صور إعجازية من القرآن الكريم

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
قديم 16-09-2022, 11:29 AM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

 
الصورة الرمزية صدى المهدي

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صدى المهدي غير متواجد حالياً

المنتدى : قسم القرآن الكريم
افتراضي صور إعجازية من القرآن الكريم






صور إعجازية من القرآن الكريم

د. كاظم عجيل الجبوري




يعدُّ القرآن الكريم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فهو مصداق على حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى؛ إذ أظهر إعجازه اللغويِّ، الذي تفوق به على أصحاب البلاغة والبيان، وتحداهم أن يأتوا بمثله، فلا يأتون، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
وقد تنوعت صور البلاغة والبيان القرآنيّ، فاختياره للأصوات إعجاز، والتفاضل بين الألفاظ والأساليب إعجاز، والتقديم والتأخير إعجاز، وغير هذا كثير، فضلا عن الصور الإعجازية غير اللغوية. وهنا إن شاء الله تعالى سنتناول صورا إعجازية لغوية متنوعة، نظهر فيها القدرة الإلهية في كتاب الله عزّ وجل. وحيث أنَّ الصوت اللغويّ يعدُّ أصغر وحدة في اللغة، لهذا سنبدأ به؛ لنظهر مدى دقّة اختيار القرآن الكريم للأصوات، ومدى مطابقتها للحالة الخارجية التي جاءت لأجلها.
الإعجاز الصوتيّ في القرآن الكريم

ومن هذا اختيار تكرار الواو والسين في كلمة (توسوس)، (يوسوس)، في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]، {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: 5]، إذ نلمح في هذين المثالين أن الفعل (وسوس) يتركب مِن تكرار المقطع (وس)، وهذا التكرار الصوتي لهذا المقطع يحاكي عملية الوسوسة، بما تشتمل عليه من إلحاح وإغراء بالشيء، يقتضي تكرار الإيعاز بالشيء مرة بعد مرة.
ومن حسن اختيار الأصوات في القرآن الكريم تكرار الكاف، والباء، في كلمة (كُبكبوا)، في قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94].، ففي هذا المثال نجد أن الفعل (كبكب) قد اشتمل على تكرار المقطع (كب) بما يوحي بتكرر كب أهل النار فيها، وتواليهم في دركات الجحيم، وهذا يأتي منسجمًا تمام الانسجام مع سياق الوعيد والتهديد لهؤلاء الغاوين الضالين.
التفاضل بين الأصوات

ثم لننظر إلى صورة أخرى من صور الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم، وهو حسن اختيار الألفاظ، وحسن تفضيل بعضها على بعض، ففي سورة الفاتحة، ساق القرآن الكريم الاسم العلم لله مع لفظة (الحمد)، فقال: {الحمد للَّهِ}، ولم يأتِ بوصفٍ آخر بدله، فلم يقل مثلاً: (الحمد للخالق)، أو الرازق، أو للحَيِّ، أو للقادر، ونحو ذلك من نعوت الله وصفاته، ذلك أنه لو جاء بأيّ وصفٍ بدل لفظ الجلالة، لأفهمَ ذلك أن الحمدَ إنَّما استحقه بهذا الوصف، دون غيره، فلو قال: (الحمد للعليم)، لأفهم أن الحمد إنَّما استحقه بوصف العلم، ولو قال: (الحمد للقادر)، لأفهم أن الحمد إنَّما استحقه بوصف القدرة، وهكذا بقية أوصافه الحسنى، فجاء بالذات ليدل على أنَّ الحمد إنَّما استحقه لذاته هو، لا بوصفٍ دون وصف، فكان ذلك أولى.
ومن هذا أيضا اختيار لفظة (الحيوان) وصفا للآخرة، فقال تعالى:(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
والعلّة في استعمال القرآن كلمةَ (الحَيَوَان) للدار الآخرة، دون استعمال كلمة (الحياة) التي أطلقها على الدار الدنيا، وكليهما مصدر للفعل: (حَيِيَ، يَحيَى)، هو أنّ كلمة (الحَيَوَان) صيغة مبالغة بالألف والنون، وفي بنائها «زيادة ُ معنى ليس في بناء (الحياة)، وهي ما في بناء (فَعَلَان) من معنى الحركة والاضطراب، والحياةُ حركة، كما أنّ الموتَ سكون، فمجيئه على بناءٍ دالٍّ على معنى الحركة، مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت (الحَيَوَان) على (الحَياة) في هذا الموضع المقتضي للمبالغة». وقد علَّل سيبويه ذلك بأنَّهم «قابلوا بتوالي حَرَكات المثال توالي حَرَكات الأفعال‏‏». وهو ما يتناسب مع الحياة المستمرة الدائمة الخالدة في الآخرة، ولم يُذكر لفظ (الحَيَوَان) في القرآن إلا وصفاً لها.
وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10].
"فالملاحظ في هذه الآية أنَّها الآية الوحيدة في القرآن التي جاء ضمير الغائب الموصول فيها مضمومًا؛ لأنَّ القاعدة الشائعة في مجيئه في القرآن هي الكسر، فيقال (عليهِ) بالكسر لا بالضم. إذا تأملنا سياق الآية، وجدناها عن مبايعة المؤمنين لرسول الله (ص)، فإنَّ حقها التفخيم، والتغليظ، والتشديد، والتوثيق؛ ولذا جاء الضمير في (عليهُ) مضمومًا؛ إشعارًا بذلك التفخيم؛ وذلك ما لا يوحي به مجيء الضمير على أصل القاعدة، مكسورًا في هذا السياق.
الإعجاز الكتابي

نرصد في هذه المقالة أيضا، أسباب اختلاف كتابة بعض الكلمات في موضعين مختلفين، إذ قد يختلف رسم كلمة في موضع عن كتابتها في موضع آخر.
بداية، انقسم علماء العربية في ذلك إلى قسمين:
الفريق الأوّل: يقول بوجود إشارات دلالية في هذا الاختلاف، ويعدُّ المراكشي، المعروف بـ(ابن البناء)، وهو من علماء المغرب، أبرز القائلين بذلك، وأيَّده الزركشي في البرهان، والسيوطي في الإتقان.
يرى هؤلاء أنَّ رسم القرآن توقيفي من النبي (ص)، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المدونة؛ لأسرار لا تهتدي إليها العقول، إلا بفتح ربّاني، وأنّها سر من أسرار الله سبحانه، فكما أنَّ نظمه معجز، فكذلك رسمه معجز، ولذلك نجد بعض العلماء يوجب اتباع رسم المصحف، ويحرمون الخروج عنه، أو مخالفته، ومن هؤلاء (مالك، والبويهقي، والزمخشري).
الفريق الآخر: ينفي وجود إشارات دلالية في هذا الاختلاف، وزعموا أنَّ خطأ وقع في كتابة القرآن الكريم، ومن هؤلاء الفرَّاء، الذي قال عن كتابة كلمة (تغنِ) بدون ياء في قوله تعالى(فَما تُغْنِ النُّذُرُ): (وهذا من سوء هجاء الأولين)، ومنهم أيضا ابن قتيبة، الذي قال عن قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ): ( وليست تخلو هذه الحروف أن تكون مذهبا من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطا من الكاتب، كما ذكرت عائشة، فإن كانت على مذاهب أهل النحويين، فليس ها هنا لحن بحمد الله، وإن كان خطأ من الكتاب، فليس على رسوله جناية الكاتب في الخط). وغيرهم قال مثل قولهم هذا.
ومن المحدثين الذين نفوا أن يكون لاختلاف الرسم القرآني إشراقات دلالية، الدكتور غانم قدوري الحمد، ورأى (أنَّ تفسيرات المراكشي تفسيرات صوفية باطنية). وعلى الرغم من أنّ كلامه صحيح في كثير من تفسيرات المراكشي، غير أنَّ كثيرا منها لا يخلو من إشراقات دلالية تثير الإعجاب. وسنتناول بعض الأمثلة التي توضح ذلك.
أولا (الألف).

1-لفظة (طائف) جاءت في موضعين: فقد ثبتت في قوله تعالى: (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ)، وحذفت في قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)، فمعناها وهي مرسومة الألف:(العذاب، والهلاك)، أمّا معناها بدون ألف فهو: (وسوسة الشيطان).
2- زيدت ألف في لفظة (السبيل)، في قوله تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا)، وحذفت في قوله تعالى:(وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)، وذلك أنَّ الأولى في كلام أهل النار، وهم يصطرخون فيها، ويمدون أصواتهم بالبكاء، فجاء بالمد، وهو المناسب لمد الصوت بالبكاء، ورفعه بخلاف الآية الثانية. إن تحول اللام في كلمتي " الرسولا و السبيلا" إلى مقطع طويل بعد ساكن يحدث نغما ينسجم مع رؤوس الآي، كما يساهم في إبراز المستوى الدلالي؛ لأنَّ صوت الألف يصور نوعا من الآهات، والغصات المتشحرجة في حناجر الكافرين، وهم ينادون رب العزة.
ثانيا: (التفخيم للألف)

الألف إذا فُخّمت تستدير الشفتان معها قليلا، مع اتساع الفم؛ بسبب حركة الفك الأسفل، وترتفع مؤخرة اللسان قليلا، فيصير الفم بمجموعه حجرة صالحة لإنتاج القيمة الصوتية التي نسميها التنغيم، ولهذا كُتبت الألف واوا في بعض الألفاظ، مثل الصلاة، والزكاة.
وما يلحظ في هذا المقام كتابتها واوا في لفظة الصلاة في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَوةَ)، وكتبت ألفا في موضع آخر، قال تعالى: (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)، والمكاء (الصفير)، والتصدية (التصفيق). فصلاتهم هنا غير معتد بها، وليست شرعية، ومن ثمّ فلا تستأهل التفخيم. وكذلك في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) جاءت غير مفخمة؛ لأنَّ المقام مقام تذلل واستسلام لله، وليس التفخيم بلائق بالمقام، لأنَّك يجب ألا تفخم العمل الذي تقوم به لعبادة الله سبحانه.
* جامعة القاسم الخضراء/تخصص: اللغة العربية












عرض البوم صور صدى المهدي   رد مع اقتباس
إضافة رد


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضل القرآن الكريم سيد فاضل قسم القرآن الكريم 4 02-05-2021 01:13 AM
الوصي مع القرآن الكريم والحق والقرآن الكريم والحق معه ! أسد الله الغالب منتدى الوصي المرتضى (سلام الله عليه) 1 19-02-2021 04:55 AM
العقائد الإسلامية في القرآن الكريم -3) أصناف خلق الله تعالى في القرآن الكريم العلوية ام موسى الاعرجي المنتدى الاسلامي العام 2 07-08-2015 10:39 PM
العقائد الإسلامية في القرآن الكريم -3) أصناف خلق الله تعالى في القرآن الكريم العلوية ام موسى الاعرجي المنتدى الاسلامي العام 2 07-08-2015 10:35 PM
كود القرآن الكريم محـب الحسين احباب الحسين لتطوير منتديـــــvb3.0.0ــات 7 27-12-2012 06:43 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين