كنت شابا يوم سمعت بخبر استشهادك، ولم أتمالك نفسي فانفجرتُ باكياً، وانفجرت أكثر حينما رأيتُ صدام بنفس اليوم في مصايف الموصل تنشد له المغنيّات « ما هو منه الما يشدّ حزامه وي شدت حزمنه »، وعادت بي سنن التاريخ كعادتها {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}بأنْ يتهادى الفاسقون رؤوس الأولياء ، كما أُهدي رأس الحسين عبر الأمصار إلى يزيد، وهو في لذّاته متنعم، كما أهدي رأس النبيّ يحيى إلى فاجرةٍ من فاجرات بني إسرائيل، وهذا هو سيّد الأمّة وحسين عصرها يهدى رأسه إلى فاجر كصدام ، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
حبستُ أنفاسي، ولم تطاوعْني دموعي يوم سمعتُ خبرَكَ، فقد كنت خائفاً، وكيف أبكيك بلا خوفٍ، وأمّي قد دفنت بأمر مديرية الأمن العامة ورقابتِهم ورفقتهم من الطبّ العدلي في بغداد إلى النجف ومعهم جثة أخي الشهيد، مانعين عنها البكاء وهم يوارون جنازته أمامها بتنكيل لامثيل له ؟.
وبعد أنْ مكثتُ في سجن أبي غريب إحدى عشر عاماً، رَسَمَتْ في مخيّلتي صورةً لأنصارك الذين سوف يواصلون مسيرتك في المعارضة والمهجر، وإلى اليوم أعيشها كصورةٍ ستبقى معي ريثما يواريني التراب، قد تكون ثرثرةً على شواطئ الفرات مستعيرا قصّة نجيب محفوظ: «ثرثرة فوق النيل» .