قراءة في التراث المهدوي للإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
منتدى الامام الحجه (عجّل الله فرجه الشريف)اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً
قراءة في التراث المهدوي للإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
السيد محمد القبانجي
تمهيد: اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) بالعقيدة المهدوية: لعلَّ من أبرز الأُمور الملفتة لنظر الباحثين في الموروث الإمامي هو ما نجده من اهتمام بالغ من قِبَل أهل البيت (عليهم السلام) لبيان العقيدة المهدوية وغرسها في قلوب المؤمنين، وجعلها معلماً بارزاً في ضمن تراتبية العقائد الإسلاميّة عموماً والشيعية بنحو خاصّ، لذا لم يخلُ معصوم عن التحدّث عن خصائص هذه العقيدة وبناء مرتكزاتها وتحليل أبعادها كلٌّ بحسب ظرفه وزمانه، وإن كنّا نجد أنَّه لم يصل إلينا من بعضهم (عليهم السلام) الشيء الكثير، لكن يمكن إرجاع ذلك إلى ضياع الكثير من تراث أهل البيت (عليهم السلام) بسبب الممارسات القمعية والتعتيم الإعلامي على كلّ ما صدر منهم (عليهم السلام)(١) من قِبَل السلطات الغاشمة وطواغيت العصر هذا من جهة، ومن جهة أُخرى يمكن إرجاعه إلى التقيّة المكثَّفة التي مارسها بعض الأئمّة (عليهم السلام) نظراً للظروف الاستثنائية التي مرّوا بها. ويمكن إحصاء ما وصل إلينا من قِبَل المعصومين (عليهم السلام) في حقّ القضيّة المهدوية وما يتعلَّق بها بحسب ما جاء في معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) (٥٦٠ حديثاً)، أمير المؤمنين (عليه السلام) (١٢٩ حديثاً)، الحسن (عليه السلام) (٩ أحاديث)، الحسين (عليه السلام) (٩ أحاديث)، السجّاد (عليه السلام) (٢٢ حديثاً)، الباقر (عليه السلام) (١٦٠ حديثاً)، الصادق (عليه السلام) (٢٩٧ حديثاً)، الكاظم (عليه السلام) (٢٠ حديثاً)، الجواد (عليه السلام) (٣١ حديثاً)، الهادي (عليه السلام) (١٣ حديثاً)، العسكري (عليه السلام) (٤٢ حديثاً). فمجموع ما روي عنهم (عليهم السلام) يقرب من (١٣٣٢ حديثاً)، هذا مضافاً إلى ما ورد عن صاحب العصر والزمان من التوقيعات الشريفة على يد سفرائه الأربعة (رحمهم الله). كما ذكر الصدوق (رحمه الله) حديث اللوح عن الزهراء (عليها السلام) في الرواية المعروفة عن جابر الأنصاري (رحمه الله). هذا مضافاً إلى عشرات الأحاديث في بيان عدد الخلفاء بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). ولو نظرنا إلى ما جاءت به الكتب السماوية من الإشارات والتلميحات عن عصر الظهور والمصلح العالمي، لوجدنا الشيء الكثير، ممَّا يدلّل على أنَّ العقيدة المهدوية هي عقيدة ليست إسلاميّة فحسب، بل هي عقيدة الشرائع السماوية، وهذا بحث له مجاله الخاصّ لا نريد التعرّض إليه في هذا المختصر. تراث الإمام الحسن (عليه السلام) المهدوي: رغم قلَّة ما وردنا من التراث الحسني في العقيدة المهدوية، والذي بلغ (٩) روايات كما جاء في (المعجم)، والتي لو محَّصناها لوجدنا أنَّ واحدة منها لا تخصّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فقد جاء فيه نقلاً عن تفسير القمّي(٢) بسنده عن الحسن السبط (عليه السلام) أنَّه قال: «... ثمّ عيسى بن مريم، روح الله وكلمته، وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة، ثمّ رفعه الله إلى السماء، ويهبط إلى الأرض بدمشق، وهو الذي يقتل الدجّال»، فهي تشير إلى عيسى بن مريم (عليه السلام) وخروجه في آخر الزمان وقتله للدجّال، وهكذا رواية أُخرى(٣) مردَّدة بين الإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، وإن أوردها الطوسي في غيبته(٤) وصاحب الخرائج(٥) عن الإمام الحسن (عليه السلام)، إلَّا أنَّ البعض الآخر ذكرها عن الحسين (عليه السلام) كما في عقد الدرر وفوائد الفكر(٦)، وآخرون ذكروا أحد(٧) الإمامين بين قوسين دون الآخر إلفاتاً إلى الترديد في مصدر الرواية. وأمَّا الثالثة فهي وإن نُسبت إلى الإمام الحسن (عليه السلام) باعتبار مشاركته في الرواية وجوابه للخضر (عليه السلام)، إلَّا أنَّ الإقرار بالأئمّة ومنهم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كان من قِبَل الخضر (عليه السلام)، فلا يمكن اعتبارها موروثاً حسنياً وإن ذكرها الصدوق وغيره فيما ورد عن الحسن (عليه السلام) في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)(٨). وعوداً على بدء فإنَّ الموروث الحسني في العقيدة المهدوية رغم قلَّته، لكنَّه يوقفنا على الجهد المتميّز للإمام الحسن (عليه السلام) في عرض القضيّة المهدوية أوَّلاً، وفي التركيز ثانياً على تعيين المصلح العالمي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً من خلال التنوّع في طرحه للقضيّة المهدوية، إذ لم يكتفِ (سلام الله عليه) بالأُطروحة العامّة، وأنَّه لا بدَّ لهذه الأُمَّة من المصلح العالمي وتحقّق العدالة الإلهية على يديه، بل حاول - وبامتياز - إعطاء المواصفات الخاصّة التي لا يمكن أن يكون لها مصداق غير الحجَّة بن الحسن (عليه السلام). ويمكن معرفة ذلك من خلال موروثه المهدوي، حيث تحرَّك على ثلاثة أبعاد: البعد الأوَّل: حصر الإمامة في اثني عشر إماماً (عليهم السلام). البعد الثاني: معالجة الشبهات المهدوية المستقبلية. البعد الثالث: ذكر الخصائص المهدوية. البعد الأوَّل: حصر الإمامة في اثني عشر: إنَّ انحصار الإمامة في اثني عشر فقط لا غير يعتبر من الأُمور الهامّة التي ركَّز عليها أهل البيت (عليهم السلام) بشكل عامّ، وتداولها شيعتهم حتَّى أصبحت سمة بارزة في التعريف بالهوية الشيعية، فسُمّي أتباعهم بـ(الاثني عشرية) تمييزاً لهم عن الزيدية والإسماعيلية وغيرهم في فِرَق الشيعة. ويضمّ الموروث الإمامي عشرات الروايات، بل المئات(٩) من الأحاديث التي تنصّ على العدد (الاثني عشر) بشكل صريح، ويأتي الموروث الحسني ليؤكّد هذه الهوية انسياقاً مع تأكيد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كما في قوله (عليه السلام): «الأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين، ومنهم مهدي هذه الأُمَّة»(١٠). وقوله (عليه السلام): «والله إنَّه لعهد عهده إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنَّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة (عليهم السلام)، ما منّا إلَّا مسموم أو مقتول»(١١). وهكذا ما جاء على لسان الخضر (عليه السلام) في التنصيص على أسماء الأئمّة الاثني عشر: «أشهد أن لا إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنَّ أباك أمير المؤمنين وصيّ محمّد حقَّاً حقَّاً، ولم أزل أقوله، وأشهد أنَّك وصيّه، وأشهد أنَّ الحسين وصيّك، حتَّى أتى على آخرهم...»(١٢). وأُخرى على نحو التشبيه والمقارنة كما في قوله (عليه السلام): «الأئمّة عدد نقباء بني إسرائيل، ومنّا مهدي هذه الأُمَّة»(١٣). ولا يخفى أهمّية الأمر الثاني بعد الفراغ من ضرورة التصريح، فإنَّ التشبيه مضافاً إلى كونه حائزاً على المعنى الذي يُرجى من النحو الأوَّل، فإنَّه يعطي دلالة واضحة على أنَّ السنن الإلهية متَّحدة مع بعضها، قال تعالى: ﴿وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً﴾ (الإسراء: ٧٧)، وقال تعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: ٦٢)، وبهذا الأمر تتجلّى وحدة الأديان ووحدة أهدافها، قال تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحجّ: ٧٨)، وآيات أُخرى قريبة من هذا الحصر. مضافاً إلى كلّ ذلك فإنَّ حصر الإمامة بهذا العدد المحدَّد يسدُّ كلّ أبواب الانحراف ونوافذ الزيغ لمن يريد أن يتشبَّث بالمتشابهات من الروايات ويستعين بالاحتمالات الواهية لزيادة العدد أو نقصانه كما نجده اليوم في محاولات البعض من جعل الأئمة ثلاثة عشر أو أربعة وعشرين كما سيأتي في البعد الثاني. هذا ولا يخفى تواتر حديث الاثني عشر بصيغه المختلفة وألسنته المتنوّعة، حتَّى أصبح من الأُمور المتسالمة إسلاميَّاً وليس مذهبياً فقط. قال الشيخ الطوسي(١٤): ومما يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) وصحة غيبته ما رواه الفريقان المختلفان والفرقتان المتباينتان العامة والإمامية أن الأئمة (عليهم السلام) بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون... ثم يقول: ونحن نذكر مجملاً من ذلك ونحيل القارئ إلى الكتب المصنفة في هذا المعنى... - إلى أن قال: - فأمّا ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى غير أننا نذكر طرفاً منها. فالحصر بالاثني عشر إماماً كلهم من قريش لا يصدق - من دون تشويق ولا اضطراب - إلّا على أئمة الشيعة (عليهم السلام)، دون غيرهم من ملوك بني أمية والعباسيين، ولذا اختلفوا في المصاديق لهؤلاء الخلفاء، فشرَّق بعض وغرَّب آخرون، ولم يجدوا في تشريقهم وتغريبهم رشداً، ولم يروا حقَّاً(١٥).
البُعد الثالث: ذكر الخصائص المهدوية: ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كماله حديثاً عن سيّدنا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) يستعرض فيه موقفه من معاوية وخفاء الحكمة على شيعته آنذاك، ثمّ يعرّج على ذكر خاتم الأوصياء المهدي المنتظر (عليه السلام)، فيقول: «أمَا علمتم أنَّه ما منّا أحد إلَّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلَّا القائم الذي يُصلّي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يُخفي ولادته، ويُغيِّب شخصه لئلَّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليُعلَم أنَّ الله على كلّ شيء قدير»(ظ£ظ،). وقبل بيان النقاط الثماني التي ذكرها الإمام الحسن (عليه السلام) لتوضيح خصائص الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ممَّا لا يدع للريب مجالاً في التشخيص ووضع النقاط على الحروف بصورة جليّة، لا بدَّ من الالتفات إلى شدَّة اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) في القضيّة المهدوية، ومحاولة غرسها في المجتمع المسلم، ففي مثل موقف الإمام الحسن (عليه السلام) الشائك والخطير، وهو يحاول جاهداً تسكين أصحابه وتهدئة خواطرهم من جهة، وتثبيتهم على العقيدة الحقّة والصراط المستقيم من جهة أُخرى، والساحة الإسلاميّة تشهد تنوّعاً في الآراء وفوضى في المواقف وارتباكاً شديداً في الرؤية وقلقاً متصاعداً من قِبَل الجميع. نعم في مثل هذا الظرف الحالك المدْلهم نجد أنَّ الإمام المجتبى (عليه السلام) يحاول إيصال قضيّة غاية في الأهمّية، وهي ربط قضيّة الإمامة عموماً، والتركيز على الحكمة الإلهية في منهج الإمامة وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) وضرورة التسليم للمقدّرات الإلهية وإن جهل الخلق أسبابها ونتائجها، كلّ ذلك يربطه الإمام (عليه السلام) بالقضيّة الكبرى المركزية عندهم، وهي عقيدة الانتظار للحجَّة بن الحسن (عليه السلام)، وبيان ملامح النصر المؤزر والعاقبة الحميدة بظهوره (عليه السلام). ولم يكتفِ (عليه السلام) بمجرَّد الإشارة إلى أنَّ العاقبة للمتَّقين إذا صبروا وسلَّموا لأئمَّتهم في قيامهم وقعودهم استناداً لقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»(ظ£ظ¢)، بل - وكما أشرنا سابقاً - إنه (عليه السلام) أبرز ثمان خصائص للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يمكن جعلها علائم لمعرفة شخصه ومنهجه حين ظهوره. الخصوصية الأُولى: امتيازه (عليه السلام) عن سائر الأئمّة (عليهم السلام) الذين سبقوه بعدم خضوعه لسلطان زمانه كما في تعبير الرواية الشريفة: «ليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه»، وهذه الميزة تعتبر في منظار رواياتهم (عليهم السلام) إحدى الحكم المسبَّبة للغيبة، فقد دلت عدة روايات أن من حكمة غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه) أن لا تكون في عنقه بيعة لطاغية زمانه. البيعة واحدة من وسائل الاعتراف بالولاية والصلاحيات الاعتبارية، نظير الانتخابات في زماننا، فإنها وسيلة إبراز وتخويل لمن ننتخب أنه له الولاية والصلاحيات في مجال من المجالات. قال تعالى: ï´؟إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْï´¾ (الفتح: ظ،ظ*)، فالآية أوضحت أن عملية البيعة التي وصلت من المؤمنين للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) هي بيعة لله تعالى، وأشارت في ذات الوقت إلى طريقة البيعة وهي البيعة باليد، فيد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) التي بايعها المسلمون هي يد الله تعالى. وقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «معاشر الناس، فاتقوا الله وبايعوا علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى»(ظ£ظ£). فالبيعة من المراسيم الاجتماعية والعرفية والدينية. وعلى كل حال، فإن هناك العديد من النصوص التي دلت على أن من خصائصه (عجَّل الله فرجه) أنه لا يبايع أي حاكم قبل ظهوره، من قبيل ما روى الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «القائم منا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة»(ظ£ظ¤). وروى أيضاً عن الإمام الحسن (عليه السلام) النص المتقدم. إن قلت: ألا يخل بعصمة الأئمة (عليهم السلام) صدور البيعة منهم لطاغية زمانهم، فلاحظ قول الإمام الحسن (عليه السلام): «ما منا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلّا القائم». قلت: إن ذلك لا يخل بعصمتهم، فهم عباد مأمورون لا يحيدون عما أمرهم به الله تعالى، فلو كان الأمر إليهم بالوقف بوجه الطغاة لما توانوا لحظة، فعصمتهم جاءت بها الأدلة، ومبايعتهم للطغاة دلت عليها كذلك الأدلة، ولا تنافي بينهما، فإن للإمام المعصوم (عليه السلام) عدة وظائف ومهام تقتضيها إمامته للأمة، منها ما يتوقف على أن لا يكون في عنقه بيعة لطاغية زمانه، ومنها ما لا يتوقف، وشاءت حكمة الله تعالى أن تكون مهام الإمامة المناطة بصاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) مما تتوقف على أن لا تكون في عنقه بيعة لطاغية، فهو مظهر العدل وقاصم شوكة الظالمين، من الزاوية الشرعية فإن بيعة الأئمة (عليهم السلام) لطغاة زمانهم جائزة ومبررة شرعاً، بل ومأمور بها، بينما بالنسبة إليه منهي عنها وقد غيّبه الله تعالى لأجل أن لا تقع في عنقه بيعة كما هو صريح النص المتقدم، وكذا فإن خفاء الولادة كي لا تقع في عنقه بيعة لطاغية. إن قلت: ألا يعني ذلك أن الإمامة منوطة بالبيعة وموقوفة عليها، مع أن أدلة الإمامة يظهر منها غير ذلك؟ قلت: إن البيعة حقيقة، والإمامة حقيقة أخرى، وإن كان بينهما ارتباط، فالإمام ينصب من الله تعالى والإمامة منصب إلهي لا يعطى إلّا لمن يحمل خصائص معينة ومحددة كالعصمة مثلاً، ودور الإمام دور واسع دلت عليه العديد من الروايات ذكرها الرواة في كتبهم الحديثية(ظ£ظ¥). نعم البيعة للإمام من قبل الناس تفيد تمكين الإمام (عليه السلام) لممارسة سلطانه وصلاحياته، لا أنها تعطيه صلاحيات، فهي معطاة له من قبل الله تعالى، فالإمام أولى من الناس بأنفسهم.