يكون معهم وتتجسّم أعماله بأبهى صور الخير في الآخرة، والمؤمن على يقين تام بأنّ هذا الإمام هو السبب في هدايته واستقامته وفي جميع ما يناله ـ بفضل ولائه ـ من خير في الآخرة؛ فلذا يواصل هذا الزائر دعاءه لإمامه بالخير والرفعة، ويدعو على أعدائه بالانتقام والعذاب الأليم، فيقول: «اللّهمَّ فأجزه خير جزاء الصادقين الأبرار... ولقاتليه العقاب، فقد قاتل كريماً، وقُتِلَ مظلوماً، ومضى مرحوماً... وارفعه من شرف رحمتك في شرف المقرَّبين»[78].

وثأر الإمام الحسين(عليه السلام) قد تكفّل به الله تعالى، وأوكله إلى خليفته والقائم بأمره، وهو الحجّة بن الحسن المهدي(عجل الله فرجه الشريف)؛ ولذا نجد أنّ نصوص زيارة وارث اشتملت على لقب ثأر الله وابن ثأره، فقد ورد فيها: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَظ±بْنَ ثَارِهِ، وَالْوِتْرَ المَوْتُورَ»[79]، فالثأر هنا بمعنى الدم، ومع نسبته للمولى(عز وجل) يُعطي مفاد اختصاص الثأر لدمه الشريف بالله تعالى، وأنّ مَن سفك دمه الطاهر كأنّما هزّ عرش الله سبحانه. إنّ معنى (ثأر) لغةً هو: الطلب بدم المقتول[80]، وقد دلّت الروايات المعتبرة على أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو (ثأر الله في الأرض)، وقد دعا الله(عز وجل) الخلق إلى الأخذ بثأر الإمام الحسين(عليه السلام)، فإنّه هو المنتقم لهذا الدم[81].

وفي دراسة معاصرة يُربَط فيها بين ثأر الله ومفهوم الثورة، ذكر كاتبها أنّ مفهوم (الثورة) و(الثأر) و(الوراثة) هي قصّة بداية التاريخ، يعني أنّ الثأر الأوّل (هابيل)، وفي آخر الزمان بتحقّق الثأر والانتقام العالمي على يد المصلح الأكبر، وهذا ما يُفسِّر (فلسفة تاريخ الإسلام) بالمنظور الشيعي[82]، وأنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو الوارث لهذا الدم الشريف، فهو بتضحيته يكون سبباً في خلاص الشعوب من الظلم والاستبداد على يد حفيده القائم(عجل الله فرجه الشريف)، ويتمّ هذا الأمر ضمن منظور حتمية انتصار دم المظلوم على سيف الظالم، وإن كانت للظالم جولة فيكون للحقّ دولة.

الخاتمة

ظهر ممّا تقدّم أنّ أهمّ تجلّ عقديّ يظهر من نصوص الزيارة الحسينية هو انجلاء عقيدة التوحيد الإلهي بأروع صورها وأخلصها نصاعة، فالمتأمّل في نصوصها بعقل واعٍ يجد تطابقاً مع ما قرّرته العقيدة الإسلامية من أصل التوحيد وصفات الذات المقدّسة؛ وهذا إنّما يدلّ على صحّة صدورها، وأنّها مدرسة عقدية غايتها التوحيد، وهداية الناس إلى صراط مستقيم.

ثمّ إنّ ثبوت تحقّق هذا الأصل العقدي الأصيل يمهّد لإثبات بقيّة أُصول الدين الإسلامي: كالعدل الإلهي، والنبوّة المحمدية الخاتمة وملازمتها الإمامة والخلافة الحقّة في الأرض، والمعاد يوم القيامة. وقد تمّ التطرّق في هذا المقال إلى أصل النبوّة وما يلازمها، مع بيان أنّ هذا الأصل قد شغل مساحة كبيرة من نصوص الزيارة الحسينية، وكانت له أهمّية كبيرة تناظر أهمّية ذكر عقيدة التوحيد، كما دلّت تلك النصوص أيضاً على ضرورة الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من خلال خصّهم بالسلام تارة، وتارة بالإشارة إلى وراثة الإمام الحسين(عليه السلام) المعنوية لمقامهم القربي من الله تعالى، وقيادتهم للناس، وخلافتهم في الأرض بأمر الله تعالى.

وتمّ التطرّق ـ أيضاً ـ إلى إثبات حقيقة المعاد والحساب الأُخروي الأكبر، وما يسبقه من عقيدة الرجعة والاقتصاص من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، وممّن رضي بفعلهم، وناصب شيعته العداوة والبغضاء؛ لأجل تحقيق حلم الأنبياء والمرسلين بقيام دولة الحقّ المطلق التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تُملأ ظلماً وجوراً.

ثمّ ختمت دلالة الزيارة على هذا الأصل بتجلّيات عظيمة، أشارت إلى ثمرة الإيمان، ومهجة الاعتقاد بالله تعالى، وحقيقة أنبيائه التي تتمثّل في عقيدة المعاد الذي هو تطبيق مبدأ العدل الإلهي بين الناس في الآخرة، وضرورة تذكّرها من خلال الانتقام من قاتلي الإمام الحسين(عليه السلام) بأنواع العذاب الأليم، والتضرّع إلى الله تعالى أن يحشر الزائر مع الصالحين في جنات النعيم بشفاعة أوليائه المنتجبين.

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على نبيّه الأكرم وآله الطاهرين.


{ الشيخ حيدر العريضي - باحث إسلامي، من العراق
من مؤوسسة وارث الانبياء

​


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس
قديم 27-03-2023, 10:02 AM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي

المراجع والمصادر

* القرآن الكريم.
بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي (ت1111هـ)، تحقيق: السيّد إبراهيم الميانجي ومحمد الباقر البهبودي، مؤسّسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ.
بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفّار (ت290هـ)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم المقدّسة ـ إيران، 1404هـ.
التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.
التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، محمد بن عمر المعروف بالفخر الرازي (ت606هـ)، دار الفكر للطباعة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1401هـ.
جامع أحاديث الشيعة، حسين البروجردي (ت1383هـ)، طُبع في المطبعة العلمية، قم المقدّسة ـ إيران، 1399هـ.
جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث، الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني (ت1340هـ)، تحقيق: نزار الحسن، نشر: شبكة رافد للتنمية الثقافية، قم المقدّسة ـ إيران.
الحسين وارث آدم، علي شريعتي، ترجمة ودراسة وتعليق: إبراهيم دسوقي شتا، مؤسّسة الأمير للثقافة والعلوم، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1428هـ/2007م.
شرح أُصول الكافي، محمد صالح المازندراني (ت1081هـ)، ضبط وتصحيح: السيّد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1421هـ.
شرح الزيارة الجامعة الكبيرة، محمد تقي المجلسي (ت1070هـ)، تحقيق: أحمد الأحسائي، دار الكرامة للطباعة والنشر، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، ظ،ظ¤ظ£ظ£هـ/ظ¢ظ*ظ،ظ،م.
العدل الإلهي، مرتضى مطهّري (ت1400هـ)، ترجمة: محمد الخاقاني، شبكة الفكر الإسلامي.
الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (ت1392هـ)، دار إحياء الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، 1387هـ/1967م.
كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175هـ)، تصحيح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، قم المقدّسة ـ إيران، 1410هـ.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر الزمخشري (ت538هـ)، تحقيق: عادل أحمد وآخرون، مكتبة العبيكان، الرياض ـ السعودية، الطبعة الأُولى، 1418هـ.
لسان العرب، محمد بن مكرم الإفريقي المصري المعروف بابن منظور (ت711هـ)، نشر أدب الحوزة، قم المقدّسة ـ إيران، 1405هـ.
مجمع البحرين، فخر الدين بن محمد النجفي الطريحي (ت1085هـ)، تحقيق: أحمد الحسيني، مؤسّسة التاريخ العربي للطباعة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1428هـ.
مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت548هـ)، دار المرتضى للطباعة، الطبعة الأُولى، بيروت ـ لبنان، 1427هـ.
المزار الكبير، محمد بن جعفر المشهدي (ت610هـ)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1419هـ.
المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ)، دار الكتب العلمية.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي (ت241هـ)، دار صادر، بيروت ـ لبنان.
مفاتيح الجنان، عباس القمّي (ت1359هـ)، تعريب: السيّد محمد رضا النوري النجفي، منشورات مكتبة العزيزي، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1385ش/2006م.
مقتل الحسين(عليه السلام)، عبد الرزّاق المقرّم الموسوي (ت1391هـ)، منشورات الشريف الرضي.
الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمد حسين الطباطبائي (ت1402هـ)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1417هـ.
نبوّة محمد من الشك إلى اليقين، الدكتور فاضل صالح مهدي السامرائي، مكتبة القدس، بغداد، مكتبة البشائر، عمّان.
النبوّة، مرتضى مطهّري (ت1400هـ)، ترجمة: جواد علي كسّار، دار الحوراء للطباعة والنشر والتوزيع، مؤسّسة أُمّ القرى.
وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104هـ)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران.
[1] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج14، ص15.
[2] الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين: ج3، ص319.
[3] المصدر السابق: ص320.
[4] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج3، ص223.
[5] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص488 ـ 489.
[6] الأميني، عبد الحسين، الغدير: ج5، ص107.
[7] المصدر السابق.
[8] الأحزاب: آية23.
[9] الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج2، ص629.
[10] اُنظر: المصدر السابق.
[11] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج14، ص499.
[12] المازندراني، المولى محمد صالح، شرح أُصول الكافي: ج10، ص134.
[13] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص444.
[14] المصدر السابق: ص783.
[15] المصدر السابق: ص628.
[16] البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة: ج13، ص445.
[17] الحشر: آية3.
[18] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص80.
[19] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص784.
[20] المصدر السابق: ص785.
[21] المصدر السابق: ص630.
[22] المصدر السابق: ص666.
[23] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص629.
[24] المشهدي، محمد بن جعفر، المزار الكبير: ص496 ـ 497.
[25] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص786.
[26] عن الإمام الصادق والباقر(عليهما السلام) قالا: «والله، لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا حتّى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ*وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ*فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ». البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن: جظ£، صظ،ظ¨ظ§.
[27] اُنظر: الشريف الكاشاني، الملا حبيب الله، جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث: ص23 ـ 25.
[28] الأنبياء: آية73.
[29] اُنظر: مطهري، مرتضى، النبوّة: ص8 ـ 12. وأيضاً: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج2، ص142 ـ 143.
[30] البقرة: آية213.
[31] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج11، ص61.
[32] الشورى: آية51.
[33] اُنظر: السامرائي، فاضل، نبوّة محمد من الشكّ إلى اليقين: ص8 ـ 9.
[34] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص630.
[35] اُنظر: الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة: ج15، ص85. وأيضاً: الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، ص671، وغيرهما.
[36] الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن: ج8، ص82-83.
[37] النمل: آية16.
[38] مريم: آية5-6.
[39] الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب: ج24، ص186.
[40] اُنظر: الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشّاف، ج4، ص438، وغيره من أغلب مفسّري العامة.
[41] اُنظر: ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير: ج20، ص236.
[42] البقرة: آية85.
[43] آل عمران: آية7.
[44] اُنظر: الفخر الرازي، محمد بن عمر، تفسير مفاتيح الغيب: ج24، ص186.
[45] الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن: ج8، ص83.
[46] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن: ج15، ص349.
[47] اُنظر: الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشّاف: ج3، ص353. الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب: ج24، ص547.
[48] الأنبياء: آية79.
[49] الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص137.
[50] البقرة: آية124.
[51] اُنظر: الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص137 ـ 138.
[52] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص783.
[53] اُنظر: المجلسي، محمد تقي، شرح زيارة الجامعة الكبيرة: ص20 ـ 21.
[54] اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام) :ص55.
[55] اُنظر: الشريف الكاشاني، الملا حبيب، جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث: ص55.
[56] آل عمران: آية33.
[57] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص330.
[58] اُنظر، الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان: ج3، ص146.
[59] المقرّم، عبد الرزّاق، مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) :ص226.
[60] إنّ كونه تعالى متكلِّماً هو أنّه موجِد وخالق للحروف المسموعة المنتظمة في بعض الأجسام كالشجرة ونحوها. اُنظر: العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، الباب الحادي عشر: ص39.
[61] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص244. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص193. البحراني، عبد الله، العوالم (الإمام الحسين(عليه السلام):ص68.
[62] اُنظر: الشريف الكاشاني، الملّا حبيب الله، جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث: ص71.
[63] اُنظر: المصدر السابق: ص79 ـ 80.
[64] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص790.
[65] النساء: آية58.
[66] النحل: آية90.
[67] الجاثية: آية27.
[68] آل عمران: آية25.
[69] اُنظر: مطهّري، مرتضى، العدل الإلهي: ص245 ـ 247.
[70] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص48 ـ 49.
[71] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص655.
[72] المصدر السابق: ص631.
[73] المصدر السابق: ص651.
[74] المصدر السابق: ص682.
[75] المصدر السابق: ص785.
[76] اُنظر: تاج الدين، مهدي، النور المبين في شرح زيارة الأربعين: ص128 ـ 129.
[77] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص225.
[78] المصدر السابق: ج98، ص225.
[79] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص630.
[80] اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العغŒن: ج8، ص236. وأيضاً: الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج6، ص138.
[81] اُنظر: ابن قولوغŒه، جعفر بن محمد، کامل الزغŒارات: ص 218.
[82] اُنظر: شريعتي، علي، الحسين وارث آدم: ص237.


من مواضيع صدى المهدي » لماذا رحمة الله قريب وليس قريبة؟
» مصائد الشيطان وشباكه
» طريقة عمل اللازانيا باللحم وصوص البشاميل
» تأويلُ الدعاء الذي يُقرأ في التعقيبات وهو: "ما تردَّدتُ في شيءٍ أنا فاعلُه...
» كيف نفهم الكتاب ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟ وكيف هو آيات بيّنات؟
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
-عليه, الإمام, التجليات, الحسين, السلام, العقدية, زيارة

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعمال يوم عرفة وفضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام سيد فاضل قسم الادعيه والزيارات والأذكار 2 09-07-2022 11:05 AM
الوضوء لغسل زيارة الإمام الحسين عليه السلام سيد فاضل منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 4 08-10-2020 11:44 PM
أربعون رواية في فضل زيارة سيد الشهداء ::: الإمام الحسين ::: عليه السلام محبـــة إهل الـڪـسآء منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 8 26-11-2011 10:59 PM
ثواب زيارة الإمام الحسين عليه السلام ** خـادم العبـاس ** منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 6 13-08-2011 08:44 PM
زيارة السيدة رقية بنت الإمام الحسين عليه السلام خادم الباقرع منتدى أهل البيت (عليهم السلام) 1 06-04-2009 08:56 PM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين