قراءة في واقع الأديان السماوية عند ظهور الإمام المهدي (عجَّل
منتدى الامام الحجه (عجّل الله فرجه الشريف)اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً
قراءة في واقع الأديان السماوية عند ظهور الإمام المهدي (عجَّل
مرتضى علي الحلي
تمهيد: معنى الدين لغة: الدين لغةً: الطاعة، يقال دان له يدين ديناً(١). وأيضاً وردت هذه المادة (الدال والياء والنون) بمعنى - المجازاة، كما في قولهم: كما تدين تدان، معناها كما تجازي تجازى، أي تجازى بعملك وبحسب ما عملت(٢). وفي القرآن الكريم ورد يوم الدين بمعنى يوم الجزاء، وكذلك ورد الدين بمعنى الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ (آل عمران: ١٩). وإن استعمال لفظة (الدين) لغة يناظر وبقدر كبير المعنى الديني في أصوله المشتركة، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ (الشورى: ١٣). فالمقدار والمدلول الديني للفظة الدين المستظهر من مجموع الأديان السماوية واحد في أصوله المشتركة للإنسان جعلاً واعتقاداً وهداية، من الإيمان بالله تعالى وتوحيده وطاعته والغيب وأنبيائه وكتبه والمعاد. مفهوم الدين اصطلاحاً: لا يمكن حصر مفهوم الدين بتعريف واحد جامع مانع، وذلك لتعدد دلالاته اللفظية بعدد الجهات التي استهدفها في مختلف مفاصل حياة الإنسان والمجتمع وسوقه إلى الفضائل الأخلاقية والقيمية، بما يحرز معه إعمال الحق والنظام الصالح والعادل، من خلال الاهتداء بهدي الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام) والمصلحين والاقتداء بهم. وما يذكر تعريفاً له في الاصطلاح إنما هو من باب المثال وبيان المصداق، وإلّا فالدين مفهوم كلي قيمي، له حيثيات متعددة ومختلفة، وأغراض جمة. وقد أشار إلى هذا المعنى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل، حيث قال: (والدين في الاصطلاح: مجموعة العقائد والقواعد والآداب التي يستطيع الإنسان بها بلوغ السعادة في الدنيا، وأن يخطو في المسير الصحيح، من حيث التربية والأخلاق الفردية والجماعية)(٣). وكذلك ذكر السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان ما يمكن أن يعرف به الدين (وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا، يتضمن صلاح الدنيا، بما يوافق الكمال الأخروي، والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه، فلابد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الاحتياج)(٤). وإن الدين في ماهيته الاعتبارية القيمية يتوافر على مقومات ذاتية وغائية، من حيث الجعل والتقنين والدعوة والتطبيق والاتباع والاسترشاد والاهتداء وما شابه. ومن أهم مقوماته البنيوية أن جاعله وواضعه الله سبحانه وتعالى، وهذا ما أكده القرآن الكريم مراراً وتكراراً في سوره الشريفة، وذلك بإضافة نسبة الدين إلى الله تعالى كما في الآيات التي تصدَّرت البحث. وقد أقر بذلك علماء الاعتقاد والشريعة، حيث ذكر العلامة محمد تقي الآملي: (إن الدين وضع إلهي يتناول الفروع والأصول، وجامعه هو ما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم))(٥). وهذا الجعل الإلهي القيّم للدين إنما تنزل للناس من خلال الوحي الأمين المعصوم، وهو ما يعزز الوثوق به والتيقن منه، ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ (الشعراء: ١٩٢-١٩٥). وقد جعل الله سبحانه للدين أيضاً كتاباً يحفظه اعتقاداً وشرعة ومنهاجاً وهداية على أيدي الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام) للناس كافة ما بقيت الحياة وبقي التكليف، قال تعالى: ﴿رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتابُ وَلاَ الإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾ (الشورى: ٥٢-٥٣)، ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة: ٤٨). إن معرفة ماهية الدين الحق والمستقيم تتطلب من الإنسان المؤمن معرفة إمام زمانه - وفي وقتنا هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - والإيمان به والتصديق له، ولهذا فإنه لا يؤخذ الدين من أي أحد كان، كيف ما يشاء، ودون ضوابط ومعايير تؤمّن له التلقي الصحيح والسليم للعقائد أصولاً، والأحكام والتكاليف فروعاً، والطريق الصالح الموصل للمطلوب منهاجاً، إتماماً للحجة الإلهية تنجيزاً وتعذيراً، وإلى هذا المعنى القويم أشارت وأرشدت الروايات المعتبرة، عن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩]، قال: «يهدي إلى الإمام»(٦). وفي رواية أخرى طويلة نذكر بعضاً منها محل الشاهد والغرض، (عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة (عليهم السلام)، وصفاتهم، فقال: إن الله تعالى أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه، وفتح لهم عن باطن ينابيع علمه، فمن عرف من أُمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، واجب حق إمامه وجد حلاوة إيمانه، وعلم فضل طلاوة إسلامه، إن الله تعالى نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله حجة على أهل طاعته، ألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، يمد بسبب إلى السماء، لا ينقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إلّا بجهة أسبابه، ولا يقبل الله الأعمال للعباد إلّا بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من مشكلات الدجى، ومعميات السنن، ومشتبهات الفتن، فلم يزل الله يختارهم لخلقة من ولد الحسين (عليه السلام)، من عقب كل إمام، فيصطفيهم كذلك ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم لنفسه، كلما مضى منهم إمام نصب (عزَّ وجلَّ) لخلقه إماماً علماً بيناً، وهادياً منيراً، وإماماً قيماً، وحجة عالماً، أئمة من الله يهدون بالحق وبه يعدلون، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد، وتستهل بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد)(٧). فالدين مفهوم واحد في ماهيته، جعلاً وغرضاً عند جميع الأديان السماوية، وإن تعدد الأنبياء، واختلفت شرائعهم لكل أُمة في وقتها، وله ما يعرف به، من نبي أو وصي أو إمام معصوم لكل قوم، وفي كل زمان.
ثالثاً: دور الآية الإلهية: فكونه آية تدفع الناس كافة في وقتها إلى الإيمان به والتصديق له، ولمن يتابعه ويدعو إليه، ويصلي خلفه، أي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهذا هو ما حدّث به الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وقال: «إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملة، يهودي، ولا غيره، إلّا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي»(٣٩)، وهذا ما يعزز دوره (عليه السلام) في ترسيخ الاعتقاد الحق بالإسلام ديناً وحاكماً ونظاماً. رابعاً: إن تآزر النبي عيسى (عليه السلام) مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في وقت الظهور هو شكل من أشكال الاجتماع والتواصل الديني الإلهي بين القيادات المعصومة عند أهل الأديان السماوية كافة، تحت جامع الاشتراك في الأصول العقائدية الأولى والمستقيمة، كعقيدة التوحيد والنبوة والعدل والإمامة والمعاد، وتعزيز أبعاد التصحيح الديني عملياً، والتقارب الثقافي والتعارف الاجتماعي، والقبول العقائدي والتشريعي، والتعاون في نصرة محاور وقوى الإيمان والعدل والحق والخير والإصلاح، والتواصل بين أجيال وأتباع الديانات الإلهية بما يجمعهم وينفعهم في طريقة تعايشهم وامتثال تكاليفهم وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً. وتعريف أهل الأديان السماوية كافة بمقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأهل البيت المعصومين (عليهم السلام)، وأنهم أفضل من جميع الأنام ومتقدمون على غيرهم. وهذا المعنى القيم أشار إليه الشيخ الفقيه المتكلم الجليل أبو الفتح الكراجكي، المتوفى في سنة (٤٤٩هـ. ق) في كتابه (التفضيل)، حيث قال: (ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي (صلى الله عليه)، إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح (عليه السلام) فإنهما يجتمعان، فإذا حضرت صلاة الفرض، قال المهدي للمسيح: تقدم يا روح الله، يريد تقدم للإمامة، فيقول المسيح: أنتم أهل بيت لا يتقدمكم أحد، فيتقدم المهدي (عليه السلام)، ثم يصلي المسيح خلفه (صلى الله عليهما)، وهذه شاهدة من المسيح (عليه السلام) بأن أهل البيت (عليهم السلام) أفضل من جميع الأنام)(٤٠). المطلب الثاني: موقف أهل الأديان السماوية في معارك الظهور: مرَّ في بعض المطالب المتقدمة أن موقف أهل الأديان السماوية من حركة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ومشروعه الإصلاحي الشامل، يكون على أصناف عدة، فمنهم من يعلن إسلامه ويؤمن به كأتباع السيد المسيح عيسى (عليه السلام) وبعض اليهود، ومنهم من يقف ضده، كما في موقف بعض آخر من اليهود، والذين يقاتلونه في معركة تحرير القدس، كما سيأتي بيان ذلك. وبحسب المأثور الروائي تتوزع معارك الظهور وفق جغرافية البلدان والأُمم والشعوب آنذاك، وهذه المعارك تكون بعد مدة من استقرار الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في العراق، وتثبيت دعائم قيامه وحراكه، وكذلك انضواء بعض البلدان الإسلامية كالحجاز واليمن وإيران وغيرها تحت حكمه، كما تشير الروايات إلى ذلك(٤١)، ونذكر بعض المعارك منها، كالآتي: أولاً: معركة فتح بلاد الروم(٤٢) والقسطنطينية(٤٣) - وهذه المعركة من المعارك المشهورة، وقد ذكرها ورواها المقدسي الشافعي في كتابه عقد الدرر في أخبار المنتظر في باب فتوحات الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قصة المهدي وفتوحاته ورجوعه إلى دمشق، قال: «ثم يأمر المهدي (عليه السلام) بإنشاء مراكب، فينشئ أربعمائة سفينة في ساحل عكا، وتخرج الروم في مائة صليب، تحت كل صليب عشرة آلاف، فيقيمون على طرسوس ويفتحونها بأسنة الرماح، ويوافيهم المهدي (عليه السلام)، فيقتل من الروم حتى يتغير ماء الفرات بالدم، وتنتن حافتاه بالجيف، وينهزم مَن في الروم، فيلحقون بأنطاكية. وينزل المهدي على قبة العباس حذو كفرطورا، فيبعث ملك الروم يطلب الهدنة من المهدي، ويطلب المهدي منه الجزية، فيجيبه إلى ذلك، غير أنه لا يخرج من بلد الروم أحد، ولا يبقى في بلد الروم أسير إلّا خرج. ويقيم المهدي بأنطاكية سنته تلك، ثم يسير بعد ذلك ومن تبعه من المسلمين، لا يمرون على حصن من بلد الروم، إلّا قالوا عليه: لا إله إلّا الله، فتتساقط حيطانه، وتقتل مقاتلته، حتى ينزل على القسطنطينية، فيكبرون عليها تكبيرات...»(٤٤). إن هذه الرواية تنص صراحة على أن دين بلاد الروم هو المسيحية، بدليل حملهم الصليب، وبملاحظة عدة روايات يظهر أن هذه المعركة إنما تحدث بسبب الهجمات والاعتداءات من قبل بلاد الروم ضد المسلمين ودولتهم عند ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه). وتكون بعدها هدنة بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وملك الروم، يتم فيها دفع الجزية للإمام، وترتيب عملية استكمال فتح القسطنطينية بشكل كامل عن طريق الصلح والدعوة للتسليم وقبول الحق المتمثل بالدين الإلهي الإسلامي. ففي الرواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «ويبعث جندا إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها، فيحكمون فيها ما يريدون»(٤٥). ومعنى ذلك أن أهل القسطنطينية يسلمونها للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) دون قتال. ثانياً: معركة فتح القدس الشريف، والتي من خلالها يتم تحرير مدينة القدس الشريف من سيطرة الغزاة والغاصبين اليهود، على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وبمشاركته بنفسه الشريفة وإشرافه المباشر على جيوش الفتح، بحسب المأثور الروائي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في رواية طويلة مفصلة، نذكر منها محل الشاهد، حيث قال: «ثم يتوجه المهدي من مدينة القاطع إلى القدس الشريف، بألف مركب، فينزلون شام فلسطين بين عكا وصور وغزة وعسقلان، فيخرجون ما معهم من الأموال، وينزل المهدي بالقدس الشريف، ويقيم بها إلى أن يخرج الدجال، وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيقتل الدجال»(٤٦). ولهذه المعركة الحاسمة آثار كبيرة بالنسبة إلى أهل الأديان السماوية وغيرهم آنذاك، بحيث تضعهم أمام خيار الطاعة والتسليم للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) طوعاً، وتسليم القدس الشريف إليه، ففي الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): «ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال»(٤٧). وأمّا بالنسبة إلى اليهود وموقفهم في هذه المعركة هو الهزيمة النكراء، وانتهاء دورهم الديني والعسكري والسياسي والفكري على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وجيوشه، وإخراجهم من فلسطين وبلاد العرب، كما في الرواية المأثورة عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو متكئ، وأنا قائم عليه: «لأبنينَّ بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب ولأسوقن العرب بعصاي هذه»، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت؟ فقال: «هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني»(٤٨)،(٤٩). وكذلك ورد في بعض الروايات المأثورة أن بعضاً من اليهود ممن يناصرون الدجال ضد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ستكون نهايتهم وهزيمتهم على يد النبي عيسى (عليه السلام)، كما روى ابن ماجة في سننه: (فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً، ويقول عيسى (عليه السلام): إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود)(٥٠). المطلب الثالث: رجعة أهل الكهف ودورهم مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): إن قصة أهل الكهف من القصص التاريخية الراشدة والفاعلة عقائدياً وسلوكياً، والتي وردت في سورة الكهف مفصلة في القرآن الكريم، إذ إنها حكت دور فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى، وحدث ما حدث معهم، مما هو معروف، وفيه جانب الإعجاز الإلهي الحكيم. وتنص الروايات على حقيقة رجعة أهل الكهف في آخر الزمان عند خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وتعلل رجعتهم بأنهم سيكونون له أعواناً وأنصاراً وحكاماً، ومتابعين للسيد المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) عند نزوله أيضاً. فقد ورد في الرواية عن أبي عبد الله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام)، الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(٥١). وهذه الرواية صريحة في بيان دور أهل الكهف بعد رجعتهم عند خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في نصرته، وفي إدارة الأقاليم والبلدان التي تفتح بمشاركتهم. وذكر أيضاً القندوزي الحنفي في ينابيع المودة: (وجاء في روايات: أنه عند ظهوره ينادي فوق رأسه ملك: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، فيذعن له الناس، ويشربون حبه، وأنه يملك الأرض شرقها وغربها، وأن الله تعالى يمده بثلاثة آلاف من الملائكة، وأن أهل الكهف من أعوانه...)(٥٢). ومن المأثور أن دور أهل الكهف لا يقتصر في الرجعة على نصرة وإعانة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإدارة البلدان بين يديه، بل سيكون لهم دور مع النبي عيسى (عليه السلام) بمتابعته والمشي خلفه، أو ما يمكن التعبير عنه بالالتزام بمنهجه اعتقاداً وسلوكاً في عملية الإصلاح الديني لدين النصارى ومناصرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في إقامة دولته الحقة العادلة، ونشر الأمن والسلام في ربوع الأرض، كما تصور هذا المعنى بعض الروايات، روى عمر بن إبراهيم الأوس في كتابه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: «ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهناً، بيده حربة، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويهلك الدجال ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم، وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن (عليه السلام)»(٥٣
من أهم أهداف ومكتسبات إخراج الكتب السماوية وبقايا تراث الأنبياء لأهل الأديان والمؤمنين بها: ظ، - ترسيخ البُعد الروحي والغيبي بين أهل الأديان السماوية كافة ومنزلها الله سبحانه وتعالى، ومخرجها الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، مما تشكل عملية تآزرية متبادلة وفاعلة وراشدة في تقبل الإصلاح العقائدي والتصحيح التشريعي، وإقامة العدل العملي، وإظهار الإسلام ديناً إلهياً للناس أجمعين، كما في نزول ونصرة النبي عيسى (عليه السلام) وتعاضده مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في هذا النطاق. ظ¢ - يمثل استخراج الكتب السماوية لأهلها عند خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وعلى يديه وثيقة تاريخية حسية مشهودة ومقبولة ومثبتة للحق والهدى ومصداقه وأوصافه نصاً، وهو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لا غير، والذي أوكل إليه القيام والظهور بالعدل في الأرض قاطبة. ظ£ - يسهم استخراج الكتب السماوية في حد ذاتها في تكثير عدد المسلمين والمؤمنين من نفس أتباع الأديان كاليهود والنصارى وغيرهم، كما ورد ذلك في بعض الروايات آنفة الذكر، بوصفها كتباً مقدسة عندهم، وقد أخرجت بنسخها الصحيحة والسليمة من التحريف، مما ترفع الاختلاف بينهم، وتجعلهم ينضون تحت مظلة الكتب الأُم الأصلية حكماً وقضاء وحجة ودليلاً. ظ¤ - إن استخراج الكتب السماوية لأهلها المؤمنين بها يعتبر نوعاً من البشارة، أو ما يمكن تسميته نصاً من السابق المعصوم على اللاحق، في مراحل بعثة الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ الطويل، لتعزيز حقانية وصدقية اللاحق المعصوم من قبل السابق مثله، وهذه القاعدة العقائدية معهودة ومعروفة في حراك الأنبياء والرسل وأوصيائهم والأئمة المعصومين من بعدهم، وقد حكاها القرآن الكريم تعزيزاً لها وتعويلاً عليها، وهي ما ستحصل مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في تقديم النبي عيسى (عليه السلام) له في إمامة الصلاة ومؤازرته ونصرته ومساعدته في تحقيق التكليف الإلهي المناط به، قال تعالى: ï´؟وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الإسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤوُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَï´¾ (الصف: ظ¦-ظ¨). ظ¥ - تكميل البُعد المعرفي لمجموع الكتب السماوية بين أهلها كافة. ظ¦ - المحافظة على الأصول الدينية الأولى المستقيمة، والجامعة لأهل الأديان السماوية كافة، دون تحريف أو ابتداع أو اعوجاج، لإظهار التوحيد الإلهي الخالص والاعتقاد به، كما هو موجود في كتبه المنزلة والموثوقة نسخاً وتدويناً. خلاصة البحث: إن الدين في مفهومه العام يمثل للإنسان سبيلاً فطرياً وفكرياً وسلوكياً ضرورياً في حاجته إليه، يجعله منقاداً ومطيعاً لما يؤمن به من اعتقادات عدة ومختلفة. ولهذه الاعتقادات أصول إلهية واحدة في جعلها من أول الأمر عند جميع أهل الأديان السماوية، كتوحيد الله تعالى والإيمان بالنبوات والعدل والمعاد وغير ذلك، وإن الضامن الموثوق به لتبليغها للناس وصحتها وحفظها هو المعصوم، من نبي أو إمام منصوب ومنصوص عليه، وقد تعرضت هذه الاعتقادات عبر التاريخ الطويل في أصولها إلى تحريف ومخالفات لما هي عليه واقعاً، بفعل إتباع الهوى والرأي والاستغلال والتوظيف لمأرب باطلة. ولهذا ستأتي عملية الإصلاح والتصحيح الموعودة على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بوصفه وارث الأنبياء وعلومهم وبقاياهم الدينية، وبتآزر النبي عيسى (عليه السلام) معه بعد نزوله، لترجع الأديان السماوية إلى نصابها المستقيم ووضعها السليم، وذلك من خلال القضاء على مظاهر الانحراف العقائدي تطبيقاً وسلوكاً، كما سيحدث هذا مع النصارى من كسر الصليب وقتل الخنزير، وفتح أقاليم الأرض والحكم فيها بالعدل والتسوية والحق، وكذلك باستخراج الكتب السماوية لأتباعها، لإقامة الحجة عليهم، ولتعريفهم بالدين الإلهي الحق القويم، ورفع الاختلاف بينهم، مما يسهم ذلك في إسلام الكثير منهم، يهوداً أو نصارى، أو من بقية الملل. وإن عملية نشر الإسلام الدين الإلهي الغالب والظاهر آنذاك ستكون وفق مراحل تراتبية، بعد إقامة دول العدل والقضاء على الظلم والفساد في الأرض قاطبة، وشمول هذا العدل لأهل الأديان السماوية كافة، مما يدعوهم للإيمان بالإسلام ديناً ومنهاجاً، وعنده ستتحقق الأغراض المطلوبة والمكتسبات المنشودة.