أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود : بني النضير وقريظة ، وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عهد ومدة فنقضوا عهدهم ، وكان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة ، يعني يستقرض ، وكان قصد كعب ابن الاشرف ، فلما دخل على كعب قال : مرحبا يا أبا القاسم وأهلا ، وقام كأنه يصنع له الطعام ، وحدث نفسه أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله ويتبع أصحابه ، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، وقال لمحمد بن مسلمة الانصاري : اذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عزوجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر ، فإما أن تخرجوا من بلدنا ، وإما أن تأذنوا بحرب ، فقالوا : نخرج من بلادك فبعث إليهم عبدالله بن أبي ألا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمدا الحرب ، فإني أنصركم أنا وقومي وحلفائي ، فإن خرجتم خرجت معكم ، وإن قاتلتم قاتلت معكم ، فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيأوا للقتال ، وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وكبر وكبر أصحابه ، وقال لامير المؤمنين عليه السلام : تقدم إلى بني النضير ، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الراية وتقدم وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وأحاط بحصنهم ، وغدر بهم عبدالله بن أبي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ظفر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم وخربوا ما يليه ، وكان الرجل منهم ممن كان له بيت حسن خربه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك ، وقالوا : يا محمد إن الله يأمرك بالفساد ؟ إن كان لك هذا فخذه ، و إن كان لنا فلا تقطعه ، فلما كان بعد ذلك قالوا : يا محمد نخرج من بلادك فأعطنا . مالنا ، فقال : لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الابل ، فلم يقبلوا ذلك فبقوا أياما ثم قالوا : نخرج ولنا ما حملت الابل ، فقال : لا ، ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئا ، فمن وجدنا معه شيئا من ذلك قتلناه ، فخرجوا على ذلك ، ووقع قوم منهم إلى فدك ووادي القرى ، وخرج قوم منهم إلى الشام ، فأنزل الله فيهم : " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر ماظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا " إلى قوله : " فإن الله شديد العقاب " وأنزل عليه فيما عابوه من قطع النخل : " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليجزي الفاسقين " إلى قوله : " ربنا إنك رؤف رحيم " وأنزل عليه في عبدالله بن أبي وأصحابه : " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون " إلى قوله : " ثم لا ينصرون " ثم قال : " كمثل الذين من قبلهم " يعني بني قينقاع " قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم " ثم ضرب في عبدالله بن أبي وبني النضير مثلا فقال : " كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " قوله : " فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين " فيه زيادة أحرف لم يكن في رواية علي بن إبراهيم حدثنا به أحمد بن محمد بن ثابت ، عن أحمد بن ميثم ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير في غزوة بني نضير وزاد فيه : فقال رسول الله للانصار : إن شئتم دفعت إليكم المهاجرين وقسمتها فيهم ، وإن شئتم قسمتها بينكم وبينهم وتركتهم معكم ، قالوا : قد شئنا أن تقسمها فيهم ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين ودفعهم عن الانصار ولم يعطه من الانصار إلا رجلين وهما سهل ابن حنيف وأبودجانة فإنهما ذكرا حاجة
ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بني النضير عمد على حصارهم فضرب قبة في أقصى بني حطمة من البطحاء . فلما أقبل الليل رماه رجل من بني نضير بسهم فأصاب القبة فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن تحول قبته إلى السفح وأحاط بها المهاجرون والانصار ، فلما اختلط الظلام فقدوا أميرالمؤمنين عليه السلام ، فقال الناس : يا رسول الله لا نرى عليا ، فقال عليه وآله السلام : أراه في بعض ما يصلح شأنكم ، فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي صلى الله عليه وآله ، وكان يقال له : عزورا ، فطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : كيف صنعت ؟ فقال : إني رأيت هذا الخبيث جريا شجاعا فكمنت له وقلت : ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منا غرة ، فأقبل مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود ، فشددت عليه وقتلته فأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فإني أرجو أن أظفر بهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله معه عشرة فيهم أبودجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن ، فقتلوهم وجاؤا برؤؤسهم إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فأمر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة ، وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير . وفي تلك الليلة قتل كعب بن الاشراف ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وآله أموال بني النضير ، وكانت أول صافية قسمها رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين الاولين ، وأمر عليا عليه السلام فحاز ما لرسول الله صلى الله عليه وآله منها فجعله صدقة ، وكان في يده مدة حياته ثم في يد أمير المؤمنين عليه السلام بعده ، وهو في ولد فاطمة عليها السلام حتى اليوم ، وفيما كان من أمر أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الغزاة وقتله اليهودي ومجيئه إلى النبي صلى الله عليه وآله برؤس التسعة النفر يقول حسان بن ثابت : لله أي كريهة أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع أردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشهلم وطورا يدفع بيان : قوله : طورا أي تارة ، وقال الجوهري : مر فلان يشلهم بالسيف يكسؤهم ويطردهم .
هذه القصة نقلا عما ورد في كتاب بحار الانوار .
مؤسسة الامام علي عليه السلام