ثانياً: الفرق بين المعجزة والسحر:
يُخيل للناس أن السحر من الخوارق ولكنه ليس كذلك فهو في أكثره خداع للبصر، وهو مما يمكن أن يُتعلم، فهو خاضع لقوانين علمية قابلة للتعلم فقد عُرّف السحر بأنه: (أمرٌ غريب يشبه الخارق وليس به، إذ يجري فيه التعلم ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان واعتقاداً كاستحسان ما يوجب التقرب إليه ومحبته إياه)
(ظ¢ظ¥).
وتفترق المعجزة عن السحر بعدة أمور، أهمها
(ظ¢ظ¦):
ظ، - إن المعجزة لا تجري إلّا على يد الصادق ويمكن للسحر أن يجري على يد الكاذب والمخادع.
ظ¢ - إن المعجزة وظيفتها إثبات دعوى إلهية من شأنها أن تكون طريقاً لهداية الناس، بخلاف السحر الذي غالباً ما يكون للإضرار بالناس.
ظ£ - إن المعجزة لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها، بينما السحر يمكن أن يُتحدى، لأنه قابل للعلم والتعلم، قال الزرقاني: (المعجزة نفحة من نفحات الحق تخرج عن أفق الأسباب المعتادة والوسائل المشاهدة والغايات المألوفة.
أمّا السحر وما أشبهه فإنها فنون خبيثة ذات قواعد وأوضاع يعرفها كل من ألمّ بها ويصل إلى وسائلها وغاياتها كل من عالجها من بابها. ولهذا كان أول من آمن بموسى هم السحرة أنفسهم لأنهم أعلم بهذا الفرق الواضح والبون الشاسع)
(ظ¢ظ§).
ثالثاً: الفرق بين المعجزة والنبوغ العلمي:
النبوغ والسبق العلمي وإن كان في بعض الأحيان من الخوارق، ولكنه لا يخرج عن دائرة العلم والتعلم فليس هو كالمعجزة والكرامة التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، كل ما في الأمر أن المبتكر سبق غيره للوصول إلى ما وصل إليه.
وهذا ما أشار إليه السيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله) بقوله: (إن سبق النوابغ من العلماء في الحقول العلمية، لا يعتبر معجزة، فإذا افترضنا أن شخصاً من العلماء اليوم سبق أنداده، ونجح في اكتشاف الورم السرطاني مثلاً والمادة التي تقضي عليه، فهو يستطيع بحكم اكتشافه أن يبرأ مريضاً من السرطان، بينما يعجز عن ذلك جميع العلماء الآخرين، ولكن عمله هذا ليس معجزة لأنه إنما يتحدى جهل العلماء الآخرين بالسر والعلة والدواء)
(ظ¢ظ¨).
المبحث الثاني: أحداث عصر الظهور بين الإعجاز الغيبي والتطور العلمي:
المطلب الأول: ركائز تأسيسية:
قبل الخوض في ذكر أحداث الظهور، وتمييز ما هو معجز عن غيره لابد من التأسيس لمطالب نظرية يرتكز عليها المبحث التالي، ومن أهم تلك المطالب هي:
أولاً: فلسفة ذكر علامات الظهور:
إن لعلامات الظهور أكثر من هدف، منها: التهيؤ والاستعداد لليوم الموعود، ومن أهم أهداف العلامات هو إثبات حقيقة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وصدق دعواه، فبعض العلامات فيها بُعدٌ إعجازيٌ، يعرفها أصحاب الاختصاص فيذعنون لها، ويرجع غير العالم بالمعجزة للعالم بها فتكون حجة على الجميع، كما هو شأن المعجزات
(ظ¢ظ©).
ورد عن المفضل عندما سأل الإمام الصادق (

) عن كيفية معرفة الإمام (عجَّل الله فرجه) بعد أن ذكر له الإمام أحداث آخر الزمان حتى بكى خوفاً من عدم معرفة الحق، فقال له الإمام (

): «والله لأمرنا أبين من هذه الشمس»
(ظ£ظ*).
الأمر المهم الذي يجب أن يسجل هنا هو أن علامات الظهور ليست بمرتبة واحدة.
ثانياً: التفريق بين العلامات والشرائط:
ذكرت كتب الأحاديث كثيراً من العلامات، والتي قُسّمت إلى علامات حتمية وغير حتمية، وقسمت بتقسيم آخر إلى علامات تسبق الظهور وعلامات ما بعد الظهور، وقُسمت بتقسيم ثالث إلى ظواهر سماوية وظواهر اجتماعية.
فالعلامات الحتمية: الصيحة، السفياني، اليماني، قتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء
(ظ£ظ،)، والعلامات غير الحتمية غيرها من العلامات الأخرى.
ومن العلامات التي تسبق الظهور: الصيحة، السفياني... إلخ، ومن العلامات التي تكون ما بعد الظهور: النصر بالرعب وغيره.
ومن العلامات التي تُعد ظواهر طبيعية: الخوف والكسوف، والصيحة... إلخ، ومن العلامات التي تُعد ظواهر اجتماعية: الدجال، يأجوج ومأجوج... إلخ.
وقد أكد العلماء على ضرورة مراعاة شرائط الظهور والاهتمام بها لأن العلامات لا يتوقف عليها ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وإنما يتوقف على الشرائط فالمشروط عدم عند عدم شرطه.
ثالثاً: المهدوية بين الجمود والحداثة:
إن المهدوية تعاني من وجود:
الجمود على النصوص الروائية دون إعمال للعقل كما هو الحال عند بعض، وبين رفض جميع الروايات التي تشير للغيبيات كما هو عند بعضٍ آخر، فبعضهم ينغمس في المغيبات اعتماداً على ظاهر النصوص الدينية لدرجة تصوير القضية المهدوية بصورةٍ أقرب ما تكون للخرافة، فهم يُفسرون الأحداث والعلامات بما يخالف معطيات العلم والعقل القطعي، بينما مال دعاة الحداثة إلى تجريد القضية المهدوية من الغيب، وتفسير كل الأحداث والعلامات على أساس الحس والعقل، من دون مراعاة لظواهر النصوص.
وأمّا الخط الوسطي وهو الذي عليه القضية المهدوية، فلا يرفض الروايات لتضمنها أموراً ميتافيزيقية ولا يرفض تحكيم العقل والعلم في الكشف عن أطروحات محتملة تنسجم مع ظاهر النصوص الدينية، فيجب عقلنة القضية المهدوية من دون رفض للغيب كما أن عدم رفض الغيب لا يعني إلغاء دور العقل
(ظ£ظ¢).
رابعاً: علامات الظهور بين الإعجاز والرمزية:
ذكرت الروايات علامات عديدة، يمكن حمل بعضها على الظاهر كخروج السفياني واليماني والحسني، وتحمل بعضها على الرمزية كما جاء في الروايات عن يأجوج ومأجوج، والتخاطب بين أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأحدهم في الشرق والآخر في الغرب.
هذه العلامات وإن كان بعضها يحمل على الرمزية، ولكن يبقى من الضروري أن نشير إلى أن الحمل على الرمزية يبقى أطروحة محتملة تعوض عن التنازل عن أصل الحديث المنسوب للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم))
(ظ£ظ£).
وتبقى هذه الرمزية أطروحة ظنية، يمكن أن تفسر بأكثر من تفسير، وتحتمل أكثر من مصداق، ولعلنا لم نصل لمعناها الحقيقي، وبمرور الزمن قد ينكشف معنى يتناسب مع ظاهر الروايات، فربما كانت رواية تُحسب معجزة في وقت معين، إلّا أنها مع مرور الوقت تصبح من الأمور المتسالم عليها، كما هو الحال في مسألة التخاطب بين أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حتى لو كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، فقد يفسر هذا التخاطب بأنه من خلال وسائل الاتصال الحديثة.