نص إجابة سماحة آية الله السيد محمد باقر السيستاني، دامت بركاته، على سؤال يخص القرآن الكريم كمعجزة إلهية ليست من انشاء النبي (ص).
أدناه نص السؤال مع الجواب :
كيف يمكنني أن أعرف أن القرآن الكريم معجزة إلهية؟
الجواب: إن معرفة كون القرآن الكريم معجزة إلهية وليس إنشاءً من الرسول محمد (ص) يمكن أن تكون بطريقين:
١ ــ طريق تاريخي.
٢ ــ وطريق وجداني.
والفرق بينهما: أن الطريق التاريخي إنّما يتضح إذا استطاع الإنسان أن ينقل نفسه من خلال الاطلاع على ثوابت التاريخ إلى تلك الحقبة التاريخية.
ويتأمل الموضوع تأملاً حياً في ظروف نشأته وتكونه ويلاحظ دلالاته من هذا المنطلق، وبذلك يثير كثيراً من الدلالات التي أصبحت كامنة ومعتادة بمرور الزمن، بالنظر إلى معايشة آثار الحادث التاريخي المستقرة في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان.
ومن البديهي أن المعلومات التاريخية الواضحة تصلح حجة حاضرة للناس، لأن الاهتمام بالتاريخ حالة فطرية في الإنسان ويهتم الإنسان عموماً بالوقائع العظيمة والمهمة التي وقعت في التاريخ الإنساني ويسعى إلى تحريها والاطلاع عليها، وهو ينتفع بها في معرفة دلالات الحاضر واتجاهاته، ومن ثم كانت مادة التاريخ أحد الموارد التعليمية العامة التي يتعهد عامة العقلاء في العصر الحاضر بالتدريس والتعليم.
وأما الطريق الوجداني فهو طريق يجد المرء دلالته فعلاً من غير حاجة إلى استحضار جو تاريخي سابق.
الطريق التاريخي:
أمّا الطريق التاريخي: فهو يقتضي أن نطلع على ظروف نشأة القرآن الكريم وتاريخه، لكن ما نحتاج إليه في هذا الجانب ليس أموراً تاريخية حدسية أو اجتهادية، بل يكفي الاطلاع على ثوابت التاريخ وبديهياته التي لا يرد الشك فيها.
لقد كان النبي (ص) فرداً من قبيلة قريش التي لم تكن تابعة لكتاب منزل ورسالة إلهية تتداولها، بل كان الغالب عليها كسائر القبائل العربية عقيدة الشرك رغم الأساس التوحيدي للبيت الحرام ــ حيث نشأ على يد إبراهيم (ع) الذي كان موحداً لله سبحانه ــ لكن جلّ قريش وسائر القبائل في الجزيرة العربية ضموا إلى الإيمان بالله العظيم ــ إله إبراهيم (ع) ــ أصناماً عبدوها كآلهة خاصة لهم، حتى بنيت ثقافتهم وعباداتهم مثل صلاتهم وحجهم ودعائهم وروابطهم الاجتماعية ومنافعهم الاقتصادية كلها على الشرك.
كما إنهم كانوا معنيين ببلاغة القول والكلام حتى كانوا يتنافسون فيها، ويقدرون المتكلم البليغ تقديراً مميزاً، وقد جاء أنهم اختاروا من قصائد العرب عدداً منها وعلقوها على الكعبة، وقد سميت لأجل ذلك بالمعلقات، وكانت هناك عروضات أدبية في الأسواق مثل سوق عكاظ.